د.فاير ادج رعاور الجهاد الإسلاي ضدالصَايبيين رالغول

الجهاد اللاي ضدَالصّلِنِمينةَالفول

مكتبى ثسان العرب

رابط بديل نتمء. 115212222[

الجهساد اللاي ضا الصَاييين الفول

ر. كايد اد عَاسُور

دكتوراه في التاريخ الإسلامي جامعة عين شمس دكتوراه في تاريخ العصور الوسطى جامعة الإسكندرية

7

جكروسٌ يرس

جميع الحقوق محفوظة للناشر الطبعة الأول 416اه

جتروسٌ يرس فاكس : - 1 -79١اد‏ ل ص . 189 طرابلس - لبئان

يسم الله الرحمن الرحيم مقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد يَكةِ وبعد.

هذا الكتاب يتناول تاريخ الجهاد الإسلامي ضد المعتدين في العصر المملوكي (١٠6؟١١‏ - 1617١م)‏ والجهاد من أسس بناء الحضارة الإسلامية ومن ثم سيادة هذا الدين على سائر الأديان» والجهاد بأنواعه وأساليبه معروف إلا أن أعلاها مرتبة جهاد القتال» لأن المسلم يقدم نفسه وماله في سبيل الله والحديث الشريف يقول #ذروة سنام الإسلام الجهاد في سبيل الله؛ ولهذا كان الجهاد شعاراً للمؤمنين منذ عهد الرسول كلخِ والشرف الذي يميز بين المخلصين والمنافقين وبين الخبيث والطيب» والجهاد فريضة يؤديها المسلم فقطء والمسلم مرتبة شرف أطلقها القرآن الكريم على كل من آمن برسالة الإسلام» فهي الفخر للمسلم والعزة ومن أراد تقديم صفة أخرى عليها فإنما يكون قد تنازل عن شرف عظيم إلى مرتبة جاهلية بمعنى جعل صفات أو صفة تتقدم على صفة مسلم أي جعل الإسلام ثانياً أو في مرتبة ثالثة ورابعة وربما عدم الإنتماء لهذا الدين» فكم من بلد كآن مسلماً وأضحى علمانياً أو ملحداً أو صهيونياً أو قومياً أو أي صفة دنيوية» كأن يقال هذا تركي مسلم أو كردي أو عربي مسلم أو بربري أو فارسيء فإن الإسلام جاء ليحول هذه الأمم إلى أمة واحدة هي الأمة الإسلامية والقرآن الكريم حجتنا في ذلك مثل قوله تعالى #ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين6''' وقوله #إوجاهدوا في الله حق جهاده» هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي

)١(‏ سورة فصلت آية رقم “ا

هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير»""©

ولفظ مسلم شرف لا يتقدم عليه شرف» والمسلم بطبيعة الحال هو الذي يلتزم بالإسلام كما نزل على الرسول يَف والسنة النبوية الشريفة» ومن ثم فإن المسلم ينظر إلى الأمور كلها من منظور الشريعة الإسلامية وينقاد لهاء أعني أن المسلم يجعل الإسلام أولاً وقبل كل شيء» قبل المال والنئفس» الأب والإبن والبنت والصاحب والصديق والقبيلة والعشيرة والقومية والإقليمية والقرآن العظيم يقول الا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهمم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضئ الله عنهم ورضوا عنه اولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحوت»7)

وبناء على ما تقدم فإن من آثر طريقاً أو مساراً غير الإسلام فإنه جاهلي ينبغي مقاومته ومن عجب أننا نرى في عصرنا أعداء الإسلام قد أوجدوا طائفة من المسلمين وممن بيدهم زمام الأمور حتى يكونوا على هيئة وإرادة المشركين وتبعا لإرادة القوى المعادية الصليبية والصهيونية والإلحادية» حتى بلغ الأمر أن الدين الصحيح هو ما يتف مع رغبات هؤلاء النفر فأحلوا حراماً وحرموا حلالاً حتى منع الجهاد الحقيقي وأغلقت أبوابه واضطهد أنصاره» بل أن الدول الإستعمارية كانت تطلق على المجاهدين المسلمين فى البحر المتوسط وبحر العرب والخليج العربي وبحر الهند اسم القراصنة أي اللصوص الذين يسرقون في البحر مع أن هؤلاء من المجاهدين الأبرار ضد القوى الإستعمارية وفي عصرنا بعد انحسار الإستعمار ظاهراً نرى التصدي للمجاهدين ومنعهم في سبيل الله اسم متطرف أو متشدد أو إرهابي أو متأخر أو متزمت وأحياناً كما تقول إسرائيل أصوليين أي من ذوي العقيدة الصلبة كما

74 سورة الحج آية رقم‎ )١( 57 (؟) سورة المجادلة آية رقم‎

وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة» ومع أن هذا شرف عظيم للمسلم فإنه يستسخدم في معظم البلاد الإسلامية للتشنيع على الإسلام وأهله. ومن وصف المسلم بالتطرق مع اعتداله فإنه يغمض العين ويغض الطرف عن التطرف في إياحة الحرام ومحاربة الشريعة وتأييد الفكر المناهض للإسلام رغبات القيادات التي تعاند الشريعة والقرآن الكريم يصور هذا الموقف في زمن فرعون والمعنى في أيامنا أكثر وضوحاً #ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ١‏ إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين أمئوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال. وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربّه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد. وقال موسى إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يمن بيوم المحساب” وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وأن يك كاذباً فعليه كذبه وأن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب. يا قوم لكم الملك اليوم 0 ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد7" .

وفرعون يرى أن رسول الله موسى عليه السلام يريد أن ينشر في الأرض الفساد وأنه يريد أن يغير دين القوم فيرفض فرعون ويصف موسى عليه السلام بالكذب والفساد ويقول لقومه لا تؤمنوا إلا بما أمرتكم به وأنا ربكم الذي يهديكم سبيل الرشاد وهذا الموقف ضد الدين منذ القدم حتى اليوم فإن الإتهامات التي يوجهها أعداء الإسلام من غير المسلمين وأعداء الإسلام من بين المتسترين بالدين هي ذاتها وتعتمد نفس الأسلوب بل تستخدم أساليب أشد تطرفاً واستبداداً. ويزداد اتباع الهوى والضلال.

أمر آخر في غاية الأهمية فإن التضليل الإعلامي الذي يقوم به بعض

194-177 سورة المؤمن الآيات‎ )١(

الكتاب ومعظم الصحافيين وتشويه الحقائق التاريخية ومحاولات تفسير الشريعة بما يرضي طموحات الظالمين والدفاع عن الإستبداد وبالغ هؤلاء حتى قالوا أن اليهردي شهيد وبعض يقول مسكينة إسرائيل وآخخر يقول كان الله في عون اليهود وما أظن من يفعل ذلك بمسلم وإن سمي بأسماء المسلمين وفي الغالب إن الذين جانبوا الصواب في الإعتداء على تاريخ الإسلام والمجاهدين هم بين منافق وعميل وجاهل وكافر وحاقد وقابض للرشا وهم أقلام للشيطان أعداء للرحمن .

ومسألة هامة أيضاً إن الله سبحانه وتعالى لا يريد ظلماً للعباد» ولا يريد ضعفاً للمسلمين ولا فقراً ولا انقساماً ولا فرقة ولا إقليمية ولا تبعية ولا عصبية ولا موالاة للأعداء ولا تحالفاً معهم» ولكن يريد أمة واحدة مسلمة لها قيادة واحدة ودستورها القرآن وأهدافها وغاياتها معروفة فكيف يمكن تحقيق أمر الله في إعداد القوة #وأعدوا لهم ما استطعتم من قولاة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وأخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون6*”'".

والأمر بإعداد القوة الإسلامية التي يرضى عنها الله سبحانه وتعالى لا بد وأن تكون قوة تحقق إرهاب العدو وخوفه فلا يجرؤ على العدوان من ناحية بل الإستسلام لسيادة الإسلام على سائر الأمم والأديان ومن شروط إعداد القوة الإسلامية تلك التي وصفناها ينبغي أن تكون قوة ذاتية من صنع وإعداد المسلمين لأن القوة المستوردة لا تحقق إرهاب العدو وهذا الموقف ظاهر للعيان اليوم وكيف أن الدول التي تصنع السلاح والتقنيات الحديثة هي صاحبة القرار في السياسة الدولية وهي التي تملي شروطها على الضعفاء وهي التي تهدد وتملك حق الإعتراض في مجلس الأمن الدولي» فكيف بالله عليكم يتحقق معنى الآية الكريمة من زاوية إرهاب الأعداء وهم في الأصل غير المسلمين باعتبارهم داراً للكفر أو الحرب إن كانت قوة المسلمين مستوردة

سورة الأتفال آية رقم‎ )١(

من هؤلاء الاعداء بشروطهم وبمستوى معين من حيث القدرة والفاعلية بل أن بسط الأجنبية على معظم الدول الإسلامية في عصرنا الأصل فيه التحكم في بيع السلاح من ناحية وضعف هذه الدول من ناحية أخرى ولهذا فإن الإسلام يريد قوة رادعة مرهبة ولن تكون كذلك إلا إذا كانت ذاتية في صناعتها وتطويرها وهذا لا يتأتى إلا من خلال التقدم في العلم بكل صنوفه حتى يتحقق استعلاء هذا الدين على سائر الأديان وهذا يعني أن المسلمين ما لم يكونوا كذلك فإن الأثم يقع على الجميع كل تبعاً لمكانته وأثره في المجتمع الإسلامي.

وبالمعنى الذي تقدم نقول إن مسألة إعداد القوة هي مفتاح التقدم في سائر الأمور التي تخدم الإنسان وتؤكد على أن بعض الجهلة في عصرنا يقولون أن الله سبحانه وتعالى قد أنعم عليئا عندما سخر الكفار يصنعون لنا ما نحتاجه» ولماذا نصنع عسكرياً ونزرع الأراضي ما دامت دول أخرى تؤمن لنا حاجاتنا من الصناعات الحديثة وهذا قول مردود وفي الإسلام مرفوض وقائله عدو لله والإسلام .

لقد كان فهم المسلمين منذ عصر النبوة الطاهر إلى وقت قريب يقوم على فهم الإسلام على أصوله. ومن ثم كان الغزو في الصيف والشتاء من الأمور الهامة التي عنى بها المسلمون لإظهار القوة وإرهاب العدو بمعنى كان يتوافق ويتطابق عندهم قوة الإيمان مع قوة البناء العسكري والإقتصادي والعلمي» فإن كان بالمسلمين ضعفاً من الناحية العسكرية أو غيرها فاعلم أن ذلك سيبه ضعف الإيمان وانحراف عن جادة الصواب ولا انفصام بين قوة الإيمان والإعداد للقوة فمن كمال الإيمان إعداد قوة إسلامية مرهبة للأعداء الظاهرين والمتسترين وموضوع قوة المسلمين التي يريدها الله سبحانه وتعالى تقوم على أن الأمة الإسلامية تشكل قوة واحدة في مجتمع واحد وقيادة سياسية ودينية واحدة عبر عنها المسلمون في القرون الخالية بإسم الخلافة الإسلامية والتي كانت تعبر في معظم الأحيان عن وحدة المسلمين ولا يجرؤ حاكم أو سلطان على الخروج على الدين»؛ لأن طاعته مرهونة بطاعته للدين فإن الحدود السياسية اليوم بمعناها الواقعي بعيدة عن الإسلام وأين الأمة الواحدة وأين

84

الجسد الواحد وكيف يمكن تحقيق هذه المعاني في ظل سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل بلد آخر؟ وكيف هذا مع اختلاف القوانين والنظم والأهداف والمصالح؟ وهل يمكن أن يتحقق معنى القوة القادرة على إرهاب أعداء البلاد والعباد من خلال هذه التقسيمات السياسية وكل قسم له جنسية» فليس من المعقول أن الخطاب القرآني في آية إعداد القوة موجه إلى أفراد أو دويلات متنائرة ومتفرقة لكل منها منهج مغاير للآخرين» فهذا مظهر يناقض الإيمان ويؤدي إلى ضعف في بناء الأمة الإسلامية ولا يمكن تحقيق المعنى القرآني إلا من خلال قيادة سياسية ودينية واحدة لها السيطرة في كل شيء ولا يتأتى هذا إلا من خلال الإيمان المطلق والتسليم بأن الإسلام هو الأعلى والأفضل وأن الأوضاع القائمة تبتعد بالمسلمين عن الوحدة والقوة وتكرس محارية العقيدة الصادقة» لأن سلامة العقيدة يتبعها سلامة التصرف والسلوك في السياسة والدين ويتحول الأمر إلى واقع يحقق الأهداف الإسلامية والأدلة على صدق ما نقول وقوف الدول غير الإسلامية بقوة لمنع المسلمين من الوحدة والأنخذ بالشريعة الإسلامية ومنع قيام صناعات متقدمة أو اقتصاد قوي» لأن اجتماع مصادر القوة في أيدي المسلمين سوف يتطور إلى إرهاب هؤلاء ثم استعلاء الأمة الإسلامية على سائر الأمم.

ودولة المماليك الإسلامية التي حكمت في الفترة ( ١56٠‏ 1619م) كانت دولة جهاد في سبيل الله في البر والبحر وفي جميع الإتجاهات ضد الصليبيين ومن والاهم ودخل في حوزتهم والتتار ومن انضوى تحت لوائهم كما جاهدوا ضد الأمراء الذين كانوا يعوقون حركة الجهاد ضد الأعداء فهم الذين أزالوا الوجود الصليبي في بلاد المشرق الإسلامي وقضوا على الخطر المغولي» وأكثر من ذلك استمرت جهودهم حتى دخل المغول في الإسلام وقاوموا التحركات الإستعمارية الأوروبية في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي وأوائل القرن السادس عشر وتركوا من الآثار المعمارية والمدارس والمكتبات ما تزدحم به بلاد الشام ومصر حتى يومنا هذا وفي هذا الكتاب نعرض لتاريخ الجهاد الإسلامي في عصر الدولة المملوكية لأن في هذا التاربخ الردود على كثير من قضايا العرب والمسلمين اليوم وفيها أيضاً دروس

١٠١

عسكرية وسياسية ودينية. كما أن فيها كيف يكون العلماء في مواجهة السلطان وكيف حافظ هؤلاء على كيان الأمة ورمزها ألا وهو الخلافة الإسلامية والله أسأل أن يكون هذا العمل خالصاً لله تعالى إنه نعم المولى ونعم النصير. المؤلف د. فايد حماد عاشور غرة المحرم ١417‏ ه.

الفصل ارق الجهاد في الإسلام

يفهم من القرآن الكريم أن معنى كلمة الجهاد أوسع مدى وتناولاً من كلمة القتال» وأن كلمة الجهاد تعني بذل الجهد مطلقاً في حرب وغير حرب» وعلى ذلك يمكن القول أن القتال نوع من أنواع الجهادء وجاءت آيات بينات في القرآن الكريم لا تحتاج إلى جهد لبيان معانيها الخاصة بالجهاد» فقد أوضحت معنى الجهاد ووجوبه وأهدافه» ومن ذلك قول الله تعالى في سورة البقرة «إوقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم#”'' وقوله تعالى في سورة البقرة أيضاً ا ا 0 وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكمء والله يعلم وأ نتم لا تعلمون746" وجاء في في سورة التوبة قوله تعالى طانفروا خفافاً وثقالاً ارا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله» وفي آية أخرى #قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون4”© .

ويفهم من القرآن الكريم أن سبل الله :التي أمرت الآيات القرآنية بالقتال والجهاد من أجلها هي الرسالة الإسلامية سواء منها العقائد الإيمانية أو الواجبات الفعلية الإيجابية والسلبية» وبناء على ذلك يكون الجهاد فى سبيل لله هو بذل الجهد القوي فى التبشير بالرسالة الإسلامية وتأريدها ونشرها والدفاع عنها حرباً وسلماًء وقال أحد الفقهاء اعلم أن الجهاد إنما يتحقق إذا

)١(‏ سورة البقرة الآية 194٠‏ ثم انظر: الصنعاني: سبل السلام ج 4 ص 07 البعلي: الروض الندى ص ١98‏

سورة البقرة الآية‎ )١(

(*) سورة التوبةء الآيات 279 4١‏ ثم انظر تفسير الطبري ج ١‏ ص 1١49-1944‏

رن

كان خالصاً لله تعالى ويكون لأعلاء كلمة الله عز وجل وإعزاز الدين ونصرة المسلمين» أما من جاهد وغزا لحيازة الغنيمة واسترقاق العييد واكتساب اسم الشجاعة وتحصيل الصيت أو طلب دنيا أو امرأة» فإنه تاجر أو طالب وليس لحا 0

وكلمة الجهاد كلمة إسلامية خاصة بالمسلمين» ولا يصح إطلاقها إلا على ما كان في سبيل الله» ولا يقوم بالجهاد الحقيقي إلا المجاهدون. وهم المسلمون المؤمنون» وقد جعل الله الجهاد مقياساً لصدق إيمان المسلمء وماذا بعد أن يجود المرء بماله ونفسه في سبيل الله» وقد قرر القرآن الكريم أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين ووعدهم الله سبحانه وتعالى إذا هم آمنوا حق الإيمان» وجاهدوا حق الجهادء وأعدوا لعدوهم ما استطاعوا من قوة وأخذوا بأسباب النصرء وأنفقوا في سبيل الله واتقوا الله في أعمالهم. فإن الله ليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ويستخلفنهم في الأرض وليبدلن خوفهم أمناً وسرق وشراء ويكتب لهم النصر على من عاداهم ويحقق أمالهم ويسدد خطاهمء و لقد وضح ذلك المعنى في بعض آيات القرآن الكريم في سورة الحجرات» منها قوله تعالى #قالت الأعراب أمنا فل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئاً» إن الله غفور رحيمء إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون»9#؟ ويفهم من الآبات السابقة أن إيمان المسلم يبقى ناقصاً إن هو لم يجاهد في سبيل الله والأمة التي لا تجاهد آثمة تستحق العقوبة من الله تعالى”" .

وفي الآية الكريمة #كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم» وعسى أن نحبوا شيئاً وهو شر لكم. والله يعلم وأنتم لا تعلمون 74 “ما يوضح فرض القتال واختلف أهل العلم في الذين عنوا بفرض

084 الخوارزمي: مفيد العلرم ص‎ )١(

(1) سورة الحجرات» الآيات ١0-1١4‏ ثم إنطر: ابن قيم الجوزيه: زاد المعاد ج ٠‏ ص 5-لا (1) دزوزه: الجهاد في الاسلام ص 17 ثم انظر: ابن قيم الجوزيه: زاد المعاد ج ص 4-5 (5) سورة البقرة: آية 14

القتال» ولكن عامة علماء المسلمين يقولون بأن القتال فرض على كل واحد حتى يقوم به من في قيامه الكفاية» فيسقط فرض ذلك حيئئظٍ عن باقي المسلمين ويقول ابن حزم: «والجهاد فرض على المسلمين فإذا قام به من يدفع العدو ويغزوهم في عقر دارهم ويحمي ثغور الإسلام سقط فرضه عن الباقين وإلا فلهم(©2

باقين و!

واجب الدعوة إلى الجهاد والإستعداد له:

ولا يكون الجهاد بدون استعداد وعلى إمام المسلمين أن يدعو إلى اي د ا وود الو ل ا د ا د محلم عط العام ترا ريه 0 أن تدعو حاجة إلى تأخيره» وقالوا أيضاً «ومن حضر الصف من أهل فرض الجهاد وحصر العدو بلدة تعين عليه (أي الجهاد)» وأفضل ما يتطوع به الجهاد وغزو البحر أفضل من غزو البر» ويغزى مع كل بر وفاجرء ويقاتل كل قوم من يليهم من العدوء وتمام الرباط أربعون يوماً وهو لزوم الثغر للجهاد؛ ولا يستحب نقل أهله إليه وقال رسول الله يكهِ «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه» وتجب الهجرة على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب» وتستحب لمن قدر عليهء ولا يجاهد من عليه دين لا وفاء له») ومن أحد أبويه مسلم إلا بإذن غريمه وأبيه» إلا أن يتعين عليه الجهاد» فإنه لإطاعة لهما في ترك فريضة» ولا يحل للمسلمين الفرار من ضعفهم إلا متحرفين لقتال او متحيزين الى فئةء وان زاد الكفار فلهم الفرار إلا أن يغلب على ظنهم الظفرء وأن ألقى في مركبهم نار فعلوا ما يرون السلامة فيه كر فعلوا ما شاءوا من المقام أو إلقاء نفوسهم في الماء وعنه يلزمهم المقام'" '. والذي يدعو للقتال هو أمير المسلمين أو رئيسهم» ولا يجوز الجهاد إلا بأذن الأمير»

)١(‏ ابن حزم : الجوع اا اث ابره تفسير الطبري ج ؟ ص 49-145" ابن إبراهيم المقدسي: العدة في شرح العمدة ص ممه ابن قدامة المقدسي: المنع ج "مق الصنعاني: سبل السلام ج 4 ص 7ه- -6

(1) ابن قدامه المقدسي: المقنم ج ١‏ ص 480-487» ابن إبراهيم المقدسي: العدة شرح العمدة ص "المه-همهة, البعلي: الروض الندى ص 198-198

1١6

لأنه أعرف بمصالح الحرب ولوازمها إلا أن يفجأهم غالب يخافون كلبه أو تعرض فرصة يخافون فواتهاء فمتى جاء العدو بلدا وجب على أهله النفير إليهم ولم يجز لأحد التخلف عنهم إلا من يحتاج إلى إقامته لحفظ المكان والأهل والمال ومن يمنعه الأمير من الخروج» ومن ثم فإن مسؤولية الدعوة إلى الجهاد تقع على أمير المؤمنين أو سلطانهم أو رئيسهم مهما كان هذا الأمير براً أو فاجراً”' وفي الحديث الشريف «اللجهاد واجب مع كل أمير برأ كان أو فاجراً وأن عمل الكبائر «وذلك لأن الجهاد ضد الأعداء هو دفاع عن الإسلام والمسلمين يسقط الأعذار كافة» لأن التلكؤ فيه بأية حجة وعذر يؤدي بالتأكيد إلى ضعف المسلمين وذلهم وذهاب ريحهم تجاه أعدائهم وزوال وضياع هيبتهم» وإذا كان حال الجهاد ووجوبه قضية دائمة فإنه لا يحق لولي أمر المسلمين ترك الجهاد واهمال الدعوة إليه» فإن لم يفعل كان على المسلمين واجب حثه عليه وتوجيه اللوم إليه فإن لم يفعل وجب عليهم خلع طاعته ونبذ موافقته وضرورة استبداله يآخر يقوم بواجب الجهاد والقتال» لأن مصلحة الإسلام وعامة المسلمين تقتضي ذلك وهذه من المسائل الهامة التي ترتبط بحياة أمة الإسلام وشريعة الإسلام لا تقبل المساومة» وعلى المسلمين واجب تحطيم كل قوة تعترض طريق الدعوة إلى الإسلام ومن يقف في وجه إبلاغها للناس في حرية» وعلئ المسلمين يقع أيضاً التصدي لكل من يهدد حرية اعتناق العقيدة الإسلامية أو يحاول أن يفتن الناس عنهاء وينبغي على المسلمين أن يجاهدوا حتى لا تكون فتنة في بلاد الإسلام والمسلمين لقوتهم في الأرض بمعنى استعلاء دين الله في الأرض بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول» ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله أن يبلغه وأن يستجيب له ولا يكون في الأرض وضع أو نظام أو جبهة معادية تحجب نور الله وهداه عن أهله أو تضلهم عن سبيله بأية وسيلة وبأية أداة. وفي حدود هذه المبادىء العامة كان الجهاد في الإسلام ‏ جهاداً للعقيدة الإسلامية» لحمايتها من الحصار وحمايتها من الفتنة وحماية منهجها وشريعتها في الحياة» وإقرار

)١(‏ انظر: ابن ابراهيم المقدسي: العدة شرح العمدة ص 2088-0817 ابن قدامة المقدسي: المقنم ج ١‏ ص 184: أبن حزم: المحلى ج لاص 8707-5595 ١5‏

رايتها في الأرض بحيث يرهبها من يهم بالإعتداء عليها قبل الإعتداء وهذا هو الجهاد الذي يأمر به الإسلام ويسعى إليه المجاهدون» والذين يقتلون فيه هم الشهداء م وفي حديث شريف «من مات ولم يغزو ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق» 0

وفي حديث شريف آخر قال رسول الله كلهٍ «لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونيه وإذا استنفرتم فانفروا» وعن أنس رضى الله عنه أن النبي يك قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» وفي هذا دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج مباشرة للكفار وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوهء والجهاد باللسان بإقامة الحجة عليه ودعائهم إلى الله تعالى وبالأصوات عند اللقاء والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعد 590

وأما الإستعداد للقتال والجهاد في سبيل الله فأمر واجبء والإستعداد بالوسائل الممكنة كافة» ويذل الجهد فى أن تكون قوة المسلمين أقوى من غيرهم» فإذا أتموا الإستعداد وأخلصوا النية في قتال عدوهم» كان النصر لهمء ولكن إذا لم يقم ولي أمر المسلمين أو أميرهم بواجب الإستعداد الحربي» فإنه مؤاخد ومقصر فى إداء واجبه المكلف بهء فإن فرض الجهاد يعني في نفس الوقت فرض الأعداد اللازم للقوة العسكرية المادية والمعنوية لا انفصام بينهماء وواجب على المسلمين الأعيان والعامة حثه على ذلك» وإن لم يفعلوا يقع عليهم أثم كبير» والأصل إن كل ما يسبب ضعف المسلمين ينبغي القضاء عليه إن لم يمكن إصلاحه وتداركه» ذلك أن الجهاد فرض في الإسلام» فإذا وجدت أسباب تعوق تنفيذ هذا الفرض وجب على المسلمين إزالة هذه العوائق بكل أشكالها حتى يتسنى للمسلمين أن يكونوا على مقدرة وأهبة للجهاد والقتال في سبيل الله» وهكذا كان حال الخلفاء والسلاطين

)١(‏ انظر: سيد قطب: في ظلال القرآن» المجلد الاول ص 588» ابن حزم: المحلى ج ص 248575-0١‏ الطبري: جامع البيان ج ١‏ ص 155-184.ء الدهلوي: حاشية الدهلوي ج ؟ ص الال البعلي: الروض الندى ص ,١59-1١58‏

() انظر: الصنعاني: سبل السلام ج 5 ص 5 الدهلوي: حاشية الدهلوي ج ؟ ص 777-1١‏

1/

والملوك المسلمين خلال العصور الإسلامية المختلفة» وإن لم يقوموا بواجب الجهاد ويدعوا إليه» فإن عامة المسلمين مطالبون بإرغامهم على الجهاد, لأن دفع العدو مقدم على الأمور كافة والأحوال قاطبة» وكان أمراء الإسلام لا يتركون الجهاد إما خوفاً من الله تعالى وتنفيذاً لشريعة الجهاد وإما خوفاً من ثورة عامة المسلمين عليهم؛ » لأن عاطفة المسلمين لم تكن تسمح للمتخاذلين بالبقاء في قيادة الأمة أمداً طويلاً .

هذا من ناحية ومن جهة أخرى إذا أمر ولي أمر المسلمين بالجهاد إلى دار الحرب ففرض على المسلم المكلف أن يطيعه في ذلك الأمر إلا من له

عذر قاطء”'. أهداف القتال والجهاد عند المسلمين:

عن أبى موسى الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله كَكِِهِ «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله(" ولم يستهدف الإسلام إكراه الناس على الدخول فيه واعتناقه» وكذلك لم يستهدف الجهاد في الإسلام الحصول على الغنائم والأسلاب» ولكن المؤمنين كانوا يرجون حماية العقيدة الإسلامية والتي من أهدافها إعلان تحرير الإنسان إعلاناً جاداً يواجه الواقع الفعليى بوسائل مكافئة له في كل جوانبهء ولا يكتفي بالبيان 000 » ولم يكن الجهاد مشروعاً من أجل حماية الوطن الاسلامي في حد ذاتهء وإنما حماية العقيدة الاسلامية والنظام الاسلامي الذي يسود فيه هذا المنهج هي الهدف الأول عند المجاهدين المسلمين”" وكان هتاف

27171/-1775 ص‎ ١ انظر: أبن حزم: المحلى ج لاص 455 ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ج‎ )١( م‎ ١99 البعلي: الروض الندى ص‎

(0) انظر : الدهلوي: حاشية الدهلوي ج ؟ ص 77 ثم انظر حجازي التفسير الواضح ج ١‏ ص لشي فى -44» أين قيم الجوزيه : زاد المعاد ج 1 ص 4 -؟1اء ص "7 ثم انظر الشيخ خالد: مصرع الشرك والخرافة ص 545-588

() انظر في هذا سيد قطب: في.ظلال القرآن» المجلد الثالث ص 48/ ثم الطبري: التفسير ج ؟ ص 706 -7"01 ثم الجزء 171 ص 4- -40 ثم الصنعاني: : سبل السلام ج ؛ ص 58-84» ابن قدامة المقدسي: المقنع ج ١‏ ص 2584 ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير ج ١‏ ص 00 الخوارزمي: مفيد العلوم ص 0584-:9ه0

148

المجاهدين في ميادين القتال إذا تعرضوا لمحنة أو ضيق أو كسرة فإنهم ينادون ويصيحون «واإسلاماف أو هلك الإسلامء أو عبارة: لولا نصر الله لضاع الإسلام» ومن ثم يمكن القول أن حماية دار الإسلام حماية للعقيدة الإسلامية والمجتمع الإسلامي الذي تسود فيه الشريعة الإسلامية» مع العلم أن حماية دار الإسلام والعقيدة الإسلامية ليست الهدف النهائي» وليست حمايتها هي الغاية الأخيرة لحركة الجهاد الإسلامي» إنما حمايتها هي الوسيلة لقيام الإسلام في الأرض ثم لاتخاذها قاعدة انطلاق إلى مختلف أنحاء الأرض والنوع الإنساني بجملته» فالنوع الإنساني هو موضوع هذا الدين» والأرض هي مجاله الكبير» والجهاد لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين فمصلحته عامة وعندما يكون الجهاد فرضص عين فهما مستويان ولكن يقدم الجهاد في هذه -211 الحالة"' .

المجاهدون هم المسلمون المؤمنون فقط, وهم المقيمون للصلاة والمؤدون للزكاة والمنفقون في سبيل الله هم الذين يبيتون لربهم تسود وقياماً . وهم الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرء وهم الذين يخشون ربهم في السر والعلانية وهم الذين يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا 3 الذين يبحثون عن الشهادة في سبيل الله لا يريدون مغنماً خاصاً أو جا وفخراً وحديث الرسول يَكِِ: «رب قتيل بين الصفين والله أعلم بنيته؛ وروى عن أبي موسى الأشعري أن النبي يك قال: جاء رجل إلىّ وقال يا رسول الله أي الجهاد أفضل فإن الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل رياء ويقاتل ابتغاء عرض الدنيا فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . ١‏

وإذا كان الجهاد فرضاً على المسلم» والقتال أمراً لا يجوز التأخر عنه إذا ظهرت دواعيه ووقعت أسبابه حتى لو لم يكن معه أحد لما صح أن يكون

44-1095 الصنعائي: سبل السلام ج 4 ص 06؛ ابن قيم الجوزيه: ج ؟ ص‎ )١( 584 (؟) الخوارزمي: مفيد العلوم ص‎

14

ذلك مانعاً له من القيام بهذا الغرضء والمسلم مكلف به شخصياًء ويمكن القول أن هذا الغرض هو فرض عين على جميع المسلمين من حيث المبدأ ولكن لا يعني خروج جميع الأمة للحرب فيكفي انتداب جماعة تقوم بهذا الواجب في حين يكون القاعدون الذين لم يشتركوا في القتال مستعدين للقتال إذا اقتضى الأمر ذلك» ولكن الذين نفروا للقتال كفوا باقيهم» ويفهم أن القتال فرض كفاية في بعض الأحيان إذا قام به البعض بينجاح سقط عن الباقين وأحياناً أخرى يكون القتال فرض كفاية في بعض الأحيان إذا قام به البعض بنجاح سقط عن الباقين وأحياناً أخرى يكون القتال فرض عين على كل مسلم مع قبول الأعذار المشروعة للمعتذرين”"'.

والمجاهدون في سبيل الله يسعون إلى رفع راية الإسلام والإستشهاد في سبيل الله» ولا يقوم بهذا الدور إلا المسلمون» ويقوم بالجهاد الرجل العاقل لأن لوجوب الجهاد شروط. أحدها أن يكون ذكراء فأما النساء فلا يجب عليهن» لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال «جهاد لا قتال فيهء الحج والعمرة» وأما الشرط الثاني: الحرية» فلا يجب على العبد ولأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة فلم يجب على العبد كالحج. والشرط الثالث البلوغ» والرابع العقل» والخامس المستطيع» وأن يكون صحيحاً في بدنه قادراً على النفقة» ولا يدخل من النساء دار الحرب إلا امرأة طاعنة في السن لسقي الماء ومعالجة الجرحى» أما إن دخل العدو في دار الإسلام فيتعين على الكل دفعه.

والجهاد في البحر والأسطول أفضل من جهاد البر وفي الحديث الشريف: «المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد؛ والخروق لعاجر شهيدين» وفي حديث رواه ابن ماجه عن أبي أمامه قال: سمعت رسول الله وَل يقول: شهيد البحر مثل شهيدي البرء والمائد في البحر كالمتشحط في دمه في البرء وما بين الموجتين كقاطع الدنيا في طاعة الله وأن الله تعالى وكل ملك

184-1447 ص‎ ١ الخوارزمي: مفيد العلوم: ص 581-084. ابن قدامة المقدسي: المقئع ج‎ )١(

0

الموت بقبضس الأرواح إلا شهيد البحر فإنه يتولى قبض أرواحهمء» ويغفر لشهيد البر الذنوب كلها إلا الدين» ويغفر لشهيد البحر الذنوب والدين «وهذا اماس اح الل ل ا أعظم خطراً ومشقة نهد زين حر العدر وخصار لحرو بولا يكز من النرات إلا مع أصحابه فكان أفضل من غيره”")

ولقد كان المسلمون منذ عهد الرسول يَككِ يهتمون بالجيش والمقاتلين ويربونهم تربية إسلامية صادقة حتى ينطبق عليهم وصف المجاهدين» الذين يستحقون نصر الله وتأيبده عند اللقاء مع عدوهمء فقد كان الجهاد في عصر الحروب الصليبية الشغل الشاغل للدول الإسلامية التي تعاقبت في تلك المترةء ومن ثم كان اهتمام السلاطن يتربية المجاهدين عن شريعة الإتلام . وأن يكونوا من حفظة القرآن الكريم والأجاذية البؤية التريقة«وخصوصا تلك التي ا بالجهاد فى سبيل الله فانظر إلى الدولة النورية ومن بعدها الدولة الأيوبية * ثم دولة المماليك فقد قامت كل دولة من هذه الدول بدورها في الجهاد ضد اه الإسلام. لقد اهتمت الدولة الأيوبية بهذا الأمر اهتماماً كبيراً فقد كان السلطان صلاح الدين الأيوبي يركز على تقوية الروح الدينية عند أفراد جيشه بما يثبتهم في القتال ويدفعهم إلى الجهاد ضد عدوهم» وفي ميدان المعركة كان صلاح الدين يمشي وبين يديه جماعة القراء والعلماء الصلحاء وهم يتلون على الجيش القرآن الكريم ويحذرونهم من الفرار ويذكرونهم بما أعد الله تعالى من ثواب للشهداء في الجنة ويتلون عليهم آيات الجهاد الخاصة بالشهداء في سور الجهاد والصف والأحزاب ويبينون لهم أن الفرار من القتال هو أحد الكبائر الخمسة» بل كان رواة الحديث يحدثون المقاتلين بالأحاديث النبوية الشريفة ويشجعونهم أثناء القتال» كما اتخذ

(١)انظر‏ في هذا الموضوع: تفسير ابن كثير ج ١‏ ص 575-476 ج ؟ ص 7010-1705 ابن الجوزي: زاد المسير في علم التفسير ج ضص "الاه- 15م الشوكاني نيل الارطار ج 8 ص /ا-٠1ء‏ تفى الدين: كفاية الاخيار ج 789-888 ابن ابراهيم المقدسي: العدة شرح العمدة ص "لمره-لامهمء ابن قدامة المقدسي : المقنع ج اص ”8م21 الصنعاني: سبل السلام ج ص 4 » الحسين بن المبارك : التجريد الصريح ج “اص 216-١5‏ الخوارزمي: مفيد العلوم ومبيد الهموم ص ؟515-097.

المسلمون التهليل والتكبير لتقوية الروح المعنوية عند المجاهدين ويبينون لهم أن من حضر الصف من أهل الجهاد وحصر العدو بلدة تعين عليه ولا يجوز للمسلم الفرار من ميدان القتال إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً لفئة» وإذا دخلوا دار الحرب لم يجز لأحد أن يخرج من العسكر لعلف أو احتطاب أو غيره إلا بأذن الأمير أو قائد الجيشر' .

أما الصلاة في جيش الدولة الأيوبية» فقد كانت إذا جاء وقتها ضج العسكر بصوت الأذان» وأم إمام كل خيمة المصلين» وفي بعض الأحيان كانت الجيوش تصلى نوبة بعد نوبة مثل صلاة الخوف . وكثيراً ما تكون صلاة النوية تحدث عادة إذا ما حل وقت الفرض والمعركة دائرة الرحى» والقتال لا زال» فيؤدي العسكر الفرض نوبة بعد أخرى حتى لا تخلو الصفوف من المقاتلة أثناء الصلاة» وحتى لا يتمكن العدو من اختراق صفوفهم أو استغلال انشغال المسلمين في الصلاة فيميلون عليهم: وكان المقاتل المسلم يشعر بأن تأدية فريضة الصلاة والقتال محتدم عمل يزيده شجاعة وإيماناً وقوة على مواجهة الأعداءء وتزيد إيمانه بأن صلاة الجيش في ميعادها سبب هام في إلحاق الهزيمة بالأعداء» وتحقيق النصر للإسلام والمسلمين فقد كانوا يستعينون بالصبر والصلاة على قتال الأعداء» ولقد ورد في المصادر أن السلطان صلاح الدين الأيوبي شوهد في خيمة صغيرة على بساط لطيف وتحته سجادة وبين يديه مصحف وهو مستقبل القبلة. وإلى جانبه زرديته وسيفه وقوسه وتركاشه معلق في عامود الخيمة» والمعروف أن الإسلام فرض صلاة الخوف وحذر من الغفلة والإهمال وفى هذا ما يدل على عظمة الصلاة وأهميتها عند المسله”"؟. ١‏

أما جيش الدولة المملوكية» فقد تكون من صغار السن الذين أحضروا

)١(‏ حجازي: التفسير الواضح ج 1 ص ٠ج‏ 4 ص 45-١‏ ١ه-لف‏ ثم انظر ابن قدامة المقدسي: المقنع جح ص 6 ابن أبراهيم المقدسي : العدة شرح العمدة ص /884-06/1ه ابن خلدون: العبر ج ص 7١5‏ وسعداوي: جيش مصر في عصر صلاح الدين ص 44-48

زهفق حجازي التفسير الواضح ج 6 ص ”ه-كم, ابن شداد: سيرة صلاح الدين ص /ا-8م البعلي: كشف المخدرات ص 7١35ء‏ سبط بن اللجوزي: مرآة الزمان ص .7١١‏

1

إلى دار الإسلام وربوا تربية إسلامية»؛ وحفظوا القرآن الكريم أو على الأقل آيات الجهاد والإستشهاد في سبيل الله والأحاديث النبوية الشريفة علاوة على سيرة ومغازي الرسول يكل وكانوا يعتقدون أن الغاية من كل شيء هي حماية الإسلام والمسلمين من أعدائهم» وكانوا يرون أن العدوان أياً كان شكله وزمانه ومكانه فإنما يريد الإسلام وأهله قبل أية عوامل إقتصادية أو إجتماعية أو سياسية فقد كانوا مسلمين حقيقيين يدافعون عن الإسلام وأهله ويحبون الإستشهاد فى سبيل الله» وكان المسلمون فى العصرين الأيوبى والمملوكى بلبوة يداف التجهادة ٠:‏ وقارك نليه الشلقطيخ: والأمراء “زوالا جاو رغالءة المسلمين»ء هدفهم رفع راية الإسلام وتأمين دار الاسلام ودفع الأخطار عن البلاد» وفى المعارك الحربية التى خاضوها ضد الصليبيين والتتار الدلائل الواضخة على أن الأمة المجاهدة لا بد أن تتحقق النضر ولها دق القاء:

إمام المسلمين يدعو إلى القتال ويشرف عليه:

قال رسول الله يي «الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجراً»"'2. ومن ثم فلا يصح الإحتجاج بالقول أن ولي المسلمين أو سلطانه فاجراً لا ينبغي الإستجابة إلى دعوته إلى الجهادء لأن الجهاد دفاع عن عقيدة الإسلام والمسلمين وديارهم والتخلف عن ذلك مرفوضء» لأن ذروة سنام الإسلام الجهاد وفيه مصلحة الإسلام والمسلمين المقدمة على الأمور كافة) والسلطان في الإسلام يمثل رياسة الدولة وهو الذي يدعو للقتال وتنظيم شؤونه والإعداد له» ودعوة ولي الأمر أو رئيس الدولة من أجل الجهاد ملزمة واجبة الإجابة» والجهاد يصبح محتماً والقعود عنه يعتبر إثماً عظيماً ولأن الرئيس هو المكلف بالدعوة للجهاد”". فقد قام الخلفاء المسلمون من بعد

() العدة شرح العمدة ص: ص 084 5 ثم انظر ابن قدامة المقدسي المقنع ج ١‏ ص 2184 ابن حزم المحلى ج ٠7‏ ص /ال/اخ

(1) تفسير ابن كثير: ج ١‏ اص 2164-7807 ج ؟ ص 904 ص ٠117لا‏ ثم أبن ابراهيم المقدسي: العدة ص 588» ابن قدامة المقدسي: المقنع ج ١١ص‏ 484»؛ حجازي: التفسير الواضج إج ه ص »45-4١‏ ابن حزم المحلي ج لاص ان الشوكاني: نيل الاوطار ج مص ١5-ال‏ الشيخ خالد مصرع الشرك والخرافة ص 580-544

7”

الرسول يي بهذا الدور العظيم وانّسعت الدولة الإسلامية حتى بلغت أقصى الشرق وأقصى الغرب وأقاموا لهذا الهدف الجيوش المرابطة استعداداً لمواجهة الطوارىء والأخطار.

ولقد بدأ الخليفة عمر بن الخطاب اهتمامه بالجيش فأنشأ ديوان الجند لمعرفته بأهمية هذا الجانب في حياة الدولة الإسلامية وإدراكاً منه لأهمية تنظيم الجيش والانفاق عليه والإستعداد للجهاد» ولقد استمر الخلفاء والسلاطين في الإعداد بالمرابطين المجاهدين الذين يؤمئنون بحديث الرسول يك اعينان لا تمسهما النار» عين بكت من خشية اللهء وعين باتت تحرس في سبيل الله» وبقي المسلمون في قوة ومنعة يرهبهم خخصومهم إلى أن أهمل بعض ولاة أمر المسلمين الجهاد وتوقفت الصوائف والشواتي» وانقسم المسلمون إلى أحزاب ودول وتنازعوا فيما بينهم فأعطوا بذلك الفرصة ا لمحاولة النيل من الإسلام والمسلمين والقضاء ء عليهم وإزالة سلطانهم» فكانت الجروت: الضليية تظهراً وَ|اضيناً لهذا الضعف الذي أصاب المسلمين» وحلت بالعالم الإسلامي كارثة كبرى خلال هذه الحروب وسقطت مدينة القدس في أيدي الصليبيين» واعتبر ذلك الحادث إيذاناً ومقدمة لكوارث عظيمة» فكان لا بد للمسلمين أن يغيروا ما بأنفسهم وإصلاح شأنهم والعودة إلى الأخذ بأسباب القوة وتنفيذ أوامر عقيدتهم الإسلامية كما تبينوا يقيئاً أنه ما لم يقم ولي أمر المسلمين بالجهاد وجب على المسلمين الخروج عن طاعته واستبداله بآخر يقوم بفرض الجهادء ولهذا كان معيار صلاح السلطان في العصرين الأيوبي والمملوكي هو قيامه بتطبيق الشريعة الإسلامية والجهاد في سبيل الله» ومما يؤكد هذا العزم وصدق إيمانهم وصحة نواياهم إنهم انتصروا على أعدائهم وحرروا بلاد الإسلام وأزالوا الكرب عن المكروبين وبدلوا الهزيمة نصراً والخوف أمناً والإضطراب استقرارا لأنهم عملوا تنفيذاً للسياسة الحربية في الإسلاه20 .

٠ انظر: حجازي: التفسير الواضح ج ه ص 4" -8" ثم الظر: ابن حزم: المحلى ج‎ )١( 111/-5553 ص‎

3

وجوب الثبات أمام العدو والرقابة على الأخبار:

يجب على المسلمين أن يثبتوا في ميدان القتال لا يتأثروا بما قد يقع في الحرب من موت بعض القادة أو الجنود ولا ينزعجوا لانهزام جانب من قواتهم وذلك تفادياً من الإنهيار المعنوي ووقوع الهزيمة التامة» والنتائج المترتبة على الثبات في ميدان الحرب دائماً أفضل من تلك النتائج التي تأتي بعد الهرب والإنهزام .

ولقد تقرر في الشريعة الإسلامية وجوب ترك الخوض في أخبار الحرب والقتال والظروف المتصلة بها وعدم بث الشائعات السيئة بين المسلمين بهدف إضعافهم وإثارة الإضطراب في صفوف المجاهدين والمسلمين عامة» وعلى جيش الإسلام الصبر والثبات أمام العدو ويحذر التولي والهرب من العدو إلا لأسباب مشروعة تقتضيها المصلحة كما يجب عليهم الطاعة والإنضباط وعدم الإختلاف والتنازع في ظروف الحرب وتلافي أسباب الإختلاف لما في ذلك من أخطار على المسلمين» ولقد اهتم الخلفاء والسلاطين المسلمين بما يثبت الجيش فى ميدان القتال وعاقبوا كل من سبب الإضطراب أو أثار الفتن وكذلك مروجى الإشاعات بأشد العقوبات لأن الأسباب المؤدية إلى ضعف الجبهة الإسلامية ينبغي أن تؤخذ بالحزم وعدم إهمال تلك الأسباب وضرورة القضاء عليهاء وسوف ترى أن السلاطين الأيوبيين والمماليك من بعدهم كانوا من أشد المسلمين اهتماماً بالمحافظة على الروح المعنوية وتقوية المسلمين والقضاء على أسباب الضعف والخوف ومنع تسرب الأخبار السيئة إلى قلوب المجاهدين”" . موقف الإسلام من القاعدين عن الجهاد:

يمكن إدراك خطورة موقف القاعدين عن الجهاد بما ورد في سورة التوبة «اوعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت

)١(‏ راجع: التفسير الواضح ج ه ص 4١‏ ج 1 ص 717-57 ؛ ج ١‏ ص 6-7 انظر ابن حزم المحلي جح ص “250-17 البعلي: كشف المخدرات ص 30,3 الخوارزمي: مفيد العلوم ص ”وه ,

>”30

عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبواء إن الله هو التواب الرحيم2©'”6. وفي هذه الأية القرآنية الكريمة إشارة إلى ثلاثة من المسلمين المخلصين غير المنافقين تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر صحيح فقاطعهم الرسول والمسلمون بعد عودتهم من تلك الغزوة» واشترك في هذه المقاطعة زوجاتهم وأقاربهم ودامت المقاطعة أكثر من أربعين يوم ولقد اشتد الأمر على هؤلاء المتخلفين حتى ضاقت عليهم الأرض رغم سعتهاء وضاقت عليهم أنفسهم ولبثوا طيلة المدة يبكون على ما فرط منهم ويضرعون إلى الله ليتوب عليهم» واستقروا على هذه الحال المكابدة إلى أن استجاب الله لهم وقبل توبتهم فانفرجت أزمتهم» ويفهم من هذا الموقف ما يجب على المسلمين من اتخاذ موقف الحزم والشدة مع الذين يخرجون عن جماعة المسلمين» ويقصرون في واجبهم العام وخاصة في واجب الجهاد وحتى لو لم يكونوا متهمين في إخلاصهم وقوة إيمانهم» وكان تقصيرهم وشذوذهم المتهمين في إخلاصهم أشد وأقوى. وكيف الحال مع أولتك المعطلين والمعوقين للجهاد بقصد سيئ أو بطريق مباشر أو غير مباشر وما موقف الاسلام من الذين يضعون العراقيل أمام المسلمين بل يشبطون العزم وينشرون الوهن بين المسلمين ولا يقومون بالإستعداد من أجل الجهاد ضد أعداء الله المعتدين الظاهرين والمتسترين» وفي القرآن الكريم آيات كثيرة فيه حملات قارعة على المثبطين والمعوقين والمعتذرين بالأعذار الواهية الكاذبة والمتهربين عن واجب الجهاد إذا ما دعاهم الداعى له؛ وعلى ولى أمر المسلمين تجاه هذه الفئات أيضا من زجر وردع وتأديب وتعزير وتغريم وتضييق لأن مثل هؤلاء يكونون من عوامل دخول الوهن في قلوب وصفوف عامة المسلمين» فيكون له أثره السيء على المجاهدين ولأن القعود عن الجهاد: يكون: ملقرهاً حيث لا عذر يمنع منه!". ولقد كان في التاريخ )١(‏ سورة التوبة: آية ١14‏ (؟) انظر: حجازي: التفسير الواضح ج © ص 2١-60-47-44‏ ص الا-لالا ج ٠١‏ ص /الا- ١ل‏ ج ١١‏ ص 775-5٠١‏ انظر: الحسن بن المبارك: التجريد الصريح ج ؟ ص ٠١4-٠٠١‏

5؟؟

الإسلامي صور تطبيقية وعملية لما جاء به الإسلام من أحكام في الجهاد» فقد جعل الإسلام طاعة ولي الأمر المسلم مرهونة بمدى تنفيذه لأحكام الشريعة وصيانتها والجهاد في سبيل الله» فإن أهمل ولي الأمر هذا الشأن وجب ترك طاعته وخلعه من السلطة لأنه مقصر فيما تعهد القيام به. وفي العصر المملوكي حدث في سنة ١٠/اه/ 170١‏ إن اضطربت بلاد الشام بسبب تهديدات التتار» وخشى المسلمون على أنفسهم من العدوء فسار شيخ الإسلاع تفي الدين بن تيعية على خيل البريد من دمشق. إلى القاهرة ب وفور وله اسمن مع سرامو ليان بلدا فى كد ون قلارون وج سوج ل الجهاد وضرورة الخروج من أجله وأمرهم بتجهيز الجيش لإنقاذ بلاد الشام من خطر التتار وقال الخيخ ابن تيمية للسلطان: «إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطاناً . .. يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن» وقال للسلطان الناصر محمد أيضاً الو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر فكيف وأنتم حكامه وسلاطيئه وهم رعاياكم وأنتم مسؤولون عنهم/”'2 وواضح مما تقدم أن الشيخ ابن تيمية الفقيه المشهور جعل عدم القيام بواجب الجهاد ملزماً بخلع السلطان واقامة آخر يقوم بهذا الدورء ولذلك أجابه السلطان الناصر محمد والأمراء عملا لا قولاء وخرج الجيش الإسلامي من مصر إلى بلاد الشام لقتال التتار.

الهدن الواقعة بين ملوك الإسلام وملوك الكفر:

الهدنة فى اللغة معناها المصالحةء يقال: هادنه يهادنه مهادنة إذا صالحة والإسم الهدنة. وهي أما من هدن بفتح الدال ويهدن بكسرها هدوناً إذا سكن » ومنه قولهم : وهلانة على ذحين :في سكوق على عل أ و'تكرن قلا سيت بذلك الما يوجد من تأخير الحرث.: سبيها» 'ويزاذ :منينا أيضا ألفاظ أخرق أحدها . الموادعة» ومعناها المصالحة أيضاًء أخذا من قولهم: عليك بالمودوع يريدون بالسكينة الوقار» فتكون راجعة إلى معنى السكون» وأما

(1) الصيرفي: خبر من غبر ج ه ص 404 شذرات الذهب ج © ص 400 ابن كثير: البداية والنهاية

7/

أخذا من توديع الثوب ونحوه. وهو جعله في صوان يصونه » لأنه بها تحصيل الصيت عن القتال وإما أخذاً من الدعة: وهي الخفض والهناء لأن بسببها تحصل الراحة من تعب الحرب ومشاقها وتكاليفها. - من معناها أيضاً المسالمة ومعناها ظاهر : لأن بوقوعها يسلم كل من أهل ٠١‏ - المقاضاة» ومعناها المحاكمة مفاعلة من القضاء بمعنى الفصل والحكم. : - المواصفة» سميت بذلك لأن الكاتب يصف ما وقع عليه الصلح من

الجانبين.

وأما في الشرع الإسلامي فالهدنة عبارة عن صلح يقع بين زعيمين في زمن معلوم بشروط مخصوصة:؛ والأصل أن تكون المهادنة بين ملكين أو سلطانين مسلم وكافر أو بين نائبيهما أو بين أحدهما ونائب الأخر» ولقد رتب الفقهاء رحمهم الله باب الهدنة في كتبهم مفصلة واضحة المعاني وهي في الشرع عقد إمام أو نائبه على ترك القتال مدة معلومة لازمة ولا يجوز لغيرهما عقد المهادنة لأنه لو جاز «ذلك للآحاد لزم تعطيل الجهادء فعلى هذا لو هادنهم غير الإمام أو نائبه لم يصح» فلو دخل بعضهم بهذا الصلح دار الإسلام كان أمناً لاعتقاده ولا يقر في دار الإسلام بل يرده إلى دار الحرب» ولو مات الإمام أو نائبه بعد العقد لم ينتقض عهده؛ أما رتبتها فإنها متأخرة - عند قوة سلطان المسلمين عن عقد الجزية: لأن فى الجزية ما يدل على ضعف التسقرد لبه وف الهدة عا يدل على و17"

أما أصل وضع المهادنة لأهل الكفر فالأصل فيها قوله تعالى: #فسيحوا في الأرض أربعة أشهر6” وقوله تعالى #إوإن جنحوا للسلم فاجنح لها4”" وما ثبت في صحيح البخارني من حديث عروة بن الزبير رضى الله عنه عن صلح الحديبية وما انتهت إليه المفاوضات مع قريش التي صدت الرسول

0٠١ ص‎ ١ ابن قدامة المقدسي: المقنع ج‎ ١-75 ص‎ ١4 القلقشندي: صبح الاعشى ج‎ )١( 515-51١ ابن ابراهيم المقدسي: العمدة ص‎ 15-١5 ص‎ ١ حجازي: التفسير الواضح ج‎

(؟) سورة التوبة: آية ؟

(؟) سورة الانفال: آية 31

184

والمسلمين عن زيارة الكعبة ما اتفق المسلمون مع قريش على المهادنة المعروفة بصلح الحديبية وهذه نسخة الكتاب:

«هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو على وضع الحرب عن الناس عشر سنين» وألعن حب أن بدخل فر عفد تعد رغهده وجل فيه» ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه! وأشهد في الكتاب على الصلح زحالا هن المشلسة والمشركيو كن ا الصلح أنه كان فتحدودا يعكير 'سنتوات وروى مروان بن الحكم والمسور بن مخرمه «أن النبي يَلعِ صالح قريشاً على وضع القتال عشر سنين»”" وأنه لم يكن يعني الإختلاط بين الجانبين أو ترك الحرب إلى ما لا نهاية وهو بذلك هدنة مؤقته أقصاها عشر سنوات إذا التزم الجانبين بشروطها.

شروط عقد الهدنة في الإسلام : وهي الشروط الشرعية المعتبرة في صحة العقد بحيث لا يصح عقد

الهدنة مع إهمال شيء منها وهي أربعة شروط:

الاول : في العاقد وفلف الخال فيه باختلاف المعقود عليه» فإن كان المعقود عليه إقليماً كالهند والروم ونحوهما أو مهادنة الكفار مطلقاً فلا يصح العقد فيه إلا من الإمام العظيم أو من نائبه العام المفوض إليه التحدث في جميع أمور الدولة الإسلامية.

الثاني : أن يكون في ذلك مصلحة للمسلمين؛ بأن يكون في المسلمين ضعف أو في المال قلة أو توقع إسلام المعقود معهم الهدنة بسبب اختلاطهم بالمسلمين أو طمع في قبولهم الجزية من غير قتال وإنفاق مال. فإن لم تكن مصلحة فلا يهادنون بل يقاتلون حتى يسلموا أو يقرروا الجزية إن كانوا من أهلها.

الثالث: أن لا يكون في العقد شرط يأباه الإسلام كما لو شرط أن يترك

)0( صبح الاعشى ج 14 ص 3-6 انظر: ابن قدامة المقدسي المقنم ج اص رن 00( ابن قدامة المقدسي : المقنع ج اص ٠‏ انظر الصنعاني : سبل السلام ص 41١-49:‏

>34

الرابع

بأيديهم مال مسلم أو أن يرد عليهم أسير مسلم انفلت منهم أو شرط على المسلمين مال من غير خوف على المسلمين أو شرط رد مسلمة إليهم ؛ فلا يصح العقد مع شيء من ذلك بخلاف ما لو يشرط رد الرجل أو المرأة الكافرة لا يمنع صحة المهادنة فإن كان في المسلمين ضعف خارج عن إرادتهم وخيف عليهم جاز التزام المال لهم دقعاً للشر كما يجوز فك الأسير المسلم إذا عجزنا عن انتزاعه.

: أن لا تزيد الهدنة عن أربعة أشهر عند قوة المسلمين وأمنهم ولا يجوز

أن تبلغ سنة بحال وفيما دون سنة وفوق أربعة أشهر قولان للإمام الشافعي رضي الله عنه أصحهما أنه لا يجوزء أما إذا كان في المسلمين ضعف وهناك خوف فإنه تجوز المهادنة إلى عشر سئين» فقد هادن رسول الله وك أهل مكة عشر سنين كما رواه أبو داود في سننهء ولا تجوز الزيادة عليها على الصحيحء» وفي وجه تجوز الزيادة على ذلك للمصلحة» فلو أطلق المدة فالصحيح من مذهب الشافعي أنها فاسلة غير جائزة وقيل: إن كانت في حال ضعف المسلمين حملت على عشر سنين» وإن كانت في حال القدرة فقد قيل تحمل على الأقل وهو أربعة أشهر وقيل على الأكثر وهو ما يقارب السنة» ولو صرح بالزيادة على ما يجوز عقد الهدنة عليه . فإن زاد على أربعة أشهر في حال قوة المسلمين أو على عشر ستين في حال ضعف المسلمين فإن عقد المهادنة يصح فقط في المدة المعتبرة ويبطل في الزائد» فإن احتاج المسلمون إلى زيادة المدة على عشر سنوات جاز لهم عقد عشر سنوات أخرى ثم عشر ثم عشر قبل أن تنقضي المدة الأولى وهذا عند الشافعية بينما ذهب أضصحاب الإمام مالك إلى أن مدتها غير محدودة» بل يكون موكولاً إلى اجتهاد الإمام ورأيه”" .

)١(‏ القلقشندي: صبح الاعشى ج 15 ص 7١‏ -6 نيل الإوطار ج ص 169-1775 انظر ابن قدامة

دميو المنع ج ١‏ 000 1 0 التقلمي 00 البعلوي: 000

8

والخلاصة لا بد من أن تكون المهادنة معلومة محدودة لأن تركها من غير تقدير يقضي إلى ترك الجهاد بالكلية. والمهادنات المذكورة لا تكون إلا في حالة ما يكون العدو في بلاده أو بأطراف البلاد الإسلامية على الحدود كما قلنا ارا عن بلاد الإسلام أما أن أخذ العدو جزءاً من بلاد الإسلام وادعى ملكيته لهذا الجزءء بل أنكر حق المسلمين فيها وجار عليهم في العدوان فإن المهادنة أو المصالحة أو الموادعة لا تجوز بإجماع آراء الفقهاء فى كافة العصور الإسلامية» فإن كان فى المسلمين ضعف فى مثل هذا الحال فالأجدر بالمسلمين البحث عن أسباب هذا الضعف وتلافيه فإن تعمد ولي أمر المسلمين الإهمال وجب نبذ طاعته ومخالفته والخروج عليه وعزله واستبداله بأخر يقوم بواجب الجهاد وإعداد للقوة والقتال في سبيل الله حتى يدفع عن الإسلام والمسلمين خطر المعتدين» فإن كان ضعف المسلمين لأسباب خارجة عن إرادتهم وظهور قوة عدوهم عليهم جاز لهم المهادنة فقط ولمدة محدودة ومعلومة حتى يزول سبب الضعف وتستجد عوامل القوة فيقومون بقتال عدوهم واستخلاص أرضهه”" ‏ وهذا ما كان عليه المسلمون خلال التاريخ الإسلامي الطويل وخصوصاً في فترة الحروب الصليبية؛ إذ لم تعقد الهدنة الدائمة بين المسلمين وأهل الكفر إلا عندما يكون الأعداء في دار الكفر (بلادعي) ويكون عقد الهدنة معهم وفق روط فأما أن يدخلوا فى

الإسلام أو الجزية أو القتال ومن الدلائل على ذلك أيضاً ا

أن يتضمن أموراً هامة منها:

١‏ - أن يشترط سلطان 0 أو ولي أمرهم على الطرف الآخر مالاً يحمله إليه في كل سنة أ لو ا ل وأطراف وسواحل مما وقع الإستيلاء عليه من بلاد المسلمين أو اع عد المت ار ب من أهلها ويقررهم فيها نساؤهم وأولادهم ومواشيهم وأزوادهم ومواشيهم وأزوادهم وسلاحهم وآلاتهم دون أن يلتمس عن ذلك أو عن

051-857١ ص‎ ١ انظر ابن قدامة المقدسي: المقنع ج‎ )١(

شيء منه مالا أو يطلب عنه بدلاً وما ينخرط في هذا السلك.

- أن يشترط عليه عدم التعرض لتجار مملكته والمسافرين من رعيته براً وبحراً بنوع من أنواع الأذية والأضرار في أنفسهم ولا في أموالهم وللمجاورين للبحر عدم ركوب المراكب الحربية التي لا يعتاد التجار 0 مثلها .

“ا - أن يشترط عليه إمضاء ما وقعت عليه المعاقدة» وأن لا يرجع عن ذلك ولا عن شيء منه ولا يؤخر شيئاً عن الوقت الذي اتفق عليه.

4 - أن بع يشترط عليه أنه إذا بقي من مدة الهدنة مدة قريبة مما يحتاج إلى الإستعداد فيه أن يعلمه بما يريده من مهادنة أو غيرها.

ه - أن يشترط عليه أنه إذا انقضى أمد الهدنة على أحد من الطائفتين وهو فى بلاد الأخرين أن يكون له الأمن حتى يلحق مأمنه. ١‏

1 - أن يشترط مالا يحمله إليه في الحال أو في كل سنة أو حصوناً أو بلاداً يسلمها من بلاده أو مما يغلب عليه من بلاد مهادنه إلى غير ذلك من الأمور التي يجري عليها الإتفاق مما لا تحصى كثرة”'' والمدقق في هذه الشروط يستدل على أن المصالحة أو المهادنة إنما هي لفترة زمنية معينة وليس على سبيل الأبدية» ولقد كان المسلمون في عصر الحروب الصليبية التي استغرقت قرئين من الزمان في فلسطين خاصة هكذا فلم . يعقدوا في حال ضعفهم إلا هدنة قصيرة وفق الشروط الشرعية التي ذكرناها» وإذا نقض العدو شرطاً من شروطها عاد المسلمون لقتاله وتأديبه» والمصالحة على سبيل الأبدية أو الدائمة معناها تسليم بسقوط وق السلسن في الضوم المتصالج عليه وفي الإسلام لا يسقط الحق». ويبقى مع مرور الزمن الحق حقأ إلى يوم القيامة والمطالبة به واجبة والسكوت عنه إِدْ ثم ديني كبير.

ولقد اجتهد المسلمون في أن تكون الهدنة شرعية في كل شيء ومن ثم

)١(‏ القلقشندي: صح الاعشى ج ١4‏ ص 17-١7‏ انظر: ابن قدامة المقدسي: المقنع ج ١‏ ص 2015-1 ابن ابراهيم المقدسي: العدة ص "1١4-5١17‏

دنا

وضعوا شروطاً يلزم الكاتب في كتابة الهدنة مراعاتها وأن يقوم بترتيب قوانينها

وأحكام معاقدها ومن هذه الأمور الشروط التالية:

١‏ - أن يكتب الهدنة فيما يناسب الملك الذي تجري الهدنة بينه وبين ملكه أو سلطانه .

؟ - أن يأتي في ابتدائها ببراعة الإستهلال إما بذكر تحسين موقع الصلح والندب إليه ويبين عاقبته أو يذكر السلطان أو الرئيس أو الخليفة الذي تصدر عنه الهدنة أو السلطانين المتهادنين أو الأمر الذي ترتب عليه الصلح.

0 ا التصدير بمقدمة يذكر فيها السبب الذي أوجب الهدنة ودعا إلى قبول الموادعة .

4 - إن كانت الهدنة من قوي لضعيف أخذ فى الإشتداد آنياً بما يدل على علو القلمة واسباطة القدرة وحصول التصررة .وامككنال الحدد وظهور' الأين ووفور الجند ومنعة الدولة لا سيما إذا كان القوي مسلماً والضعيف كافراً فإنه يجب الإزدياد من الأمور التي توقع الخوف والهلع في نفس العدو. وذكر ما للإسلام من العزة وما توالى له من النصرة» وإن كانت الهدنة من ضعيف لقوي أخذ في الملاينة بحسب ما يقتضيه الحال مع إظهار الجلادة وتماسك القوة خخصوصاً إذا كان القوي المعقود معه الهدنة كافراً ومن أعداء الإسلام» وإن شرط له مالا عند ضعف المسلمين للضرورة جاز ذلك رغبة في. الصلح المأمور به لا عن خور طباع وضعف قوة إذ يقول تعالى: فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم4'"؟

- على كاتب الهدنة أن يتحفظ من احتوائها على شيء ليس من الإسلام ويحذر كل الحذر من خلل يتطرق إليه من إهمال شيء من الشروط أو ذكر شرط فيه خلل على الإسلام أو ضرر على السلطان أو ذكر لفظ مشترك أو معنى ملتبس يوقع شبهة توجب السبيل إلى التأول؛ وأن يأخذ المأخذ الواضح الذي لا تتوجه عليه معارضة ولا تتطرق إليه مناقضة ولا

١ ابن قدامة المقدسي: المقنع ج‎ ١١8-1٠١ ص‎ ١5 القلقشندي: صح الاعشى ج‎ )١( 0775-605١ ص‎

انون

- أن تكون الهدنة بعد تشاور وتروية النظر وظهور الخير فيها ومشاورة ذوي الرأي وأهل الحجى وموافقتهم على ذلك.

- أن يبين مدة الهدنة» فقد تقدم أن الصحيح من مذهب الأمام الشافعي أنه

إذا لم تبين المدة في مهادنة الكفار وأعداء الإسلام فإن الهدنة فاسدة وغير

جائزة البتة0!؟ . وقد جرت العادة أن يحسبوها مدة سنين شمسية فيحرر حسابها بالسنة

القدرنة وزدكن سين واثهرا وآياناً وساعات حتى يستوفي السنين الشمسية

المهادن عليهاء أما في حالة عقد الصلح بين المسلمين فإنه لا يشترط ذلك بل

8 - الإشهاد على الإتفاق من المتعاقدين بذلك سواء كان ذلك الرؤساء أو نوابهم والرسل الذين قاموا بإبرام الهدنة”'2 وهنا نؤكد على أن في التاريخ الإسلامي الصحيح في كافة العهود والدول الإسلامية» كانت المهادنات أو الموادعات أو ما يعبر عنه بالصلح المؤقت كان وفق الشروط المشروعة في الإسلام؛ وسوف نرى من خلال كتاب «جهاد المسلمين في الحروب الصليبية؛ التطبيق العملي لهذه الشروط وسوف نتبين أن المسلمين كانوا يعقدون الهدنة للضرورة وفق أحكام الشريعة الإسلامية كما أن المسلمين كانوا خلال الهدنة المعقودة مع أعداء الإسلام يعملون على جمع الصف وتقوية جيوشهم والإستعداد للقتال إذا انتهت مدة المهادنة أو في حالة نقض الطرف الآخر لشرط من شروطها ومن ثم كان لتنظيم المسلمين شؤون حياتهم وفق الشريعة الإسلامية عظيم الأثر في النصر على عدوهم استجابة لقوله تعالى #وكان حقاً علينا نصر المؤمن 00

منين 1

( القلقشندي: صبح الاعشى ج ١5‏ ص "17١؛‏ انظر: ابن ابراهيم المقدسي : العدة ص 5١17‏ ابن قدامة المقدسي : المقنع ج ١‏ ص 01١-61٠١‏

(*) سورة الروم: آية ا

3

الإعداد لله ة في الإسلام: إذا كان الإسلام هدف الآمة وتطبيق الشريعة الإسلامية في حياة الناس

وكانوا بذلك من المؤمنين فإن 0 أركان هذا الإيمان إعداد القوة المادية

إضافةٌ إلى القوة الروحية لكي 3: تتحقق الرهبة للعدو والإنتصار عليه والآية القرآنية الكريمة «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به

عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم»... 00

«والإعداد والتكوين أمر شاق على النفوس عسير على الناس إلا المؤمنين بالله

المتوكلين عليه أصحاب النفوس العزيزة والهمم العالية. ويفهم من الآية

الكريمة أن الإسلام لا بد له من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان»

وأول أهداف هذه القوة في حقل الدعوة الإسلامية.

١‏ - أن تؤمن الذين يختارون العقيدة الإسلامية على حريتهم في اختيارهاء فلا يصدون عنها ويفتنون كذلك بعد اعتناقها .

؟ - الأمر الثاني أن ترهب أعداء الإسلام فلا يفكروا في الإعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة المسلمة.

7 - الأمر الثالث أن يبلغ الرعب الأعداء فلا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي أثناء تبلغ الدعوة من أجل تحرير الإنسان كله في الأرض كلهاء لأن هذا الدين للناس كافة.

5 - الأمر الرابع أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها ولا تعترف بأن الألوهية لله وحدهء هذه أهداف رئيسة هامة في قيام الإسلام وانتشاره ومن ثم فالإستعداد بما فى الإستطاعة الإنسانية فريضة تصاحب فريضة الجهاد. وليس هناك جهاد بدون إعداد قوة والنص القرآني الكريم يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأساليبهاء وليس المقصود برباط الخيل أنها دائمة في كل العصور كما يظن البعضء وإنما جاءت في صدر الإسلام عندما كانت الخيل الأداة البارزة عند من كان يخاطبهم

هالا١ انظر: ابن حزم: المحلى ج لاص‎ 25١ سورة الانفال آية‎ )١( انا‎

بهذا القرآن أول مرة ولكن المهم أن أعداد القوة غير محدودو البحث عن الطاقة إلى أقصاها بحيث لا يترك المسلمون سبباً من أسباب القوة يمكنهم فعله إلا فعلوه من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض وإرهاب الأعداء الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون ومن وراءهم ممن لا يعرفونهم أو لم يجهروا لهم بالعداوة والله يعلم سرائرهم وما تخفي صدورهم وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ولو لم تمتد بالفعل إليهمء والمسلمون مكلفون أن يكونوا أقوياء» وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض» كما أن الإستعداد للحرب والقتال أمر يدوم بدوام الحياة» والإعداد للقوة العسكرية يتطلب الدراسة والعلم والبحوث التي تخدم في مجالات الحياة المدنية والسلمية بمعنى أن السعى من أجل إعداد القوة العسكرية للمسلمين يعنى فى نفس الوقت التقدم في مختلف العلوم العملية والطبيعية والإنسانية وهذا بدوره يحقق الفواتد الكثيرة والتى منها قوة الدولة الإسلامية وتحقيق الإستقلال والإكتفاء الذاتي» وهذا في حد ذاته من أسباب 9 وركرة هامة مق ركائزها وينبغي أن تكون القوة الإسلامية ذاتية وغير مستوردة حتى يتحقق الهدف منها وأن تكون في مستوى أقوى من قوة سائر دول الكفر مجتمعة حتى يتحقق إرهاب العدو فيفرض السلام الشرعي أو يحدث الجهاد فيكون النصر بإذن الله. ومن ضمن الإعداد الحربى المادي أيضاً الإعداد المعنوي الروحي (الديني) لآن الإستعدادات العسكرية كافة تفقد قيمتها إذا كان القائمون عليها ينقصهم الإيمان بالله» كذلك من أسباب القوة إشاعة العدل والمساواة بين الرعية وهذا يؤدي إلى 7 تحقيق النصر على العدوء فقن حرض المسلمون”"ذاكما م ونا من أن يكون ذلك من أسباب ضعفهم أمام عدوهم» وشهدت كتب التاريخ بأن السلطان صلاح الدين الأيوبي في بداية حكمه بدأ بإزالة الظلم عن الناس وخفف عنهم الضرائب وأزال عنهم المشقة فأصبحت قلوبهم معه لا عليه ودعوا له بالتوفيق والنصر وانقادوا لأوامره.

ويقع على المسلمين أمر منع تقوية عدوهم عن طريقهم سواء كان ذلك 9

بطريق مباشر أو غير مباشرء إذ حرص المسلمون طوال التاريخ الإسلامي على عدم جواز ترويد الأعداء ومن سار في فلكهم بأي شيء من الأشياء التي قد تزيد في قوتهم بشكل أو بآخر ويشمل هذا حظر كل المجالات العسكرية والإقتصادية» فقد كان المسلمون في عصر الحروب الصليبية يحرمون التعامل مع الغرب الأوروبي ما دام أهل الغرب يحاربون الإسلام؛ وسوف نرى تفصيلات كثيرة لمثل هذا الموقف في متن هذا الكتاب. وخلاصة القول أن على المسلمين إعداد كل ما في استطاعتهم من قوة ومن رباط الخيل لمواجهة الأعداء 0 والمتسترين والمتربصين» لأن الإستعداد للحرب ب يمنع قيامها بمعنى أ ن أعداد القوة الإسلامية كفيل بإرهاب العدو فلا يجرؤ على ا على الإسلام وأهله؛ هذا واجب الأعداد ومن ناحية أخرى يجب على المسلمين عدم إتاحة الفرصة لعدوهم للإستفادة من أموالهم وقدرتهم واقتصادياتهم» لأن إعانة العدو بطريق مباشر أو غير مباشر معناها أضعاف حقيقي للقوة الإسلامية نتيجة لزيادة قوة الأعداء بسبب ما حصلوا عليه من المسلمين سواء كان ذلك بقصد أو بدون قصد والأصل الحذر والإحتياط لكل طارىء وحتى يكون استعلاء المسلمين على سائر الأمم الأخرى لا بد أن يكون الأعداد للقوة كاملاً وشاملاً ونؤكد على أن التقصير في الإعداد أو إهماله أثم ديني كبير لأنه مخالف لأمر الله»ء ويعرض المسلمين وبلادهم ودينهم للأخطار والأضرار المادية والمعنوية» وأن هذا المعنى دائم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليهاء فإن قصر أولوا الأمر في الإعداد للقوة الإسلامية وجب على المسلمين حثهم على ذلك فإن هم لم يفعلوا فعلى المسلمين تقع مسؤولية خلع طاعتهم ونبذ سلطتهم؛ فإن أهملت الأمة الإسلامية ذلك الأمر كان لزاماً أن يلحق بها الذل والهوان والخوف والبطش وتضيع البلاد ويهلك العباد» ويسود الظلم ويعم البلاء'”" . )١(‏ انظر في ظلال القرآن المجلد الرابع الجزء العاشر ص 00-58 ثم انظر محمد عزة دروزه: الجهاد في سبيل الله ص ١7١‏ ا حجازي: التفسير الواضح ج اص #١-15اء‏ الدهلوي» حاشية الدهلوي ص 23١0١‏ ابن قدامة المقدسيء» المقنع ج ١‏ ص 2»4947

البعلي: ال 0 0 م 0 0 ل

7

وإذا كان الإعداد للقوة العسكرية فريضة لا تقبل التأخير أو الإهمال لارتباطها بارتقاء العلم وتطور أساليبه» فإنه من الواجب على الأمة الإسلامية ألا تساهم في قوة عدوها بطريق مباشر أو غير مباشر وسواء كانت تلك المساهمة قليلة أو كثيرة» وقد تكون تلك المساهمة عن طريق التبادل الإقتصادي أو الائتمان للأعداء على الأموال» فكل تعامل مع أعداء الإسلام فيه ما يسبب قوة لغير المسلمين حرام في الشريعة الإسلامية وخصوصاً إذا لم تكن هناك ضرورة لمثل هذا التعامل أو أن يكون هذا التبادل في مصلحة الطرف المعادي أكثر من فائدته في الجانب الإسلامي. فقد كان المسلمون في عصر الحروب الصليبية التي أعلنها العالم المسيحي على الأمة الإسلامية» أشذ تحنظاً وأكثر حرصاً على أضعاف عدوهم» فقد حرم المسلمون بيع المواد الحربية مثل الحديد والنفط وأخشاب بناء الأساطيل وكذلك الرقيق الذي يستخدم في عمليات التجديف التي تسير بها الأساطيل البحرية» وإن كان المسلمون في حاجة للتعامل التجاري مع هؤلاء الأعداء فإنهم كانوا يلتزمون بمبدأ التعامل بالمثل وخصوصاً في العصرين الأيوبي والمملوكي» فإن الدولة الأيوبية كانت حازمة في التعامل مع الغرب الأوروبي في المجال التجاري أسوة بموقفها العسكري القوي في الجهاد ضدهم» فكانت تفرض على التجار الأجانب أن يأتوا بالمواد اللازمة من أجل الحرب والقتال وإلا فأن تجارتهم سوف تتوقف» ولقد أصدر السلطان صلاح الدين الأيوبي أوامره المشددة بأحكام الرقابة في الموانيء والسواحل ومنع تصدير المواد التي تزيد في قوة العدو حتى لا يتفوق الطرف المعادي على المسلمين''' وعيثاً حاول الباباوات نيقولا الرابع 1١588‏ 197١م‏ ( 3741 147ه) ومن بعده البابا بونيفاس الثامن ١1595‏ 1107م ( 195 ٠١لاه)‏ وكلمنت اللخامس ١7506‏ 14م( 700 14لاه) بعد أن حرر المسلمون بيت المقدس حاولوا تحريم التبادل الإقتصادي والتعامل التجاري مع المسلمين بهدف أضعاف المسلمين» )١(‏ شارل ديل : البندقية جمهورية ارستقراطية ص 2688 د الشيال: تاريخ مصر الاسلامية ص ١19‏

عبادي وسالم: تاريخ البحرية الاسلامية ص ١750‏ د. فايد عاشور: العلاقات بين الشرق

34

وهددوا من يقوم بالتجارة مع المسلمين بأشد ألوان العقوبات. ولكن الموقف الإسلامي الصريح الذي جعل مصلحة الإسلام والمسلمين فوق كل اعتبار آخر جعل محاولات الغرب الأوروبي في عصر الحروب الصليبية لأضعاف المسلمين لا تحقق أهدافهاء بل لجأت بعض القوى البحرية التجارية الأوروبية بحثاً عن مصالحها المادية إلى التهريب وبدأت تتعامل مع المسلمين» فاضطرت البابوية المسيحية وحكومات الغرب الأوروبي إلى إطلاق دوريات بحرية تجوب البحر المتوسط لمنع التجارة إلى بلاد المسلمين ولو أدى ذلك الأمر إلى استخدام القوة» إلا أن حاجة العالم المسيحي كانت دائماً هي الأشد وخصوصاً لتلك المواد التي لها علاقة في قيام الصناعات» لأن ع الجهاد الإسلامي ضد أعداء الإسلام والمسلمين تشمل جميع الميادين ".

موالاة الأعداء :

فإن من عوامل استكمال الأخذ بأسباب القوة بعد الإعداد الروحى والعسكري للجهاد ضد الأعداء أيضاً عدم موالاة أعداء الإسلام» والموالاة هنا تعني التحالف والتناصر مع الأعداء كما تعني الولاء لهم واتباع سياستهم» فد جاء في القرآن الكريم في سورة آل عمران لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمتين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير»”" وفي سورة المائدة قوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهمء إن الله لا يهدي القوم الظالمين»” وقوله تعالى ليا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين

)2ع( انظر د. فايد عاشور: العلاقات بين الشرق الادنى الاسلامى والبندقية فى العصر الايوبي ص ١ 1 .١14١‏

(؟) سورة ال عمران: آية

() سورة المائدة: آية ١ه‏

4

أوتوا الكتاب من قبلكم والكفاء أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين 200 وقوله في سورة التوبة ليا أيها الذين آمنوا لا تنخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء أن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم متكم نأولئك هم الظالمون*”"'. ويفهم من آيات القرآن الكريم السابقة هذه المعاني:

- ١

أن موالاة اليهود والتصارى والكفار غير جائزة لأنهم يعادون الإسلام والمسلمين وليست معاداتهم لأسباب إقتصادية أو مصالح مشتركة كما يقول البعضض المنافق» فالأصل أن العداوة في قلوبهم والكيد للوسلامء كما لا يصح الإعتذار عن جهادهم لأن ذلك يتناقض مع الإيمان الصادق» لأن الإيمان الصحيح من أصوله الجهاد والإعداد له بمختلف الوسائل ومباشرته؛ ولا يقبل الإسلام أن يعلق المسلمون آمالهم في النصر على مساعدة الكفار أو الكتابيين أو المنافقين.

قرر القرآن الكريم أن وجود أقارب للمسلمين كفار وغير مسلمين لا يجيز للمسلم أن يتحالف ويتناصر مع أعداء الإسلام» ولو كانوا من ذوي القربى؛ لأن المسلم الصادق في إسلامه يجعل الله ورسوله والجهاد في سبيل الله أحب إليه من أبيه وابنه وأخيه وأزواجه وعشيرته وماله» أن الذي ينظم ويشكل علاقة المسلمين بغيرهم من الكفار هو الإسلام» وليس المصالح المتبادلة أو القربى أو الجوارء وإنما أعداء الإسلام على اختلاف طوائفهم يتفقون على محاربة الإسلام والمسلمين» ودليل ذلك اي ودلافير ار الا الأرض.

والقرآن الكريم يحذر من ولاية غير المؤمنين والتهوين من شأن

)١(‏ سورة المائدة: آية لاه )١(‏ سورة التوبة: آية 77

اتخاذ الكفار أولياء بدلاً من المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء» وقد يجوز للمسلمين في حالة ضعفهم أو عند محاولة المسلمين إثارة الخلاف بين الكفار أو بقصد إضعاف جانب منهم في حالة مسايرتهم لبعض الوقت واتقاء شرهم إذا كان ذلك مما تقتضيه مصلحة المسلمين وبشرط عدم قبول ما يأباه الإسلام في سبيل هذه المسايرة أو الموالاة وقوله تعالى «ألا أن تتقوا منهم تقاة”'' وترشد إلى ضرورة الحذر والتأكد من حسن نواياهم» فليس في معنى مسايرتهم أو موالاتهم ما هو صحيح إذا كان ذلك يعود بالضرر على المسلمين. لأن الإسلام لا يقبل أن .يكون المسلم موالياً للكفار وأعداء المسلمين. ولا يُمكنْ هؤلاء الأعداء من التعرف على أسرار المسلمين وكشف عوراتهم أو اصطناعة اليد عندهم والتزلف لهم سواء منهم الذين هم في حالة حرب مع المسلمين أو الذين يكيدون لهم ويدسون عليهم ويضمرون لهم البغض والحقد ويتربصون بهم الدوائر ويتخذون دينهم هزواًء وينطبق هذا على المشركين والكتابيين من يهود ونصارى» واعتبر أن من يواليهم ويسايرهم مرتداً عن الإسلام. ونؤكد هنا على أن المسلمين جميعاً يشكلون أمة واحدة وبلادهم وطن واحد لا يتجزأ عن بعضه» فلا يصح للمسلم أن يقول لا علاقة لي بمن هم في دولة إسلامية أخرىء إذ الأصل في الأمة الإسلامية أنها واحدة» وأرضهم واحدة وأموالهم واحدة» وهدفهم واحدء وعدوهم واحدء ويعبدون إلهاً واحداً ولهم رسول واحدء فمن أشاع الإنقسام بينهم يعتبر عدواً للإسلام والمسلمين تجب مناهضتهء ولقد جاهد السلطان صلاح الدين الأيوبى وكذلك خلفاؤه والسلاطين المماليك من أجل مقاومة دعاة الإنفقصال وموالاة الأعداء”"2. وظاهرة الدول الإسلامية المستقلة في عصرنا ظاهرة غير شرعية وهي تعبر عن تفكك الأمة الإسلامية واختلاف كلمتها.

74 سورة ال عمران: آية‎ )١(

(؟) انظر: في ظلال القرآن المجلد الاول ص 578-671 محمد عزه دروزه: الجهاد في سبيل الله ص ١297-15‏ انظر: الشيخ خالد: مصرع الشرك والخرافة ص 65756-/1ه0, حجازي: التفسير الواضح ج ه ص هلا-الاء ج ١‏ ص 5١‏ ثم انظر: تفسير ابن كثير ج 4 ص 5*-7"575؛ الشوكانى: ثيل الاوطار ج 4 ص 50-47» ابن حزم: المحلى ج ص لاه

١

الجنوح إلى السلم إذا جنح لها العدو:

غاية الجهاد الإسلامي تأمين الدعوة للإسلام وحمل العدو على الكف عن عدائه للإسلام والإنتهاء من موقفه المعادي للدعوة الإسلامية بالدخول في الإسلام أو المسالمة أو الخضوع؛ فإن أظهر العدو الرغبة في السلم عن عجز وخضوع وكف عن عدائه للمسلمين» ٠‏ ففي هذا الحال يمكن مسالمته» ومن شروط هذه المسالمة أيضاً أن لا تقبل فى ثناياها شرطأ أ يأباه الإسلام» وكذلك لا تكون المسالمة والمصالحة قائمة على جزء من أرض الإسلام لا يسقط حق المسلمين فيه إلى الأبد» ومن ثم فإن الجنوح من العدو للسلم إذا كان ذلك في دار الكفر وليس في دار الإسلام أما والعدو يحتل جزءاً من أرض الإسلام فلا يصح مهادنته والأفضل بل الواجب العمل من أجل الإستعداد والأخذ بأسياب القوة المعنوية والمادية ثم الجهاد من أجل استرداد ما اغتصب من أرضص المسلمين» وكان هذا سبيل المسلمين في عصور التاريخ الإسلامي الماضية. أما ما يجري في أيامنا من معاهدات واتفاقات فهي بعيدة عن الرأي السليم كيف لا وهم لا يحكمون أصلاً بالإسلام.

أما عن الوفاء بالعهد فيجب على المسلمين الوفاء بالعهد والمواثيق ما دام العدو ملتزماً بهاء فإذا تغير الخصم ونكث كان من حقهم اتخاذ ما يرونه مناسباً لردعه ويجب التنكيل به وتأديبه وعودة الحرب معهء وإن كانت المعاهدة قد انتهت مدتها ينبغي الإبلاغ بنهايتها حتى يعلم الطرفان بأن حالة القتال والحرب بينهما أصبحت ا

موقف عامة المسلمين أثناء الجهاد:

إن المسلمين في كل أنحاء العالم يمثلون أمة واحدة متّحدة في كل شيء في إيمانها وأخلاقها وأهدافها وجهادهاء وقول القرآن الكريم: #إن هذه أمتكم أمة

ص ١65-١11ه‏ الشوكاني: نيل الارطار ج ماص 185-١١؟‏

3

واحدة4”'' وقوله لإإنما المؤمنون أخوة6”" وقول الرسول يكلِ (المسلم أخو المسلم لا يخذله. ولا يظلمه)”" وقوله أيضاً (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كالجسدء إذا اشتكى منه عضو تداعى له باقي الجسد بالحمى والسهر)”؟ وقوله (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعض بعضاً)”” كل ذلك يؤكٌد وحدة المسلمين» وأنهم مهما تباعدت بهم الأوطان فهم أخوة في أسرة كبيرة هي العالم الإسلامي» ومن ثم فإن عدوهم ينظر إليهم نظرة واحدة. فهو يحارب المسلمين في كل مكان» ولهذا فإن حركات الجهاد الإسلامي كانت تشمل الدعوة للجهاد في كل أقاليم الدول الإسلامية» ومن حق كل مسلم المشاركة فيه وليس لأحد أن يمنعه من إداء واجبه» فقد كانت الحروب الصليبية شاملة؛ هدفها بلاد المسلمين في القدس وفلسطين والشام ومصر وبلاد الحجاز وتونس ومختلف الجهات وسائر الأطراف القريبة والبعيدة وبلاد المسلمين في البحر المتوسط وفي الأندلس» أي أنها كانت موجهة قد السامين في :قل مكان: ومن ثم كان جهاد المسلمين للصليبيين بهذا المعنى» لأن المسلمين كانوا يفهمون أن هدف الصليبيين هو تحطيم الإسلام وأهله؛ كما أن المؤرخين المسلمين في كل مؤلفاتهم كانوا يجعلون الإسلام الهدف الأول الذي يقصده الأعداء» وإن هدفهم تحطيم ما للإسلام من قوة وفي المذايح التي ارتكبوها ضد المسلمين ما يدل على تعصبهم وسوء نواياهم وهنا نؤكد أن الأسباب الإقتصادية والمصالح الدنيوية لم تكن هدفاً أو سبباً في الجهاد الإسلامي طوال العصور الإسلامية» وتخلو المصادر الإسلامية تماماً من أية إشارة إلى أن المسلمين كانوا يجاهدون من أجل الحصول على المغانم» وإنما قد تكون جهاد لضرب إقتصاد العدو وتموينه وما يمكنه من التفوق على المسلمين» فالقضية كانت جهاد في سبيل الله وتأييد الإسلام» ومن ثم نجد المصادر الإسلامية تشير إلى هذا المعنى؛ فمثلا قول المؤرخين المسلمين: لولا نصر الله لهلك الإسلام؛ وقول السلطان المظفر قطز )١(‏ سورة الانبياء: آية 947

(؟) سورة الحجرات: آية ٠١‏

(؟) مختصر صحيح مسلم: حديث رقم: هلالا١‏

(4:) مختصر صحيح مسلم: حديث رقم: 4لالا١‏ (0) مختصر صحيح مسلم: حديث رقم: #/الا١‏

وف

في موقعة عين جالوت 508ه/ الي ل 0 بأعل صوته: «وا إسلاماه؛ ومثل هذا القول أيضاً أن يقول المسلمون «أصبح الإسلام على خطه؛ ولم تشر المصادر الإسلامية إلى فقدان الأرض أو المتاع 5 أنه الهدف من هذه الحرب أو الغاية التي من أجلها يجاهدون.

وكان عامة المسلمين الذين لم يخرجوا مع الجيش الإسلامي للقتال يجتمعون في المساجد ويقرأون القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ويتضرعون إلى الله بالدعاء والبكاء ويسألون الله أن ينصر جيش الإسلام» ويستمرون على هذا الحال حتى يصلهم الخبر بنتيجة المعارك». فإن كانت إنتصاراً حمدوا الله وشكروه وأدوا الصلاة شكراً لله تعالى» وإن كانت إنكساراً حمدوا الله وبدأوا فى دراسة أسباب الخلل وأسباب الهزيمة ولا يقنطون من رحمة الله ويبدأ الاستعداد للخروج من جديد إلى ميادين الجهاد لمقارعة أعداء الإسلام من جديد. والمعنى أن الأمة الإسلامية أمة واحدة وهي كالجسد الواحد فهل ترى لهذا المعنى وجوداً اليوم.

القتال بين المسلمين:

قال رسول الله وق من حمل السلاح علينا فليس منا»”'' أي يكون مفارقاً للجماعة الإسلامية» خارجاً عليهاء فيكون قتاله واجباًء وقول الله تعالى #وإن

طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهماء فإن بغت إحداهما على الأخرى

فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله» فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل اك إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم

تقوا الله لعلكم ترحمون6”" .

ويفهم من الآيات السابقة أنه إذا وقع خلاف بين طائفة وأخرى من المسلمين» فعلى الطائفة الثالثة أو الفريق الثالث من المسلمين الذي ليس طرفا في القتال» يجب عليهم التدخل لحل الخلاف بين الفريقين المتخاصمين )١(‏ مختصر صحيح مسلم: : حديث رقم: ١1186‏

(0') سورة الحجرات: الآيات 1١-4‏ محمل عزه دروزه: الجهاد في سبيل الله ص 1١684- ١58‏ حجازي: التفسير الواضح ج ص 48-47

:

وإصلاح ما بين المتقاتلين المسلمين» لأنهم أخوة لا يجوز أن يقع بينهم قتال ولا يبغي أحد على أحد؛ وينبغي مناصرة المظلوم المبغى عليه بالسلاح إذا لم يرتدع الظالم ويقف عند الحق والعدل وحدود الله بمعنى أن الطائفة الباغية منهما ينبغي ردعها بقوة السلاح وخخصوصاً إذا كانت إحداهما موالية للأعداء وتستعين بهم ضد المسلمين”3) وأخوة الإسلام أقوى من أخوّة النسب ومن ثم وجب على المسلمين الإصلاح بين المختلفين المتقاتلين ولا بدّ أن يعلموا «أن التقوى لله هي العلاج العام التي يمنع النزاع ويفك الخصام وهي سبيل الرحمة وطريق النجاة؟ .

أما عن البغاة فهذا أمر هام والبغة لغة جفع باغ وهو المائل عن المقصد. والحائد عن الحق وشرعاً يقصد بالبغاة أنهم قوم مسلمون يخرجون على الإمام والجماعة بتأويل بالغ. ولهم شوكة» وسمّوا بغاة لميلهم عن الحق وما عليه جماعة المسلمين» وذلك بخروجهم على الطاعة والجماعة ومحاولة فرض رأيهم على الأمة بالقوة وهنا ننبه إلى أن البغي يكون على واقع دلالة إسلامية تمثل المسلمين وملتزمة بالإسلام ظاهراً وباطناً ومنهج حياة ولذلك وضع الفقهاء شروطاً لثبوت وصف البغي واستحقاق حكمه وهذه الشروط: ١‏ - أن يكونوا مسلمين مكلفين ؟ - أن يكونوا أصحاب رأي دعاهم للخروج ع- أن يعتمدوا على رأيهم على تأويل سائي . - أن يتحقق منهم الخروج فعلاً ه - أن يكون خروجهم على إمام شرعي يحكم بالشريعة ظاهراً وباطنا

وملتزما بالإسلام.

فإن اختلٌ شرط من هذه الشروط بأن لم يكونوا مسلمين أو مكلفين أو بأن لم يكونوا أصحاب تأويل أو بأن لم يخرجوا على إمام شرعي بل على إمام ضال فهؤلاء لا يعتبرون بغاة ولا ب؟ يغبت لهم حكم البغاة وإنما تثبت لهم أحكام

(١)انظر:‏ حجازي: التفسير الواضح ج 7 ص 5١-5١٠‏ ثم انظر: ابن ابراهيم المقدسي: العدة ص هلاه-لالاة .

3

أخرى تختلف باختلاف الشرط المفقود بعضها يدخل في التعزير وبعضها في قظاع الطريق وبعضها في الجهاد. ولقد عامل الإسلام البغاة معاملة كريمة رحيمة غير معاملة قظّاع الطريق» حفظ لهم فيها كل الحرمات والحقوق الإنسانية تقديراً لبواعثهم النبيلة ونيتهم الصالحة وإن أخطؤوا الرأي أو ضلوا الطريق» فقرر لهم أحكام عادلة» وأوجب لهم حقوقاً وحرمة هي بالعلاج والاستصلاح أشبه منها بالعقاب والتأديب. فترفق بهم إلا فيما تدعو الضرورة إليه من القسوة الواجبة لتقويمهم وكف أذاهمء بعد استنفاذ كافة الوسائل السلمية والممكنة في ردهم إلى الطاعة والجماعة بالحكمة والموعظة الحسنة وهذه جملة أحكامهم وما يجب على الإمام والأمة بالنسبة لهم: أولاً : وجوب الكشف عن شبهتم. وإزالة ظلامتهمء فذلك من الإصلاح المأمور به قوله تعالى #فأصلحوا بينهما» ويفهم من هذا أن نظرة الدين إلى المسلمين على أنهم دولة واحدة وحدث في كيانها بغى على هذه الكيفية. وقد ؤائتل على رضي لمعنه اهل البسرة بوم بؤلعة الجمل بوكال+ هذا بوم عن فلح اوااقلج نروع القياعةة ثانياً : عدم البدء بقتالهم حتى يبدؤوا هم بالقتال؛ فقد أمر علي رضي الله عنه أهل البصرة يوم الجمل ألا يبدؤوا أهل البصرة بقتال حتى يكونوا هم اليادئين. ثالثاً : قتالهم أخيراً حتى يفيئوا إلى أمر اللهء لقوله تعالى: «وقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله4 ولقوله وَِ: (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشقٌ عصاكم أو يفرق جماعتكم» فاضربوه بالسيف كائناً ما كان).

والمعنى واضح في أن المسلمين يمثلون جماعة واحدة وخلافة واحدة

أو سلطنة واحدة ومن خلالها يقوم عمالها والقائمين على إدارتها وفق الشريعة

فإن ظهر فيها البغاة ينبغي تطبيق الشريعة في القضاء عليهم ولكن حال

المسلمين منذ إنهيار الخلافة الإسلامية وإلغاء شعارها رسمياً عام 914١م‏

على يد الطاغية أتاتورك والذي حرم كل ما يدل على الإسلام ثم ظهرت الدول 23

المستقلة من خلال إرادة الدول الإستعمارية وسارت على منهج يعاند الشريعة فهل ظهور هذه الكيانات الصغيرة منها والكبيرة في ظل حدودها السياسية واختلاف دساتيرها من بلد إلى آخر مع بعدها جميعاً عن الشريعة الإسلامية سواء كان ذلك في المحتوى النظري أم في التطبيق الأمر الذي يقود إلى سؤال حول مدى مشروعية أوضاع الدول الإسلامية بأحوالها القائمة ومفاهيمها الواقعية للرد على ذلك يمكن العودة إلى صفحات التاريخ الإسلامي إيان الجهاد ضد الصليبيين والمغول؛ فإن مثل هذه الدويلات كانت تشكل معوقاً في طريق وحدة المسلمين ومعوقاً في طريق الجهاد ومن خلال هذا التفتّت إخترق العدو الحدود وعاث في البلاد فساداً ومن ثم فإن السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي المؤمن بالشريعة الإسلامية وبموافقة الفقهاء والعلماء في زمانه وما أكثرهم وما أقوى إيمانهم بدأ بتوحيد دويلات الإسلام في بلاد الشام ومصر والحجاز واليمن والنوبة والأطراف الشرقية من ليبيا وذلك بهدف تكوين دولة واحدة بقيادة واحدة تتصدّى لإعمار البلاد والنهوض بأمر الجهادء فإن الإسلام يؤيد كل إجراء لتوحيد المسلمين وينكر أي ظاهرة للإنفصال والإقليمية لأن ذلك لا يحقق معنى أن المسلمين أمة واحدة ولا يحقق معنى الآية الكريمة #وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكة"". ...»4 لأن هذا التوجيه يتطلب دولة تضم المسلمين لها طاقاتها وقدراتها العلمية والقتالية. وبالله عليكم هل يرهب أعداء الله من دويلات متفرقة صغيرة الحجم؟» هل من المعقول أن تتصدى دويلة صغيرة قد لا يزيد عدد سكانها على مليون أو دون ذلك لهذا الأمرء إن الراجح كما قدمت أن الإنقسام السياسي والإختلاف المنهجي يحول بين التقدم العلمي المطلوب لتحقيق معنى الآية الكريمة وبين إظهار الهيبة وإرهاب الأعداء وبالتالي فإن كل من يقوم بالتوحيد وجمع الصف مرغوب فيه وإن جار في الظاهر في التصرف, لأن المصلحة العامة للإسلام والمسلمين مقدمة على كل اعتبار.

سورة الانفال: آية‎ )١(

/7ع4

رابعاً : قتال أهل البغى أخيراً حتى يفيئوا إلى أمر الله لقوله تعالى طفقاتلوا التى تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ولقوله يِ: (من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يشقٌّ عصاكم أو يفرّق جماعتكم» فاضربوه بالسيف كائناً ما كان). خامساً: حرمة قتال البغاة إذا تركوا القتال» روى سعيد عن مروان (قال: صرخ صارخ لعلي يوم الجمل: لا يقتلن مدير» ولا يذفف (يجهز) على جريح » ولا يهتك سترء ومن أغلق بابه فهو آمن» ومن ألقى السلاح فهو آمن). سادساً: حرمة قتل أسيرهم أو جريحهم ‏ لما رواه ابن مسعود أن النبي وك قال: يابن أم عبدء ما حكم من بغى من أمتي على أمتي؟ فقلت: الله ورسوله أعلم» فقال: (لا يقتل مدبرهمء ولا يجاز على جريحهم. ولا يقتل أسيرهمء ولا يقسم فيتهم). ثامناً : لا يضمنون ما أتلفواء وضمانه في بيت المال» وقد وقع على هذا اجماع المسلمين في الصدر الأول من تاريخ الاسلام. والإسلام ينظر إلى البغاة على أنهم أهل رأي واجتهاد أخطؤوا اصابة الحق فيه» وضلوا عن الطريق الموصل إليه؛ فهم عنده معذورون ومأجورون بقدر ما عندهم من نية صحيحة » وهو لذلك يعاملهم معاملته للمسلم الذي له كافة حقوق المسلمء فلا يبيح قتالهم إلا بقدر الذي يكف بأسهم ويرد شرهم وهو مع ذلك يوجب لهم عصمة المال وصيانة الحرمة» بل حقوق الإخوة والإسلام» فقد كان علي رضي الله عنه يكفن قتلاهم ويصلي عليهم ويدفنهم» فقيل له في ذلك. فقال: (إخواننا بغوا علينا) فلم يخرجهم البغى عن أخوة الاسلام» ولم يذهب بحقهاء هذا تكييف الإسلام القانوني لجريمة الخروج على الإمام وهنا نؤكد على عدم شرعية استعانة المسلم بغير المسلم في قتال المسلم وان كان من البغاة وتعليل ذلك ما سبق وخصوصاً ان هذا القتال من نوع خاص لا يتعرّض إلا لعنصر البغى الفاعل وفي أضيق الحدود في حين أن استعانة المسلمين بالكفار (وهم غير المسلمين) ضد أي جماعة من المسلمين لا يصح وإذا كانت موالاة الكفار غير جائزة فكيف بالتحالف وكيف إذا قاتل م1

المسلم مع الكفار ضد فئة مسلمة اخرى ونؤكد ان هذه الشروط عندما يحدث

البغى على امام مسلم يقوم بتطبيق الشريعة فكيف إذا كان الأمر عكس ذلك والناظر إلى القوانين الوضعية 50 الحديئة التي تصف نفسها

بالتقدم والمدنية» فهي لاا تسمح بوجود رأي يخالفهاء وتعتبر صاحبه عدوا يجب سحقه» ولو لم يتعرّض لهاء من قبل أن يشتد ويصبح خطراً عليها ‏ فهي تعتبر أن من ليس معها فهو عليها. ومن ثم تعامله بمنتهى القسوة والبشاعة بدعورى أنها تحمى الفكر والنظام ومن مظاهر القسوة والاستيداد في هذا

النظام ما يلي!.

. تستأصلهم وتتبع مدبرهم» وتجهز على جريحهم وقتل أسيرهم‎

؟ - تأخذهم بأنواع العذاب لتدمر أرواحهم» وتقتل معنوياتهم وتشرد بهم من 3 خلفهم .

7 وهي تأخذ أقاربهم ومن لا ذنب لهمء لمجرد أن لهم صلة بهم ولو كن نساء أو ذرية ضعفاء» فتأحذ الأخ بجريمة أيه » رجعة إلى شريعة الغاب.

- وهي تجوعهم وتذلهم وتفرض عليهم الحصار الاقتصاري وتصادر أموالهمء وتستبييح حرماتهم وكرامتهم» وتهدر الساليتي ا وصدق الله العظيم اذ يقول (ان الله بالناس لرؤوف رحيم)”©

الإتفاق على الجهاد في الإسلام:

من الملاحظات الهامة التي ينبغي أن نؤكد عليها أن الجهاد لا بد وأن يكون من مال حلال لا شبهة فيه» لأن ذلك من عوامل قوة المسلمين» ولقد ورد في آيات كثيرة في القرآن الكريم ربطت بين الجهاد بالنفس والمال» ويفهم من ذلك ان فريضة الجهاد على المسلمين قد شملت المال أيضء ففي الآية الكريمة طانقروا خفافاً وثقالاً("' وقوله تعالى ان الله اشترى من

١57 سورة البقرة: آية‎ )١( (؟) سورة التوبة آية رقم‎

4

المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والانجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم»"" .

المال عصب الحرب ولا يتم جهاد بدون مال ومن ثم فهو عظيم الأثر فى حركة الجهاد ووسائله والإعداد له والصناعة الحربية وما يتصل بشؤون الجيش» كل ذلك يحتاج إلى المال؛ وان عدم الانفاق في سبيل الله من أجل الاعداد للقوة ووسائل الجهاد وإعانة المجاهدين يؤدي إلى التهلكة والضرر لما في ذلك من اغراء اعداء الإسلام على مهاجمته وتسهيل هجومهم عليه وبطشهم يأهله؛ ولقد وردت آيات كثيرة تشجع على الإنفاق في سبيل الله بهدف الحصول على الثواب من الله» ففي سورة البقرة قال تعالى «#مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت الج كي ا والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم» . وقوله تعالى: #وأنفقوا الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا ان الله يحب المحسنين» ل

وعلى ذلك فإن الانفاق في سبيل الله باب مفتوح واجب على كل مسلم على حسب طاقته وقدرته ودليل على قوة ايمانه» لأن من يبخلون ولا ينفقون أموالهم في سبيل الله لهم عذاب شديد» فقد حذر القرآن الكريم من هذا الموقف.ء فقال تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليمء يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لانفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون)” "' ويكفى هذا الوضوح في الانذار الرهيب للذين يكنزون المال ويضنون به على الانفاق في سبيل الله هذا على مستوى الافراد والجماعات فكيف يكون الحال مع الدول والحكومات والمؤسسات التى تملك الأموال الزائدة عن الحاجة ولا ينفقونها في سبيل الله. أضف إلى ذلك إذا سخر هذا المال لخدمة غير المسلمين: فلا شك أن من يفعل ذلك ليس من الله في شيء» ففي قول الله

ا ارال ه16 انظر : ل 0 [فزف سورة ة التوبة: آية لاي انا

0

تعالى ما يرشد إلى سوء حال الأمة التي لا تنفق في سبيل الله ها أنتم هؤلاء تدعون لتتفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراءء وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» 0

وخلاصة القول أن الانفاق في سبيل الله واعداد الجيوش والنفقة عليها أمر واجب على كل مسلم بقدر استطاعته» فان استطاع ولم يفعل وقع عليه اثم ديني كبيرء هذا ان كان من عامة المسلمين. فان كان من أولياء الأمور والحكام ولم ينفق في سبيل الله فانه يكون مقصرا في واجبه نحو الاسلام والمسلمين وان اعرض ولى أمر المسلمين عن الانفاق في سبيل الله فان لم يفعل كان لزاماً على المسلمين الزامه بذلك وان لم يفعل وجب خلع طاعته وعزله» لأن طاعة من يسبب ضعف المسلمين غير واجبة» بل تأثم الأمة على قعودها عن الجهاد وسكوتها عن التباطؤ في أموره ويحق عليها قول الله تعالى بالمهانة والذلة وأن يستبدلها الله سبحانه بأمة أخرى أفضل منها أو أسوأ تقؤم بعذاب المقصرين المتخاذلين. ولقد كان المسلمون يسارعون في الانفاق في سبيل الله رغبة وطواعية. وفي أثناء الحروب الصليبية كان المسلمون في حاجة إلى المال من أجل الجهاد الذي أصبح فرض عين ومن ثم كانت الدولة الاسلامية تجتهد ما تستطيع في الحصول على المال الحلال» وهكذا كان المسلمون في عصر الحروب الصليبية تقوم الدولة بدفم المال من خزائنها وهذا المال يؤخذ من مصادره المشروعة» كما ان الانفاق في سبيل الله مفتوح دون قيود أمام الول ا ليع امال ار ملكا ار لانشاء الجيش وما يلزمه من معدات كانت الدولة 3 تستعين بأموال الرعية أو تقترض من التجار والأغنياء جزءاً من الأموال. فمصلحة الاسلام والمسلمين العامة تقتضى ذلك» اذ ليس في الإسلام حدود اقليمية بين المسلمين وكذلك الجهاد في الاسلام فرض على كل المسلمين افراد وحكومات بصرف النظر عن الحدود السياسية أو الاختلافات في العرق والنسب, فالمسلمون أمة واحدة ومن ثم يمكن القول: ان مسؤولية الجهاد ضد اعداء الاسلام على كاهل

)١(‏ سورة محمد الآية

المسلمين دون استثناء بسبب القرب أو البعد» فهذا مثلاً السلطان المظفر قطز قام في مصر للجهاد ضد التتار والصليبيين ونودي في القاهرة وسائر اقليم مصر في عام 8هم/ ١115م‏ بالخروج للجهاد في سبيل الله ونصرة للاسلام» وكان الملك المظفر قطز في حاجة إلى المال من أجل اعداد الجيش اللازم للحرب» فجمع القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في الحصول على الأموال للجهاد» وكان المظفر قطز يريد أن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهاد الأعداءء وفي اجتماع بحث الفقهاء والقضاة هذا الموضوع رغم خطورته وأهميته لأن العدو يهدد أبواب مصرء وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام من بين العلماء الذين حضروا هذا الاجتماع» فأصدر الفتوى وخلاصتها : «انه اذا طرق العدو بلاد الاسلام وجب على العالم (يريد المسلمين) قتالهم وجاز لكم ان تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط الا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا ما لكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة» ويقتصر كل الجند على مركوبه وسلاحه ويتساوواهم والعامة واما اخذ الاموال من العامة مع بقايا في أيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فله :2006

ونفذ السلطان سيف الدين قطز هذه الفتوى فقد أحضر الامراء كافة ما يملكون من مال وحلى نسائلهم واقسم كل واحد منهم انه لا يملك شيئاً في الباطن. ولما جمعت هذه الأموال ولمٍ تكف لتكوين الجيش والنفقة عليه أخذ السلطان قطز من الناس ديناراً واحداً من كل انسان لديه القدرة على دفع الدينارء» فكان بذلك الاسلوب المال الذي اجتمع لدى السلطان مالا حلالا طيباً» لا ظلم ولا عدوان فيه.

وفي عام 18م احتاج السلطان الناصر محمد بن قلاوون للمال من اجل الجهاد واستدعى مجد الدين عيسى بن الخشاب نائب الحسبه ليأخذ فتوى الفقهاء بأخذ المال من الرعية للانفاق على الجيش» ولكن الشيخ )١(‏ المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك ج ١‏ ص 471-41717؛ ص 848-497 أبو المحاسن :

الدجوم الزاهرة ج لاص "/ا-7

إن

تقي الدين محمد بن دقيق العيد أبى الموافقة على ذلك المشروع مع العلم بأن المطلوب من كل انسان دينار واحد للجهاد؛ وقال نائب الحسبة ابن الخشاب أن الشيخ العز بن عيد السلام قد أصدر الفتوى واجاز أخذ الدينار لأجل ل دنع العدو فقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد «لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى احضر سائر الأمراء ما في ملكهم من ذهب وفضة وحلى نسائهم وأولادهم ورآه وحلف كلا منهم انه لا يملك سوى هذاء وكان ذلك غير كاف» فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد.

وأما الأن فبلغني ان كلا من الأمراء له مال جزيل» وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآلئ» ويعمل الاناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضة ويرصع مداس زوجته بأصناف الجواهر وقام الشيخ : تقى الدين دون الموافقة على أخذ دينار من الرعية للجهاد خوفاً من الظلم» ٠‏ لأن الظلم اعتداء على شريعة الاسلامء ا ا ا وينبغي أن يكون اداء مثل هذه الطاعة بعيد عن الحرام والظلم والاستغلال17» وازاءالموقف الشرعى اضطر السلطان الناصر محمد الى النظر فى «اموال التجار ومياسير الناس وأخذ ما يقدر عليه من كل عنهم بحسب ماله. ..» واعتبر حال التجار وأرباب الاموال وفرض على كل واحد من مائة دينار إلى عشرة دنانير فلم يدع اجر ولا متسبباً ولا من يعرف بغنى الا وأخلذ منه» وطلب م تجار الكارم «تجار البهار» وأعيان التجار مالاً على سبيل القرض

ومن هذا يفهم أن الجهاد يتطلب مالا حلالاء فان وجد المال عند التجار أو الاغنياء وحكام المسلمين فانه يجب عليهم النفقة في سبيل الله ومن أجل الاعداد للجهادء فان بخلوا فانهم بذلك يكونون قد جانبوا الاسلام حقيقة» ومن ثم يؤخذ منهم المال قسراً للاستعانة به على جهاد العدوء فمصلحة الاسلام العليا مقدمة على الاعتبارات كافة».

)١(‏ المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك ج ١‏ ص 818-887 د. فايد عاشور العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص ١65‏ () المقريزي: السلوك لمعرفة دول الملوك ج ١‏ ص 415-848

وك

(لفصل (لثان ظهور دولة المماليك قْ مصر

التعريف بالمماليك 7 الساليك وجنعه اليك اسم مقعول نالفل نلك 66 وويدو أنهذا المعنى مأخوذ من القرآن الكريمء فقد وردت عبارات «ملكت ايمانكم؟ و #ملكت أيمانهم» وااملكت يمينك #أويفهم من ذلك أن المملوك عبد مملكة بفتح اللام وضمها اذا سبى وملك دون أبويه ولم يلبث لفظ المملوك أن اتخذ معنى اصطلاحى خاص في التاريخ الاسلامي» ومن ثم أصبح يقصد بالمماليك جموع الرقيق الأبيض الذين كانوا يصبحون رقيقا اما نتيجة للأسر في ميادين الحرب أو للشراء من التجار الذين يجلبونهم إلى البلاد الاسلامية رغبة في بيعهم بأثمان مرتفعة واقترن ذلك اللقب بالرقيق الابيض دون السود» وكانت بلاد الترك في وسط آسيا وأنحاء كثيرة من أوروبا ومن بلاد بحر البلطيق المصدر الرئيسى الذي يأتى منه المماليك وكان هؤلاء المماليك يفخرون بأنفسهم وانتمائهم إلى الاتراك» اذ لعب المماليك الاتراك دوراً هاماً في السياسة الاسلامية في تاريخ الاسلام”". ولقد!انشك النناليلة: إلى تطار التخامنة (تجان الرقيق) احياناً وإلى سادتهم الذين اشتروهم أحياناً أخرى كما انتسب بعضهم إلى الثمن الذي دفع عند شراء أحدهم إن كان المبلغ كبيراً. وسادت علاقة الأستاذية بين السيد ومماليكه فهو أستاذهم وسيدهم وعلاقتهم به قوية لأنه هو الذي رباهم وانفق عليهم ورعاهم رعاية إسلامية» فنشأ عن ذلك رابطة لا انفصام لها بين الأستاذ

)١(‏ 735-736 .2 ركنوهغلن5 عاساأتسدقة ع1

66

ومماليكه فيكونون دوماً رهن اشارته وينفذون أوامرهء وكانت تربط الأمراء الذين نشأوا وعاشوا عند سيد واحد علاقة الخشداشية”' أي الزمالة» فهم جميعاً زملاء وأصدقاء؛ وكانوا يؤمنون أنهم جميعاً متساوون في النشأة والأصول والحق والواجب ولم يكونوا عبيداً للخدمة فقط مثل غيرهم في البلاد غير الإسلامية» إذ كانوا يرون أن السلطان واحد منهمء وكان هؤلاء المماليك يحررون ويعتقون فيتسلمون المناصب العليا في الدولة مثل قيادة الجيش أو نيابة الاقاليم أو وظيفة من وظائف الدولة العليا تمشياً مع روح الإسلام التي تتركز على المساواة بين الآدميين والتي تجعل من التقوى في الدين المعيار الذي يوزن به المرء في حياته الدنيا والآخرة”” . ولقد اهتم السلاطين الأيوبيين ثم السلاطين المماليك من بعدهم بتربية المماليك تربية إسلامية» يدرسون ثقافة إسلامية ويتعلمون القراءة والكتابة وحفظ اجزاء من القرآن الكريم والوقوف على معالم السيرة النبوية الشريفة حتى إذا فرغوا من ذلك انتقلوا إلى التدريب العسكري وتعلم اساليب الحرب وفنون القتال ويقسم المماليك في هذه المرحلة إلى طوائف وكل طائفة يتسلمهم معلّمء فيعلمهم السباحة وركوب الخيل واللعب بالسيف والضرب بالرماح والقذف بالاطواق والمبارزة ورمي النشاب ولعب الكرة بقصد إصابة الهدفء فيكون جندياً كاملاً يلتزم بالطاعة واتباع الأوامر وتنفيذها وكان المملوك إذا ما ظهرت كفاءته وشجاعته في ميدان القتال والمبارزة أمكن ترقيته وعتقه وادراجه في سلك الوظائف في الدولة حتى إذا ما تهيأت الظروف نال وظيفة ليابة السلطان أو امرة في الجيش أو منصب السلطنة إذا اقتضى الا (ولقد نجح المماليك في فترة حكمهم التي امتدت ما بين سنتي ١175١‏

)١(‏ خشداشيه جمع خشداشي أي الزميل في الخدمة والخشداشيه في اصطلاح عصر المماليك معتاها الأمراء الذين نشأوا وعاشوا عند سيد واحد نبتت بينهم رابطة الزمالة القديمة. انظر: التجوم الزاهرة ج لا ص ٠١‏ حاشية ١‏

(1) انظر المؤلف: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص »11-١5‏ تاريخ المماليك البحرية ص 2375 .736 .2 رققتقكلنا5 علناأسدل/13 عط1

(") المؤلف: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص ١‏

مم في التصدي لأعداء الإسلام في الشرق والغرب وجاهدوا بإسم الله وفي سبيل الله ضد اعداء الله والإسلام والمسلمين ولقد اعترف لهم بهذا الفضل الكتاب والمؤرخون من المسلمين وغيرهم فقد تحدث عنهم المؤرخ فيليب حتي بقوله «وهكذا استهل المماليك عهدهم بمصر يزعامة سلاطين ظافرين فخورين فازوا باستئصال آخر السلطة الفرنجية وتمكنوا من الحيلولة بين المغول وتدويخ العالم»”" كر

وحول اهتمام المماليك بالعمران قال فيليب «فإن عنايتهم بالفن والعمارة تضاهي عناية أهم دولة متمدنة بحيث صارت القاهرة من أجل المدن فى العالم الإسلامي» وقال أيضاً «بيد أن أغرب المحاسن التي تحلى بها عصر المماليك على ما كان فيه من شأن عظيم للحروب والاهوال الانتاج الباهر في العمارة والفن على أسلوب لا مثيل له في تاريخ مصر منذ أيام البطالمة والفراعنة وأنه لمن حسن الطالع أن تكون أفضل نماذج العمارات الراجعة إلى عصر المماليك باقية حتى اليوم وهي من أمتع المشاهد التي يقصدها السياح وطلاب العلم» وقال في موضع آخر #وقد أدوا إلى الإسلام خدمتين: الأولى أنهم حروروا سورية ومصر من بقايا الصليبيين والثانية أنهم اوقفوا الزحف المخيف الذي قامت به قبائل المغول والتتر بقيادة هولاكو وتيمورلنك ولولا ذلك لجاز أن يكون سبيل الحضارة والتاريخ في غربي آسيا ومصر برمته غيره اليوم»”")

وأما المؤرخ ابن خلدون فقد وصف المماليك في موقعة المنصورة عام /1"هم/ 4مم قال «لوإن الفرنج شعروا بموت الصالح فدلفوا إلى معسكر المسلمين على حين غفلة فانكشف اوائل العسكر وقتل فخر الدين الاتابك» ثم أفرغ الله الصبر وثبت اقدامهم وأبلى أمراء الترك في ذلك اليوم بلاء حسناً ووقفوا مع شجرة الدر زوج السلطان تحت الرايات ينوهون بمكانهاء فكانت لهم الكرة وهزم الله العدو»””

٠١8 العرب: ص‎ )١( لالبرحي: العرية قن 010102100101 تاريخ نويه ج1301‎ )0( م١7 ابن خلدون ج ص‎ )9

/اه

وأشاد المؤرخ المقريزي بموقف المماليك وصبرهم يوم المنصورة فقال: «وإذا بالفرنج اقتحموا على المنصورة فتفرق الناس وانهزموا يمينا وشمالاً» وكادت الكسرة أن تكون فإن الملك ريدافرنس وصل بنفسه إلى قصر السلطان إلا أن الله تدارك بلطفه واخرج إلى الفرنج الطائفة التركية التي تعرف بالبحرية والجمدارية. . .30

وتحدث المقريزي أيضاً عن تربية المماليك تربية إسلامية فقال: «فلذلك كانوا سادة يدبرون الممالك وقادة يجاهدون في سبيل الله وأهل سياسة يبالغون في اظهار الجميل ويردعون من جار أو تعدى)”)

وأشاد ابن خلدون بالدور الذي قام به المماليك بقوله: «حتى إذا استغرقت الدولة في الحضارة والترف ولبست أثواب البلاء والعجز ورميت الدولة بكفرة التتر الذين أزالوا كرسى الخلافة وطمسوا رونق البلاد وأزالوا بالكفر من الايمان بما أخذ أهلها عند الاستغراق في التنعيم والتشاغل في اللذات والاسترسال في الترف من تكاسل الهمم والقعود عن المغامرة والانسلاخ من جلدة البأس وشعار الرجولية» فكان من لطف الله سبحانه أن تدارك الايمان بإحياء رمقه وتلاقى شمل المسلمين بالديار المصرية بحفظ نظامه وحماية سياجه بأن بعث لهم من هذه الطائفة التركية وقبائلها العزيزة المتوافرة أمراء حامية وأنصاراً متوافية» يجلبون من دار حرب إلى دار الإسلام في مقادة الرق الذي كمن اللطف في طيه وتعرفوا العز والخير في منبته وتعرضوا للعناية الربانية بتلافيه يدخلون في الدين بعزائم ايمائية واخلاق بدوية لم يدنسها لؤم الطباع ولا خالفتها اقذار الملذات ولا دنستها عوائد الحضارة ولا كسر من سورتها غزارة الترف...”"©

أما عن المماليك الشراكسة الذين كونوا الدولة المملوكية الثانية ( 85/ا- 977ه) فقد وضعهم اسماعيل سرهنك باشا بقوله: «وقد اشتهرت هذه الأمة

02 المقريزي: الخطط ج ١‏ ص ؟ئِج2”32,> إفرف ابن غخلدون: ج مص 7 مام

6

بالشجاعة وجمال الصورة ومعاضدة بعضهم بعضاً واشتهر كثيراً من أمرائهم بمحامد الاخلاق والصلاح والفروسية)”"'.

ووصفهم لينبول فقال: «هذا إلى أنهم كانوا مسلمين حقيقيين يصومون بانتظام ويمتنعون عن شرب الخمر ويحجون إلى بيت الله الحرام ويضمنون مكانهم في العالم الآخر ببناء المساجد والمدارس والمستشفيات والمعاهد الدينية نا

أما عن استخدام المماليك في العالم الإسلامي» فقد بدأ الخلفاء من بني العباس في استخدام هذا العنصرء وكان الخليفة المأمرن أول من استخدمهم في بلاطه» ولما تولى الخلافة المعتصم ادرك خطورة الاعتماد على العناصر الفارسية في حماية الدولة وحفظها وكانت ثقة الخليفة قد ضعفت في العرب لتمردهم وكثرة فسادهم. ولهذا اتجه المعتصم لاستجلاب عناصر غير عربية من التركمان وكون منهم فرقاً عسكرية لتدعيم سلطانه وحفظ دولته ولهذا احاط نفسه بجيش من التركمان والترك وسار من جاءوا بعده على نفس هذه السياسة واعتمدوا على المماليك في بناء قواتهم العسكرية واتخذوهم حراساً الاين

كما كثر استخدام المماليك في الولايات التابعة للخلافة العباسية كما في مصر عهد الدولة الطولونية حتى قيل أن عددهم زاد في عهد احمد بن طولون عن اربعة وعشرين ألف مملوك من الاتراك واربعين ألفاً من السود وسبعة آلاف من الاحرار المرتزقة”*) وسار على نهجة محمد بن طفج الاخشيد في الاعتماد على المماليك من الاتراك والديلم في جيشهء وكان إلفاطميون (854- لاكمه 959/ /17١1م)‏ في حاجة إلى جيش كبير يوطدون به اركان دولتهم في مصرء ويمكنهم من السيطرة على بلاد المشرق الإسلامي

١78 ص‎ ١ سرهئك: حقائق الأخبار عن دول البحار ج‎ )١(

( لينبول: سيرة القاهرة ص 7١١‏

(*) المقريزي: الخطط ج ١‏ ص 15 ابن عبد الظاهر: تشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور ج ١‏ ص 6لا حافظ يدي الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي ص 74

(5) المقريزي: الخطط ج ١ص‏ 44 تشريف الأيام والعصور ج ١‏ ص 75 راسم رشدي: مصر والشراكسة ص 714

09

والانتصار على العباسيين فزادوا من الديلم والغزو السوداني والبربر والمغارية9" .

ولما انتقلت السلطة فى مصر إلى الأيوبيين ( 551 558ه/ 1١/١‏ )0 وسط أطماع صليبية لاحتلال مصر بعد أن ملكوا معظم بلاد الشام؛ اعتمدت الدولة الأيوبية على الاكراد والمماليك في تكوين الجيش إلا أن المماليك في عصر الملك الصالح نجم الدين أيوب ازدادوا عدداً وقدراً إذ اعتمد عليهم بعد أن خذله الاكراد فزاد من شراء المماليك من العناصر التركية واقام لهم النكنات العسكرية في قلعة الروضة التي انشأها بجزيرة الروضة عام لتكون مقراً لقواته المسلحة وسموا بالمماليك البحرية”'؟ وجهز تلك القلعة ما يلزم من السلاح وعدد الحرب وانشأ فيها جامعاً وستين برجا ولما تم بناؤها انتقل إليها الملك الصالح نجم الدين مع افراد اسرته ومماليكه””" .

وتظهر أهمية المماليك وازدياد نفوذهم السياسي في الدولة الأيوبية في النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي عندما تمكن هؤلاء من خلم العادل الثاني من الحكم واحلال الصالح أيوب محله في السلطنة وكان من نتيجة ذلك أن ازداد تقدير الصالح نجم الدين أيوب ( 1١154٠‏ 155١م)‏ للعناصر المملوكية وفضلهم عليه في توطيد دعائم حكمه والاحتفاظ بملكه فأكثر من شراء المماليك فزاد نفوذهم على أيامه ويروى أن الصالح نجم الدين أيوب «جمع من المماليك الترك ما لم يجمع غيره من أهل بيته؛ء حتى كان اكثر

)١(‏ المقريزي: الخطط ج ١‏ ص 54؟»: تشريف الأيام والعصور ج ١‏ ص 2755 العصر المماليكي في مصر والشام ص ؟. الظاهر بيبرس وحضارة مصر في عصره ص 71-15 في مصر والشراكسة ص 4" في تاريخ دولة المماليك في مصر 77

00( البحرية اسم أطلق على مماليك الملك الصالح نجم الدين أيوب والسبب في ذلك أن السلطان اختار لهم جزيرة الروضة وسط النيل لتكون مستقرا ومقاما وسموا بالبحرية لاحاطة النيل بهم رفاك ران ررك إن تلكا التيمية نما درطا أن أرلسلق عابرا ل عر ل 1 تجار الرقيق ومن ثم سمو بالبحرية؛ انظر: العصر المماليكيَ في مصر والشام ص ©

(؟) الخطط ج ١‏ ص 454»: مخطوط: كتاب في تاريخ مصر في أيام الفاطميين والايوبيين والمماليك لوحة ١١؛‏ مخطوط الحنبلي شفاء القلوب لوحة 4 ؛, مخطوط ابن ادر فتوح النصر في تاريخ ملوك مصر لوحة ١61‏ -مه1ا المقريزي: : السلرك ج ١‏ ص ١1-5٠١‏

40

أمراء العسكر من مماليكهء ورتب جماعة من المماليك الترك حول دهليزه 5 التعرية20,

ولم يلبث أن ظهر دور المماليك واضحاً عندما اثبتوا كفايتهم في الجهاد ضد أكبر خطرين خارجيين واجها العالم الإسلامي في الشرق الادنى وهما الصليبيين وخطر التتار. قيام دولة المماليك:

قامت دولة المماليك الإسلامية في ظروف صعبة» فقد واجهوا العدوان الصليبي على بلاد الشام علاوة على خطر التتار الذي اقترب من بلاد الشام ومصرء وكان الصليبيون قد تحايوا من جديد بحملة الملك الفرنسي لويس التاسع الذي قاد الحملة الصليبية السابعة» وكان من الأسباب المباشرة لهذه الحملة استيلاء القوات الخوارزمية على بيت المقدس سنة 547ه/ 1144م ثم هزيمة القوات العبليه بعد ذلك في مترقية غزة في نفس السنة» كل ذلك استثار الغرب الأوروبي من جديد فخرج لويس التاسع ملك فرنسا سنة على رأس حملة صليبية كبرى للإنتقام من المسلمين وجعل مصر الهدف الأول للحملة. ثم إن الظروف التى وصلت فيها الحملة الصليبية السابعة في غاية الخطورة» فإن السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب كان يعاني من المرض ولم تكد أخبار الصليبيين تصل مسامعه حتى أمر بحملة في محفة إلى أشموم طناح ليكون على مقربة من العدو ويواجه الصليبيين» وحدث أن تمكن لويس التاسع من دمياط واستولى عليها في يونيه 1154م #وتملكها الفرنج بغير قتال» فغضب السلطان على الأمراء والقادة الذين تركوا دمياط تسقط في أيدي الصليبيين بدون مقاومة وعاقب بعض المسئولين عن ضياع دمياط بالشنق ليقبت قلوب المسلمين من ناحية ويؤدب المتخاذلين من جهة 1

١90 ص‎ ١ العيني: عقد الجمان حوادث سنة /141 ه»ء المقريزي: السلوك ج‎ )١( ف» عقد الجمان ج 518 قسم ؟ لوحة 0207 مرآة‎ ٠١7 (؟) اين دقماق: الجوهر الثمين ورقة‎ - 277 ص‎ ١ لوحة 18. السلوك ج‎ ١ الزمان ج 8 لوحة “2577 ابن شاكرء عيون التواريخ ج‎

5

كما أن السلطان وبخ المماليك الأتراك وقائدهم الأمير فخر الدين لزهمالهم في الدفاع عن دمياط وقال لهم «ما قدرتم تقفون ساعة بين يدي الفرنج» وظهر غضب السلطان عليهم وتخوفوا من نوايا السلطان الملك الصالح أيوب وأرادوا قتله» ولكن الأمير فخر الدين عارضهم في ذلك ووضح لهم أن السلطان مريض وأشار عليهم بالتريث فقال لهم «اصبروا 'عليه فهو على شفا وإن مات كانت الراحة منه وإلا فهو بين أيديكهم»”''.

وكانت القاهرة قد بلغها خبر استيلاء الفرنج على دمياط «فانزعج الناس انزعاجاً عظيماًء ويئسوا من بقاء كلمة الإسلام بديار مصرء لتملك الفرنج مدينة دمياطء وهزيمة العساكر وقوة الفرنج بما صار إليهم من الأموال والأزواد والأسلحة والحصن الجليل الذي لا يقدر على أخذه بقوة» مع شدة مرض السلطان وعدم حركته».

ووضع الصليبيون خطة للتوغل داخل مصر واستقر رأيهم على الزحف إلى القاهرة في الوقت الذي تزايد فيه المرض على السلطان وهو في المنصورة في مقابلة الصليبيين وفي ليلة الإثنين النصف من شعبان 741ه الموافق 7؟/ ١‏ 1144م توفي السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب”". وقال أبو المحاسن : «ولو لم يكن من محاسنه إلا تجلده على مقابلة العدو بالمنصورة» وهو بتلك الأمراض المزمنه المذكوره» وموته على الجهادء والذود عن المسلمين ‏ والله يرحمه ‏ ما كان أصبره وأغزر مرؤته9”0"©

وكانت الفثروف تتطلب إخفاء خير وفاة الملك الصالح سحتى له درا العدو الصليبي على مهاجمة اليلاد. ومات السلطان ولم يوص بالملك إلى

> التجوم الزاهرة ج ١‏ ص 2370 البداية والنهاية ج ١7‏ ص 2111 المختصر في أخبار البشر اج ص ١17/4‏

-١١7 ص ”77 مرآة الزمان ج 8 لوحة 4517 الجوهر الثمين ورقة‎ ١ المقريزي: السلوك ج‎ لوحة 17»: عقد الجمان ج 18 قسم ؟ لوحة 17٠ء شذرات‎ ٠١ عيون التواريخ ج‎ ء»٠٠*‎ .777 الذهب ج ه ص‎

(؟) السلوك ج ١‏ ص 2775 ابن كثير: البداية والنهاية ج ١7"‏ ص /ال١‏

(؟) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج 7 ص 707"

03

9 ولم يكن راضياً على تولية ابنه المعظم تورانشاه لأنه لا يصلح للملك”"2 وهذا موقف حميد للسلطان يدل على ايثاره مصلحة الإسلام والمسلمين» ولذلك أبعد ابنه المعظم تورانشاه إلى حصن كيفا”" ومع ذلك فإن شجرة الدر أرسلت تستدعي المعظم تورانشاه على عجل من حصن كيفا واستمرت الأوامر تصدر بإسم السلطان الملك الصالح في كََ يوم وعليها علامة السلطان والأدوية والطعام تدخل غرفته كما لو كاق عا وذلك بقصد عدم إذاعة خير وفاة السلطان فيطمع الصليبيون في اليلاد. وعلى الرغم من كافة الإحتياطات التي اتخذتها شجرة الدر» فأن نبأ وفاة الملك الصالح أيوب تسرب إلى لويس التاسع قائد الصليبيين فرأى أن يسرع بتوجيه ضربته قبل أن ينظم المسلمون صفوفهم ويستكملوا استعدادتهم وملا الفراغ الذي أحدثه موت السلطان. ولهذا تقدم الصليبيين إلى نقطة تفرغ بحر أشموم من فرع دمياط في مقابلة المنصورة وعبر العدو بحر أشموم إلى المنصورة واندفعت القوات الصليبية في المنصورة بقيادة روبرت دي أرتوا أخى لويس التاسع والذي كان يقود مقدمة الجيش الصليبي وفي تلك الظروف الصعبة ظهر المماليك البحرية في الميدان العسكري لينقذوا الموقف بعد أن قتل الأمير فخر الدين قائد الجيش ويقول المقريزي: «وما هو إلا أن قتل الأمير فخر الدين وإذا بالفرنج اقتحموا على المنصورة»ء فتفرق الناس وانهزموا يميناً وشمالاًء وكادت الكسرة أن تكونء فإن الملك رايداً فرنس (لويس التاسع) وصل بنفسه إلى باب قصر السلطان إلا أن الله تدارك بلطفهء وأخرج إلى الفرنج الطائفة التركية التي تعرف بالبحريةٍ والجمدارية وفيهم ركن الدين بيبرس البندقدارى فحملوا على الفرنج حملة زعزعوهم بها ا باب القصر فلما ولوا أخذتهم السيوف والديابيس» حتى قتل منهم في هذه

١8٠ أبو الفداء: المختصر في أخيار البشر ج ص‎ )١(

(1) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج 7 ص 588 في السلوك ج ١‏ ص 2344-1747 0 القديس لويس ص ١75‏

(؟) حصن كيفا ب تابه ربا ارس الاي : انظر بلدان الخلافة الشرقية ص ١56-١54‏

نذا

النوبة نحو ألف وخمسمائه من أعيانهم وشجعانهه("

واستعد المسلمون من جديد لمواجهة العدو فى ثبات وقد ذكر ابن أيبك هذه المعركة بقوله: «. . . قال بعض من حضر هذه الوقعة: والله كنت أسمع زعقات الترك كالرعد القاصف» ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف» فلله درهم. لقد أحيوا في ذلك اليوم الإسلام من جديد بكل أسد

من البرك تله اتوى عن الجنيدة فلم تكن إلا اساعه وإذا بالفرتج قلنولوا. على أعقابهم منهزمين» وأسود الترك لأكتاف خنازير الفرنج ملتزمين» وقال المقريزي «فكانت هذه الوقعة أول ابتداء النصر على الفرنج»”" ولم يترك المماليك القوات الصليبية تعود إلى دمياط» وإنما طاردوهم حتى أنزلوا بهم هزيمة كبرى عند فارسكور وبذل المسلمون سيوفهم في العدو واستولوا عليهم قتلاً وأسراً وبلغ عدد القتلى سبعة آلاف في قول المقل وثلاثين في قول المكثر وأسر من خخيالة الصليبيين ورحالتهم المقاتلة وصناعهم وسوقتهم ما يناهز مائة ألف إنسانء وغنم المسلمون من الخيل والبغال والأموال ما لا يحصى كثرة» واستشهد من المسلمين نحو مائة رجلء وأبلت الطائفة البحرية ‏ لا سيما بيبرس البندقداريء في هذه النوبة بلا حسناً وبان لهم أثر جميل»9© .

وانتهى الحورقت العسكري اح جيش الإسلام ووقع لويس التاسع والجيش الصليبي بأكمله تقريباً بين أسرى وقتلى» وكان من جملة الأسرى قائد الحملة الصليبية السابعة لويس التاسع الذي سيق مكبلاً بأغلال إلى

المنصورة حيث سجن في دار فخر الدين إبراهيم بن لقمان!؛» وكان المعظم تورانشاه ابن الملك الصالح أيوب وصل إلى مصر قادماً من كيف يوم الجمعة

١8 ابن أيبك : كنز الدرر ج ؛ ورقة لالالاء عقد الجمان ج‎ »”8٠ ص‎ ١ المقريزي: السلوك ج‎ )١( ١74 لوحة 71 تراجم رجال القرتين ص 2147 الاسحاقي: لطائف أخبار الأول ص‎

50١ ص‎ ١ المقريزي: السلوك ج‎ )١(

() المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 0هع- -67. الخطط ج ١‏ ص 575»؛ عقد الجمان ج 18 قسم ؟ لوحة 17لاء د. حبشي: حملة القديس لويس ص 41 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١‏ ص يرث تراجم رجال القرنين 8 ١184‏ مرآة الجنان ج 4 ص 1١١ء‏ عدراك الح 0 ص 4 جوزيف نسيم : العدوان الصليبي على مصر ص ٠١5-7١1١‏

(4) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 705

54

7١‏ ذي القعدة الموافق 30> فبراير ٠1م‏ وتسلم السلطة فى البلاد وأقام في المنصورة مع الجيش حتى تمت هزيمة الصليبيين وأسر لويس التاسع في يوم الأربعاء الثاني من المحرم 148ه الموافق 5/ 5/ ١5١1١م,‏ فاختال بعد ذلك وأساء معاملة أمراء المماليك الذين جاهدوا فى المنصوره كما أساء إلى شجرة الدر زوجة أبيه التي حفظت له عرش السلطنة حتى حضر من حصن كيفا واستخف بالقادة وأجمعت المصادر على أن السلطان المعظم تورانشاه لم يكن رجل الساعة»ء وأنه كان سيء التدبير والسلوك ذا هوج وخفه» ومن كانت تلك صفاته لا يصلح لتولي أمر المسلمين» وكان مفروضاً أن يقدر السلطان الجديد الموقف الذي ترتب على انتصار المماليك على الصليبيين ولكنه حسدهم على ما حققوه للإسلام من مكانة وسيطر عليه شعور بأن الوقت زاد في تهديد شجرة الدر وطالبها بأموال أبيه يسانده في هذا بعض الندماء فأستقر رأي المماليك على التخلص من تورانشاه بالقتل حتى لا تفسد البلاد بفساده وتضعف بضعفه فقتل فاستراح أهل الشريعة من شره'".

السلطانه شجرة الدر أم خليل:

قال المقريزي: «وبقتل المعظم انقرضت دولة بتي أيوب من أرض مصرء وكانت مدتهم إحدى وثمانين سنة» وعدة ملوكهم ثمانية»!') وبعد مقتل المعظم تورانشاه اجتمع الأمراء والمماليك البحرية وأعيان الدولة للتشاور في أمر السلطنه واتفقت الآراء على تنصيب شجرة الدر سلطانة على مصر وأن يكون مقدم الجيش الأمير عز الدين أيبك التركماني الصالحي» وأقسم الأمراء

)١(‏ المقريزي: السلوك ج ١‏ ص :75١٠‏ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج 5 ص 58" تراجم رجال القرنين ص 2185 مرآة الزمان ج 8 لوحة 5٠١‏

(؟) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 750-68, الخطط ج ١‏ ص 0775 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج 5 ص 555. النويري: نهاية الأرب ج لوحة 50 أبو حامد: دولة الإسلام الشريفة البهية ورقة ١9‏ وهناك مؤرخحين ذكروا أن شجر الدر هي آخر ملوك الدولة الأيوبية باعتبارها زوج الملك الصالح أيوب» انظر الأسحاقي : لطائف أخبار الأول ص 2155 ويرى بعض الكتاب أنها من المماليك.

56

والعساكر اليمين» وذهب أحد الأمراء واسمه عز الدين أيبك الرومي إلى القاهرة حيث أيلغ شجرة الدر بقرار أهل المشورة في الدولة بأختيارها سلطانة للبلاد. فوائقت على ذلك مبدية رضائها وارتياحهال'' وصارت الأمور كلها موكولة إليها وخرجت المراسيم والتوقيع وعلامتها عليها «والدة خليل» وخطب لها على منابر مصر والقاهرة» ونقش اسمها على السكة (النقود) ومثاله «المستعصميه الصالحيه» ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل أمير المؤمنين» واستقرت الأحوال لها .7

وكان على السلطانة شجرة الدر أن تباشر دورها في طرد البقايا الصليبية التى ما زالت في دمياط ولهذا بدأت على الفور المفاوضات مع الصليبيين» وقد ندب الأمير حسام الدين محمد بن أبي علي للتفاوض مع النجانب الصليبي في حين كان نواب الصليبيين في المفاوضات وليم أمير الأراضي الوطائه وجان كونت سواسون وبلدوين دبلين وشقيقة جي دبلين. © وجرت المفاوضات بين الجانبين وبعد مفاوضات ومحاورات ومراجعات اتفق الطرفان على عقد معاهدة تضمنت بنوداً منها أن يرد الملك لويس التا دمياط إلى المسلمين» وأن يطلق سراح الأسرى المسلمين وشرطوا عليه أيضا ألا يقصد سواحل بلاد الإسلام مرة أخرى, وأن يدفع مبلغ ثمائمائة ألف دينار وذلك فدية عنه وعن الأسرى الصليبيين من جهة وعوضاً عما أحدثوه بدمياط من النهب خلال إقامتهم بها من جهة أخرى. واتفق على أن يدفع الملك لويس التاسع نصف الفدية قبل إطلاق سراحه والنصف الآخر بعد مغادرته مصر ووصوله إلى عكا وتعهد الجانب الإسلامي برعاية مرضى الصليبيين الذين بدمياط والمحافظة على معدات الصليبيين وأثقالهم بالمدينة حتى يمكن

١77 ص‎ ١ الخطط ج‎ 2751-771١ ص‎ ١ المقريزي: السلوك ج‎ )١(

(1) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 15لاء الخطط ج ١‏ ص 757ء النجوم الزاهرة ج 5 ص "الال أبو الفداء: المختصر ج ٠‏ ص “15 تتمة المختصر ج ”' ص ١٠١‏ عقد الجمان ج 18 قسم ؟ لوحة 715-/17لء نهاية الأرب ج !1 لوحة 435-96

() السلوك ج ١‏ ص 7315. النجوم الزاهرة ج 7 ص 0758 عقد الجمان ج ١8‏ قسم ؟ لوحة /3"01, د. جوزيف نسيم يوساف: العدوان الصليبي على مصر ص ضفة

51

نقلهاء وقد حددت هذه المعاهدة بمدة عشر سنوات07)

وبع الوم الثامم :إلى السلشين ف وبال امرش شليع المدية للمسلمين «فأبوا وعاودهم مراراً «فسلموها للمسلمين» بعد جهد جهيد من كثرة المراجعات في يوم الجمعة ثالث صفر سنة 148ه الموافق 0/1/ ورفع العلم السلطاني على أسوارها «وأعلن فيها بكلمة الإسلام وشهادة الحق بعدما أقامت بيد الفرنج أحد عشر شهرا وشيعة أيام»”" .

وأفرج عن لويس التاسع وأخيه وزوجته ومن بقي من أصحابه وسائر الأسرى الذين بمصر والقاهرة «من أسر في هذه الواقعة ومن أيام العادل والكامل والصالحء وكانت عدتهم إثني عشر ألف أسير ومائة أسير وعشر سا3

وانتقل الاسرى إلى البر الغربي لدمياط وكان يحيط بالملك لويس التاسع قوة كبيرة من القوات الإسلامية» وركب الملك ومعه كبار الصلبيين في سفينة وركب الاسرى في سفن صليبية أخرى أقلعت في يوم الأحد الرابع من صفر سنة الموافق 8/ 5/ ١16١م‏ ومن ميناء دمياط قاصدة عكاء تحمل آثار الفشل والهزيمة9'.

وعلى الرغم من قدرة السلطائة شجرة الدر على ادارة شئون الحكم وحب الناس والمماليك لها إلا ظروفاً أخرى كانت تقف أمامها فقد عارض بقايا الاسرة الأيوبية في بلاد الشام انتقال السلطة في مصر إليها ورفضوا انتقال الحكم في مصر إلى المماليك وطمعوا في ملك مصر وخاصة الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن السلطان

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص 5 النجوم الزاهرة ج اص 2458 السيوطي : حسن المحاضرة ج اص 00 الجوهر الثمين ورقة »٠١١‏ عيون ا ٠‏ لوحة 276 دول الإسلام ج ّ ص 2.13١7‏ د. . جوزيف نسيم يوسشف: : العدوان الصليبي على مصر ص سسفك يي

زفة السلوك ج ١‏ ص لكالل الخطط ج ١١‏ ص 7١7”‏

(9) السلوك اج ١‏ ص 27517 الخطط ج اا ص ”727؟.

2 السلوك ب ١‏ ص 7"71ء الخطط ج ١‏ ص *2757 أبو الفداء المختصر في أخبار البشرج ا ص 7 : جوائفيل : القديس لويس ص “”7ا١-19/1.‏

34

الكيير المجاهد صلاح الدين» الذي أخل دمشق وشرع يطالب بمصر ويستعد لو

أما موقف الخليفة العباسي في بغداد من تطور الأحداث في مصر فأنه غضب لتولي شجرة الدر الحكم وأرسل إلى الأمراء في مصر يقول لهم «إن كانت الرجال قد عدمت عندكم فأعلمونا حتى نسير إليكم رجلاً»”" وأمام الخطر الايوبي القادم من بلاد الشام وتحذير الخليفة لاستمرار شجرة الدر في الحكم واستغراب هذا الأمر من جهة الناس الذين لم يتعودوا أن امرأة تحكم البلاد ولهذا عرض أمراء المماليك على شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك مقدم العسكر فوافقت على ذلك وتنازلت له عن السلطنة بعد أن حكمت البلاد ثمانين يوماً ويعتبر المعز عز الدين أيبك بن عبد الله الصالحي النجمى المعروف بالتركمانى أول ملوك الترك المماليك بمصر”" وكان ابتداء حكمه في اواخخر ربيع الآخر عام 144ه الموافق اغسطس 1150م. ولكن لم تمض أيام خمسة على سلطنته حتى ثار المماليك الصالحية وطالبوا بأن يكون السلطان من بني أيوب ومن بين زعماء الثوار الأمير فارس الدين اقطاي والأمير ركن الدين بيبرس البندقداري والأمير سيف الدين بلبان الرشيدي والأمير شمس الدين سئقر الرومى» وطالب هؤلاء بأن يكون المعز أبيك أتابكا وليس سلطاناً واختاروا أن يقيموا في السلطنة أحد الأمراء الأيوبيين الصغار ليكون له اسم السلطنة فقط وهم يدبرونه كيفما شاءوا ويأكلون الدنيا بهدء واختاروا الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر بن الأمير نجم الدين أيوب» وكان صغير السن فجعلوه سلطاناً على مصر وخطبوا بإسمه وجعلوا أيبك أتابكا له ولم يكن للأشرف موسى في الحقيقة إلا اسم السلطنة دون جوهرها.

وعلى الرغم من هذه التطورات في مصر وجعل الاشرف موسى سلطاناً على مصر إلا أن اطماع الملك الناصر صلاح الدين حاكم الشام لم تتوقف

)١(‏ المقريزي: الخطط ج »؟ ص 85» الذيل على مرآة الزمان ج ١‏ ص 05-/اه )١(‏ السلوك ج ١‏ صن 58 (17) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ص ”ء ١4‏ ثم انظر ابن خلدون: العبررج ه ص 7/4

3184

وزحف بقواته نحو مصر وحدثت وقائع حربيه بين المعز أيبك وأمراء الأيوبيين في الشام» وكان النصر إلى جانب المعز أيبك وفشل الملك الناصر الأيوبي في تحقيق اطماعه في السيطرة على مصرء ولما انتصر أيبك على الملك ل 0 الكثير من الأمراء والعامة في حين خاف بعض أمراء المماليك من سطوته ومن هؤلاء الأمير فارس الدين اقطاي الذي كان منافساً لأبيك في النفوذء وكان مماليكه ينادونه بالملك الجوادالذي كان منافساً لأبيك في النفوذء وكان مماليكه ينادونه بالملك السجواد”' ثم دبر المعز أيبك لقتل اقطاي فقتله ثم دبر المعز أييك لقتل اقطاي ا المماليك البحرية إلى بلاد الشام 17 بحياتهه”" .

استقلال أيبك بالحكم :

كان من نتائج انتصار المعز أيبك على الملك الناصر صلاح الدين يوسف في العباسة شرقي مصر أولاً وتخلصه من منافسه الأمير فارس الدين اقطاي وهروب المماليك البحرية إلى الشام من ناحية ثانية أن قرر أييك خلع الملك الاشرف موسى من السلطنة والاستقلال بالحكم فأنزله من قلعة الجبل وجعل نفسه سلطاناً وأخذ يستعد ويزيد من قوته لمقابلة خصومه من الأيوبيين وأمراء المماليك البحرية بالاضافة إلى ذلك مواجهة الأخطار الخارجية التى هددت البلاد ومنها الخطر الصليبي والخطر المغولي. 1

وبعد أن استقرت الاحوال في مصر للسلطان أيبك طلب من صاحب الموصل بدر الدين لؤلؤ أن يزوجه ابنته وذلك بهدف توثيق الروابط بينهما من أجل التحالف ضد الاعداء فلما علمت شجرة الدر بهذا الأمر ثارت ثائرتها وقررت الخلاص من أيبك قبل أن يتم الزواج فدبرت قتله وهو في الحمام )١(‏ النجوم الزاهرة ج ص ١١‏ (؟) السلوك ج ١‏ ص 239١٠‏ النجوم الزاهرة ج لا ص ١11-١٠١‏ العبر ج ه ص ه/"5-1/ا5؛ الذيل

0 الزمان ج ١‏ ص مه-2605 المختصر ج ص 6٠‏ ودول الإسلام ج 7 ص 01 تاريخ المماليك البحرية ص 50-78

1

ودبر أيبك أيضاً لقتلها ولكنها كانت اسرع منه في ذلك وقتل في الحمام يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الأول عام 1065ه الموافق ابريل 220117 . وقال صاحب النجوم الزاهرة وكان ملكاً شجاعاً كريماً عاقلاً معرس اكلين النذ ل لل م7

تولى عرش السلطنة بعد أيبك ابنه علي وسمي بالملك المنصور نور

كزية الدين علي ولم يكن تجاوز خمس عشرة سنة 5

في حين قتلت شجرة الدر بعد مقتل زوجها أيبك بأيام وأقيم الأمير سيف الدين قطز نائباً للسلطنة وصار له الشأن والتدبير» واستمر الحال على ذلك حتى داهم التتار بلاد العراق وزحفوا منها على بلاد الشام ووصلت طلائعهم إلى غزة» عند ذلك استقل قطز بالسلطنة وعزل المنصور علي وسار بقواته إلى بلاد الشام لقتال التتار وانتصر عليهم في موقعه عين جالوت ١١١م»‏ ولكن سيف الدين قطز قتل وهو في طريق العودة إلى مصر وتولى الحكم الأمير بيبرس البندقداري الذي بدأ يثيت اركان الدولة ويعمل على استقرار الاحوال وتركيز سلطاته فقابلته مشاكل داخلية وأخرى خارجية حتمت عليه أن يضفي على حكمه الصفة الشرعية أمام المسلمين ليتسنى له القيام بواجب الجهاد ولكن من أين يكسب حكمه الصفة الشرعية والخلافة العباسية قد زالت من بغداد على يد التتار 5607ه/ 1708١م»‏ فكان عليه أن يسعى من أجل إحياء الخلافة العباسية من جديد لتكون له سنداً في الجهاد ضد أعداء الإسلام.

وكان التتار بقيادة هولاكو قد تمكنوا من اجتياج بلاد العراق واستولوا على بغداد وقتلوا آخر الخلفاء العباسيين في بغداد الخليفة المستعصم بالله وذلك في 557ه/ 1508م في الوقت الذي كان المماليك في حاجة إلى تأييد

)١(‏ السلوك.ج ١‏ ص »4٠7”‏ المختصر في أخخبار الشر ج ؟ ص »191-1١47‏ الذيل على مرآة الزمان ج اص ه0:-ل!24 ١٠5-للل‏ العبر ج ه ص /الاث3 تاريخ دولة المماليك في مصر ص » تحفة الناظرين ص ا١١5-1١1.‏

زفق النجوم الزاهرة ج لا ص ١7‏

(؟) السلوك ج ١‏ ص 4٠5‏ ء الخطط ج ا ص 785ء النجوم الزاهرة ج ١‏ ص 1لا"ا-/الاثلا لجنم فى تجار الشر ج ا ص 2157 أخبار الأول ص 177.

و

الخليفة لهم في الحكم واضفاء الصفة الشرعية على حكمهم» لأن المسلمين كانوا يرون في الخلافة الإسلامية شعاراً يمثل الإسلام» وعلى ذلك كان على دولة المماليك أن تحاول إحياء الخلافة الإسلامية من جديد فيكونون بذلك حماة الإسلام والخلافة فيزداد تقدير المسلمين لهم وهذا يوطد حكمهم وبالتالي يقومون بالجهاد ضد أعداء الإسلام» كما كان المماليك فى حاجة إلى استقرار الوضع الداخلي في مصر حتى يتفرغوا لمواجهة الخطرين الصليبي والمغولي ولم يكونوا في بداية حكمهم يأمنون الجبهة الداخلية لكراهية الناس لهم لأنهم أصلاً أرقاء جلبوا من بلاد الشرق واتخذوهم الأمراء في خدمتهم ثم وصلوا إلى الحكم بعد أن انتزعوه من سادتهم الأيوبيين» ومن ثم كان المسلمون يتطلعون إلى عودة حكم الأيوبيين أصحاب الحكم السابقين ولهذا فكر سلاطين المماليك في إحياء الخلافة العباسية في القاهرة ارضاء لشعور المسلمين وكسب تأييدهم» وقد فكر سيف الدين قطز في إحياء الخلافة العياسية ولكن الوقت لم يتح له تنفيذ ذلك المشروع فلما اعتلى الظاهر بيبرس عرش السلطنة شعر على الفور من أجل إحياء الخلافة» وعلم من أحد نوابه في الشام بأنه ورد إلى الغوطة”'' رجل قيل أنه أبو القاسم أحمد الأسمر ابن الإمام الظاهر بن الإمام الناصر وهو عم المستعلم وأ المستنصر ومعه جماعة من عرب شفاجة فى قريب الخمسين فارساًء وأن الأمير سيف الدين قلج البغدادي عرف أمراء العرب المذكورين وقال بهؤلاء يحصل المقصودء وكان أبو القاسم قد سلم من بطش التتار عند عرب العراق في هذه المدة» ثم أراد أن يلحق بالملك الظاهر بيبرس عندما علم بسلطته. وأرسل السلطان الظاهر إلى نوابه في الشام يطلب القيام بخدمة أبي القاسم والعناية به ومن معه حتى يصل مصر «فسار من دمشق بأوفر حرمة إلى جهة مصرا

وخرج السلطان الظاهر بيبرس والفقهاء والأعيان والشهود والقضاة

)١(‏ الغوطة: وهي الكورة التي منها دمشق استدارتها ثمانية عشر ربيلاً يحيط بها جبال عالية من جميع جهاتها وتمتد بها أنهار تسقى بساتينهاء مراصد الاطلاع ج 7 ص ٠١١5-1١١6‏

الا

والوزير بهاء الدين بن حنا وقاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز وسائر الأمراء وجميع العساكر والمؤذنين وجمهور من العامة» وخرجت اليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل لاستقبال الخليفة الجديدء ووصل أبو القاسم إلى مصر في رجب 104ه يونيه ١51١م‏ «فسار السلطان به إلى باب التنصر» ودخل إلى القاهرة وقد لبس الشعار العباسي. وخرج الناس إلى رؤيته» وكان من اعظم أيام القاهرة. وشق القصبة إلى زويلة» وصعد قلعة الجبل وهو راكب» فأنزل في مكان جليل قد هيء له بهاء وبالغ السلطان في اكرامه واقامة اول

ولما كان يوم الإثنين الثالث عشر رجب 48ه/ يونيه ١110م‏ عقد الظاهر مجلساً لمبايعة أبي القاسم بالخلافة واثبات نسبة العباسي» وحضر ذلك المجلس الشهود والفقهاء والقضاة والشيخ عز الدين بن عبد السلام» وحضر الاعراب الذين حضروا مع الأمير العباسي وأقاموا البينة على أن الأمير احمد هو ابن الامام الظاهر أمير المؤ» ولغا سهد عولاك بصية نسبه قبل قاضي القضاة تاج الدين بن بنت الأعز شهادات القوم واثبت ذلك. ثم قام القاضي تاج الدين وبايع الخليفة الجديد ثم قام السلطان الظاهر من بعده وبايع أمير المؤمنين المستنصر آبا القاسم احمد بن الامام الظاهر على العمل بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله يكدِ وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وأخذ اموال الله بحقها وصرفها في مستحقهاء ثم بايعه الشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم الأمراء والاعيان وكبار رجال الدولة» وبعد ذلك قام الخليفة المستنصر بالله وقلد السلطان الظاهر حكم البلاد الإسلامية وما ينضاف إليها وما سيفتحه الله على يديه من بلاد الكفار» ثم بايع الناس الخليفة» ثم كتب بذلك إلى الولايات والنيابات بأن يأخذوا البيعة للخليفة وأن يدعى له على المتابر ثم للسلطان من بعذه وأن تنقش السكة باسميهماء وفي السابع عشر من شهر رجب 104ه/ يونبه ١17١م‏ خطب الخليفة العباسي بالناس في صلاة الجمعة بعد أن كان منصب الخلافة شاغراً

444-448 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

ا

ثلاث سنين ونصف سنة منذ قتل الخليفة المستعصم بالله في صفر 5057ه/ فبراير 764١م‏ وعلى ذلك يكون الخليفة المستنصر بالله الثامن والثلاثين من خلفاء بني العباس”'2. ويلاحظ من تقليد الخليفة للسلطان الظاهر بيبرس أنه أصبح كفيلاً بالبلاد الإسلامية مسئولاً عن حمايتها والدفاع عنها بما في ذلك بلاد الحجاز والحرمين الشريفين» وما يفتح الله على يديه من بلاد جديدة. وهذا يعني أن السلطان الظاهر اكتسب الصفة الشرعية فى حكمه للبلاد الإسلامية والحجازية بالإضافة إلى تأكيد شرعية حكم المماليك بالإضافة إلى تحملهم المسئولية في الجهاد من أجل تطهير بلاد الإسلام من الاعداء وذلك شرف عظيم في نظر المسلمين ومن جهة أخرى فإن فوز المماليك بذلك الشرف قد أغلق الباب في وجه بقايا الحكام الأيوبيين الذين لم يستطيعوا القيام بهذه الزعامة وكلهم يسعى إليها فسبقهم المماليك إلى ذلك» فصدقوا العزم والنية فجاهدوا في سبيل الله وحافظوا على بلاد الإسلام» واوقفوا تقدم الغزو المغولي وأنهوا الاحتلال الصليبي نهائياً من بلاد الشام بعد أن دام قرابة قرنين من الزمان. كان من نتائج إحياء الخلافة العباسية في القاهرة أن أصبحت القاهرة مركز النشاط الإسلامي الديني والسياسي والعسكري والثقافي بدلا من بغداد» وبرغم التشكيك في صحة نسب الخليفة المستنصر بالله فإن إحياء الخلافة أدى دوراً سياسياً وروحياً بالنسبة لدولة المماليك الناشئة» واستطاعوا أن يحققوا انتصارات رائعة على عدوهم. ونعموا بثراء واسع لم يكن يتم لهم ذلك بدون إحياء الخلافة) ومهما يكن هدف السلطان الظاهر بيبرس من اقامة الخلافة فإنه اهتم بالخليفة الاهتمام اللائق به واحاطه بكل رعايته وعنايته» ولما خرج الخليفة المستنصر بالله إلى بلاد الشام لقتال التتار واسترداد بغداد» زوده السلطان الظاهر بما يحتاج إليه من الفرسان والاموالء ولم يمنعه من زيادة تلك المساعدات إلا تحريض بعض الأمراء له أن ينازعه السلطان إن هو انتصر على التتار واستقر في بغداد فاكتفى بتزويده بجيش ضثيل لم يستطع الخليفة به الثبات طويلاً أمام التتار فقتل وتفرق أصحابه» وبالرغم من ذلك فإن الظاهر

77١ البداية والنهاية ج 1 ص‎ )١(

زف

بيبرس لم يكن راغباً في اسقاط الخلافة» بل لديه الحرص على وجودها ويلفعه إلى ذلك الاهتمام بوجود هذا المنتصب الذي يمثل وحدة العالم الإسلامي ونجد الظاهر يسرع في استدعاء الخليفة الحاكم بأمر الله الذي رافق الخليفة المستنصر فى قتاله للتتار يستدعيه إلى القاهرة حتى يبايعه بالخلافة بدلاً من الشهيد المستنصر باللهء وقرر أن يستقر الخليفة هذه المرة في القاهرة”'' .

وصل الأمير أبو العباس أحمد الذي لقب بالحاكم بأمر الله إلى دمشق وسار منها إلى مصر ووصل إلى قرب القاهرة في 77 ربيع الأول عام ١17ه/‏ فبراير ١1777‏ واحتفل السلطان الظاهر بقدومه وانزله في البرج الكبير داخل قلعة الجبل؛ ثم وصل في منتصف شهر رجب من العام نفسه جماعة من بغداد من مماليك الخليفة المستعصم كانوا تأخروا في بلاد العراق وعلى رأسهم الأمير سيف الدين سلار فاكرمهم السلطان» وفي يوم الخميس الثامن من شهر محرم ١55ه/‏ نوفمبر 177١م»2‏ عقد السلطان الظاهر بيبرس مجلسا لبيعة الخليفة الجديد وثبت نسبه ولقب بالامام الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين وبايعه السلطان الظاهر على العمل بكتاب الله وسنة رسوله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتال اعداء الله وأخذ اموال الله بحقها وصرقها فى مستحقها وكذلك الوفاء بالعهود واقامة الحدود والعمل على حفظ البلاد والقيام على حراسة المسلمين والاهتمام بالدين والعمل من أجله؛ فلما تمت بيعة الخليفة قام بدوره وقلد السلطان الظاهر بيبرس أمور البلاد والعبادة وسائر الأمورء وعلق به صلاح الجمهورء ثم أخذ الناس على اختلاف طبقاتهم في مبايعته فلم يبق ملك ولا أمير ولا وزير ولا قاض ولا مشير ولا جندي ولا فقيه إلا

ا 1

)١(‏ البداية والنهاية ج "17 ص 25725 تاريخ الخميس ج ؟ ص 417» 477 السلوك ج ١‏ ص 5٠‏ -410» النجوم الزاهرة ج لا ص .119/-١١8‏

57 ص‎ ١ ص /411» حسن المحاضرة ج ص 47» الذيل على مرآة الزمان ج‎ ١ السلوك ج‎ )١( تاريخ الخلفاء ص‎ 21١0 ص‎ ١ المختصر في أخبار البشر ج‎ 2147-1١87 الذيل ج ؟ ص‎ 1108 ,18زه‎ 2179-1١78 دولة الإسلام ج ؟ ص‎ 700-1١4 شذرات الذهب ص‎ أققم‎ 3, 0

+

فلما كان يوم الجمعة ثاني هذا اليوم» اجتمع الناس وحضر الخليفة الحاكم بأمر الله وعليه سواده الذي يمثل الخلافة العباسية وصعد المنبر لخطبة الجمعة فقال: «الحمد لله الذي أقام لآل العباس ركناً وظهيراً» وجعل لهم من لديه سلطاناً نصيراء أحمده على السراء والضراء واستنصره على دفع الاعداءء وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك لهء وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه نجوم الاهتداء وأئمة الاقتداء الأربعة الخلفاء. وعلى العباس عمه وكاشف غمه أبى السادة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين» وعلى بقية الصحابة التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أيها الناس! اعلموا أن الامامة فرض من فروض الإسلام. والجهاد محتوم على جميع الأنام» ولا يقوم علم الجهاد إلا بإجتماع كلمة العباد» ولا سبيت الحرم إلا بانتهاك المحارم» ولا سفكت الدماء إلا بإرتكاب المآثم . فلو شاهدتم اعداء الإسلام حين دخلوا دار السلام (بغداد) واستباحوا الدماء والأموال» وقتلوا الرجال والابطال والاطفال. وهتكوا حرم الخليفة والحريم» واذاقوا من استبقوا العذاب الأليم» فارتفعت الاصوات بالبكاء والعويل» وعلت الضجات من هول ذلك اليوم الطويل» فكم من شيخ خضبت شيبته بدمائه» وكم طفل بكا فلم يرحم لبكائه» فشمروا عن ساق الاجتهاد في إحياء فرض الجهاد «فاتقوا الله ما استطعتم وأسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم» ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون «فلم تبق معذرة عن اعداء الدين والمحاماة عن المسلمين».

«وهذا السلطان الملك الظاهرء السيد الأجل العالم العادل المجاهد المرابط ركن الدنيا والدين» قد قام بنصر الامامة عند قلة الأنصار» وشرد جيوش الكفر بعد أن جاسوا خلال الديار. فأصبحت البيعة باهتمامه منتظمة العقودء والدولة العباسية به متكاثرة الجنود. فبادروا عباد الله إلى شكر هذه النعمة» وأخلصوا نياتكم تنصرواء وقاتلوا أولياء الشيطان تظفروا ولا يرد عنكم ما جرى» فالحرب سجال والعاقبة للمتقين» والدهر يومان والأخرى للمؤمنين. جمع الله على التقوى أمركم» وأعز بالإيمان نصركمء واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين» فاستغفروه أنه هو الغفور الرحيم (وجلس

ها

الخليفة جلسة الاستراحة» ثم قام للخطية الثانية وقال: «الحمد لله حمداً يقوم بشكر نعمائه» وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له عدة للقائه» وأشهد أن محمداً سيد رسله وأنبيائه» صلى الله عليه وعلى آله وصحبه عدد ما خلق في أرضه وسمائه. أوصيكم عباد الله بتقوى الله أن أحسن ما وعظ به الانسان كلام الملك الدّيان: يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخرء ذلكم خير لكم وأحسن تأويلاً ‏ نفعنا الله وإياكم بكتابه» وأجزل لنا ولكم من ثوابه . وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين » والحمد لله رب العالمين» ثم نزل الخليفة وصلى بالئاس صلاة الجمعة وانصرف» وفي هذا اليوم خطب على منابر القاهرة ومصر بالدعاء للخليفة الحاكم بأمر الله وكتب إلى الأعمال بذلك وخطب بإسمه في دمشق وبلاد الشام وبهذا العمل الذي نال استحسان المسلمين ورضاهم نال السلطان الظاهر بيبرس التأييد والمساعدة» كيف لا وقد أحيا الخلافة العباسية فى القاهرة بعد أن زالت على يد التتار في بغداد عام 165ه/ 2"91508. 0

7١١ ص /الا4174-4» النجوم الزاهرة ج ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( كلا‎

(لفصل ١لثالتك‏ انتصار الإسلام ف عين جالوت / 1151م

سقوط الخلافة العباسية:

عرفت قارة آسيا في التاريخ بأنها مصدراً لغزوات بشرية كثيرة من تلك الغزوات التي تركت أثراً خطيراً على المشرق الإسلامي بوجه خاص غزوات التتار (المغول) الذين نجح زعيمهم جنكيز خان في توحيد قبائلهم» وتمكن من السيطرة على الصين في اوائل القرن الثالث عشر الميلادي ومن ثم أصبح التتار قوة رهيبة لم تقنع بالاقاليم الوسطى من قارة اسياء وإنما انطلقت غريا نحو شرق أوروبا من جهة وغرب آسيا والشرق الادنى من جهة أخرىء وكان متكوخان ‏ خاقان التتار الاعظم ‏ أوفد أخاه هولاكو لفتح بلاد فارس والشام ومصر وبلاد السلاجقة والأرمن» وفعلاً لم يكد ينتصف القرن الثالث عشر الميلادي حتى كان التتار قد استولوا على الدولة الخوارزمية الإسلامية وبسطوا سيطرتهم على بلاد فارس وقلاع الباطنية بمعنى أن التتار أصبحو على مقربة من بغداد عاصمة الخلافة العباسية فى الوقت الذي كانت تعانى فيه الخلافة العياسية من الضعف الشديد بسبب الإنقسامات المذهبية واثارة الفتن الداخلية وسيطرة الأمراء على الخلافة وشئونها واهمال أمر الشريعة فى بعض الاحوال وخصوصاً أمر الجهاد فكان هذا سبباً فى الضعف الذي أدى إلى زوال الخلافة وسيل آبو المحاسن تدهور الاحوال فى بغداد عندما تحدث عن غزو التتار لبغداد حيث قال: «فأما أمر هولاكو فأنه هولاكو: وقيل هولاو وقيل هلاوون بن تولى خان ابن جنكيز خان المغولي ولي الملك بعد موت أبيه تولى قان» واتسعت ممالكه وعظم أمره وكثرت جيوشه من المغول والتتار

ل

ولا زال أمره في زيادة حتى ملك مديئة الموت”'2 وقتل متوليها شمس الشموس وأخذ بلادهء ثم أخذ الروم وأبقى بها ركن الدين كيقباد بن غياث الدين كيخسرو صورة بلا معنى والحكم والتصرف لغيره» وكان وزير الخليفة المستعصم بالله مؤيد الدين بن العلقمي يبغداد»ء وكان رافضيا خبيئا حريصا على زوال الدولة العباسية ونقل الخلافة إلى العلويين» يدبر ذلك في الباطن ويظهر للخليفة المستعصم خلاف ذلكء» ولا زال يثير الفتن بين أهل السنة والرافضة حتى تجالدوا بالسيوف وقتل جماعة من الرافضة ونهبواء» فاشتكى أهل باب البصرة إلى الأمير مجاهد الدين الدوادار وللأمير أبي بكر ابن الخليفة فتقدما إلى الجند بنهب الكرخ فركبوا من وقتهم وهجموا على الرافضة بالكرخ وقتلوا منهم جماعة وارتكبوا معهم العظائم فحنق الوزير ابن العلقمي ونوى الشر في الباطن وأمر أهل الكرخ الرافضة بالصبر والكف عن القتال» وقال لهم : أنا اكفيكم فيهم وكان الخليفة المستنصر بالله قد استكثر من الجند قبل موته حتى بلغ عدد عسكره مائة ألف. وكان الوزير ابن العلقمي مع ذلك يصانع التتار في الباطن ويكاتبهم ويهاديهىء فلما استخلف المستعصم بعد موت أبيه المستنصر» وكان المستعصم خليا من الرأي والتدبير» فأشار عليه ابن العلقمي المذكور بقطع ارزاق اكثر الجندء وأنه بمصانعة التتار واكرامهم يحصل بذلك المقصودء ولا حاجة لكثرة الجند ففعل الخليفة ذلك! قلت: وكلمة الشيخ مطاعة!

ثم إن الوزير بعد ذلك كاتب التتار وأطمعهم في البلاد سراء وأرسل إليهم غلامه وأخاه وسهل عليهم فت العراق وأخخل بغداد»ء وطلب منهم أن

)١(‏ الموت: ذكر زكريا بن أحمد القزويني في كتاب آثار البلاد ص ٠٠١‏ أن الموت قلعة حصينة من ناحية زوذبار بين قزوين وبحر الخزز:؛ على قمة جبل وحولها وهاد لا يمكن نصب المنجنيق عليها ولا النشاب يبلغهاء وهي كرسي ملك الاسماعيلية قيل أن بعض ملوك الديلم أرسل عقائًا للصيد وتبعه قرآه وقع على هذا الموضع» فوجده موضعا حصيناء واتخذه قلعة وسماها آلة أموضت (آلة بمعنى عقاب وآموت مخفف من أموضت) أي تعليم العقاب بلسان الديلم ومنهم من قال اسم القلعة بتاريخها لأنها بنيت في سنة ست وأربعين وأربعمائة وهي م. و. ت.

عن المغول في التاريخ ص 718-177 حاشية رقم ه

,8

يكون نائبهم بالبلاد فوعدوه بذلك» وتأهبوا لقصد بغداد وكاتبوا لؤلؤاً صاحب الموصل في تهيئة الاقامات والسلاح» فكاتب لؤلؤ الخليفة سرأً وحذره؛ ثم هيأ لهم الآلات والاقامات. وكان الوزير ابن العلقمي المذكور ليس لأحد معه كلام في تدبير أمر الخليفة» فصار لا يوصلٌ مكاتبات لؤلؤ ولا غيره للخليفة» وعمّى عنه الأخبار والنصائح» فكان يقرؤها هو ويجيب عنها بما يختار» فنتج أمر التتار بذلك غاية النّتاج وأخذ أمر الخليفة والمسلمين في ادبار! وكان تاج الدين بن صلايا نائب الخليفة باربل2'7 حذّر الخليفة وحرك عزمهء والخليفة لا يتحرك ولا يستيقظ! فلما تحقق الخليفة حركة التتار نحوه سيّر إليهم شرف الدين بن محبي الدين ابن الجوزي رسولاً يعدهم بأموال عظيمة ثم سير إليهم مائة رجل إلى الدريند يكونون فيه يطالعون الخليفة بالأخبارء فمضوا فلم يطلع لهم خبرء لأن الاكراد الذين كانوا هناك دلوا التتار عليهمء فهجموا عليهم وقتلوهم أجمعين.

ثم ركب هولاكوبن تولى خان بن جتكيزخان في جيوشه من المغول والتتار وقصدوا العراق» وكان على مقدمته الأمير بايجونوين وفي جيشه خلق من أهل الكرخ الرافضة ومن عسكر يركة خان ابن عم هولاكو وجند من صاحب الموصل مع ولده الملك الصالح ركن الدين اسماعيل» فوصلوا قرب بغداد واقتتلوا من جهة البر الغربي عن دجلة» فخرج عسكر بغداد وعليهم ركن الدين الدّوادار» فالتقوا على نحو مرحلتين من بيغدادء فانكسر البغداديون وأخذتهم السيوف» وغرق بعضهم في الماء وهرب الباقون» ثم ساق غير. وقصد هولاكو بغداد من البر الشرقي وضرب سورا وخندقا على عسكره واحاط ببغداد» فأشار الوزير ابن العلقمي على الخليفة المستعصم بالله بمصانعتهم. وقال له:إخرج إليهم أنا في تقرير الصلح فخرج إليهم واجتمع بهولاكو وتوّثق لنفسه وردٌ إلى الخليفة» وقال: إن الملك قد رغب في أن

)غ0( أربل: قلعة حصيئة ومديئة كبيرة في فضاء من الأرض وأسع بسيط وتقع بين الزابين وتعد من أعمال الموصل وبينهم مسيرة يومين وأكثر أهلها من الأكراد وبينها وبين بغداد مسيرة سبعة أيام للقوافل: انظر ياقوت معجم البلدان ج ١‏ ص ١4-1‏ 374

يزوج بنته بإبنك الأمير أبي بكرء ويبقيك على منصب الخلافة كما أبقى صاحب الروم في سلطنته» ولا يطلب إلا أن تكون الطاعة له كما كان اجدادك مع السلاطين السلجوقية» وينصرف هو عنك بجيوشه! فتجيبه يا مولانا أمير المؤمنين لهذاء فإن فيه حمّن دماء المسلمين» ويمكن أن تفعل بعد ذلك ما تريد! والرأي أن تخرج إليه» فسمع له الخليفة وخرج إليه في جمع من الأعيان من أقاربه وحواشيه وغيرهم. فلما توجه إلى هولاكو لم يجتمع به هولاكو وأنزل في خيمة» ثم رجع الوزير وعاد إلى بغداد بإذن هولاكوء واستدعى الفقهاء والأعيان والأماثل ليحضروا عقد بنت هولاكو على ابن الخليفة» فخرجوا من بغداد إلى هولاكوء فأمر هولاكو بضرب أعناقهم! ثم مد الجسر ودخل بايحويزية بجر معة إلى عدا وبدلرا الشيع فيه :واتحس الفدل والنهت والسّبي في بغداد بضعة وثلاثين يومأء فلم ينج منهم إلا من اختفى . ثم أمر هولاكو بعد القتلى فبلغو ألف وثمانمائة ألف وكسراً.

وقال الذهبي ‏ رحمه الله في تاريخ الإسلام: «والأاصح أنهم يلغوا ثمانمائة ألف.

ع ري ا فظهر من كان اختفى وهم قليل من كثير. .

تم أمر هولاكو طلب الخليفة وقتله خنقاً قل قم فى عاط رقن جنير

0 وأمر برفسهما حتى ماتا. ثم قتل الأمير مجاهد الدين الدوادار» والخادم اقيال الشرابي صاءحب الرباط بحرم مكةء والاستادار محيي الدين ابن الجوزي وولداه وسائر الأمراء والاكابر والحجاب والأعيان وانقضت الخلافة من بغداد وزالت أيامهم من تلك البلادء»ء وخربت بغداد الخراب العظيم»ء واحرقت كتب العلم التي كانت بها من سائر العلوم والفنون التي ما كانت في الدنياء قيل أنهم بنوا بها جسراً من الطين والماء عوضاً عن الاجرء وقيل غير ذلك. وكانت كسرة الخليفة يوم عاشوراء من سنة ست وخمسين وستمائة المذكورة» ونزل هولاكو بظاهر بغداد في عاشر المحرم وبقي السيف يعمل فيها أربعة وثلاثين يوماً»”"2.

8١١-48 ص‎ ١ السلوك ج‎ 201١-5177 النجوم الزاهرة ج 1 ص‎ )١(

م٠‎

وقال المقريزي: «وقتل الناس ببغداد وتمزقوا في الأقطارء وخرب التتار الجوامع والمساجد والمشاهد وسفكوا الدماء حتى جرت في الطرقات» واستمروا على ذلك أربعين يوماً. وأمر هولاكو بعد القتلى» فبلغت نحو الألفي ألف قتيل» وتلاشت الاحوال بها. وملك التتار اربل ودخل بدر الدين لؤلق صاحب الموصل في طاعتهم»"" .

وهكذا دخل التتار بغداد واباحوها للقتل ثم اشعلوا النار في المديئة بعد ذلك فأتت على معظم معالم الحضارة الإسلامية في المديئة وخصوصاً أمهات الكتب والمؤلفات في الآداب والعلوم والفنون» وقضى التتار على معظم افراد البيت العباسى ويمكن القول أن اساليب القتل واشاعة الخوف فى بغداد كان مماثلاً لما قام به الصليبيون في القدس عام 49١1م‏ بعد أن احتلوا المدينة المقدسة وقتلوا المسلمين بهدف استئصال وجودهم في القدس وما حولها» وإذا كان الفرنج قد انتشروا بعد القدس فيما حولها من بلاد الإسلام فإن التتار بعل احتلالهم لمديئة بغداد شرعوا في الزحف نحو بلاد الشام .

تحالف المغول مع الصليبيين ضد الإسلام :

كان من آثار ظهور المغول في القرن الثالث عشر الميلادي كقوة جديدة على مسرح الأحداث» وما قاموا به من أعمال حربية وتدمير وقتل أن تنبه المسيحيون إلى التتار وامكانية استغلال هذه القوة في محارية المسلمين ومحاصرتهم من الشرق والغرب بين قوتين» الفرنج من ناحية الغرب والتتار من ناحية الشرق» وكان التتار في عهد خاقانهم الاعظم كيوك قد احرزوا انتصارات في الشرق والغرب فامتدت امبراطوريتهم من الصين شرقا حتى اواسط روسيا وايران وجبال طوروس غربأء كما تمكن التتار سنة 1147م من هزيمة السلطان كيخسرو الثاني سلطان سلاجقة الروم في آسيا الصغرى واضطر هذا الأمبراطور إلى دفع الجزية للتتار معبراً بذلك عن خضوعه وطاعتهء كما اعترف هيثوم الأول ملك ارمينية الصغرى بسيادة التتار على

1٠١ ص١ السلوك ج‎ )١( م١‎

بلاده وذلك بهدف اتقاء شرهم. كل ذلك شجع الصليبيين على بذل الجهود من أجل التحالف مع المغول؛ وقد شجعهم أيضاً على هذا أن كيوك نخاقان المغول الاعظم أظهر ميلاً نحو المسيحية في مذهبها النسطوري بعد أن اعتنقها بعض وزرائه بالإضافة إلى عدد من كبار رجال الدولة» فإذا أمكن تحول التتار إلى المسيحية فإن هذا يعني كسباً ضخماً للكنيسة المسيحية عندئذ وهي تخوض حرباً صليبية ضد الإسلام والمسلمين؛ وقد شجع الصليبيين على هذا الأمل أن التتار ظلوا حتى ذلك الوقت وثنيين ومن ثم يسهل على المبشرين المسيحيين تحويلهم إلى المسيحية وبالتالي يمكن تطويق الإسلام والمسلمين تطويقاً خطيراً من ناحية الشرق وجهة الغرب”". وكانت البابوية المسيحية قد بدأت الإتصالات مع المغول قبل حملة لويس التاسعء فقد ارسل البابا انوسنت الرابع مبعوثاً من الفرانسيسكان اسمه حنا بلانو كارئيس سنة 746١م‏ إلى خاقان المغول الاعظم في قراقورم بهدف دعوته إلى اعتناق المسيحية ومن ثم يسهل ادخال المغول في النصرانية» ولكن الخاقان الاعظم اشترط لاتمام تلك الخطوة دخول البابوية وجميع ملوك وأمراء الغرب الاوروبي تحت سيادة المغول وهذا ما لم تقبل به البابوية» ولم تكن تلك السفارة هي الوحيدة من نوعها التي أرسلها البابا انوسنت الرابع إلى المغول بل أرسل بعثة ثانية إلى بيجوا زعيم مغول القوقاز تسعى لنفس الهدف”" ويمكن اجمال اهداف البابوية في الشرق الاقصى في الآتي: - أولاً : استمالة التتار في الصين وفارس إلى اعتناق الديائة المسيحية والدخول في حظيرة الكنيسة الكاثوليكية» وبذلك يضمنون كسباً عظيماً لأوروبا والمسيحية الغربية وبقي هذا الهدف في مقدمة السياسة الاستعمارية في عصور لاحقة. 00 ١‏ ثانيا : استطلاع نوايا التتار نحو الغرب والعمل على استبعاد خطرهم بإرسال البعثات والارساليات التبشيرية» خاصة وإن ذكرى ما احدثوه من

١١94-١١98 ص‎ ١ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج‎ )١(

إذذا

فظائح ومذابح وتدمير اثناء حروبهم في الشرق والغرب خلال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي كانت لا تزال مائلة في الأذهان. ١‏ ثالثاً : محاولة ضم التتار إلى اللاتين الصليبيين في القيام بحرب صليبية عامة لانتزاع الأراضي المقدسة من الحكم الإسلامي. وقد لقيت هذه الفكرة اعتباراً عظيماً في ذلك الحين ولهذا السبب أرسل البابا انوسنت الرابع عدة بعثات وحذا حذوه لويس التاسع فأرسل بعثتين لتحقيق هذه السياسة”؟2. ويحسن أن نستعرض بإيجاز انتشار المسيحية الأولى بين التتار الأمر الذي شجع كلا من البابا انوسنت الرابع ولويس التاسع على السير قدماً في سبيل انشاء كتلة متحدة من الغرب الأوروبي والشرق الاقصى. ولم تكن الديانة المسيحية مجهولة في الشرق الاقصى في العهد الأول من العصور الوسطى» على الرغم من أن متي ريتسي 1306 841160 وغيره من المبعوثين لم يجدوا عند وصولهم إلى الصين في اواخر القرن الخامس عشر الميلادي أثراً للديانة المسيحية هناك ومن الثابت حسب الشواهد المحلية أن نشاط الكنيسة النسطورية امتد إلى بلاد الصين منذ القرن السابع الميلادي. ويستدل على ذلك من نقوش مسيحية باللغة الصينية تمت بالصلة إلى كنيسة شيدت سنة 5544م في الصين» ومن أن أحد اباطرة الصين أمر في نفس السنة ببناء أبرشية لكاهن فارسي تتسع لعشرين من الرهبان» وسمح لذلك الكاهن في التبشير بالدين المسيحي هناك إلا أنه يبقى انتشار المسيحية في تلك الجهات على نطاق ضيق جداً مع أن التتار أظهروا التسامح مع المسيحيين وعطفهم على المسيحيين والنساطرة منهم بصفة خاصة» وشجع هذا العطف الرهبان المسيحيين على ارتياد أواسط آسيا غير مبالين بالصعاب والمخاطر التي قد تعترض طريقهم» وترتب على ذلك أن أخذ الغرب يرسل البعثات الدينية إلى ايلخانات منغوليا وفارس آملاً في كسبهم إليه؛ ومن ثم

105-700 د. جوزيف نسيم يوسف: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص‎ )١( الذذا‎

كانت تلك البعثات التبشيرية تعتبر جزءاً متمماً للحروب الصليبية"''.

وقد حدث اقدم تبادل للسفارات كما سبق أن اشرت بين اليابا انوسنت الرابع وبين كيوك خان؛ ففي سنة 740١م‏ خلال انعقاد مجلس ليون الكنسي أرسل البابا سفيرين من قبله مزودين بخطابات لدعوة ايلخان العظيم ورعاياه من التتار لاعتناق مذهب الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والسعي لاحلال السلام محل الحرب بين الغرب والتتار وأحد هذين السفيرين هو لورنزو البرتغالي» أما السفير الثاني فهو جيوفاني دي بلانو كاربيني من جماعة النونسي كات

وقد غادر ليون في 2/7/ 65م وسار في الطريق عبر بوليفيا وسيليزيا إلى كييف التي وصلها في 7/7 7/ 145١م‏ ووصل إلى قراقورم في “1145م بعد رحلة شاقة تعرض فيها للأهوال؛ وقد أحسن استقباله في البلاط الامبراطوري المغوليٍ وهناك شاهد حفلة تنويج كيوك خان في 6 1155م وظل ضيفاً مكرما على بلاط ايلخان المغول حتى /١١/17‏ وفي نهاية سنة 1151م عاد ومعه ردود كيوك خان إلى انوسنت الرابع . ويمكن القول أن هذه السفارة أخفقت في اجتذاب يلخان التتار إلى المسيحية وإن كان قد افلح في دفع الخطر المغولي الذي كان يهدد الغرب الأوروبي كما تبين للرحالة أن يلخان المغول كان يعطف على المسيحيين وأن اثنين من وزرائه كانا يديئان بالمسيحية”"' .

ثم أرسل البابا انوسنت الرايع سفارة ثالثة إلى التتار اثناء انعقاد مجلس ا ا الراهب الدومينيكاني أسلين اللمباردي» وكان برفقته ثلائة من جماعته وحمل اعضاء هذه السفارة خطابات من البابا إلى ايلخان التتار العظيم تدعوه إلى اعتناق المسيحية على المذهب الروماني.

)0غ( د. جوزيف نسيم يوسف: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 15084-5560, ر,عععالزة 3 ,0 هماود أه بوم غ115

زفق د. جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 7569-1761 ثم انظر ناك )11156 ,للزء11 7 1240م أصءدظط 0 .51لق؟ روعطاتز5 ب66.م 11 ربصرمء

م

وبدأ اسلين رحلته في يونيو 1145م من مديئة ليون ووصل إلى تفليس وقد انضم إليه اثنان آخران هما جويشار دي كريمونا واندريه دي لونج جيموهء وساروا جميعاً من تفليس عبر ارميئية وجورجيا وسوريا وفارس إلى معسكر باتو قائد ايلخان العظيم في آسيا الغربية» وبقي الوفد هناك حتى يوليو من السنة نفسهاء ثم عادوا إلى اوروبا وهم يحملون ردود التتار وهي تشبه تلك التي حملها كاربيني من ايلخان كيوك خان وقد أرسل القائد باتو مع ممثلي البابا سفيرين من قبله هما أيبج وسرجيس وكان الباعث على ارسال هذه السفارة المغولية هو رغبة التتار في التجسس لمعرفة مدى قوة كل من البايا والدول الغربية حتى يتسنى لهم تحديد موقفهم من العلاقات مع الصليبيين ودول الغرب الأوروبي» واتخذت البعثة البابوية في عودتها الطريق إلى عكا ثم توجهت إلى ليون ومكثت في البلاط البابوي حتى موت الامبراطور فريدريك الثاني في ديسمبر ٠50١م»‏ وعودة البابا انوسنت الرابع إلى روما» وقد عقد البابا عدة اجتماعات مع السفيرين المغوليين ليعرف مدى استعداد شعبهما للتحول إلى الكائوليكية والتعاون مع الغرب ضد المسلمين» وبعد ذلك سمح لهما بالعودة بعد أن زودهما بهدايا ورسائل ينشد فيها صداقة التتار وتأييدهم» وعلى الرغم من أن رسل البابا لم يفلحوا في تحويل ايلخان المغول إلى المسيحية إلا أن ردوده كانت تبشر بالخير كما استفادت البابوية من المعلومات التى رواها الرسل والتى كانت مشجعة على مواصلة السياسة التي سارت عليها البابوية في التودد إلى التتار ومحاولة التحالف معهم واتقاء شرهم على الاقل كل ذلك مهد السبيل أمام الملك لويس التاسع الذي حاول التحالف معهم ضد الإسلام والمسلمين”''.

ولقد تجددت الاتصالات بين التتار والصليبيين ابان الحملة الصليبية السابعة» وكان التتار هم الذين بدأوا المراسلة في هذه المرة فقد حدث في فترة اقامة الملك لويس التاسع وجيشه في جزيرة قبرص قبل هجومهم على مصر (سيتمبر ١144‏ مايو 1554١م)‏ إن أرسل جفطاي خان أحد حكام

)0( د. جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 157-75١‏ عا مذ ء520نه يقزتا4 2.239-7 ,عع 1110016 عغغدا

المغول في وسط بلاد فارس إلى لويس التاسع قائد الحملة السابعة سفيرين هما داود ومرقس من المسيحيين النساطرة ة وقد زودهما جفطاي خان برسالة يطلب فيها الاتحاد مع الفرنسيين » 00 استعداده للمساهمة معهم في سبيل الاستيلاء على بيت المقدس من أيدي المسلمين. وجاء في الرسالة أيضاً أنه في شريعة الله ليس هناك أي فارق بين جميع من يدينون بالصليب» سواء أكانوا لاتين أم اغريق أم أرمن أم نساطرة أم يعاقبة2 .

ورجح الكاتب الفرنسي لويس برييه أن قرار الملك لويس التاسع مهاجمة مصر كان على أثر الدعوة التي تلقاها من ايلخان التتار إلا أن هذا الرأي بعيد الاحتمال. ولا يخفى على كتاب التاريخ أن الصليبيين كانوا يدركون اهمية مصر ودورها في الجهاد ضد الصليبيين هذا من ناحية ومن جهة أخرى فإن السفارة المذكورة لم تؤت ثمارها من حيث التعاون مع الصلبيين في حرب مشتركة ضد المسلمين كما أن لويس التاسع هاجم مصر دون أن ينتظر نتائج المفاوضات مع التتار» وكان قد أرسل إليهم سفارة لم تحقق النتائج المرجوة منها ومع ذلك بقي في حساب الصليبيين أن هجوم التتار على العالم الإسلامي سوف يساعد الصليبيين ولو بطريق غير مباشر على تحقيق اهدافهم الصليبية. ا ل ال ا 0 الآخر لمصلحته الشخصية «ولو إل كان يجودهها عنفابوا حفر الثدل على ازالة قوة مصر من الميدان حتى يسهل عليهما تحقيق مطامعهما»"' .

كيف لا وأن التتار كانوا ينوون الاستيلاء على الخلافة العباسية ويدركون أن مصر زعيمة العالم الإسلامي لن تقف من هجومهم على بغداد موقف المفرج» بل لابد لها أن تقوم بدورها في صدهم لأنهم يهددون مصر تهديداً مباشراً ومن ثم وجد التتار إن أسلم الطرق لتحقيق مآربهم القادمة في الشرق الإسلامي هي العمل يداً واحدة مع الصليبيين للقضاء على قوة مصر الإسلامية .

كما يمكئنا القول أن اهداف التتار من ارسال سفارتهم إلى الملك لويس

)١(‏ د. جوزيف نسيم : العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 5117-5207 .222.م ,وعتطور8 (؟) د. جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 777 كم

التاسع قائد الحملة الصليبية السابعة وهو مقيم بعض الوقت في جزيرة قبرص أنهم يريدون استطلاع احوال الصليبيين ومحاولة شغلهم بالهجوم على مصر فلا تستطيع التحرك لنجدة الخلافة العباسية إذا ما هاجمها التتار.

لقد رحب لويس التاسع ببعثة التتار التي تعرض التحالف معه ضد المسلمين وخصوصاً أنه كان يتطلع إلى كسب التتار إلى الديائة المسيحية للحصول على مساعدته ضد المسلمين من جهة ولتقوى المسيحية الغربية من جهة أخرى بدخول التتار في النصرائية وهذا بدوره يساعد على نجاح الحركة الصليبية في بلاد الإسلام «وشارك رسل التتار الصليبيين في احتفالاتهم في قبرص وسمح لهما بالعودة إلى بلادهم في /١/177‏ 1154م وكان ذلك قبل مغادرته جزيرة قبرص إلى مصر بأربعة اشهر تقريباً وأرسل لويس التاسع معهم بعئة مكونة من ثلاثة من الإخوان الدومينيكان هم اندريه دي لونججيموه ووليم دي لونججيموه ويوحنا الكركسوني» وترأس هذه البعثة أندريه الذي كان قد عاد من الشرق نظراً لما اكتسبه من خبرة مع التتار وأرسل مع رجاله هدية ثمينة إلى ايلخان التتار وهي عبارة عن خيمة من قماش قرمزي على هيئة كنيسة صغيرة وذلك بهدف استمالة زعيم التتار إلى المسيحية كما أرسل معهم كؤوس العشاء الرباني وكتباً وكل ما يلزم لاقامة القداس في حضرة ايلخان المغول وأبحرت البعثة الصليبية من قبرص إلى انطاكية ومنها سارت عن طريق البر إلى الموصل وتبريز ووصلت أخيراً إلى معسكر جفطاي خان الحاكم في وسط فارس ولكن لسوء الحظ كان كيوك ايلخان التتار العظيم قد مات في ذلك الحين ولم يعد في وسع جفطاي وهو أحد الحكام المحليين أن يتحمل بمفرده مسئولية تقرير سياسة جديدة فيما يتعلق بالتعاون مع لويس التاسع وواصل سفراء لويس التاسع مسيرهم نحو الشرق» فلما وصلوا إلى مقر الخان العظيم منكوخان الذي تولى العرش» رحب بهم وتبادل الهدايا مع افراد البعثة الصليبية ولكنه لم يغير سياسة سلفه من قبل فيما يختص بالتعاون مع القديس لويس التاسع والصليبيين” .

)١(‏ د. جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 2558-1751 د سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص 59١١-١٠١٠1كء‏ جوانفيل القديس لويس: ص 5١97-5١54‏

/الم

وأشار جوانفيل أن ايلخان التتار عندما تسلم هدية لويس التاسع كما لو كانت ضريبة ملزماً بتقديمها رمزاً لخضوعه كما يفعل غيره من الملوك والأمراء؛ وعلى الرغم من السفارة الصليبية بقيت مدة عامين في بلاد التتار إلا أنها لم تحقق الاهداف التي من أجلها أرسلها لويس التاسع» وحدث خلال وجود السفارة الصليبية عند التتار أن لويس التاسع تقدم بقواته من قبرص واستولى على دمياط في مايو 149١م‏ وزحف نحو المنصورة حيث انكسر الجيش الصليبى وأسر الملك وكيار رجاله خلال الارتداد من المنصورة وانتهى الأمر بعقد معاهدة دمياط وانسحاب لويس التاسع وفلول قواته من مصر إلى مديئة عكا في مايو ٠10١م‏ وبعد ذلك عاد سفراء لويس التاسع إلى مدينة قيسارية عن طريق حلب في مم وجاء بصحبتهم سفراء من قبل ايلخان التتار ومعهم رسالة تتضمن طلب ايلخان التنار من لويس التاسع لكر بتقديم الهدايا والضرائب كسباً لصداقته وضماناً لاقرار السلام

بينهماء وعلى الرغم من ذلك فإن لويس التاسع آثر أن يرسل سفارة جديدة إلى التتار في محاولة جديدة لاتقاء شرهم من ناحية أو للتحالف معهم إذا امكن وعلى الأقل تمهيد السبيل أمام المبشرين لنشر المسيحية بين التتار وبالتالي يمكن أن يكون التتار والصليبيين في جبهة واحدة ضد المسلمين.

وتكونت البعثة الصليبية هذه المرة من الراهب الفرنسيسكان وليم دي روبروك وراهب آخر هو برتولماوس دي كريونا ورافقهما تابع يسمه نيقولاء وسارت البعثة سنة 707١م‏ من قيسارية حيث كان يقيم الملك لويس التاسع وساروا نحو القسطنطينية ثم أبحروا إلى شبه جزيرة القرم ثم ساروا برأ حتى مصب نهر الدون وكان أول اتصال لروبروك بالتتار عند نهر الفولجا حيث اشيع أن أحد ايلخانات التتار ويدعى سارتاك كان مسيحياً» ولما اجتمع سفراء لويس مع سارتاك وتسلم الرسالة التي تتنضمن طلباً من التتار بأن يسمحوا لرسله بالبقاء في بلاد التتار للدعوة إلى المسيحية على مذهب الكنيسة الرومانية وبعد أن علم سارتاك . بمحتوى الرسالة قال لروبروك في اليوم التالي أنه إذا اراد البقاء» فيجب عليه أن يحصل على تصريح بذلك من أبيه باتوخان ووعده بأنه سيرسل معه قائد من لدنه ليرشده إلى معسكر باتوخان» فساروا

44

إليهء وكان باتو يقيم معسكره على الضفة الشرقية لنهر الفولجا في مدينة اسمها اردوء وأحسن باتو خان استقبال الراهب روبروك ولكن بعد سماع كلامه الخيرة' أنه يعنت آن شيروا سافة :طويلة شرق نحتن يقابلوا مجوحان كين ايلخانات التتارء فسار إليه إلى أن وصل إلى بلاط منكوخان بالقرب من قراقورم حاضرة المغول في اواخر ديسمبر 101١م‏ ولاحظ روبروك الصليبي أن بعض الكنائس موجودة في بلاد التتار وأن زوجة منكوخان كانت تعتنق المسيحية ولم يكن التتار يتعصبون حتى الآن لديانة دون أخرى مما أعطى المجال لتنافس الديانات» لتكسب قلوب المغول إليهاء وعلى الرغم من الجهود التي بذلها لويس التاسع ومن قبله انوسنت الرابع فإن المعجزة كانت في انتصار الإسلام واعتناق معظم التتار للإسلام على فترات متلاحقة.

المهم في الأمر أن بعثة روبروك عادت من قراقورم بعد أن اعطاهم منكوخان خطابات للملك لويس التاسع تتضمن دعوته أن يصبح تابعاً له ليكسب صداقته ويعيش معه في سلام ولما وصل روبروك واصحابه عكا في اوائل 765١م‏ وجدوا أن لويس التاسع عاد إلى فرنسا في ابريل سنة 0

ورغم أن الإتصالات بين التتار ولويس التاسع لم تسفر عن اتفاق أو تحالف بينهما إلا أنها اعطت الأوروبيين بعض المعلومات والأخبار عن التتار» ولم تيأس اوروبا والصليبيين من الاستمرار في الاتصال بالتتار؛ فقد ظلت السلطتان المسيحيتان فى الشرق والغرب تتطلعان إلى التتار لمساعدتهما في حروبهما ضد المسلمين في سبيل امتلاك الأراضي المقدسة"2. وكان هيثوم الأول ملك ارمينية المسيحي (1577- ١1117م)‏ هو الدافع الرئيسي في اقناع منكوخان بارسال تلك الحملة المغولية التي قضت على الخلافة العباسية في بغداد بقيادة هولاكو ( 7717-5605ه / 17590-5م) الذي أظهر عطفاً

)١(‏ د. جوزيف نُسيم يوسفا: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 1881-11 القديس لويس ص : 1١9-71١8‏ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١١١١-١١١١‏

(؟) د. جوزيف نسيم يوسف: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 586-784 ثم انظر ,2010:لم 2267 ,11 ,رتمكقطه12 :221.م ,رتهقا؟آ أه عمتطعوعط

هه

ملموساً على المسيحيين» والنساطرة منهم بوجه خاص بدافع قوي من ناحية زوجته المسيحية. كما أن معاملة التتار للنصارى في دمشق ابان احتلالهم لها قبل معركة عين جالوت» كان دليلاً على عطف التتار على المسيحيين وتعاطفهم معهم ضد المسلمين"'.

وقد تم بعد ذلك ذهاب اثنين من تجار البندقية هما نيقولا ومافيويولوء وسار هذان الشقيقان إلى بلاد التتار بهدف الاشتغال بالتجارة وتقدما عبر بلاد الخطاء ووصلا حوالي إلى بلاط قوبيلاي خان. وعند عودتهما من بلاد التتار أبلغا البايا جريجوري العاشر أن ايلخان المغول لا يمانع في ايفاد ارساليات تبشيرية إلى بلاده للدعوة إلى المسيحية» ولم تتوقف هذه السفارات أو الرحالة ففي سنة ١171م‏ ذهب الرحالة البندقي ماركوبولو إلى بلاد الصين وقضى فيها سبعة عشر عاماً ( 1710 179417م) ووجد أن المذهب النسطوري قد توطدت اركانه فى بلاد التتار كما أن المسلمين وصلوا إلى بلاط ايلخان التتار على شكل بعثات إسلامية» وكان الإسلام أخذ في الانتشار بين التتار فى النصف الثاني من القرن الثالث عشر الميلادي ويوجه الرحالة البندقي ماركوبولو اللوم إلى البابا لعدم استجابته لرغبة ايلخان التتارء ويؤكد أنه لو أوفد هذه البعئات التبشيرية لتحولت الصين والتتار إلى المسيحية الكائوليكية وكان ماركوبولو قد زار بلاداً أكثر من تلك التي زارها روبروك فضلاً عن أنه كان يكتب ويقرأ أربع لغات يتكلم بها التتار مما ساعده على فهم التتار وعوائدهم والبقاء عندهم مدة طويلة إلا أن الإسلام حقق النصر في نهاية الأمر واعتنق ايلخانات التتار في اواخر القرن الثالث عشر الميلادي واوائل القرن الرابع عشر الميلادي الإسلام واعلن الإسلام ديناً رسمياً لامبراطوريتهم الواسعة وكان ذلك اعجازاً للإسلام» وكيف تحول هؤلاء القساة الجبابرة إلى الإسلام بفضل دعاة الإسلام الذين استطاعوا جذب أولئك الفاتحين إلى الإسلام واعتناقه «فكان هذا نصراً للإسلام على المسيحية والتتار»”"' . )١(‏ د. جوزيف: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 23386 أبو الفرج: تاريخ مختصر الدول

ص 857-4608

(1) د. جوزيف نسيم: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 188-787 ذأ 5006© ,لإنام د

0

المغول في الشام وفلسطين:

زحف هولاكو بجيشه في أواخر عام 5761ه/ 1704م من بغداد نحو بلاد الشام وانضمت إليه قوات صليبية من جيش هيثوم ملك أرمينيا الصغرى وبوهيموند السادس أمير انطاكية الصليبية”'2 وكان من المتوقع أن يتعاون الصليبيون مع التتار في عمل عسكري ضد المسلمين ولهذا رأى الطرفان ضرورة التعاون والتنسيق فيما بينهم للوقوف في وجه دولة المماليك الإسلامية التي كانت تمثل القوة الإسلامية الرئيسية التي هاجمها التتار والصليبيين.

أمر هولاكو باقامة ثلاثة جسور على نهر الفرات أحدها عند ملطية9) والثاني عند البيرة”" والثالث عند قلعة الروم”؟2 وعبرت القوات المغولية نهر الفرات نحو الغرب بواسطة هذه الجسور”'2» وفي الطريق قصد هولاكو ديار بكر ونزل على آمد”'' وأرسل هولاكو إلى الملك السعيد نجم الدين ايلغازي صاحب ماردين”'' يستدعيه إليه» ولكن الأخير أرسل ولده الملك المظفر قرا أرسلان وقاضي القضاة مهذب الدين محمد بن مجلي والأمير سابق الدين بليان» ومعهم هدية ورسالة إلى هولاكو نتضمن الاعتذار إليه عن الحضور لمرضه» فلم يقبل هولاكو ذلك العذر وعلل تأخره بخوفه من الملك الناصر يوسف صاحب الشامء ومن ثم حجز الرسل عنده وفيهم ولد صاحب ماردين

تاهآ ,قع20ه0© :219ص بتضةأ5[ 02 عصتطعوءءط ,0[10معة 250.ص رقعع3 35110016 ع6)دا عط .6 ,16123800120

)١(‏ 159.م ,3 غمفط ,11غ:1100

(؟) ملطية: مديئة شمال حلب من ناحية الشرق وهي قاعدة بلاد الثفور انظر: صبح الأعشى ج 4 ص ١"١ا.‏

© البيرة: قلعة شرقي نهر الفرات: مراصد الاطلاع ج ١‏ ص 141١-584٠‏

(؟) قلعة الروم : وهي قلعة حصيئنة غربي شط الفرات مقايل البيرة وتعرف باسم قلعة المسلمين: مراصد الاطلاع ج 7 ص .1١١18‏

(5) الحوادث الجامعة ص 275٠‏ وذكر أن هذه القناطر أو الجسور كانت أربعة وهى ملطية والبيرة

وقلعة الروم وقرقيسيا انظر .146.م ,3 854 ,طاره:ه1]

(1) آمد: وهي مديئة في ديار بكر واقعة على نهر دجلة: صبح الأعشى ج 4 ص “77

(0) ماردين: وهي قلعة بديار ربيعة من الجزيرة الفراتية وهي معقل أمراء بني حمدان بلدان الخلافة --111

05١

ولم يسمح لهم بالعودة في حين أعاد القاضي بمفرده ليخبر الملك السعيد بما قاله هولاكو؛ فندم الملك السعيد على ارسال ولده إلى هولاكو وأخذ في الاستعداد لقتال التتار. وأرسل إلى الملك الناصر يوسف صاحب الشام يستحثه على الزحف بقواته إلى حلب» وأخبره الملك السعيد أنه سيتقدم بقواته لينضم إليه لمواجهة العدو المشتركء وزحف التتار على ماردين وحاصروها فلم ينالوا منها شيئاً فتركوها وساروا إلى ميافارقين”') وحاصروا أهلها «حتى أكلوا من عدم وجود الأقوات جلود النعال التي تلبس في الرجلين» ويتولى حصار المديئة يشموط بن هولاكو وكان صاحبها الملك الكامل محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازي بن العادل أبي بكر بن أيوب» ولقد صابر التتار واستمر على المقاومة سنتين حتى نفذت الأقوات وانتشر بين أهل ميافارفين الوباء والقتل مما يسر على التتار الاستيلاء على المدينة بعد حصار طويل وقتلوا الملك الكامل لموقفه الرافض للإستسلام» وزحف التتار بعدها نحو حران وبلاد الجزيرة» ثم أمر هولاكو ولده يشموط بالزحف بقواته نحو الشام بعد أن زوده بجيش كثير العددء فوصل إلى نهر الجوز”'' ثم وصل إلى تل باشر”” ووصل الخبر بذلك إلى حلب من البيرة» وكان يحكم حلب الملك المعظم توران شاه ابن السلطان صلاح الدين يوسف نائباً عن ابن أخيه الملك الناصر يوسف» وجعل الناس من حلب إلى جهة دمشق» واستعدت حلب أسوارها المحكمة البناء» فقصدها التتار فى العشر الأخيرة من ذي الحجة عام 101ه/ نوفمبر 1709م» وأرسل هولاكو انذاراً إلى صاحب حلب جاء فيه: «إنكم تضعفون عن لقاء المغول ونحن قصدنا الملك الناصر والعساكر فاجعلوا لنا عندكم بحلب شحنة وبالقلعة شحنة ونتوجه نحن إلى العسكر. فإن كانت الكسرة على عسكر الإسلام كانت البلاد

)١(‏ ميافارفين: وهي قاعدة ديار بكر واقعة بين الجزيرة الفراثية وأرمينية : صبح الأعشى ج 4 ص رض

(1) نهر الجوز: ناحية ذات قرى وبساتين ومياه بين حلب والبيرة التي على الفرات وهي قرية من عمل البيرة : مراصد الاطلاع ج ١‏ ص لا

(9) تل باشر: وهي قلعة حصينة واسعة فى شمال حلب بينهما وبين حلب يوما: مراصد الاطلاع ج اص 5596

043

لنا وتكونون قد حقنتم دماء المسلمين» وإن كانت الكسرة علينا كنتم مخيرين في الشحنتين» إن شئتم طردتموها وإن شئتم قتلتموهما «فلم يجب المعظم توران شاه إلى ذلك» وعاد رسول هولاكو بالجواب إلى التتار؛ فتقدمت الجيوش المغولية ونزلوا على قرية يقال لها سلمية”'' وامتدوا إلى جيلان وهي من قرى حلب وسارت فرقة من جيش التتار إلى مدينة حلب نفسها حتى إذا أشرفوا عليها خرج أهلها في جمع كبير من العسكر والعامة» فلما رأوا التتار وهم في جمع كثير كروا راجعين إلى المدينة. فقرر الملك المعظم توران شاه بعد ذلك ألا يخرج أحد من المدينة”"» وفي اليوم التالي تحركت قوات التتار إلى حلب في حين اجتمع جيش المسلمين بحلب وتشاوروا في الأمر وفيما يفعلرن» فأشار الملك المعظم عليهم بألا يخرجوا لقتال العدو لكثرة عدده وقوته ولعجز المسلمين عن لقائهم بعد انهيار الروح المعنوية» فلم يوافقه على ذلك جماعة من العسكرء وأصروا على الخروج للقتال حتى لا يطمع العدو فيهم» فخرجوا إلى ظاهر حلب ومعهم عامة الناس» واجتمعوا على جبل بانقوسا بجوار حلب» فتقدمت جموع التتار في اثرهمء» فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية جيش المسلمين والعوام» اندفع المسلمون جميعاً نحو حلب والعدو يطاردهم فقتل من المسلمين عدد كبير» ثم رحل التتار يعد ذلك إلى عزاز”” فتسلموها بالأمان وبعد ذلك عاد التتار إلى حلب وحاصروها حتى استولوا عليهاء وكان ذلك في التاسع من صفر 108ه/ يناير 59١١م‏ إلا أنهم بعد أن ملكوها غدروا بأهلها وقتلوا ونهبوا وسبوا وأسروا النساء والذرية» واستباحوا المدينة مدة خمسة أيام» حتى امتلأت الطرق والمسالك بجثث القتلى والدماءء قيل أنه أسر من حلب زيادة على مائة ألف من النساء والصبيان وهذا يوضح إلى أي حد بلغ الوهن بالمسلمين وما لحق بهم من قتل ونهب» أما الملك المعظم توران شاه بن السلطان صلاح الدين بن أيوب»

)١(‏ سلمية: بلدة في ناحية البرية من أعمال حماه بينهما مسيرة يومين: مراصد الاطلاع ج ١‏ ص اللا

(؟) 147.م ,3 مه رطامه ه11

قرف عزاز: وهي بليدة فيها قلعة شمالي حلب بينهما وبين حلب يوم: مراصد الاطلاع ج اص ل ,

3

فقد خرج لقتال هولاكو إلا أنه مات بعد أيام قليلة ودام حصار التتار لقلعة حلب حتى اضطرت إلى التسليم بالآمان يوم الإثنين الحادي عشر من ربيع الأول سنة 568ه/ فبراير الك ويصف المقريزي ما حل بحلب بقوله: «في المحرم نزل هولاكو على مدينة حلب» وراسل متوليها الملك المعظم تورانشاه ابن الملك الناصر يوسف». على أن يسلمه البلد ويؤمنه ورعيتهء فلم يجبه إلى طلبه وأبى إلا محاريتهء فحاصرها التتار سبعة أيام وأخذوها بالسيفء وقتلوا خلقاً كثيراً وأسروا النساء والذرية ونهبوا الأموال مدة خمسة أيام» استباحوا فيها دماء الخلق حتى امتلآت الطرقات من القتلى؛ وصارت عساكر التترتمشي على جيف من قتل» فيقال أنه أسر منها زيادة على ماتة ألف من النساء والصبيان» وامتنعت قلعة حلب» فنازلها هولاكو حتى أخذها في عاشر صفرء وضربها وخرب جميع سور البلد وجوامعها

وسناحنها ورساتفياة. ع عادت مو ش37 :

دخول التتار دمشق /6"ه:

فلما وصل الخبر إلى دمشق باستيلاء التتار على قلعة حلب وما جرى في المدينة من قتل وأسر وتخريب». اضطربت دمشق بأهلها «وكان الملك الناصر قد صادر الناس» واستخدم لقتال التترء فاجتمع معه ما يناهز مائة ألف ما بين عرب وعجم. فتمزق حينئذ الناس» وزهدوا في أمتعتهم وياعوها بأيخس الاثمان» وخرجوا على وجوههم. ورحل الملك الناصر عن برزة يوم الجمعة منتصف صفرء بمن بقي معه يريد غزة» وترك دمشق خالية» وبها عامتها قد احاطت بالأسوار وبلغت اجرة الجمل سبعمائة درهم فضة» وكان الوقت شتاء فلم يثبت الناس عند خروج الناصرء ووقعت فيهم الحفلات حتى كأن القيامة قامت76" وكان هذا الموقف بداية الوهن والضعفء وكان التثار يعمدون إلى

035 تراجم رجال القرنين ص‎ 1١5 العبر ج ه ص‎ »1١4 ص‎ ١ تتمة المختصر ج‎ )١( ص النجوم الزاهرة ج لاص‎ ١ المخدم اج ص 2075 السلوك ج‎

(') المقريزي: السلوك ج ١‏ ص ؟57

0 السلوك ج ١‏ ص477

5:

استخدام العنف في البلاد الإسلامية التي فتحوها بقصد أن يسبق الفزع جيوشهم إلى البلاد الأخرى التي ينوون الاستيلاء عليها كما فعلت الجيوش الصليبية وكما تفعل القوات الصهيونية اليوم.

وكان التتار قد بعثوا رسلهم إلى دمشق. فدخلوها ليلة الإثنين السابع عشر من صفر /760ه/ فبراير 1559م وهم ا من هولاكو بتأمين المدينة وأهلها وما حولهاء وقرىء هذا المرسوم بعد صلاة الظهرء ثم وصلت جموع المغول بقيادة كتبغا إلى دمشق في السابع عشر من شهر ربيع الأول عام ه/ مارس 7570١م»‏ وكان اعيان دمشق قد تشاوروا في أمرهم بعد رحيل الملك الناصر يوسف» واتفقوا على ذهاب وفد من اعيان دمشق للقاء التتارء فخرجوا والتقوا بهم «وقرىء ما معهم من الفرمان المتضمن الأمان» وبينما هم في طريق عودتهم من جهة الغوطة مارين من وراء الضياع إلى جهة الكسوة”'2 كانت جموع التتار تتقدم نحو دمشقء وهناك اجتمع نفر من المسلمين واشتبكوا مع التتار فأهلكهم العدوء ثم وصل في السادس والعشرين من ربيع ل هم مارس ١156م‏ إلى دمشق منشور من هولاكو متضمناً تولية القاضي كمال الدين بن عمر بن بندار التفليسي قاضياً ببلاد الشام والموصل وميافارفين وماردين والاكراد والأوقاف”".

أما بالنسبة لقلعة دمث مشق فقد قاومت بشدة» فنصب التتار عليها المجانيق ثم تسلموها بالأمان في منتصف جمادي الأولى عام 504ه/ ابريل ١115م»‏ وهدموا قلعتها ثم ساروا إلى مناطق أخرى”” .

75 الكسوة: أول قرية تنزلها القوافل إذا حرجت من دمشق إلى مصرء النجوم الزاهرة ج لا ص‎ )١( حاشية ؟‎ النجوم الزاهرة‎ 0٠8-107 ص 474-477. جامع التواريخ المجلد الثاني ص‎ ١ السلوك ج‎ )( 586 ص١ جح 7 اد -لالاء البذاية والنهايةج "لاص 2,529 الذيل على مرآة الزمان ج‎ تراجم رجال القرنين ص 5١5”ء2 149.م ,3 أموط ,رطاره ه180‎ 3 47" اص‎ ١١ السلوك ج‎ 2

1

خيانة النصارى فى دمشق :

اتخذ غزو التتار لبلاد الإسلام في الشام طابعاً صلبياً :ذلك أن زوجة هولاكو وأمه كانتا مسيحيتين على المذهب اللنسطوريء» الأمر الذي جعل هولاكو يعطف على النصارى بقدر ما قسا على المسلمين في بلاد الشرق الادنى الإسلامي» وفي الوقفت نفسه وجدت بعض القوى الصليبية بزعامة البابوية وبعض ملوك اوروبا وحكام الصليبيين فرصة طيبة في امكان تحويل التتار إلى المسيحية» وعلى الأقل التحالف مع التتار ضد المسلمين» فاتصل الصليبيون بالتتار واستئاروهم ضد المسلمين وعلى سبيل المثال أن ملك أرمينية الصغرى المسيحي اتصل بهولاكو ورسم معه خطة غزو التتار لبلاد الشام وانتزاع بيت المقدس من المسلمين ليتسلمها المسيحيون”''.

ومن الأدلة على خيانة النصارى العرب في دمشق ما ذكره المقريزي ابان احتلال التتار لدمشق فقال: «واستطال النصارى بدمشق على المسلمين» وأحضروا فرماناً من هولاكو بالاعتناء بأمرهم واقامة دينهم» فتظاهروا بالخمر في نهار رمضان» ورشوه على ثياب المسلمين في الطرقات وصبّوه على أبواب المساجد. وألزموا أرباب الحوانيت بالقيام إذا مروا بالصليب عليهم: وأهانوا من أمتنع من القيام للصليب» وصاروا يمرون به في الشوارع إلى كنيسة مريمء ويقفون به ويخطبون في الثناء على دينهمء وقالوا جهراً «ظهر الدين الصحيح دين المسيح». فقلق المسلمون من ذلك. وشكوا أمرهم لنائب هولاكو وهو كتبغا فأهانهم وخرات بعضهمء وعظم قسوس النصارى» ونزل إلى كنائسهم وأقام شعارهم» '*.

وقال أبو المحاسن «فصار ذلك كله فى قلوب المسلمين»”" أما حماة. فلما علم أهلها بسقوط حلب» خرج أعيانها وسلموا مفاتيح المدينة إلى

و الحركة الصليبية ج 31 ص ١1١77”‏ ف العصر المليكي في مصر والشام ص

(؟) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 475» أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ص ١4م‏ فى النجوم الزاهرة ج لا ص ١م‏

45

هولاكو وطلبوا منه الأمان» فأمنهم وولى على حماة رجلاً أعجمياً يدعى خسروشاه؛ أما الملك الناصر يوسف فقد اضطربت أحواله وعزم على لقاء هولاكو ومحاربته» فجمع حوالي مائة ألف رجل. وخيّم بقواته عند برزة"" ثم أرسل إلى الملك المغيث صاحب الكرك والملك المظفر قطز صاحب مصر يطلب منهما العون لصد هجوم التتارء إلا أن قوة الملك الناصر يوسف ضعفت وانهارت» وأصبح في وضع لا يمكنه من الوقوف في وجه زحف التتار أو الانتظار حتى يأتيه المدد من مصر أو من الكرك» وأدرك قرب زوال ملكهء واشتد اضطراب بلاد الشام» وساد الاعتقاد عند الناس بأن التتار قوم لا يهزمون» فلما أشار الأمير زين الدين الحافظي بمداراة التتار والدخول في طاعة هولاكوء صاح به الأمير بيبرس البندقداري وسبه وضربه وقال له «أنتم سبب هلاك المسلمين؟ وحاول بعض المماليك قتل الناصر يوسف وتولية آخر يستطيع القيام بالجهاد إلا أنه هرب ولجأ إلى قلعة دمشق وذلك قبل دخول التتار المدينة ثم سعى إليه الاكابر والأمراء وأشاروا عليه بالخروج إلى معسكر قواته شمالي دمشق فخرج»ء جرى ذلك مع الملك الناصر قبيل دخول التتار لدمشق» وكان الأمير بيبرس البندقداري قد ازعجه تهاون الملك الناصر بأمر الجهاد فترك بلاد الشام وعاد إلى مصر ودخخل في طاعة الملك المظفر قطزء وكان بصحبة بيبرس جماعة من الأمراء المماليك البحرية» فرحب بهم قطز وأنزلهم بما يليق بهم وقال المقريزي: «وفي يوم السبت ثاني عشرين شهر ربيع الأول قدم الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري إلى القاهرة» فركب الملك المظفر قطز إلى لقائه» وأنزله في دار الوزارة بالقاهرة» واقطعه قصبة قليوب الخاصة»”' وهنا موقف حميد لكل من قطز وبيبرس فقد قدما مصلحة الإسلام والمسلمين على علاقاتهما الشخصية وآثرا الإتفاق والتعاون من أجل الجهاد ومواجهة التتار والصليبيين» وتناسوا خلافاتهما القديمة فاحيوا بذلك روح الجهاد» ونبذوا الشقاق حباً في الجهاد في سبيل الله.

1١87 ص‎ ١ برزة: وهي قرية في غوطة دمشق: مراصد الاطلاع ج‎ )١(

(؟) السلوك ج ١‏ ص 455» د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول

ص 10-55

417

أما الملك الناصر يوسف» فقد تألم حينما لمس تخاذل عساكره وخشي من كثرة التتار» فسار نحو الديار المصرية» ونزل العريش ثم قطيا”'؟ وذلك بعد أن تفرق جنده وسبقوه إلى مصر ومعهم الأثقال وما استطاعوا حملهء إلا أن الملك الناصر يوسف تراجع عن دخول مصر عندما بلغ قطيا خوفا من الملك المظفر قطز صاحب مصر ونزل بوادي موسى”" ثم نزل في مكان يسمى بركة زيزاء فادركه التتار بها وهو في نفر قليل من أصحابه ومماليكه مما اضطره إلى الإستسلام وبقي عندهم «في ذل وهوان إلى أن قتل» وكان الملك الناصر يوسف حينما مر بحلب وهو في طريقه ورأى ما حل بها من خراب وهوان فأنشد قائلاً : يعز علينا أن نرى ربعكم يبلى وكأنآيات حسنكم قتلى

فلما وصل الملك الناصر عند هولاكو أحسن استقباله ووعده برده إلى مملكته وأقام الناصر وولده العزيز عند التتار على أمل أن يعيدهم هولاكو إلى ملكهم مرة أخرىء إلا أن هزيمة التتار وكسرتهم الكبرى وقتل قائدهم كتبغا في موقعة عين جالوت؛ كل ذلك قضى على كل احلام هولاكو ودفعه إلى قتل الملك الناصر وأخيه ومن معه ولم ينج من القتل إلا ابنه وذلك في ذي القعدة 707ه/ اكتوبر .©06177٠‏

وخلاصة القول أن التتار سيطروا على بلاد الشام «وغارت جماعات التتر على بلاد الشام؛ وحتى أطراف بلاد غزة وبيت جبريل والخليل وبركة زيزاء والصلتء فقتلوا وسبوا وأخذوا ما قدروا عليهء وعادوا إلى دمشق فباعوا بها المواشي وغيرها»؟ .

وبعد أن وصلت جحافل التتار إلى غزة وهي ياب مصر من ناحية الشرق

١11١١ قطيا: وهي قرية بين القنطرة والعريش في صحراء سيناء مراصد الاطلاع ج 1 ص‎ )١(

(1) وادي موسى : نسبه إلى موسى بن عمران عليه السلام وهو واد في جنوب بيت المقدس مراصد الاطلاع ج ص ١418‏

(9) د. فايد عاشور : العلاقات السياسية بين المماليك والمغرل ص 2488-45 السلوك ج ١‏ ص *7 2 5لاغ- ”اع

هق السلوك ج اص 156 0.39 ,قققط80 ,157.م ,3 أقةم بط1ىهج110

44

بات من المؤكد أن يجري الاحتكاك بين التتار ودولة المماليك الإسلامية في مصر مع أن هولاكو قائد جيش التتار قرر العودة إلى بلاد الشرق» إذ علم بوفاة أخيه منكوخانء الخان الاعظم على جميع التتار سنة 566ه/ ا50١امء‏ وكان هو لاكو يطمع في أن يقع عليه 00 في أن يكون الخان الاعظم للتار خلفاً لأخيه متكوخان وكان هناك أ خ ثالث لهما اسمه قوبيلاي وكان والياً على بلاد الصين من قبل أخيه الخان الاعظم وتمكن قوبيلاي من تولي الأمر على التتار دون هولاكو وذلك يعذ أن تغلب قوبيلاي على الخصوم والطامعين في العرش من ابناء بيت جنكيزخان سنة 1059ه/ ١177١م,2‏ وكان هو لاكو ل عودته إلى قراقورم عاصمة التتار أناب ببلاد الشام قائده كتبغا وفعة أقوات مغولية كثيرة من بيدها عَشرَة آلاف من الفرينان20,

ولا شك في أن تخاذل ملوك الأيوبيين أمام التتار وعدم الوقوف بحزم وفرارهم امام ذلك العدو المدمر والخطر الزاحف» كل ذلك أدى إلى نهاية ملك الأيوبيين في بلاد الشام» وسيطر التتار على بقية بلاد الشام في اواخر عام ١77١م‏ ووصلوا إلى غزة وبذلك جاء دور مصر في مواجهة هذا الخطر.

سلطنة سيف الدين قطن :

تطورت الأحوال في مصر بسرعة» وكانت البلاد في تلك الآونة تحت حت اتلك المنصور علي ابن المعز أيبك التركماني» وكان المنصور علي صغير السن» ضعيف الشخصية» هذا فى الوقت الذي كان فيه سيف الدين قطز نائبء له مكانة كبرىء وبلغ شأناً عظيماً في ادارة الأمور» وصار الشخصية البارزة في البلاد نتيجة صغر سن الملك المنصور علي من ناحية ة أنصار قطز من ناحية أخرى» وعايش سقوط يغداد في سنة 707ه/ ام ثم وصول الانذار المرسل من هولاكو إلى الملك الناصر يوسف وما يترتب على ذلك الانذار من اجراءات واحتياطات» وتواتر الاخبار بعبور قوات التتار نهر الفرات لغزو بلاد الشام» واضطراب البلاد الشامية وعبر

. 45 ص 477 » د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( 543

المقريزي عن ذلك عندما قال: «افانزعج الناصر وسير حريمه إلى الكرك» وخاف الناس بدمشق خوفاً كثيراً لعلمهم أن التتر قد قطعوا الفرات» وسار كثير منهم إلى جهة مصرء وكان الوقت شتاء فمات خلائق بالطريق» ونهب اكثرهم . وبعث الناصرء عنلما بلغه توجه هولاكو نحو الشام. بالصاحب كمال الدين عمر بن العديم إلى مصر يستنجد بعسكرهان"" .

والمظفر قطز مسلم يقدر واجب الجهاد لدفع اعداء الإسلام وحماية المسلمين ومن ثم اهتمع بأمر التتار ورحب بالصاحب كمال الدين عمر بن حلب والشام يطلب منه النجدة على قتال التتار» وعلى الرغم من أن الملك الناصر يوسف كان يظهر العداء لقطز فإن الأخير كان يؤثر المصلحة العامة للإسلام والمسلمين ولهذا جمع القضاة والفقهاء والاعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه في أمر التتار» وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم العلماء وجلس الملك المنصور علي في دست (كرسي) السلطنة» وأفاضوا في الحديث» فكان الإعتماد على ما يقوله ابن عبد السلام وخلاصة ما قال: أنه إذا طرق العدوٌ بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء وتبيعوا مالكم من الحوائص”' المذهبة والآلات النفيسة» ويقتصر كل الجند بقية ما في أيدي الجند من الاموال والآلات الفاخرة فلا» وانفض المجلس

ذلله إفرف على نيك؛ :

وخلال الاجتماع السابق لم يتكلم السلطان المنصور علي بكلمة في

4١5 ص‎ ١ المقريزي: السلوك ج‎ )١(

(؟) الحوائص : كان من عادة السلطان أنه إذا ركب للعب الكرة بالميدان فرق -حوائص من الذهب على بعض الأمراء المقدمين. صبح الأعشى ج 4 ص 7ه-005.

() أيو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لا ص الا-”اا المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 411-415

١٠و‎

المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه «فلهج الناس بخلع المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم)"'.

وقال المقريزي: «فوجد الأمير سيف الدين قطز سبيلاً إلى القول» وأخذ يتكر على الملك المنصور وقال: «لابد من سلطان قاهر يقاتل هذا العدوى والملك المنصور صبي صغير لا يعرف تدبير المملكة «وكانت قد كثرت مفاسد الملك المنصور علي بن المعز أييك واستهتر في اللعب وتحكمت أمه فاضطربت الأمور»”"' .

وبناء على المصلحة العامة وعدم شرعية تولية أمر المسلمين لطفل لم يبلغ الرشد وتهديد التنار للبلاد وبعد مشاورة أهل الرأي والمشورة وموافقتهم قبض الأمير سيف الدين قطز على الملك والمنصور علي» وأحتج لكمال الدين عمر بن العديم رسول الملك الناصر يوسف بأن الملك المنصور علي صبي لا يحسن تدبير الملك وفي مثل هذا الوقت الصعب لابد أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه الناس ويتتصب للجهاد» وتولى السلطنة قطز «في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سبع وخمسين وستمائة وذلك بعد أن عظمت الأراجيف بتحريك التتار نحو البلاد الشامية وقطعهم الفرات وهجمهم بالغارات على البلاد الحلبية) .

الأخطار التى واجهت السلطان قطز: أولاً: معارضة بعض الأمراء لسلطنته :

بدأ السلطان قطز بتولية زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع بن يزيد بن الزبير الوزارة وصرف تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعزء وذلك بعد أن قبض على السلطان المنصور علي وأمهء فبلغ ذلك بعض الأمراء الذين كانوا في رحلة للصيد؛ فقدموا إلى قلعة الجبل» وأنكروا ما كان من قبض قطز على )١(‏ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لا ص *الا

(؟) السلوك ج ١‏ ص 4١7‏ 2_2 أبو الممحاسن : النجوم الزاهرة ج لا ص 07

٠١١

الملك المنصورء وتوثبه على الملك فخافهم واعتذر إليهم بحركة التتار إلى جهة الشام ومصرء والتخوف مع هذا من الملك الناصر صاحب دمشق وقال: «وأني ما قصدت إلا أن نجتمع على قتال التترء ولا يتأتى ذلك بغير ملك» فإذا خرجنا وكسرنا هذا العدو فالأمر لكمء أقيموا في السلطنة من شئتم» فتفرقوا عنهء وأخذ يرضيهم حتى تمكن فبعث بالمنصور وأخيه وأمه إلى دمياط. . . وحلفٌ الأمراء والعسكر لنفسه» واستوزر الصاحب زين الدين يعقوب بن عبد الرفيع بن الزبير في خامس ذي القعدة واستمر الأمير فارس الدين اقطاي الصغير الصالحي المعروف بالمستغرب أتابكا وفوض إليه وإلى الصاحب زين الدين تدبير العساكر واستخدام الاجناد وسائر أمور الدولة» واحتفل باستخدام الجنود والاستعداد للجهاد»”"' .

ويلاحظ أن السلطان سيف الدين قطز تولى السلطنة بعد أن عقد مجلساً للمشاورة والاتفاق على وضع خطة لمواجهة خطر التتارء واتفق الحضور وفي مقدمتهم العلماء والفقهاء والقضاة على بيعة قطز بالسلطنة ومن ثم بايعه العسكر والأمراء والناس وأما من عارضه من الأمراء فقد اقنعه بأن أمر الجهاد ضد العدو هو فقط الذي يفرض على قطز القيام بأمر السلطنة فإذا انتهى خطر التنار وزال لم يعد لقطز بالنلطلة رغبة ويمكن للأمراء تولية من يرغبون فيه وهو بحق شخصية إسلامية مطيعا للشريعة. ثانياً : موقفه من الملك الناصر يوسف صاحب دمشق:

كان الملك الناصر يوسف معادياً لسيف الدين قطزء ويطمع في ضم مصر إلى ملكه باعتبارها من ميراث الدولة الايوبية ومن ثم فإنه نازع المماليك السلطنة وحشد الجيوشء وهاجم مصر أيام الملك المعز أيبك» ولم يزل يحاول غزو مصر إلا أن هجوم التتار على بلاد الشام جعل الملك الناصر يوسف في حيرة من أمرهء وأخذ يشعر بالحرج في موقفه وعلاقائه حتى ضاقت به الأمورء وحاول مهادنة التتار والدخول معهم في اتفاق ولكنه لم ينل )١(‏ السلوك ج ١‏ ص »418-51١7‏ النجوم الزاهرة ج ص 7

حل

منهم وعداً بالإحسان إليه وخافهم وأرسل إلى السلطان سيف الدين قطز بالصاحب كمال الدين عمر ابن العديم رسولاً ويطلب العون ضد التتارء فاحترم قطز رسول الملك الناصر يوسف واكرمه واهتم بالأمر وجمع مجلساً للشورى لأخذ الرأي فيما يعتمد عليه في هذا الأمر مقدماً مصلحة الإسلام على سائر الأمور وتجاوز عن مواقف الناصر يوسف المعادية ولهذا كتب جواباً على رسالة الملك الناصر يوسف وحملها إلى برهان الخضر السنجاري قاضي القضاة وسار بصحبته الصاحب كمال الدين عمر بن العديم وتضمن رد قطز على الملك الناصر يوسف استعداده لتقديم المساعدة ونجدته وانقاذ العساكر إليه «فتوجها ووصلا إلى دمشق وأديا الرسالة ولم يزل البرهان بدمشق إلى أن رحل الملك الناصر من دمشق إلى جهة الديار المصرية حافلاً من التار0 ,

ولكن الملك الناصر يوسف راوده الشك «فلما وصل الناصر إلى قطيا عاد منها إلى جهة الشام لشيء بلغه عن الملك المظفر قطز صاحب مصر «فكتب إليه الملك المظفر قطز وقد خافة وأرسل له كتاباً يترفق فيه» ويقسم بالأيمان أنه لا ينازعه فى الملك ولا يقاومهء وأنه نائب عنه بديار مصرء وس جز انها أففوه على الكرمي: وقال فيه أيضاً «وإن اخترتني خدمتك ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك. فإن كنت لا تأمن حضوري سيرت إليك العساكر صحبة من تختاره؛ فلما قدم على الملك الناصر كتاب قطز اطمأن9'' . ثالثاً: انذار التتار للمماليك في مصر:

تمكنت القوات المغولية من السيطرة على ممالك الأمراء الايوبيين في اد الجناع وبقدم العاز يحى وصلوا إلىاغرة جتوك فلسطين وهدا يعتى تهلايك مصر. وكان هولاكو قد أرسل إلى مصر بكتاب نصه: «من ملك الملوك شرقا وغرباًء القان الاعظمء بسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء. يعلم

)١(‏ النجوم الزاهرة اج لاص كلا 2( السلوك ج ١‏ ا

الملك المظفر قطز الذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الاقليمء يتنعمون بأنعامه» ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك. يعلم الملك المظفر قطزء وسائر أمراء دولته وأهل مملكته. بالديار المصرية وما حولها من الأعمال» أنا نحن جند الله في أرضهء خلقنا من سخطهء وسلطنا على من حل به غضبه فلكم بجميع البلاد معتبرء وعن عزمنا مزدجرء فاتعظوا بغيركم وأسلوا إلينا أمركم» قبل أن ينتكشف الغطاءء فتندموا ويعود عليكم الخطأ. فنحن ما نرحم من بكى» ولا نرق لمن شكى» وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد» وطهرنا الأرض من الفسادء وقتلنا معظم العبادء فعليكم بالهربء وعلينا الطلب» فأي أرض تأويكم» وأي طريق تنجيكم» وأي بلاد تحميكم؟ فما من سيوفنا خلاصء» ولا من مهابتنا مناص» فخيولنا سوابق وسهامنا خوارق» وسيوفتا صواعق وقلوبنا كالجبال» وعددنا كالرمال. فالحصون لدينا لا تمنع» والعساكر لقتالنا لاا تنفعء ودعاؤكم عليئا لا يسمع؛ فإنكم أكلتم الحرامء ولا تعمُون عند كلام» وخنتم العهود والأيمان» وفشا فيكم العقوق والعصيان» فأبشروا بالمذلة والهوان» «فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون) «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلون».

فمن طلب حربنا ندم» ومن قصد أماننا سلم. فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتمء فلكم مالنا وعليكم ما عليناء وإن خالفتم هلكتمء فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم - فقد حذر من أنذر» وقد ثبت عندكم أن نحن الكفرة» وقد تثبت عندنا أنكم الفجرةء قد سلطنا عليكم من له الأمور المقدرة والاحكام المدبرة» فكثيركم عندنا قليل» وعزيزكم عندنا ذليل» وبغير الأهنة ما لملوككم عندنا سبيل. فلا تطيلوا الخطاب» وأسرعوا برد الجواب» قبل أن تضرم الحرب نارها وترمي نحوكم شرارهاء فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاء ولا كافياً ولا حرازاً . وتدهون منا بأعظم داهية» وتصبح بلادكم منكم خالية» فقد انصفناكم إذ راسلتاكم» وأيقظناكم إذ حذرناكم» فما بقي لنا مقصد سواكمء والسلام علينا وعليكم؛ وعلى من أطاع الهدى» وخشي عواقب الردى؛ وأطاع الملك الأعلى.

66

يصيرأعزالقوم منها أذلة ويلحق اطفالاً لهم بالاكابر"»

وبعد وصول رسل التتار إلى القاهرة» تسلم قطز الانذار الذي جاءوا به من طرف هولاكو والذي يتضمن التهديد والوعيد من مخالفة أمره ويطلب الإستسلام للتتار واعلان الخضوع والطاعة ولكن السلطان قطز لم يهتز ايمانه يما جاء في هذا الانذار» بل عقد مجلساً للمشاورة ضم الأمراء وأهل الرأي والمشورة والعلماء والقضاة ووجه إليهم حديثه: «لقد توجه هولاكو خان من توران إلى ايران بجيش جرار» ولم يكن لأي مخلوق من الخلفاء والسلاطين والملوك طاقة على مقاومته واستولى على جميع البلاد ثم جاء إلى دمشق ولو لم يبلغه نعي أخيه الحق مصر بالبلاد الأخرى»: ومع هذا فقد ترك في هذه النواحي كيتوبوقانوين الذي هو كالأسد الهصور والتنين القوي في الكمين» وإذا قصد مصر فلن يكون لأحد قدرة على مقاومته» فيجب تدبر الأمر قبل فوات الفرصة «فقال الأمير ناصر الدين القيمري»: إن هولاكو خان فضلاً عن أنه حفيد جنكيز خان وابن تولوي وأخو منكوخان» فإن شهرته وهيبته في غنى عن الشرح والبيان» وإن البلاد الممتدة من تخوم الصين إلى باب مصر كان في قبضته الآن. وقد اختص بالتأييد السماوي فلو ذهبنا إليه لطلب الأمان فليس في ذلك عارء ولكن تناول السم بخداع النفس واستقبال الموت أمران بعيدان عن حكم العقل» أنه ليس بالانسان الذي يطمأن إليه» فهو لا يتورع عن احتزاز الرؤوس» وهو لا يفي بعهده وميثاقه فإنه قتل فجأة خورشاه والخليفة وحسام الدين عكة وصاحب أربل بعد أن أعطاهم العهد والميثاق» فإذا ما سرنا إليه فيكون مصيرنا هذا السبيل؟.

فقال سيف الدين قطز: «والحالة هذه فإن كافة البلاد ديار بكر وربيعة

))0 السلوك ج ١‏ ص /51ة-21:59 ابن أييك: كر الدرر ج 4 ص 00-85 ابن بهادر: فتوح النصر ص 251١١-١١9‏ القلقشندي: صبح الأعشى ج 8 ص 34-77» عصر سلاطين المماليك ج ١‏ ص 71/7

16

والشام ممتلئة بالمناحات والفجائع» وأضحت البلاد من بغداد حتى الروم خراياً بياناًء وقضى على جميع ما فيها من حرث ونسل» فخلت من الأرواح والأبقار والبذورء فلو أننا تقدمنا لقتالهم وقمنا بمقاومتهم فسوف تخرب مصر خراياً تاماً كغيرها من البلاد» وينبغي أن نختار مع هذه الجماعة التي تريد بلادنا واحداً من ثلاثة: الصلح أؤ القتال أو الجلاء عن الوطنء أما الجلاء عن الوطن فأمر متعذر ذلك لأنه لا يمكن أن نجد لنا مفراً | إلا المغرب» وبيئنا وبينه مسافات بعيدة» فأجاب ناصر الدين القيمري: «وليس هناك مصلحة أيضاً في مصالحتهمء إذ أنه لا يوثق بعهودهم؛ وقال أيضاً بقية الأمراء: «ليس لنا طاقة ولا قدرة على مقاومتهم». تمرابما يقتضيه رأيك». عندئذ قال قطز (إن الرأي عندي هو أن م م إلى القتال فإذا ظفرنا فهو المراد وإلا فلن نكون ملومين أمام الخلق)2©7.

ويبدو أن السلطان قطز بالإتفاق مع الأمير ناصر الدين القيمري رتب هذا النقاش حتى يوضح الأمر من جميع جوانبه امام أهل الشورى الذين أيدوا وجهة قطز فاختلى قطز مع الأمير بيبرس البندقداري الذي كان أميراً للأمراء وشاوره في الأمر فقال بيبرس: «إني أرى أن نقتل الرسل» ونقصد كيتوبوقا متضامنين» فإن انتصرنا أو هزمنا فسوف نكون في كلتا الحالتين معذورين» ولكن أبدى بعض الأمراء خوفهم من التتار وقالوا إنهم ما قصدوا بلدا إلا أخذوه ولم يبق خارجاً عن حكم التتار في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن» وأمام هذا الخوف من التتار ومحاربتهم رأى قطز وبيبرس وبعض الأمراء ضرورة وضع نهاية لهذا الترددء وأمر بقتل رسل التتار بمعنى اعلان حالة الحرب وظهر في هذه الظروف تصميم المظفر قطز على قتال العدو والخروج لمواجهتهء عقر لاد ع ا وحث الناس على الخروج اءجهاد في سبيل الله ونصرة دين رسول الله يده وطالب الولاة #بازعاج الأجناد في الخروج للسفر ومن وجد منهم قد اختفى يضرب المقارع”" .

55-58 د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغورل ص‎ )١( 51-58 (؟) د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص‎

الملل

ويصور أبو المحاسن الاحوال في مصر فيقول «فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتارء وأجمعوا على جيظ مضو عير لكثرة علدهم واسيادتهم علي معظم يلاد السلعين» وأنهم ما قصدوا اقليماً إلا فتحوهء ولا عسكراً إلا هزموى ولم يبق خارج عن حكمهم في الجانب الشرقي إلا الديار المصرية والحجاز واليمن) وهرب جماعة من المغارية الذين كانوا بمصر إلى الغرب» وهرب جماعة من الئاس إلى اليمن والحجازء والباقون بقوا في وجل عظيم وخوف شديد يتوقعون دخول العدو وأخذ البلادء وصمم الملك المظفر على لقاء التتار»”" .

الاستعداد لقتال التتار :

صدرت الأوامر من السلطان قطز بجمع القوات وحث الناس على الخروج للجهاد في سبيل الله ونصرة دين الإسلام» وأمر السلطان الولاة والحكام في الاقاليم بدعوة الناس إلى الجهاد ومن تخاذل أو اختفى يضرب بالمقارع لأن الخطر بات يهدد البلاد المصرية وكان قطز قد احضر رسل التتار «وكانوا أربعة: فوسط واحداً بسوق الخيل تحت قلعة الجبل» ووسط آخر بظاهر باب زويلة» ووسط الثالث ظاهر باب النصرء ووسط الرابع بالريدانية» وعلقت رؤوسهم على باب زويلة» وهذه الرؤوس أول رؤوس علقت على باب زويلة من التتارء وأبقى الملك المظفر على صبي من الرسل» وجعله من ممالشكه»0؟؟ ,

وحتى لا يثنيه البعض في تفسير قتل هؤلاء الرسل والمعروف أن التتار لا يوفون بالعهود ولا يلتزمون بالوعود» ومنذ تحركهم نحو العالم الإسلامي سنة إلى 168ه وهم يقتلون المسلمين ويدمرون المدن والبلاد ولا يوفون بشروط الأمان وهذا يعني أن التتار عازمون على الحركة إلى جهة مصر ومن

78 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لا ص‎ )١( 555 ص‎ ١ السلوك ج‎ )0(

1١ا/‎

ثم لابد من موقف في البداية يجعل التتار يفكرون مرات ومرات قبل الشروع في غزو مصرء بدليل أن المظفر قطز عندما اعدم رسل التتار وأن ذلك يعني قوة دولة المماليك وتحديها للانذار الذي حمله إلى مصر هؤلاء الرسل» ومن جهة أخرى فإن ضعف الروح المعنوية في مصر وأمراء المماليك خلق جواً من التردد في مواجهة التتار وخافوا من الخروج لقتالهم حتى أن البعض شرع في الهرب عن مصر إلى بلاد المغرب أو بلاد اليمن والحجاز يريدون النجاة بالفسيع ولهذا اراد تر بقل الريكل أنه يشل الشات واليقين أن حجالة التعرين مع العدو المغولي قد أصبحت حقيقة بدليل أنه جعل في كل موقع في القاهرة أحد الرسل القتلى بهدف تحريض الناس على الجهاد واعلان الحرب ضد التتار. وقال المقريزي: «ونودي في القاهرة ومصرء وسائر اقليم مصرء بالخروج إلى الجهاد في سبيل الله؛ ونصرة لدين رسول الله يله . وتقدم الملك المظفر لسائر الولاة بازعاج الأجناد في الخروج للسفر» ومن وجد منهم قد اختفى يضرب بالمقارع0'' وكان المظفر قطز يفعل هذا بعد أخذ المشورة من الأمراء والعلماء لأن الأمة اديه فى الك الروك ال كن لحسيت لامر من السلطان إلا إذا أيدته الشريعة الإسلامية . ويتولى العلماء والمقهاء الموافقة أولا:

«فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى فى قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم (التتار) بعد أن كانت القلوب قد أيست من النصرة على التتار» واجمعوا على حفظ مصر لا غير لكثرة عددهم واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين»”"2. ويعكس المقريزي انهيار 5 المعنوية عند المسلمين وخوف أمراء مصر من مقاتله التخار عندما قال: : افجمع قطز الأمراء» واتفقوا على قتل الرسل والمسير إلى الصالحية فقبض على الرسل واعتقلواء وشرع في تحليف من تخيّره من الأمراء وأمر بالمسير والأمراء غير راضين بالخروج كراهة في لقاء التتار. فلما كان يوم الإثنين )١(‏ د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص 45-48 )١(‏ أبو المحاسن النجوم الزاهرة ج لا ص ٠8‏

١48

خامس عشر شعبان ( 504ه) خرج الملك المظفر بجميع عسكر مصر»ء ومن انضم إليه من عساكر الشام ومن العرب والتركمان وغيرهم» من قلعة الجبل يريد الصالحية وتقدم المظفر قطز بقواته من القاهرة حتى وصل إلى الصالحية وتكامل عنده العسكر» فطلب الأمراء وتكلم معهم في الرحيل» فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل. فقال لهم: «يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال» وأنتم للغزاة كارهون» وأنا متوجه فمن اختار الجهاد يصحبني» ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيتهء فإن الله مطلع عليهء وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين:0؟.

ويبدو من خلال هذا الموقف الاحوال النفسية التى عاشها المسلمون فى مصر ابان الانذار المغولي ويعكس الظروف التي جعلت الملك المظفر يقتل الرسل ويظهر الشجاعة الفذة عندما عزم على الخروج للجهاد مهما كانت الاحوالء وبعد حديثه مع الأمراء تكلم مع بعض الأمراء الذين تخيّرهم وحلفهم في موافقته على المسيرء فلم يسع البقية إلا الموافقة» وانقض الجمع بعد أن رأوا صدق المظفر قطزء وعزمه فلما كان فى الليل ركب السلطان. وحرك كوساته© وقال: «أنا ألقى التتار بنقسى قلما رأى الأمراء مسير المنلطانا سا ونا على ري 5 1

هزيمة التتار فى غزة /0©"ه/ ام:

بعد أن أكملت استعدادات السلطان المظفر قطز واجمعت الآراء على المسير معهء شرع في الحركة إلى جهة فلسطين وجعل على مقدمة الجيش الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري الذي تقدم لاستطلاع أخبار العدو وكشف

تحركاته حتى وصل إلى غزة» وكانت مقدمة الجيش المغولي عند غزة بقيادة بيدرا .

159 ص١ السلوك ج‎ )١(

0 العوسات : وى سنوتانه تن اسان اليد التزي الفيغي يدق :باحننما جتن اللخ بازفاغ ممخصوص ومع ذلك طيبول وشبابه وهي تدق في أوقات خاصة: صبح الأعشى ج ٠‏ ص 8

لقف السلوك ج ١‏ ص 459

ل

فلما رأى قوات الطليعة الإسلامية أرسل إلى كتبغا في بعلبك يخبره بتحركات جيش المسلمين ويطلب منه النجدة» فأرسل كتبغا إليه قائلاً: «قف مكانك وانتظر» إلا أن الأمير بيبرس البندقداري لم يمهله حتى تصل إليه النجدة» فبادره بالهجوم وانكسر التتار وطاردهم بيبرس حتى نهر العاصيء وارتفعت الروح المعنوية عند المسلمين بهذا الانتصار الذي كان مقدمة لمعركة عين جالوت ثم وصل السلطان المظفر قطز بالجيش إلى غزة» وأقام بها يوماً ثم سار بحذاء الساحل حيث توجد امارات الصليبيين» فلما سمعوا بقدومه خرجوا إليه وقدموا إليه الهدايا» وعرضوا عليه المسير معه ومساعدته. فشكرهم وأخذ عليهم العهود والمواثيق «أن يكونوا لا له ولا عليه» وأقسم لهم «أنه متى تبعه منهم فارس أو راجل يريد أذى بعسكر المسلمين رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتار»''؟ ورافق الملك المظفر قطز إلى الشام صاحب حماة الملك المنصور وأخوه الأفضل .

أما بالنسبة للتتارء فإِنْ هولاكو خان عاد إلى بلاد الشرق بسبب وفاة الخان الأعظم منكوخان» وترك قيادة الجيش في بلاد الشام للقائد كتبغاء وكان كتبغا بقواته في البقاع عندما علم بمسير السلطان المظفر قطز لقتاله» فاستدعى إليه الملك الأشرف موسى بن المنصور صاحب حمص وقاضي القضاة محيى الدين محمد بن يحيى المعروف بابن الزكيء والملك السعيد ابن العزيز بن العادل واستشارهم كتبغا في الأمرء فأشار بعضهم عليه بالانتظار حتى تصله إمدادات هولاكو ليقوى بها على لقاء المسلمين» وأشار آخرون عليه بغير ذلك» واختلفت الآراء حتى استقرٌ رأي كتبغا على القتال» فجمع التتار الذين كانوا قد تفرقوا في بلاد الشامء وزاد عددهم عن ثلاثين ألف مقاتلء وقصد محاربة المسلمين. وبصحيته الملك السعيد حسن بن الملك العزيز عثمان» وعرض كتبغا على الصليبيين في إمارة عكا أن يحالفوه على قتال المسلمين؛ ولكن قطز قطع عليه الطريق عندما عرج أثناء مسيره لقتال التتار على الصليبيين وهددهم وضمن حياد إمارة عكا الصلبيبة في هذه

717 ص‎ ١ رشيد الدين الهمذاني: جامع التواريخ ج‎ ١47١ ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

1١٠

الحرب» بل سمح الصليبيون للسلطان قطز بعبور الأراضي الصليبية لمحاربة التتار وذلك بناء على طلبه”" . ١‏

موقعة عين جالوت بفلسطين /60"ه/ 56ام.

كان السلطان قطز قد تقدّم بقواته حتى وصل الغور الذي به قرية عين جالوت الواقعة بين بيسان ونابلس من أرض فلسطين» وكان التتار قد اجتمعوا في اليوم الخامس والعشرين من شهر رمضان 1658ه/ ٠١151م2‏ فأمر السلطان المظفر يجمع الأمراء وقادة الجيش وحضّهم على القتال ورغبهم فيه» وذكرهم بما لحق الأقاليم الإسلامية التي إجتاحها التتار من القتل والسلب والنهب» والدمار والحريق» ودعاهم إلى نصرة الإسلام والجهاد في سبيل الله دفاعاً عن المسلمين وحرماتهم وخوقْهم من عقاب الله إن هم ولوا الأدبار أمام عدوهم فتأثروا لقوله «فضجوا بالبكاء وتحالفوا على الإجتهاد في قتال التتار ودفعهم عن البلاد»”" . كما ساهم العلماء والفقهاء في توجيه المجاهدين وترغيبهم في الجنة والصدق عند لقاء العدو والثبات عند الصدمة الأولى. وقرأوا عليهم كثيراً من آيات القرآن الكريم التي تحض على الجهاد والصبر وأوردوا لهم من الأحاديث النبوية الشريفة ما فيه رفع الروح المعنوية وإثارة حمية الإسلام في نفوسهم حتى بات المجاهدون وهم على نية القتال طلباً للنصر أو الشهادة”” .

وفى تلك الأثناء كان كتبغا قائد جيش التتار قد وصل «وكأنه بحر من الليت سبب الغيرة والعقين*؟ ركان السلطان: قر قد لتحا إلى خنظة بحربية ناجحة. فأخفى معظم قواته بين الأحراش والأشجار المحيطة بعين جالوت

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص »47١‏ النجوم الزاهرة ج ص 9-1/8لاء سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ه6١1185-11‏

(؟) السلوك ج ١‏ ص 47١‏

) انظر: القلقشندي: صبح الأعشى ج 5 ص "الاء ص 157ء ابن أياس: بدائع الزهور ص 114

1١١١

فى المنطقة بين بيسان ونابلس» وترك مقدمة الجيش الإسلامي فقط بقيادة رسن البندقداري تتابع سيرها تجاه التتار» ويبدو أن تقدم بيبرس كان محاولة لإيهام العدو بقلّة عدد المسلمين من ناحية» ثم ليصل السلطان بالجيش إذا ما نشب القتال مع التتارء فتقدم بيبرس حتى التقى بطلائع التتار «فكتب إلى السلطان يعلمه بذلك» وأخذ في مناوشتهم» فتارة يقدّم وتارة يحجم»ء إلى أن وافاه السلطان على عين جالوت» فاصطدمت طليعة المسلمين مع طليعة التتارء واشتدٌ القتال بينهما حتى انهزم العدو في اللقاء الأول» فلمًا حل يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان 50/8ه/ م «التقى الجمعان وفي قلوب المسلمين وهم عظيم من التتر»"'“. وذلك بعد طلوع الشمسء وكان الوادي قد امتلاأ بالتاس من سكان القرى والضياع المجاورة» فكثر صياحهم ودعاؤهم بالنصرء ودقت طبول الحرب واشتدٌ أوار القتال بين الفريقين لوتقاتلا م ل ل ام 1 لمي و ل وانكسرت ميسرة المسلمين فالتف السلطان قطز بجماعته «وأردف الميسرة حتى تحايوا وتراجعوا؛ واشتدٌ القتال والمظفر قطز يسبع أصحابه ويحسن لهم الموت ويكربهم كرة بعد كرة» ورأى المظفر قطز اضطراب جناح عسكره «فألقى الملك المظفر عند ذلك خوذته عن رأسه إلى الأرض» وصرخ بأعلى صوته: «وا إسلاماه» فاشتدّت عزائم المسلمين وحملوا على العدو حملة صادقة مما حدا بكتبغا ليقاتل بنفسه» ل البندقداري قد نصب كميناً للتتار في المنطقة» وعند لقاء العدو بطليعة المسلمين انكسرت هذه الطليعة» وتراجعت فشجع ذلك الموقف التتارء» وتعقبوا المسلمين وقتلوا بعضهم» ولكن عندما وصلوا إلى الكمين الذي كان أعدّه لهم بيبرس» إنقضّت 3 26 الإسلامية من ثلاث جهات» واستبسلت القوات الؤسلامية في قتال العدوء وقاتلوهم قتالاً مستميتاً من الفجر حتى منتصف الليل» * ثم تعذرت المقاومة على جيش المغول ولحقت بهم الهزيمة آخر الأمر” و وانهزم

2000 السلوك ج لاص ررم (؟) أبو المحاسن: التجوم الزاهرة ج لا ص 9" (9) رشيد الدين الهمذاني: جامع التواريخ ج اص "١5‏ .2..168-169 ,3 أموط رطادهه11

1١1١1

0 وولوا الأدبار وقتل كتبغا مقدم التتار بيد الأمير جمال الدين

ش الشمسي”'' وقبض على الملك السعيد حسن بن العزيز عماد الدين ابن 8 العادل 0 بين يدي الملك المظفر قطز بعد انتهاء الجولة الأولى وانكسار التتار وكان الملك السعيد معتقلاً بقلعة البيرةء فلما ملكها التتار وأطلقوا سراحه وأعطوه بانياس وقلعة الصبيبة» وقاتل المسلمون قتالاً شديداً يوم المصاف في عين جالوت فأمر السلطان قطز يضرب «عنقه صبراً» وذلك جزاء خيانته ووقوفه إلى جانب التتار فاستحقّ أن تضرب عنقه في الحال7".

أما التتار فبعد هزيمة قواتهم في اللقاء الأول انسحبت بعض قواتهم إلى جبل مجاور» فتبعهم عسكر المسلمين وأحدقوا بهم» فقتلوا معظمهم وأسر أهل البلاد بقيتهم حتى أفنوهم قتلاً وأسراً””". وانهزم باقي التتار «ومنح الله ظهورهم للمسلمين يقتلون ويأسرون. وأبلى الأمير بيبرس أيضاً بلاءٌ حسثاً بين يدي السلطان» وتابع جيش الإسلام مطاردة فلول العدو المنهزمة حتى قرب ييسان» فرجع التتار واحتشدوا من جديد «وتصافوا مصافاً أعظم من الأول؛ وكان فى هذا اللقاء مواجهة أشد من اللقاء الأول وقد تزلزل المسلمون زلزالاً شديداً افصرخ السلطان صرخة عظيمة» سمعه معظم العسكر وهو يقول:؟ وا اسلاماه! ثلاث مرات» «يا الله! أنصر عبدك قطز على التتار» فقويت عزائم المسلمين وقاتلوا عدوهم وقتل معظم قادة المغول «فلما انكسر التتار الكسرة الثانية» نزل السلطان عن فرسه» ومرغ وجهه على الأرض وقبلهاء وصلى ركعتين شكراً لله تعالى ثم ركب فأقبل العسكر وقد امتلأت أيديهم بالنغان 9

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص »47١‏ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ص 79 وقد ذكر رشيد الدين الهمذاني أن كتبغا وقع أسيراً في يد السلطان قطر فقتله بعد مناقشة مثيرة معه أظهر فيها كتبها الغرور واساءة الأدب رغم وقوعه في الأسرء انظر جامع التواريخ ج ١‏ ص 11م

(؟) الذيل على مرآة الزمان ج ١‏ ص 23531 النجوم الزاهرة ج لا ص 60-104

(”) السلوك ج ١‏ ص 24١-470‏ البداية والنهاية ج ١7‏ ص 0 -7؟5» الذيل على مرآة الزمان

١‏ اص 26١‏ تتمة المختصر ج ؟ ص 25٠١7‏ النجوم الزاهرة ج لاص اقل الحوادث الجامعة ص 27454 مرآة الحنان ج 4 ص ١59‏ .74.م ,ؤهفنانا5 0 0 (5) السلوك ج ١‏ ص ١"؛‏

1١1

واستمرت يعض الفرق العسكرية الإسلامية فى مطاردة المنهزمين من التتار حتى حمص فألقوا متاعهم ومعداتهم وأطلقوا الأسرى المسلمين» وتخطفهم المسلمون وقتلوا خلقاً كثيراً وأسروا أكثرء وأقبلت جموع العساكر الإسلامية وقد امتلاأت أيديهم بأسللاب وغنائم العدو بعد أن تتبع الأمير بيبردس البندقداري فلول التتار حتى حدود الفرات9'.

أسباب إنتصار المسلمين في عين جالوت 54هم/ 1م:

يرى بعض المؤرخين المحدثين أن بعض العوامل المساعدة ساهمت في انتصار المماليك في موقعة عين جالوت» ومن هذه العوامل عدم تعاون الصليبيين مع التتارء فقد وقف معظم الصليبيين موقفاً سلبياً في هذه الموقعة ولم يحاولوا إستغلال تلك القوة المعادية للإسلام لإنزال ضربة بالعدو المشترك ممثلاً في المسلمين» ولكن ينبغي أن يفهم المدقق أن الصليبيين لم يسبق لهم أن تعاونوا عسكرياً في بلاد الشام ولم يقاتلوا إلى جانب التتار على مدى نصف قرن من الزمان ومع ذلك لم ينهزم التتار طوال النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي» ولا ننسى أن القيادة الإسلامية لم تغفل مسألة التعاون بين الصليبيين والتتار من ناحية أو محاولة الصليبيين مهاجمة بلاد المسلمين أثناء القتال بين التتار والمماليك بدليل أنْ السلطان قطز عندما تحرك بقواته من غزة وسار إلى مدينة عكا وبها يومئظٍ الصليبيين «فخرجوا إليه بتقادم وأرادوا أن يسيروا معه نجدة» فشكرهم وأخلع عليهم» واستحلفهم أن يكونوا لا له ولا عليه» وأقسم لهم أنه متى تبعه منهم فارس أو راجل يريد أذى عسكر المسلمين رجع وقاتلهم قبل أن يلقى التتر»”" .

أما قول بعض المؤرخين أن عودة هولاكو خان إلى قراقورم كان له أثره )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 4175-147١‏ . جامع التواريخ ج ١‏ ص 5١ء‏ النجوم الزاهرة ج /اا ص 4/ا-

١77 أخبار الأول ص‎ 15-1١7 الروض الزاهر ص‎ 2309-7١05 ص‎ ٠ المختصر ج‎ 6٠١ 45١ ص‎ ١ (؟) السلوك ج‎

15

في إضعاف قوات التتار أمام جيش المماليك ولكن ينبغي رفض مثل هذا القول فالتتار أكثر عدداً من المسلمين في عين جالوت هذا من ناحية وهم أكثر خبرة حربية ودراية بالقتال في حين كانت دولة المماليك حديئة العهدء وكان إحساس المسلمين والناحية المعنوية سيئاً للغاية فيقول المقريزي «فلما كان يوم الجمعة خامس عشرى شهر رمضان التقى الجمعان» وفي قلوب المسلمين وهم عظيم من التعر»”3©.

وقال أيضاً أبو المحاسن: «فلما اجتمعت العساكر الإسلامية بالديار المصرية ألقى الله تعالى في قلب الملك المظفر قطز الخروج لقتالهم بعد أن كانت القلوب قد أيست من النّصرة على التتارة0 .

وأما رأي بعض الكتّاب المحدثين أن التتار ابان موقعة عين جالوت كانوا قد فقدوا قدرتهم على متابعة الغزو» وأن حماسهم قل وأن طرق مواصلاتهم أصبحت طويلة وبعيدة عن عاصمتهم في قلب القارة الأسيوية إلا أنّ هذا الرأي أيضاً لا يجانب الصواب ومن الأدلة على ذلك أن موجات التتار بقيت تترادف على بلاد الشام حتى أوائل القرن الرابع عشر الميلادي. بل أن حملة غازان على بلاد الشام واستيلائه على معظم البلاد وإشاعة القتل والنهب والتدمير في بلاد الشام وذلك بعد أن انتهى الوجود الصليبي في بلاد الشام في أواخر القرن الثالث عشر الميلادي» وكان المفروض أن قوة المسلمين أصبحت أفضل باعتبار أن كل قوة المماليك كانت فى مواجهة الهجوم المغولي الذي قاده غازان على بلاد الشام ومع ذلك حقق التتار الإنتصار على جيش المماليك في موقعة وادي الخازندار ولم تتمكن القوات الإسلامية من هزيمة التتار إلا عام ؟٠/اه‏ في موقعة مرج الصّغر كما

أضف إلى ذلك حملات التتار على بلاد الإسلام بقيادة تيمور لنك في أوائل القرن الخامس عشر الميلادي وما أحدثته من قتل وتدمير وتخريب»

15١ السلوك ج اص‎ )١( 7 زفق أبو ال النجوم الزاهرة اج لاا ص‎

١١6

ومن ثم لا يمكن قبول الرأي السابق ويمكن القول أن مثل هذه الآراء الهدف منها تقليل حجم الإنتصار الذي حققه المسلمون في عين جالوت. أسوة بالدعاية اليهودية عندما انتصر المسلمون في غزوة بدر فقال يهود عندما انتصر المسلمون في غزوة بدر فقال يهود المدينة إنما انتصر المسلمون على قوم لا يعرفون القتال وليست لديهم الخبرة أو القدرة فهم بين كبير السن وضعيف وكان الهدف اليهردي واضح لإضعاف الروح المعنوية عند المسلمين وتقليل شأن الإنتصار الإسلامي العظيم في بدر ويكفي بالقرآن دليل على عظمة إنتصار المسلمين في بدر. أما عن الأسباب الحقيقية لانتصار المسلمين في موقعة عين جالوت فيرجع إلى جملة من المواقف منها: أولآً لإإن التتار بغوا على المسلمين» وقتلوا خلقاً كثيراً جداً واسقطوا الخلافة العباسية في بغداد واستولوا على معظم بلاد الشام وهددوا دولة المماليك)وأرسلوا إنذارً] جاء فيه 0... فنحن لا نرحم من بكى» ولا نرق لمن شكى» وقتلنا معظم العباد فعليكم بالهرب» وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكمء وأي طريق تنجيكم وأي يلاد تحميكم؟ فما من سيوفنا خلاصء» ولا من مهابتنا مناص» فخيولنا سوابق» وسهامنا خوارق وسيوفنا صواعق» وقلوينا كالجيال: وعددنا كالرمال» فالحصون لدينا لا تمنع» والعساكر لقتالنا لا تنفع» ودعاؤكم علينا لا يسمع...)”©.

ارهذا يعني الغرور الذي لا حد له» ومن ثم اجتهد المماليك في مواجهة عدوهم مع أن التتار فيما مضى لم يواجهوا إلا قوات مضطربة وضعيفة فرأى

المماليك هذه المرة أن عليهم واجب ردع المعتدين على بلاد الإسلاع ثانياً ( إتباع الشورى في انّخاذ القرار ومن ثم كانت نفوس المجاهدين راضية مرضية ومن مواقف الشورى أن الأمير سيف الدين قطز عندما

اجتمع بأهل الرأي والمشورة للنظر فيما يفعل لموابجهة التتايزوكان

() السلوك ج اص 21:58 النجوم الزاهرة ج لاص 7/5 ١17‏

بكلمة في المجلس لعدم معرفته بالأمور ولصغر سنه فلهج الناس

بخلم المنصور وسلطنة قطز حتى يقوم بهذا الأمر المهم)”". ولما عزل الملك المنصور أبدى بعض الأمراء معارضته «فخافهم واعتذر إليهم بحركة التتار إلى جهة الشام ومصر و ا الناصر صاحب دمشق وقال: «وإني ما قصدت إلا أن : نجتمع على قتال التتار» ولا يتأتى ذلك بغير ملك» فإذا خرجنا وكسرنا هذا 0 فالأمر لكم أقيموا في السلطنة من شئتم»”''. ومما تقدم يضح لنا أن المظفر قطز جاء إلى السلطة بهدف دفع التتار وجهادهم وليس حبا في منصب السلطنة ومن دلائل ذلك أنه ايم لي الملك الناصر يوسف صاحب دمشىقى وحلب على الرغم انار من البيت الابرييء ولكن قطز آثر المصلحة العليا للإسلام والمسلمين لافكتب إليه الملك المظفر قطز وقد خافه كتاباً يترقق فيه » ويقسم بالإيمان أنه لا ينازعه في الملك ولا يقاومه. وأنه نائب عنه بديار مصرء ومتى حل بها أقعده على الكرسي» وقال فيه أيضاً: «وإن اخترتني خدمتك» وإن اخترت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك (التتار) فإن كنت لا

تأمن حضوري سيردت إليك العساكر صحبة من ا 0

ويبدو الموقف الإيماني للقائد السلطان قطز عندما لمس رفض الأمراء الخروج معه للجهاد خوفاً من التتار فقال لهم: « يا أمراء المسلمين! لكم زمان تأكلون أموال بيت المال» وأنتم للغزاة كارهون» وأنا متوجه فمن أختار الجهاد يصحبنيء ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته. فإن الله مطلع عليه وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين»”*2. فلما كان في الليل ركب السلطان وحرّك كوساته وقال: «أنا ألقى التتار بنفسي» فلما رأى الأمراء

7” النجوم الزاهرة ج لا ص‎ )١( 418-4١97 ص‎ ١ السلوك ج‎ )( 4١18 ص‎ ١ السلوك ج‎ )9( 455 ص‎ ١ السلوك ج‎ )5( ١117

والجيش عزم السلطان على مواجهة العدو وساروا معه ولكن رعبة وطواعية

دون إرغام أو إجبار لأن الجهاد عبادة ولا جدوى منها إلا إذا كانت عن قناعة

ولا تدخل في دور الإكراه الذي يؤدي إلى الظلم أحاناً وهذا بدورة عن

أسباب الهزيمة.”"“.

ثالثاً “إن معركة عين جالوت كانت في سبيل الله. كان تعاون المظفر قطز مع الأمير بيبرس من منطلق إيماني وتقديم المصلحة العامة للمسلمين على الخلافات الشخصية/[ ومعلوم أن بيبرس وأمراء المماليك البحرية كانوا قد غادروا مصر ودخلوا في طاعة الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب الشام وذلك يسبب خلاف مع الأمير قطز قبل توليته السلطنة» ولما غلب جيش التتار على حلب وما حولها وهدّد دمشق اضطرب الناصر وعزم على لقاء هولاكوء وخيّم بقواته على برزة شمالي دمشق «وكتب إلى الملك المغيث صاحب الكركء. وإلى الملك المظفر قطزء يطلب منهما نجدة» ومع هذا فكانت نفس الناصر قد ضعفت وخارت» وعظم خوف الأمراء والعساكر من هولاكوء فأخذ الأمير زين الدين الحافظي يعظم شأن هولاكوء ويشير بأن لا يقاتل وأن يدارى بالدخول في طاعته» فصاح به الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري» وضربه وسبّه وقال: «أنتم سبب هلاك المسلمين» وتضايق بيبرس وزملائه وساروا إلى غزة ومن هناك أرسل إلى المظفر قطز يشرح له الموقف وأن مصلحة الإسلام تقتضي الإجتماع والإتفاق «فكتب إليه الملك المظفر أن يقدم عليه» ووعده الوعود الجميلة» ففارق بيبرس الناصرية» ووصل في جماعة إلى مصرء فأنزله الملك المظفر بدار الوزارة وأقبل عليه وأقطعه قليوب وأعمالها»”' .

وجعل بيبرس قائداً على قوات الطليعة الإسلامية «وأبلى الأمير بيببرس أيضاً بلاء حسناً بين يدي السلطان «وحدث أن لاحظ المظفر قطز إضطراب

459 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( 451 ١45١-4194 ص‎ ١ (؟) السلوك ج‎

1١18

جناح عسكر المسلمين في عين جالوت؟ فألقى الملك المظفر عند ذلك خوذته عن رأسه إلى الأرض» وصرخ بأعلى صوته: «وا إسلاماه» ثم في مصاف آخر في عين جالوت حدث أن تزلزل المسلمون زلزالاً شديداً فصرخ السلطان صرخة عظمية» سمعه معظم العسكر وهو يقول: «وا إسلاماه» ثلاث مرات ”ايا الله إنصر عبدك قطز على التتار» فلما انكسر التتار الكسرة الثانية» نزل السلطان عن فرسه ومرغ وجهه على الأرض وقبلها مظهراً خضوعه لله تعالى وتواضعه للخالق الذي منحه النصر «وصلى ركعتين شكراً لله تعالى وفي هذا معنى الاعتراف الإيمانى بأن الناصر هو الله وأن نصر الله لا يكون إلا لمن جاهد في سبيل الله300" .

وهذا المعنى أشار إليه أبو المحاسن: «واقتحم الملك المظفر القتال وباشر ذلك بنفسهء وأبلى في ذلك اليوم بلاءٌ حسناء وعظم الحرب وثيّت كل من الفريقين مع كثرة التتار والمظفر مع ذلك يشجع أصحابه ويحسن إليهم الموتء وهو يكربهم كرة بعد كرة حتى نصر الله الإسلام وأعزه وانكسرت التجار»0” ,

وهنا يتضح الهدف الذي من أجله جاهد المماليك في عين جالوت وهو نصرة الاسلام ومن ثم أرجع المؤرخون المسلمون النصر الى الله تعالى. «وما النصر إلا من عند الله» .

وإذا كان السلطان في العادة هو الذي يقود الجيش ويشارك في القتال في كثير من المعارك كما فعل السلطان المظفر قطز في عين جالوت وكذلك كان السلطان الظاهر بيبرس والسلطان قلاوون الألفي والسلطان الناصر محمد بن قلاوون وسائر السلاطين» وكان الخلفاء والعلماء والفقهاء وأهل الشريعة يشاركون في الحرب ومن ثم فإن ذلك يحقق معنى العدالة والمساواة فإن مختلف المراتب في الدولة تساهم في القتال» ففي عام حدثت موقعة وادي الخازندار بين المغول والمماليك» وقد خرج السلطان الناصر محمد

السلوك ج اص‎ )١( النجوم الزاهرة ج لاص فلا‎ (20

11

ومعة الخليفة الامام أحمد الحاكم امك الله والقضاة الأربعة والقاضي تفي الدين بن دقيق العيد» الذي تقدم مع القضاة ومشوا بين صقوف الجند وهم يذكرونهم بالجنة والصدق في اللقاء والصبر على مواجهة العدو ويتلون عليهم القرآن الكريم والأحاديث التبوية الشريفة('. رابعاً 7 نفقات الجيش الاسلامي في عين جالوت كانت من مال حلال) عندما طرق التتار بلاد الشام ووصلوا في تقدمهم حتى غزة» وبات خطرهم يهدد مصرء وكان الواجب يتطلب جهادهم» والجهاد يقتضى وجود المال اللازم للإعداد ما يلزم للحرس» ومع أن الجهاد فرض على المسلمين إلا أنه لا يجوز أخذ الأموال قهراً من العامة ما لم تكن هناك مساواة شاملة بين الحاكم والمحكوم من حيث القدرة المالية» ويوضح هذا المعنى ما فعله المظفر قطز عندما أراد اعداد جيش يواجه به أعداء الله وأعداء المسلمين فعقد لهذا الهدف مجلساً للمشورة في قلعة الجبل وحضر قاضي القضاة بدذر الدين حسن السنجاري والشيخ عز الدين بن عبد السلام في أخذ أموال العامة ونفقتها في العساكرء فقال ابن عبد السلام: «إذا لم يبق في بيت المال شيء 2 وأنفقتم الحوائص الذهبية ونحوها من الزينة» وساويتم العامة في الملابس سوى آلاات الحرب» ولم يبق للجندي إلا فرسه . التي يركبهاء ساغ أخذ شيء من أموال الناس في دفع الأعداءء إلا أنه إذا دهم العدوء وجب على الناس كافة دفعه بأموالهم وأنفسهم. وانقضى الاجتماع ويفهم مما تقدم أن المسلمين لم يكونوا يوافقون على فعل شيء أو دفع ضريبة إلا إذا أقرها علماء الاسلام وأصدروا الفتاوى بجوازها وهذا يعني الخضوع للشريعة ومن جهة أخرى فإن السلطان ملتزم بما صدر عن افتاء العلماء» بل راح الأمراء ورجال الدولة يقدمون ما يملكودير شيئا وذلك طواعية دون ارغام أو تهديد وإنما استجابة لرأي الشريعة» ولما

١78 دولة بني قلاوون ص‎ 2119-١1١8 ابن أياس: بدائع الزهور ص‎ )١(

كانت هذه الأموال لا تقوم بالمطالب استعان السلطان قطر بالرعية بعد أن تنازو اجميعا وذرقين اجراءات منها تصقيع الأملاك وتقويمهاء وأخذ زكاتها من أربابها ا وأخذ من الترك الأهلية”'' ثلثها وذلك بهدف توفير المال اللازم للحرب ومن ثم كانت الأموال التي أنفقها المسلمون في حرب التتار في موقعة عين جالوت أموالاً طيبة ساهمت في تحقيق الانتصار 7 خامساًئأ المبادرة في الحرب ضد التتارج إن السلطان المظفر قطز «لما بلغه ما كان من أمر التتار بالشام وأنهم

عازمون على الدخول الى ديار مصر بعد تمهيد ملكهم بالشام بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه» وكان اجتماعهم على عين جالوت يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضانء فاتقتتلوا قتالا م27

لاوكانت خطط المسلمين تقوم في أغلب الأحيان على المبادرة بالهجرم على عدوهم لما في ذلك من اظهار للقوة التي ترهب عدو الله.

كما أنهم حرصوا على أن يكون لقاء العدو يوم الجمعة ساعة اداء

الصلاة طلباً لدعاء المسلمين لهم بالنصرء لأن الأمة كانت في أغلب الأحيان كالجسد» فمن لم يخرج مع الجيش يبقى قلبه وفكره ه مع المجاهدين) بل ان سلوكه ينسجم تماماً مع روح الشريعة التي تجعل من المؤمئين جسداً واحداً تختفي فيه الأنانية والاثرة» وحرص السلاطين المماليك أن يكون لقاء العدو يوم الجمعة وفي شهر رمضان لأنهم يؤدون في هذه الحال فريضة الجهاد وفريضة الصوم ومن أمثلة ذلك غزوة بدر الكبرى وموقعة عين جالوت.

( تلك هي الأسباب الهامة في انتصار المسلمين في معركة عين جالوت

)١(‏ التركة الأهلية: المقصود بذلك التركات التي مات عنها أصحابها من غير المماليك الخطط ج اص ١٠٠١6‏

(0) السلوك ج ١‏ ص 2417-41 لا"4: ابن كثير: البداية والنهاية ج 17 ص 115-116

(؟) البداية والنهاية ج 17 ص 171-117١‏

١1١

وهي الأسباب المؤثرة حقيقة في ايقاع الهزيمة بالتتار)

أهم نتائج موقعة عين جالوت:

أولاً: بالنسبة لدمشق» ففي يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان عام ا م وصل السلطان المظفر قطز الى طبريه» وكتب الى أهالي د مشق أول كتاب منه يبشرهم بنصر الله وهزيمة العدو؛ فسر الناس لذلك ورا عظيماً ااوهرب من بدمشق منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضانء فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون ويستفكون الأسارى من أيديهم» 0 بذلك البشارة ولله الحمد على جبره الاعريلطليه تحاريتها دق البشائر من القلعة وفرح المؤمنون بنصر الله فرحاً شديداً وأيد الله الاسلام وأهله تأييداً وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون. فتيادر عند ذلك المسلمون الى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب فانتهبوا ما فيها وأحرقوها وألقوا النار فيما حولها فاحترق دور كثيرة الى النصارى» وملا الله بيوتهم وقبورهم نارآء وأحرق بعض كنيسة اليعاقبة» وهمت طائفة بنهب اليهود» فقيل لهم أنه لم يكن منهم من الطغيان كما كان من عبدة الصلبان وقتلت العامة وسط الجامع ا زاففياً كان مصائعاً للتتار على أموال الناس يقال له الفخر محمد بن يوسف ابن محمد الكتي» كان خبيث الطوية مشرقياً ممالئاً لهم على أموال المسلمين قبحه الى وقتلوا جماعة مثله من المنافقين فقطع دابر . القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالميه)()

ويلاحظ أن وصول خبر انتصار الاسلام في عين جالوت أثر على أهل دمشق وهرب نواب التتار وأصبحت دمشق يدون حكومة لضبط الأمن» وما قام به المسلمون في دمشق من قتل الخونة والعملاء ومن كاد للاسلام

() البداية والنهاية ج 1 ص 20755١‏ السلوك ج اص 217 العجوم الزاهرة ج لا ص

١7

وللمسلمين أثناء وجود حكم التتار للمدينة» لم يكن عملاً متطرفاً أو تعصباً ضد النصارى أو اليهودء بدليل أن العقوبات الشعبية لحقت بكل العناصر حتى المسلمين وكما قال المقريزي «ثار أهل دمشق بجماعة من المسلمين كانوا من أعوان التتار وقتلوهم)”'2 وهذا دليل على أن ثورة المسلمين كانت ضد الخونة ومن تعاون مع الأعداء وهذا الأمر من حق الله والمسلمين تأديب من بغى على أهل الاسلام وأثبت المؤرخون أن التصارى قد استطالوا على المسلمين بدمشق على الرعم :مق برايظة «الغروية والوطن واللغة والعادات والتقاليد واستصدروا مرسوماً من هولاكو بمنحهم كثيراً من الامتيازات وسار النصارى في دمشق وهم ينادون بارتفاع دينهم واتضاع دين المسلمين»؛ ويرشون الخمر على الناس وفي أبواب المساجد «فحصل عند المسلمين من ذلك هم عظيم؛ بدليل أنه لما هرب نواب التتار ثار المسلمون لمعاقبة هؤلاء الذين اعتدوا على المسلمين ويقول المقريزي: «وذلك أنهم في مدة استيلاء التتار هموا مراراً بالثورة على المسلمين» وضربوا مساجد ومآذن كانت بجوار كنائسهم وأعلنوا بضرب الناقوس وركبوا بالصليب وشربوا الخمر في الطرقات ورشوه على المسلمين»”' وروى ابن الجزري في تاريخه عن والده ابراهيم بن أبي بكر الجزري رحمه الله قال: #خرجت من جامع دمشق بعد صلاة الجمعة وهي ثاني جمعة مرت من شهر رمضان من تحت الساعات ودخلت في الخضراء الى نحو دكاني يسوق الرماحين فوجدت جميع دكاكين الخضراء فيها الخمور والتصارى فيها يبيعون الخمر على من عبر عليهم من المصلين وغيرهمة”".

انياً: تحرير باقي بلاد الشام من التتار: واصل الأمير بيبرس البتدقداري مطاردة فلول التتار بعد عين جالوت مباشرة وكما ذكر ابن كثير «واتّبع الأمير بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب وهرب من دمشق )١(‏ السلوك ج ١‏ ص ؟”؟

222 السلوك ج ١‏ صس 21995 النجوم الزاهرة ج ص ١م‏ البداية والنهاية ج ١١‏ ص 771١‏ () الذيل على مرآة الزمان ج ١‏ ص 15580-157

١77

منهم يوم الأحد السابع والعشرين من رمضان فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم ويستفكون الأسارى من أيديهم)”'. وقال أبو المحاسن: «واستوفى أهل البلاد والضياع من التتار آثارهم. بو سن . ؟واسوتكىي 0 م وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى أنه لم يسلم منهم إلا القليل جداً»”" .

وفي صبيحة اليوم التامسع والعشرين من رمضان 04"ه/ 7 سيتهير وصل الأمير جمال الدين المحمدي الصالحي بمرسوم السلطان المظفر قطز فنزل بدار السعادة «وأمن الناس ووطنهم» ثم وصل المظفر قطز في يوم الأربعاء آخر شهر رمضان ومعه العساكر إلى ظاهر دمشق وأقام خارج دمشق حتى ثاني أيام شوال ثم دخل دمشق ونزل القلعة واستولى المظفر قطز على بلاد الشام من الفرات إلى مصر ما عدا الكرك الذي كان في يد الملك المغيث» ثم أخذ يرنّب أمور الشام ويضع عليها النواب» وأقطع الأمراء الإقطاعات واستناب الأمير علاء الدين سنجر الحلبي في دمشق ومعه الأمير مجير الدين أبو الهجاء بن عيسى أبو خشتر الكردي» ثم أرسل الملك الأشرف موسى صاحب حمص ونائب هولاكو ببلاد الشام إلى المظفر قطز يطلب الأمان لنفسه فأمنهء ثم جعل علاء الدين بن بدر الدين لؤلؤ صاحب سحاو ناف علق حلت :وأقة 'النلك المعصور عان تحماة وبارين والمعرة: وأعطى سلمية للأمير شرف الدين عيسى بن مهنا بن مانع أمير العرب» وجعل الأمير شمس الدين آقوش البرلي العزيزي أميراً على بلاد الساحل وغزة» ثم أمر الملك المظفر بإعدام حسين الكردي الطبردار لأنه دل على الملك الناصر يوسف فقبض عليه التتار” © .

ثالثاً : تثبيت دعائم دولة المماليك: لقد واجهت دولة المماليك عند

75١ البداية والنهاية ج "11 ص‎ )١(

000 النجوم الزاهرة ج لاص 23٠‏ السلوك ج ١‏ ص 175١‏

(؟) السلوك ج ١‏ ص ”577» البداية والنهاية ج ١7"‏ ص 277١‏ المختصر في أخبار البشر ج 7 ص 1-06٠1ء‏ تتمة المختصر في أخبار البشر ج ١7‏ ص 7١9-7١1كء‏ العبر ج 86 ص 4/ا- »”١‏ الروض الزاهر ص ١6‏ .7.172 ,3 2و8 ,8غرمندو1]

١

قيامها معارضة من قبل أنصار الدولة الأيوبية في مصر ومن جهة الحكام الأيوبيين في بلاد الشام إلا أن إتضاز الساليك في عبن اوت تصن على المعارضة الأيوبية» بل يمكن القول إنتهت الزعامة الأيوبية ناما من بلاد الشام والخطاع المماليك توج مط قباد الشام في دولة واحدة تنعم بتأييد الناس بعد أن رأوا شجاعة وبطولة المماليك في مواجهة التتار كما تم مم إحياء الخلافة العباسية في القاهرة والمسلمون الأتقياء يجعلون الأعمال المؤشر على التأييد أو الرفض دون النظر إلى الشكل أو الجنس أو الإقليم أو أية علاقة أخرى.

رابعاً: تحول القوة الإسلامية في مصر والشام إلى المبادرة بالهجوم وليس التراجع أو الدفاع فقط ومن خلال تنامي القوة الإسلامية البرية والبحرية تمكنت دولة المماليك الإسلامية من حفظ البلاد والعباد قروناً طويلة وردت كيد المعتدين في البر والبحر.

خامساً : زوال الإعتقاد السائد بأن التتار قوم لا يغلبون» وإذا كان التتار هاجموا بلاد الإسلام منذ عام 115'ه واستمروا في تقدمهم حتى أسقطوا الخلافة العباسية عام ”0ه وزحفوا إلى بلاد الشام حتى وصلوا أطراف شبه جزيرة سيناء «ولم يكن من حين قدومهم على بلاد المسلمين من سنة ست عشرة وستماثة إلى هذه السنة ( 104ه) يلقهم عسكر إلا فلوّه سوى وقائع كانت ينهم وبين جلال الدين بن خوارزم شاهء انتصف جلال الدين في بعضها ثم كيسوه على باب أمد وبدّدوا جمعه وأعقب ذلك موت جلال الدين بالقرب من ميافا 0

هلك الكفر في الشآم جميعاً واستجد الإسلام بعل دحوضه بالمليك المظفر الملك الأر وع سيف الإسلام عند نهوضه )١(‏ النجوم الزاهرة ج لاا ص ٠4‏

١0

ملك جاءنا بعزم وحزم فاعتززنا بسمره وبيضه أوجب الله شكر ذاك علينا دائمأ مثل واجبات فروضه وفي نصرة الملك المظفر قطز على التتار يقول الشيخ شهاب الدين أبو شامة: غلب التتار على البلاد فجاءهم من مصر تركي يجود بئنفسه بالشام أهلكهم وبدّد شملهم ولكل شيء آفة من جنسه") سابعاً: فشل محاولات التحالف بين الصليبيين والتتار فقد ترتب على انتصار المماليك في عين جالوت أن ضعف أمل الصليبيين في التعاون مع المغول ضد المسلمين وذلك بسبب ظهور قوة دولة المماليك الإسلامية التي تمكنت من إنهاء الإحتلال الصليبي لفلسطين وأجزاء من بلاد الشام كما تم إبعاد الخطر المغولي إلى حدود العراق» بل حاول المماليك غزو العراق واستخلاصها من التتار.

ثامناً: إنقاذ مصر والمغرب الإسلامي: فلو قدر أن التتار نجحوا في الدخول إلى مصر لقضوا على مظاهر الحضارة الإسلامية بها كما فعلوا في بغداد ومدن الإسلام الكبرى وكان من الطبيعي أن يستمر الزحف المغولي بعد مصر إلى المغرب الإسلامي كله ومن ثم يمكن القول إن هزيمة: عين جالوت أنقذت مصر والمغرب الإسلامي من خطر محقق.

تاسعاً : بالنسبة للتتار فقد تحطمت قواتهم بعد هذه المعركة التي لم يقع لهم مثلها من قبل . فانحطت معنوياتهم حتى أن بقية بلاد الشام ما إن سمع نوابها وما بها من عساكر التتار بالهزيمة في عين جالوت حتى ولّوا الأدبار لا يلوون على شيء» وكان المظفر قطز قد أرسل إلى الملك الأشرف موسى صاحب حمص وإلى الملك السعيد صاحب الصبيبة بتسليمها إليه» فأجابه الأشرف موسى بأنه سيكون معه وينهزم يوم اللقاء

)2ن( النجوم الزاهرة ج /9و ص مم

في الميدان» وأما السعيد بن العزيز فأساء الرد على رسول المظفر قطز وأوقع به» وشارك التتار في الحرب ضد المسلمين» فلما وقع في الأسر يوم عين جالوت أعدم جزاء خيانته للمسلمين ووقوفه إلى جانب التتارء والمعروف أن الخيانة والوقوف إلى جانب الأعداء فحكمه القتل. فكيف إذا قاتل المسلم مع الكافر واجتمعا سوياً ضد المسلمين.

وكان هولاكو يريد الثأر ومحاربة المسلمين للإنتقام من هزيمة عين جالوت إلا أن الخلافات الداخلية لم تمكنه من تحقيق رغباته وقال أبو شامة مصوراً حالة التتار واضطرابهم عندما سمعوا بهزيمة قواتهم في عين جالوت: «وجاءنا الخبر بأن المنهزمين من رجال التتار ونسائهم لحقوا الطلب من المسلمين بأرض حمص ونحوها فسيبوا ما كان معهم من أسرى المسلمين» وتبعجت خيولهم فتخففوا ما معهم حتى أنهم رموا أولادهم وضربوا رقاب من عجزوا عن حمله من نسائهم وعرجوا عن طريق الساحل وخطف منهم خلق وقتل ناس وأسر جمع والطلب خلفهم ليستأصلوهم إن شاء الله؟.

أما بالنسبة للملك الناصر صلاح الدين يوسف فإن هولاكو قبل علمه بما حدث لقائده كتبغا وهزيمة قواته في عين جالوتء كان قد أحاط الملك الناصر برعايته وفوّض إليه حكومة دمشق وسيره إليها ومعه ثلثمائة فارس شامي» ولكن بعد أن علم هولاكو بمقتل صهره كتبغا قال له رجل شامي: «إن الملك الناصر ليس مخلصاً لك» وقد أراد أن يفرّ إلى الشام لإمداد قطز الذي هزم كتبغا بتدبيره «فأرسل هولاكو على الفور ثلثمائة فارس مغولي في إثر الملك الناصر فقتلوه» وكان ذلك يوم الأربعاء السابع عشر من صفر 769ه/ يناير 1171/1م.

1١7/

الفصل الرابع الجهاد قي عصر السلطان الظاهر بيبرس ضد الصليبيين

سياسة المماليك في مواجهة الصليبيين:

إستطاع المماليك في منتصف القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي إنزال الهزيمة بالقوات الصليبية في المنصورة وأسر الملك لويس التاسع ومعظم قواته الأمر الذي دفع الصليبيين الذين كانوا لا يزالون يحتلون دمياط» فقتلوا عدداً كثيراً من الأسرى المسلمين وأخذوا يتهددون لويس التاسع نفسه ويتوعدونه بالإنتقام» وتحت هذه الظروف فتح باب المفاوضات بين المسلمين والصليبيين» فئاب عن المسلمين الأمير حسام الدين ابن أي علي الهذياني «لما يعلمونه عن عقله ومشورته» في حين ناب عن الصليبيين الأخوان بلدوين الثاني دي أبلين وجاي دي أبلين» ومعهما كونت قلاندرز وكونت سواسون,ء وانتهت المفاوضات بين الجانبين بالإتفاق على إطلاق سراح الملك لويس وأمرائه مقابل إنسحاب القوات الصليبية عن دمياط» وفكٌ أسر من لديه من المسلمين بشرط ألا يقصد سواحل الإسلام مرة أخرى وتعهد المماليك أيضاً بإطلاق سراح أسرى المسيحيين منذ عهد الملك العادل الأيوبي» أما بالنسبة لبقية أسرى الصليبيين الذين سيقوا إلى القاهرة» فقد تم الإتفاق على ألا يتم إطلاق سراحهم إلا مقابل ثلاثماثة ألف دينار يدفع نصفها عاجلاً والنصف الآخر بعد وصول لويس التاسع إلى مدينة عكا .7

)10( النجوم الزاهرة ج اص 764 د. جوزيف: العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 6 العصر المماليكي في مصر والشام ص 6ش6-لاه

اخررل

وقد قضى لويس التاسع أربع سنوات في بلاد الشام (مايو ١١6١‏ إبريل )0 حاول بكل الأساليب تصفية الخلافات بين أمراء الصليبيين بعضهم وبعض من ناحية والإحتفاظ بالوجود الصليبي وسط الخلافات التي وقعت بين بني أيوب في الشام والمماليك في مصر من ناحية ثانية ثم محاولات لويس التاسع التحالف مع المغول من أجل توجيه ضربات مشتركة للمسلمين.

ومما زاد لويس التاسع حماساً الإنقسام والفرقة بين المسلمين في الشرق الأدنى» ذلك أن بني أيوب في الشام لم يرضوا بإنتقال الحكم من مصر إلى المماليك ومعنى هذا سمي ضاعت من أبدي البيت الأيوبي» بل أن ملوك

بني أيوب بالشام كانوا يخشون في نفس الوقت من إمتداد نفوذ المماليك من

مصر إلى بلاد الشام وضم بلاد الشام إلى مصر. الأمر الذي جعل أمراء البيت الأيوبي في الشام يوحدون جهودهم لمواجهة دولة المماليك وقد شجعهم على ذلك أن طائفة المماليك القيمرية "' في دمشق رفضوا الدخول في طاعة الملطانة شجزة الدر. وصلموا كمقى: للمللك. الناضى صلاح الدين. يوست صاحب حلب في شهر يوليه ام) وفي نفس الوقت قت إستقل الملك المغيث عمر بالكرك والشوبك وكانتا تابعتان لمصر» كما استولى الملك السعيد حسن بن عبد العزيز عثمان على قلعة الصبيبة بالشام وبذلك أصبح البيت الأيوبي قوة كيرة فى يللاة الشاع ومن لم فكروا زو غزو مشر وايخكلا ضوافي التعاليك إنطلاقاً من فكرة أنهم أصحاب الحق الشرعي في الحكم وأنهم من سلالة أيوب ويرتبطون بالسلطان صلاح الدين نفسه ولآن المماليك كان وضعهم جعرها إلا ند «مشهم الرق» فاضطر المماليك أمام الخطر الأيوبي القادم من اشام والمعارضة في الداخل أن جعلوا الأشرف موسى سلطاناً على مصر مع أنه كان طفلاً صغير السن وجعلوه سلطاناً تحت وصايتهم في أغسطس ٠5م‏ لأن الرأي العام كان يحترم البيت الأيوبي لما له في مجاهدة أعداء الإسلام من ناحية وإقامة العدل بين الناس من ناحية ثانية» ولهذا اتّفق أمراء

)١(‏ ينسب المماليك القيمرية إلى قيمر وهي قلعة في الجبال بين الموصل وخلاط وهم أكراد. معجم البلدان ج 4 ص 1001 فرنا

المماليك على أن يكون الملك المعز أيبك أتابكا عليهم «واختاروا أن يقيموا صبياً عليهم من بني أيوب يكون له أسم السلطنة»”'' إلا أن وضع الأشرف موسى في السلطنة لم يوقف زحف الملك الناصر يوسف نحو مصر «فوقع تشويش كبير بالقاهرة» وعندئذ أعلن المعز أيبك أن مصر تابعة للخليفة العباسي المعتصم بالله وأنها من جملة ممتلكاته”"؟.

ومع ذلك أرسل أيبك جيشاً من ألفي فارس من فرسان المماليك بقيادة الأمير فارس الدين أقطاي مقدم المماليك البحرية فاحتلوا غزة في أكتوبر بعد أن هزموا من كان بها من قوات الملك الناصر يوسف الأيوبي» ولكن الملك الناصر جمع أمراء الأيوبيين وخرجوا بقواتهم من دمشق في /١١‏ 7 ١110م‏ قاصدين مصر لغزوها وبعد أن عبروا صحراء سيناء وصلوا إلى كراع قرب العباسة في الشرقية حيث دارت في ؟7/7/ 101١م‏ المعركة التي قررت مستقبل دولة المماليك» وعلى الرغم من أن بداية المعركة كانت لصالح الأيوبيين فإن نهايتها كانت لصالح المماليك وتمكن المعز أييك منهم «فمال عليهم بمن معه قتلاً وأسراً حتى بدّد شملهم ورحل إلى القاهرة بمن معه من الاسارى وغيرهم)”" .

وأما الملك الناصر يوسف فإنه سار حتى وصل إلى غزة وأقام ينتظر أصحابه» فوصل إليه منهم من سلم من عسكر الشام وعسكر الموصل ومضوا إلى الشام .

وأما العساكر المصرية فإن الملك المعز أيبك المذكور لما دخل إلى مصر بعد هذه الوقعة عظم أمره وثيّتت قواعد ملكه ورسيخت قدمه”' وبقيت بلاد الشام تحت حكم الأيوبيين باستثناء المناطق التي يحكمها الصليبيون» الأمر الذي جعل مواجهة الصليبيين من الأمور الصعبة.

)١(‏ النجوم الزاهرة ج اص ه

(؟) ابن أيبك: كنز الدرر ج 8 ورقة »١7‏ التجوم الزاهرة ج لا ص 3-0 (©) النجوم الزاهرة ج لا ص 4-8

(4) النجوم الزاهرة ج لا ص ٠١-8‏

١١

وفي تلك الظروف السيئة التي أحاطت بالمسلمين في مصر وبلاد الشام كان وضع الصليبيين أفضل فقد كان على رأسهم لويس التاسع ملك فرنسا الذي فشل في تحقيق أهدافه فى مصر وبقدومه إلى عكا أخذ يسعى للإستفادة من الأتفقاق الذق خزف بين المماليك والأنوبين اليشفق مكاشب الصليدية على حساب المسلمين جميعا .

وقد اضطر لويس التاسع إلى الوقوف موقف الحياد في أثناء معركة العباسة دون أن يتدخّل في صف أحد الفريقين لأنه لم يكن قد إرتبط مع أحدهما بشىء حتى تلك اللحظة» وكانت قد جرت إتصالات بين المماليك ولويس التاسع وكذلك بين الأيوبيين ولويس التاسعء ولكن هذه الإتصاللات لم تصل إلى اتّفاق فضلاً عن أنه كان لا يملك من القوات ما يكفي للتدخحل الفعلى في الميدان سواء بالإنضمام إلى أحد الجانبين ضد الآخر أو مهاجمتهما معاً مستغلاً إنقسامهما على بعضهما ولكنه رأى ضرورة إستغلال إنقسام المسلمين لصالح الصليبيين وكان المماليك أسبق في هذه المرة إلى خطب ود الملك لويس التاسع من خصومهم أمراء الشام وأرسلوا إلى لويس سفارة تعرض عليه التحالف ضد الملك الناصر يوسف فاستغل هذا الموقف الملك الفرنسي واشترط على المماليك لإتمام ذلك التحالف إرسال رؤوس الفرنج المعلقة على أسوار القاهرة وجميع أسرى الصليبيين الذين وقعوا في أسر المسلمين منذ موقعة غزة الثانية سنة 15445١م»‏ هذا بالإضافة إلى إعفاء لويس التاسع باقي الفدية المستحقة عليه بموجب صلح دمياط كما طالبهم ببيت المقدس وقد وافق المماليك على جميع هذه المطالب فضلاً عن موافقتهم على تسليم بيت المقدس للصليبيين «إن نصروهم على الشاميين»”'2 وعقدت معاهدة بذلك في مايو 107١م‏ تضمّنت موافقة المماليك على الشروط السابقة في مقابل تعهد لويس التاسع بالاشتراك معهم في القيام بحملة عسكرية ضد الملك الناصر يوسف الأيوبى على أن تلتقى جيوش المماليك والصليبيين بالقرب من مدينة يافا في مايو 11817م. ْ

ضن

وينبغي القول هنا أن المماليك كانوا يخشون تحالف الناصر يوسف مع لويس التاسع وتدور الدائرة عليهم وخصوصاً ان للملك الفرنسي ثأراً على المماليك الذين هزموه وأسروه في المنصورة» وكانت دولة المماليك وليدة أحداث الحملة الصليبية السابعة ولم يمض على قيام دولتهم ستتان ويراجهون قلقاً داخل مصر ورفضاً من معظم الناس إضافة إلى تهديد الأمراء الأيوبيين لهم من الخارج مع بقاء الصليبي ماثلاً يتهددهمء ولم يكن لويس التاسع غادر بلاد الشام في حين تصل أنباء الزحف المغولي نحو العراق وبلاد الشام فكان لابد من اتباع السياسة أحياناً لحماية دولتهم وكيف يتعهد المماليك بتسليم بيت المقدس إلى الصليبيين وهي في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين ولا عارك الوعد عن كونه ظريقة لكسب نود لويين التاسع والرقوف إلى ستانبهم بعضاً من الوقت بدليل أن المماليك شرعوا بعد أن استقرت أحوالهم في الجهاد المتواصل ضد الوجود الصليبى.

أما الملك الناصر صلاح الدين يوسف فانه لما علم باتفاق المماليك مع الصليبيين خشى على نفسه»ء فأرسل «عسكراً من دمشق إلى غزة ليكون بهاء فأقاموا على تل العجول» قرب غزه حتى يحولوا دون اجتماع المماليك والصليبيية20.

أما الملك الفرنسي لويس التاسع فقد خرج وفقاً للمعاهدة بينه وبين المماليك على رأس قوة من ألف وخمسمائة محارب إلى مدينة يافا»ء حيث ظل مرابطاً بقواته هناك من مايو سنة 101١م‏ حتى يونيه “1701م في انتظار وصول قوات حلفائه المماليك ولكن الخليفة المستعصم بالله عندما علم بما جرى من خلاف بين المعز أيبك والملك الناصر رأى ضرورة التدخل للاصلاح بين المماليك والأيوبيين وخصوصاً أنه كان يسمع بقرب الخطر المغولي من بغداد» فأرسل الشيخ نجم الدين عبدالله بن محمد بن الحسن بن أبي سعد البادرائي للتوسط بين المسلمين في عار والشام ومنع أي قتال بينهم حتى لا يعطي'الصابيين فرضة التلنخل وتحقيق مكاسب على جنات المسلمين «فأراد الناصر أن تقام له الخطبة بديار مصرء فلم يرض الملك

585-488 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( رسن‎

المعز وزاد بأن طلب أن يكون بيده مع مصر من غزة إلى عقبة فيق» وعلى ال ا 0 أن رسول الخليفة استطاع ابرام الصلح بين الملك المعز أي يبك والملك الناصر وذلك في سنة 00000 أول أبريل سنة 1167م وتضمن الصلح اعلى أن يكون للمصريين إلى الأردن وللناصر ماوراء ذلك» وأن يدخل فيما للمصريين غزة والقدس ونابلس والساحل كلهء وأن المعز يطلق جميع من أسره من أصحاب الملك الناصر وحلف كل منهما على ذلك وكتبت به العهود)(" .

وبذلك استطاع الخليفة العباسي أن يزيل العداوة بين المماليك والأيوبيين وفوّت الفرصة على الصليبيين الذين كانوا يريدون توسيع دائرة الخلافات واستثمارها لصالحهم.

وعلى الرغم من محاولات لويس التاسع التحالف مع المغول ضد المسلمين» ومحاولاته اليائسة لبث ١‏ والانقسام بين المماليك 0 البيت الأيوبي» إلا أنه لم يحقق نجاحاً د يستحق الذكر في المحاولتين بل أن سعيه الدائم في سبيل تدعيم مركز الصلييبين بالشام وتصفية ما بينهم من خلافات لم ب يحقق نجاحا » فلم يستطع القضاء ل ولذلك اضطر في نهاية الأمر إلى العودة إلى فرنسا في 70 أبريل 105١م‏ بعد أن أمضى في بلاد الشرق الاسلامي أربع سنوات» وبعد عودته زادت المنازعات بين الأمراء الصليبيين والتجار الايطاليين والمنظمات العسكرية مثل الداوية والاسبتارية» وكان لويس التاسع ترك جود فري دي سارجين نائباً عنه في بلاد الشام ومعه حوالي مائة فارس كما قام حنا دي ابلين الثاني أمير يافا بالوصاية على مملكة بيت المقدس الصليبية إلا أن نفوذ هؤلاء كان ضعيفاً عن بقية الأمراء الصليبيين في حين تنفي هنري الأول لوزجنان ملك قبرص في يناير 1167م تاركاً أبنه ووريئه هيو الثاني فطيرا لم يتجاوز عمره بضعة م )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 785-786

(؟) الحركة الصليبية ج ١‏ ص +١11١7‏ جوزيف نسيم العدوان الصليبي على بلاد الشام ص 8:1- 8

ين

مما جعل عرش مملكة قبرص الصليبية يظل تحت الوصاية سنين طويلة» ومهما قيل أن الصليبيين كانوا في ذلك الوقت بلغوا درجة من الضعفء فان هذا لا يعني أنهم أصبحوا قوة لا يستهان بهاء فقد شغلوا سلاطين المماليك الأقوياء مدة من الزمن حوالي أربعين عاماً والقتال لا يتوقف أيام بيبرس وقلاوون والأشرف خليل» بمعنى أن الصليبيين واجهوا عدواً واحداً هو دولة المماليك في هذه الفترة في حين واجه المماليك التتار والصليبيين وبقايا البيت الأيوبي وعناصر المعارضة في الديار المصرية والشامية مثل ثورات العربان في مصر والشامء علاوة على أن الصليبيين كانت تأتيهم الامدادات البشرية والمادية من البلاد المسيحية أما دولة المماليك فلم تكن تتطلع إلى معونة من جهات أخرىء بل كان الاعتماد على الجهود الذاتية”' .

ومن دلائل احساس الصليبيين بقوتهم ما قام به جود فري دي سارجين في يناير 569١م‏ من هجوم على ممتلكات دولة المماليك فيما بين عسقلان وغزةء وعادوا بعد هذه الغارة ومعهم الغنائم الكثيرة من الابل والماشية فاضطرت دولة المماليك إلى تكليف حاكم بيت المقدس بالانتقام من الصليبيين فهاجم اقليم يافا وأسر مائة صليبي من فرسان الداوية والاسبتارية وغيرهم كما غنم المسلمون حوالي أربعين ألف رأس من الماشية ولما حاول حاكم بيت المقدس القيام بغارة جديدة على الصليبيين أنزلوا به هزيمة في مارس سنة 167١م‏ وقتلوا عدداً كبيراً من المسلمين بينهم حاكم بيت المقدس نفسه وذلك ثأرأ لما لحق بهم في الغزوة السابقة”"2. ولكن السلطان المعز أيبيك لم تكن ظروفه مواتية لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين وذلك بسبب الخلافات التي كانت بينه وبين المماليك البحرية الأمر الذي أدى إلى فرار بعض زعمائهم إلى الناصر يوسف الأيوبي في دمشق حيث أطمعوه في ملك مصرهء وتجدد النزاع بين المعز أيبك والملك الناصر يوسف فتوسط الخليفة العباسي المستعصم بالله من جديد وعندئذ رضي الملك المعز أيبك بأن يرد

588-185 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ١١١5 (؟) الحركة الصليبية ج ؟" ص‎

1

للناصر يوسف كل المنطقة الاسلامية من فلسطين بحيث تكون العريش هي الحد الفاصل بين الدولتين وشرط المعز أيبك على الناصر يوسف أيضاً الا يأوي عنده أحداً من المماليك البحرية» وتولى الصلح قاضي القضاة بدر الدين السنجاري - فلما 3 تم الصلح عاد المعز أيبك من العباسة بعد اقامته عايها جلك جين عد ادنك الام وسقت حون !لجرل إلى دلقي ساعد على عفد هذا الأتقاق قرت" العار من بقداد وبرت على "انهاء 0 الحرب بين المماليك والأيوبيين ان أسرع الصليبيون إلى تجديد الصلح مع المسلفين متة ا ا ا

خر

اتشغل أمراء المماليك بالجهاد ضد الصليبيين في المنصورة ولما آل إليهم حكم مصر بعد مقتل السلطان المعظم توران شاه كانت الظروف في الداخل والخارج صعبة» ففي الداخل هناك أنصار الأيوبيين وانشقاق أمراء المماليك البحرية على المعز أييك وخروج معظمهم إلى الشام ودخولهم في طاعة الملك الناصر يوسف وشجعوه على غزو مصرء أما الخطر الأيوبى الذي كان يمثله بقايا أمراء الأيوببين في بلاد الشام الذين كانوا يرون أن حكم مصر من حقهم ومن ثم أخذوا يطالبون بمصر وفي نة نفس الوقت اقترب الخطر المغولي إلى أن تم تدمير بغداد واسقاط الخلافة العباسية وتقدم التتار في بلاد الشام حتى وصلوا إلى غزة أي أصبحوا على أبواب مصرء يضاف إلى ذلك الخطر الصليبي الذي كان يتطلع إلى فرصة للانتقام من المماليك الذين هزموا لويس التاسع في المنصورة ومن ثم بقي لويس في الشام يرقب الأحوال ويدفعه الأمل إلى توحيد القوى الصليبية في الشام حتى يعيد أمجاد الصليبيين» ولكن نجاح المماليك في ضبط الأمور في مصر وتدخل الخليفة العباسي من أجل انهاء الخلافات بين المماليك والملك الناصر يوسف صاحب الشام كما أن نجاح المماليك في الحاق الهزيمة الكبرى في عين جالوت بالتتار سنة

١١١4 ص‎ ١ ص 98-1907 الحركة الصليبية ج‎ ١ السلوك ج‎ )١( ١75

هم - ١17١م‏ كان له عظيم الأثر في تثبيت أركان الدولة المملوكية وخصوصاً في ظل السلطان الظاهر بيبرس الذي تولى السلطنة في مصر بعد السلطان المظفر قطز سنة ١1م‏ وهو في طريق عودته بعد موقعة عين جالوت ولما وصل بيبرس والأمراء إلى القاهرة سأل الأمير فارس الدين الاتابك وقال: من قتله منكم؟ قال بيبرس: أناء فقال: ياخوند» اجلس في مرتبة السلطنة فجلس» واستدعيت العساكر للحلف «وحلف العسكر للملك الظاهر بيبرس» وتم أمره في السلطنة واطاعته العساكر ثم ركب وساق في جماعة من أصحابه حتى وصل إلى قلعة الجبل فدخل من غير مانع واستقر ملكه. وكانت البلد قد زيّنت للملك المظفر فاستمرت الزينة:27.

وقد اهتم السلطان الظاهر بيبرس بالجهاد ضد أعداء الاسلام في جميع الاتجاهات وفي كل المجبهات ولكنه لم يشرع في تنفيذ سياسته ازاء الصليبيين إلا بعد أن أحيا الخلافة العباسية في القاهرة وتحالف مع بركة خان سلطان مغول القفجان ضد خانات مغول فارس وتبودلت بينهما الرسائل بين سنة 0- 1177م كما عمد محالفة دفاعية مع الامبراطور ميخائيل بالبيولوجي امبراطور الدولة البيزنطية وتحالف مع سلطان سلاجقة الروم وأرسل رسله إلى منفرد ملك صقليه في تسكانيا”'".

على أن السلطان الظاهر بيبرس كان ينوي الجهاد ضد الصليبيين واقتلاع جذورهم من بلاد الاسلام في الشامء وفعلاً بدأ السلطان الظاهر في نوفمبر ١م‏ بمهاجمة امارة انطاكية الصليبية لعقاب أميرها بوهيموند السادس على محالفته للتتارء ثم كرر السلطان الهجوم على انطاكية عام 177١م‏ وحاصر مدينة انطاكية ذاتها وأوشك على الاستيلاء عليها لولا تدخل هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى الذي طلب العون من التتار» قار المماليك إلى ترك حصار انطاكية وعادوا معهم أكثر من ثلثمائة أسير 7" ولكن السلطان )١(‏ أبو المحاسن النجوم الزاهرة ج لا ص ٠١7-1١١‏ (0) .265-266.مم عع 11101016 0 هآ أملزعظ لإرمئوا8 خ رعامه2 ع26مآ () د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١57‏

1/

الظاهر بعد أن اطمئن إلى جبهته الداخلية ورتب علاقاته الخارجية رأى أن في استطاعته أن يزحف بكل قواته على الصليبيين على أن السبب المباشر في اغارته عليهم يرجع إلى نقضهم العهود إذ امتنعوا عن تسليم بعض المعاقل» فقام اظهاراً للقوة وارهاباً للعدو وغادر مصر إلى بلاد الشام سئة ١55ه/‏ 171١م‏ ثم رحل السلطان من غزة إلى جهة الساحل ونزل الطور في ثاني عشر جمادي الأولى سنة ١57ه‏ «وخرج إليه الملك المغيث من الكرك بعد ما كاتبه الملك الظاهر يستدعيه وهو يسوّف به. فأظهر السلطان من الاحتفال به شيئاً كثيراً وخدعه أعظم خديعة وكتم أمره عن كل أحد. فلما وصل المغيث بيسان ركب السلطان إلى لقائه في سادس عشرى جمادي الأولى» ووافاه في أحسن زيّ. فعندما التقيا ساق الملك المغيث إلى جانب السلطان» فسار به إلى الدهليز السلطاني» ودخلا إلى خركاه. وللوقت قبض عليه وأحضر السلطان الملواك والأمراء وقاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان - وكان قد استدعاه من دمشق» والشهود الأجناد ورسل الفرنج. وأخرج السلطان إليهم كتب الملك المغيث إلى التتار وكتب التتار إليهء وأخرج أيضاً فتاوى الفقهاء بقتله وأحضر أيضاً القصاد الذين كانوا يسفرون بيئه وبين هولاكو. ثم قال الأمير الأتابك لمن حضر: «السلطان الملك الظاهر يسلم عليكم» ويقول ما أخذت الملك المغيث إلا بهذا السبب» وقرئت الكتب المذكورة عليهم فكتب بصورة الحال وأثبت القضاة خطوطهم في المكتوب وأنفض الجمع. . . وأرسل الملك المغيث عشاء إلى مصر مع الأمير شمس الدين آمسنقر الفارقاني السلاح دار فسار به إلى قلعة الجبل وسجنه بها وأطلق السلطان حواشيه وبعث بحريمه إلى مصر وأطلق لهم الرواتب”©.

ولا شك أن خيانة الملك المغيث للاسلام والمسلمين وافتاء الفقهاء بقتاله يؤدب كل من يحاول التعاون ظاهراً أو باطناً مع الأعداء ضد المسلمين. «ولما خلا بال السلطان من هم الملك المغيث». توجه بكليته إلى )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 1/17-485 04

الفرنج : فانهم كانوا قد شرعوا في التعلل وطلبوا زرعين» فأجابهم السلطان «بأنكم تعوضتم عنها في الأيام الناصرية ضياعاً من مرج عيونة وهم له يزدادون إلا شكوى. وآخر الحال طلب الفرنج من كتبهمء ووردت كتب النواب بشكواهم. وأنهم اعتمدوا أموراً تن تفسخ الهدنة» فلما صار السلطان في وسط بلادهم وردت عليه كتبهم» فيها: 3 عرفنا بوصول السلطان» فكتب إليهم: «من يريد أن يتولى أمراً ينبغي أن يكون فيه يقظةء ومن خفى عنه خروج هذه العساكرء وجهل ما علمته الوحوش في الفلاة والحيتان في المياه من كثرتها التي لعل بيوتكم ما فيها موضع إلا ويكنس من التراب الذي أثارته خيل هذه العساكر» ولعل وقع سنابكها قد أصِمٌْ أسماع من وراء البحر من الفرنج ومن فى موقان0' من التتارء فإذا كانت هذه العساكر تصل جميعها إلى أبواب بيوتكم ولا تدرون فأي شيء تعلمون؟ وماذا تحيطون به علماً؟ ولم لا أعطيتم لوالي غزة الكتاب الذي كنا سيرناه لكم بتمكين رسولكم إذا حضر؟”

هذا فأي شيء تذكرون؟ وإذا ضيعتموه فأي شيء تحفظون؟9”2 .

ولما رأى السلطان الظاهر مراوغتهم وأنهم أصبحوا يظهرون التمسك بأهداب الهدنة بعد أن كانوا يكاتبونه بندمهم عليها أحضر رؤساء الفرنج وقال لهم «ما تقولون»؟ قالوا: «نتمسك بالهدنة التي بيننا» فقال السلطان: «لم لا كان هذا قبل حضورنا إلى هذا المكان وانفاق الأموال التى لو جرت لكانت بحاراً؟ ونحن لما حضرنا إلى ها هنا ما آذينا لكم زرعاً ولا غيره: ولا نهب لكم مال ولا ماشية ولا أسر لكم أسير. وأنتم منعتم الجلب"".

والميرة عن العسكر وحرمتم خروج شيء من الغلات والأغنام وغير ذلك. ومن انفرد من غلمان العسكر أسرتموه. وسيرتم إلينا بدمشق نسخة

)١(‏ موقان وهي إحدى أقسام آذربيجان ويطلق عليها أهلها موغان أيضا وبها مروج كثيرة تحتلها التركمان للرعى : انظر ياقوت: معجم البلدان ج ص 5856"

(؟) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 184-447

(*) الجلب: ما تجلبه البلاد من الاطعمة للجيوش النازلة بقربها السلوك ج ١‏ ص 585 حاشية ١‏

4

يمين حلفنا عليهاء وسيرنا نسخة يمين من عندنا لم تحلفوا عليها وعملتم أنتم نسخة حلفتم عليهاء وشرط اليمين الأولى تتعلق بالثانية. وسيرنا الأسارى إلى نابلس ومنها إلى دمشقء وما سيرتم أنتم أحد» وكل بيت يحيل على الآخرء 0 ود لت ا ع

شيث رسولاً يعلمكم بوصول الأسرىء» فلم تبعثوا أحداًء ولم ترحموا أهل كم ا لادرى وقد وصلوا إلى أبواب بوتكم كل ذلك بعتن لا بطل أشخالكم من أسرى المسلمين عندكم. وأموال التجار شرطتم القيام بما أخذتموه عنهاء ثم قلتم ما أخذت من بلادنا وإنما أخذت في أنطرسوس» وحمل المال إلى خزانة بيت الديوية (الداوية) والأسرى في بيت الديوية» فان كان أنطرسوس ما هي لكم فالله يحقق ذلك . ثم أنا سيرنا رسلاً إلى بلاد السلاجقة الروم» وكتبنا إليكم بتسفيرهم في البحر فأشرتم عليهم بالسفر إلى قبرسء فسافروا بكتابكم وأمانكمء فأخذوا وقيدوا وضيق عليهم» وأتلف أحدهم على ما ذكر فان كان هذا برضاكم فقبيح أن يعتمدوا هذا الاعتماد» هذا مع احساننا إلى رسلكم وتجاركم» والوفاء أحد أركان الملك. وجرت عادة الرسل أنها لا تؤذى» وما ارالنت الحطرك فاقفة بوالرسيل كرددء وما القدرة على الرسول بشيء يسكن غيظاً: فان كان هذا بغير رضاكم فانه نقص في حرمتكمء » وإذا كان صاحب جزيرة قبرص من أهل ملتكم» يخرق حرمتكم ولا يفي بعهدكم ولا يحفظ ذمامكم ولا يقبل شفاعتكم» فأي حرمة تبقى لكم وأي ذمام يوثق به منكم» وأي شفاعة تقبل عند المسلمين والفرنجية؟

وهل كانت الملوك الماضية تقي النفوس والرجال والأموال إلا بحفظ الحرمة؟ وما صاحب جزيرة قبرص ملك عظيم» ولا صاحب حصن منيع ولا قائد جيش كثيرء ولا هو خارج عنكم. بل أكثر تعلقاته في عكا والساحل» وله عندكم المراكب والتجار والأموال والرسل» وليس هو منفرد بنفسه» وعنده الديوية وجميع البيوت والنواب مقيمون عنذده » وعنده كند يافا وغيره فلو كنتم تؤثرون ذلك كتتم قمتم جميعكم عليهء وأحطتم على كل ما يتعلق به وأصحابه» واسترحتم من هذه الفضيحة؛ وكتبتم إلى ملوك الفرنجية وإلى البايا بما فعله. وإذا قلتم صاحب قبرص لا يسمع منكم ولا يطيعكم» فإذا لم يسمع

١

منكم صاحب قبرس وهو من أهل ملتكم. فمن يسمع منكم؟ وهل لهذه التقدمة إلى الأمر والنهي؟ ولا سيما أنتم تقولون أن أموركم ديئية» ومن ردّها عصى المعبودء وقد رد أمركم وأغري بكم وقبح قولكم؟ وكنا لو اشتهينا أخذنا حقنا منهء وإنما الحق عندكم نحن نطلب منكمء وأنتم تطلبون منه» وأنتم في أيام الملك الصالح اسماعيل أخذتم صفد والشقيف» على أنكم تنجدونه على السلطان الشهيد الملك الصالح نجم الدين أيوب وخرجتم في -خدمته ونجدته» 8 ما جرى من خذلانه وقتلكم وأسركم

ا ملوككم وأسر مقدميكم؛ وكل أحد يتحقق ما جرى عليكم من ذهاب الأرواح والأموال.

وقد انتقضت تلك الدولة» ولم يؤخذكم السلطان الشهيد عن فتوسحه البلاد»ء وأحسن اليكم فقابلتم ذلك بأن رحتم إلى الرايدا فرنس (لويس التاسع) وساعدتموه وأتيتم صحبته إلى مصرء حتى جرى من القتل والأسر فأي مرة وفيتم فيها لملكة مصرء أم أي حركة أفلحتم فيها؟ وبالجملة فأنتم أخذتم هذه البلاد من الملك الصالح اسماعيل لاعانة مملكة الشام» وطاعة ملكها ونصرته والخروج في خدمته» وانفاق الأموال في نجدتهء وقد صارت بحمد الله مملكة الشام وغيرها لي» وما أنا محتاج إلى نصرتكم ولا إلى نجدتكم» ولم يبق لى عدو أخافهء فردّوا ما أخذتموه من البلاد وفكوا أسرى المسلمين جميعهمء فاني لا أقبل غير ذلك».

فلما سمع رسل الفرنج هذه المقالة بهتواء وقالوا: «نحن لا ننقض الهدنة وإنما نطلب مراحم السلطان في استدامتهاء ونحن نزيل شكوى النواب» ونخرج من جميع الدعاوي ونفك الأسرى ونستأنف الخدمة». فقال السلطان: «كان هذا قبل خروجي من مصرهء في هذا الشتاء وهذه الأمطار ووصول العساكر إلى هنا)7 3 .

ولم يقبل السلطان الظاهر من رسل الصليبيين الاعذار التي تقدموا بهاء

547-484 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

وبرروا بها نقض الهدنة ولهذا أمر السطان باخراج رسل الفرنج ووجه الأمير علاء الدين طيبرس إلى كنيسة الناصرة» فسار إليها وهدمها ولم يلق من الفرنج أي مقاومة» وكان هدف السلطان الظاهر من الحوار الذي أجراه مع رسل الفرنج اظهار القوة وادخال الرعب في قلوبهم وتأديب هؤلاء الفرنج على عدوانهم على المسلمين وأكد القول بالفعل» فأغارت قواته على كنيسة الناصرة» بل جرد جيشاً إلى مدينة عكا فأقتحم أبوابهاء ثم سار بنفسه إليها وحاصرها من جهة البر ١77ه/‏ 157١م.‏ وكان الصليبيون قد حفروا خندقا حول تل الفضول بالقرب من عكا واتخذوه قلعة يحاربونه من فوقه ولكن السلطان تقدم نحو عكا «فإذا الفرنج قد حفروا خندقاً حول تل الفضول». وجعلوا معاثر في الطريق ووكفوا صفوفاً على التل. فلما أشرف السلطان عليهم رتب العسكر بنفسه. وشرع الجميع في ذكر الله وتهليله وتكبيره. والسلطان يحثهم على ذلك حتى ارتفعت أصواتهم . وللوقت ردمت الخنادق بأيدي غلمان العساكر ويمن حضر من الفقراء المجاهدين وصعد المسلمون فوق تل الفضولء وقد انهزم الفرنج إلى المدينة»

وامتدت الأيدي إلى ما حول عكا من الأبراج الصليبية» فهدمت وحرقت الأشجار حتى انعقد الجو من دخانها. وتقدم الجيش الاسلامي حتى أبواب عكا «وقتلوا وأسروا عدة من الفرنج في ساعة واحدة» والسلطان قائم على رأس التل يعمل الرأي في أخذ المدينة» والأمراء تحمل على الأبواب واحداً بعد واحدء ثم حملوا حملة واحدة ألقوا فيها الفرنج في الخنادق» وهلك منهم جماعة في الأبواب» واستمرت القوات الاسلامية في هجومها على الصليبيين وقتلوا وأسروا اعداداً منهم «وبات السلطان على ذلك . فلما أصبح عاد إلى بلاد الفرنج وكشفها مكاناً مكاناً وعبر على الناصرة حتى شاهد خراب كنيستها وقد سوى بها الأرض» وصار إلى القلعة التي بناها قبالة الطور)”' .

4844 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ع عن‎

١7

السلطان الظاهر يباشر القتال والعمل بنفسه:

ورد الخبر إلى السلطان الظاهر بيبرس سنة 557ه بأن التتار يهاجمون البيرة #فجهز السلطان من فوره الأمير بدر الدين الخازندار على البريد ليخرج أربعة آلاف فارس من بلاد الشام» وركب السلطان من موضعه وساق إلى القلعةق وكانت الخيول على الربيع» فلم يقم بقلعة الجبل بعد عودته من الصيد غير ليلة. وعين الأمير عز الدين ايغان المعروف بسم الموت لتقدمة العساكر ومعه من الأمراء فخر الدين الحمصي» الا مير بدر الدين يبليك الأيدمري» والأمير علاء الدين كشتفدي الشمس» وعدة من الأمراء والحلقة تبلغ أربعة الأمير جمال الدين المحمدي والأمير جمال الدين أيدغدي الحاجبي ومعهما أربعة آلاف أخرىء فبرزوا ثاني يوم خروج الأمير عز الدين ايغان إلى ظاهر القاهرة» وساروا في عاشره.

وفي يوم السبت رابع ربيع الآخر شرع السلطان في السفر وخرج بنفسه في خامس شهر ربيع الآخر ومعه عساكر كثيرة فوقع فناء في الدواب هلك منها عدد كثير» وصارت الأموال” : مطروحة» والسلطان له يقصر في المسير» فلما شكى إليه قلة الظهر قال: «ما أنا في قيد الجمال» أنا في قيد نصرة الاسلام».

وهذا الموقف الثابت الشجاع يكشف عن حقيقة الايمان الذي يملأ قلب وعقل السلطان بيبرس» فان أمر الاسلام مقدم على كل الاعتبارات» ولا تقف الأسباب أمام الجهاد لأن نصرة الاسلام رأس الأمر للانسان المسلم وبهذه الروح تقدم السلطان بقواته ونزل غزة في العشرين من شهر ربيع الاخر؛ فورد الخبر”'"؟ بأن العدو نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقاً» فكتم ذلك ولم يعلم

به سوى الأمير شمس الدين سئقر الرومى والأمير سيف الدين قلاوون فقط.

014 ص‎ ١ المقصود هنا الأموال التي ستحملها الدواب مع جيش السلطان: السلوج ج‎ )١( حاشية‎ زفق السلوك ج ١ص 5ه‎ ١*

وكتب السلطان للأميرايغان: «حتى لم تدركوا قلعة البيرة والا سقت إليها بنفسي جريدة» .

ويلاحظ هنا مدى تقدير السلطان واهتمامه بالسرية في الشؤون العسكرية حفاظاً على الروح المعنوية وحرصه الأكيد على مجابهة التتار في قلعة البيرة والدفاع عنها ويعكس اهتمامه هذا الموقف التالي» وكان السلطان بيبرس قد نزل بلدة يبنى بفلسطين في السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر فورد البريد من دمشق وهو في الحمام بالدهليز فلم يمهل وقرئ عليه الكتاب وهو عريان: فاذا هو يتضمن بأن بطاقة الملك المنصور صاحب حماة سقطت بأنه وصل إلى البيرة بالعساكرء صحبة الأمير عز الدين ايغان وجماعة الأمراء يوم الاثنين» وأن التتار عندما شاهدوهم هربواء ورموا مجانيقهم وغرّقوا مراكبهم» وكان من حين كتابتها بالبيرة إلى حين وصولها يبني أربعة أيام. ثم توالت كتب الأمراء بالبشارة فكتب بذلك إلى القاهرة وغيرها» وذلك من منطلق أن الأمة كانت تراقب الأحداث وتعيش مع الجيش والسلطان بشعورها وأحاسيسها ومن ثم حرص السلاطين على ابلاغ المسلمين بالبشارة حتى تطمئن قلوب الذين آمنوا ويفرح المسلمون بنصر الله.

وكتب السلطان بعمارة ما خرب من البيرة وحمل آلات القتال والأسلحة إليها من مصر والشام» وأن يعبأ فيها كل ما يحتاج إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين» وكتب للأمراء ولصاحب حماة بالإقامة على البيرة حتى ينظف الخندق من الحجارة التي ردمها العدو فيه» فكانت الأمراء تنقل الحجارة على أكتافها مدة وبعثوا بخبر ذلك إلى السلطان وهو واقف على سور قيسارية ليهدمه بنفسهء وفي يده القظاعة”١)‏ وقد تجرححت يده فكتب جوابهم: «أنا بحمد الله ما تخصصنا عنكم براحة ولا دعة؛ ولا أنتم في ضيق ونحن في سعةء ما هنا إلا من هو مباشر الحروب الليل والنهارء وناقل الأحجار ومرابط الكفار وقد تساوينا في هذه الأمورء وما ثم ما تضيق به الصدور»”" )١(‏ القطاعة هي المطرقة تستعمل لقطع الصخر أو هدم البناء وجمعها قطاطيع السلوك ج ١‏ ص

١ حاشية‎ 6

() السلوك ج ١‏ ص 977ه76-6ام

وأمر السلطان بتقديم المعونات إلى أهل البيرة «ويخلم على سائر من فيها من أمير ومأمور وجندي وعامي» وينفق فيهم المال حتى الحراس وأرباب الضوء فاعتمد ذلك كله)0' .

إستيلاء بيبرس على قيسارية “كلامم 165ام:

سار السلطان بقواته إلى قيسارية «فأمر بنصب عدة مجائيق وعملها. وجلس السلطان مع الصناع يستحثهم» فعمل في يوم واحد أربع منجنيقات كبار سوى الصغارء وكتب إلى القلاع يطلب المجانيق والصناع والحجارين» ورسم للعسكر بعمل سلالم» وتقدم السلطان بقواته نحو قيسارية «فوافاها بكرة نهار الخميس تاسع جمادي الأولى ( 7717ه) على حين غفلة من أهلها وضرب عليها بعساكره. وللوقت ألقى الناس أنفسهم في خندقهاء وأخذوا السكك”" الحديد التي برسم الخيول مع المقاود والشبّح”" وتعلقوا فيها من كل جانب حتى صعدواء وقد نصبت المجانيق ورمى بهاء فحرقوا أبواب المدينة واقتحموهاء ففرٌ أهلها إلى قلعتهاء وكانت من أحصن القلاع وأحسنها وتعرف بالخضراء. وكان قد حمل عليها الفرنج العمد الصوان وأتقنوها بتصليب العمد في بنيانها» حتى لا تعمل فيها الثقوب ولا تقع إذا علقت. فاستمرٌ الزحف والقتال عليها بالمجانيق والدبابات والزحافات (يرج الزحف) ورمي النشاب. وخرجت تجريدة من عسكر السلطان إلى بيسان مع الأمير شهاب الدين القيمري» فسير جماعة من التركمان والعربان إلى أبواب عكا فأسروا جماعة من الفرنجح. هذا والقتال ملح على قلعة قيسارية» والسلطان مقيم بأعلى كئيسة تجاه القلعة ليمنع الفرنج من الصعود إلى علو القلعة وتارة يركب في بعض الدبابات ذوات العجل التي تجري حتى تصل إلى السور ليرى

)١(‏ أرباب الضوءاي الأشخاص المكلفون بأعمال الإضاءة ويقال لهم الضوية والمشاعلية أيضا

000 السكك جمع سكة وهي الوتد الذي يربط به مقود الحصان السلوك ج ١‏ ص آا5ه حاشية ”7

زفرف الشبح جمع شبحة وهي السلسلة التي يربط بها قدم العضان في امد طرفيها عروة تزرر في القدم وفي طرفها الآخر رزة تدق في الأرض. السلوك اج ١‏ ص51 حاشية 4

١6

الثقوب بنفسه وأخذ السلطان في يده يوماً من الأيام ترساً وقاتل» فلم يرجع إلا وفي ترسه.عدة سهامء فلما كان في ليلة الخميس النصف من جمادي الأولى سلم الفرنج القلعة بما فيهاء فتسلق المسلمون من الأسوار. وحرقوا الأبواب ودخلوها من أعلاها وأسفلهاء وأذن بالصيح عليها وطلع السلطان ومعه الأمراء إليهاء وقسم المدينة على الأمراء والمماليك والحلقة» وشرع في الهدم ونزل وأخخذ بيده قّاعة وهدم بنفسه)”"".

وبعد إستيلاء المسلمين على قيسارية وقلعتها بعث السلطان الأمير سنقر الرومى والأمير سيف الدين المستعرب فى جماعة من العسكر فهدموا قلعة كانت للفرنج عند التّلوحة© وكانت عاتية حتى دكوها دكا .

وسيّر السلطان فى جمادي الأولى 577 ه/ 1776م قوة عسكرية بقيادة الأمير سنقر السلاح دار والأمير عز الدين الحموي والأمير سنقرا الألفي إلى حيفا فوصلوهاء فلما شاهدهم الفرنج هربوا إلى المراكب وتركوا قلعة حيفا فدخلها الأمراء بعدما قتلوا عدة من الفرنج وبعدما أسروا كثيراً وخربوا المدينة والقلعة وأحرقوا أبوابها فى يوم واحدء وعادوا بالرؤوس والغنائم سالمين”".

جهاد المسلمين ضد الصليبيبن في أرسوف 5517ه/ 1758م:

وبدأ السلطان الظاهر بالهجوم على عثليت وقلعتها التي شيدها فرسان الداوية الصليبيين عام 4١1١م‏ على الطريق بين حيفا وقيسارية وأمر السلطان بقطع أشجارها «فقطعت كلها وخربت أبنيتها في يوم واحدا وعاد إلى قيسارية ثم غادرها «وسار من غير أن يعرف أحد قصلدهء فنزل على أرسوف مستهل جمادي الآتخرة ( 177ه) ونقل إليها من الأحطاب ما صارت حول المديئة كالجبال الشاهقة وعمل منها ستائر» وحفر سربين!؟؟ من خندق المدينة إلى

744 ص 517-577:؛ ابن كثير: البداية والنهاية ج 1 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

(1) المّلوحة: قرية كبيرة من قرى حلب وتقع في الجنوب الشرقي منها على بعد مسافة ثمانية عشر ميلا تقريبا السلوك ج ١‏ ص 577 حاشية ١‏

9) السلوك ج ١‏ ص 6184-4717

(5) السرب: وهو سرب كثير التعاريج يحتفر في حصار المدن والحصون؛ ليتوصل به إليها من -

١5

خندق القلعة وسققه الأخشاب. وسلّم أحدهما للأمير سنقر الرومي والأمير بدر الدين بيسري والأمير يدر الدين الخازندار» والأمير شمس الدين الذكر الكركي وجماعة غيرهمء وسلم الآخر للأمير سيف الدين قلاوون والأمير علم الدين الحلبي الكيزه والأمير سيف الدين كرمون وجماعة غيرهم » وعمل السلطان طريقاً من الخندقين إلى القلعة» وردمت الأحطاب في الخندق» فتحيل الفرنج وأحرقوها كلها . فأمر السلطان بالحفر من باب السربين إلى البحر. وعمل سروباً تحت الأرض يكون حائط خندق العدو ساتراً لهاء وعمل في الحائط أبوابا يرمى التراب منها وينزل في السروب حتى تساوي أرضها 55 الخندق وأحضر المهندسين حتى تقرر ذلك وولى أمره للأمير عز الدين أيبيك الفخري» فاستمرٌ العمل والسلطان بنفسه ملازم العمل بيده في الحفر وفي جر المنجنيقات ورمي التراب ونقل الأحجار أسوة بغيره من الناس. وكان يمشي بمفرده وفي يده ترس ثارة في السرب وتارة في الأبواب التي تفتح» وتارة في حافة البحر يرامي مراكب الفرنج. وكان يجر في المجانيق». ويطلع فوق الستائر يرمي من فوقهاء ورمى في يوم واحد ثلاثمائة سهم بيدهء وحضر في يوم إلى السرب وقعد في رأسه خلف طاقة يرمي منهاء فخرج الفرنج بالرماح وفيها خطاطيف ليجذوه. فقام وقاتلهم يدا بيد» وكان معه الأمير سئقر الرومي» والأمير بيسري » والأمير بدر الدين الخازندار» فكان سئقر يناوله الحجارة حتى قتل فارسين من الفرنج ورجعوا على أسوأ حال» وكان يطوف بين العساكر في الحصار بمفرده» ولا يجسر أحد ينظر [ ليه ولا يشير إليه بأصبعه .

وحضر في هذه الغزاة جمع كبير من العباد والزهاد والفقهاء وأصناف الناس» ولم يعهد فيها خخمر ولا شيء من الفواحش» بل كانت النساء الصالحات يسقين الماء فى وسط القتال» ويعملن فى جر المجانيق. وأطلق السلطان الرواتب من الأغنام وغيرها لجماعة من الصلحاء» وأعطى الشيخ علي البكا جملة مال ولا سمع عن أحد من خواص السلطان أنه اشتغل عن

> غير أن يصيب السالكين فيه ما يرشقهم به أهلها. السلوك ١‏ ص 018 حاشية ١‏

/ا‎

الجهاد في نوبته بشغل» ولا سيّر أمير غلمانه في نوبته واستراح. بل كان الناس فيها سواء في العمل حتى أثّرت المجانيق في هدم الأسوار» وفرغ من عمل الأسرية التي بجانبي الخندق» وفتحت فيها أبواب متّسعة. فلما تهيأ ذلك وقع الزحف على أرسوف في يوم الخميس ثامن من رجب ( 7517ه) ففتحها الله في ذلك اليوم عندما وقعت الباشورة''' فلم يشعر الفرنج إلا بالمسلمين قد تسلقوا وطلعوا إلى القلعة؛ ورفعت الأعلام الإسلامية على الباشورة وحفت بها المقاتلة وطرحت النيران في أبوابها . هذا والفرنج تقاتل» فدفع السلطان سنجقه للأمير سنقر الرومي وأمره أن يؤمن الفرنج من القتل» فلما رآه الفرنج تركوا القتال. وسلّم السنجق للأمير علم الدين سنجر المسروري المعروف بالخياط الحاجبء ودليت له الحبال من القلعة فربطها في وسطه والسنجق معه» ورفع إليها فدخلها وأخذ جميع سيوف الفرنج وربطهم بالحبال وساقهم إلى السلطان والأمراء صفوف وهم ألوف.

وأباح السلطان القلعة للناس» وكان بها من الغلال والذخائر والمال شيء كثيرء وكان فيها جملة من الخيول والبغال لم يتعرض السلطان لشيء منهء إلا ما اشتراه ممن أخذه بالمال» ووجد فيها عدة من أسرى المسلمين فى القيود فأطلقواء وقيد الفرنج بقيودهم وعين السلطان جقاعة من لاسر من الفرنج ليسيروا بهم» وقسّم أبراج أرسوف على الأمراء» وأمر أن يكون أسرى الفرنج يتولون هدم السورء فهدمت بأيديهم:”"©

وعلى الرغم من أن مقاومة فرسان الاسبتارية في أرسوف كانت شديدة واستمرّت مدة أربعين يوماء إلا أن الجهاد المتواصل من جهة أبطال الإسلام والسلطان الظاهر دفع الصليبيين إلى الإستسلامء وأسر السلطان أهلها «وأرسلهم إلى الكرك مصمدين » وعندما شرع في العودة إلى القاهرة زيّن بهم )١(‏ الباشورة هنا سدّ من التراب» لمنع وصول الخيالة والرجالة والسهام إلى مواضع المحاربين.

() السلوك ج ١‏ ص 070-078» د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟! ص 46١1ء‏ ابن كثير: البداية والنهاية ج 1 ص 7105-1744

١4م‎

موكبه وهم يحملون الصلبان مكسرة والأعلام منكسة»(© تحرير صفد

خرج السلطان الظاهر بيبرس بقواته إلى جهة فلسطين عام 555ه/ واستأنف الحرب ضد الصليبيين وبدأ بمهاجمة عكا وصور وطرابلس وحصن الأكراد «ثم نزل السلطان بنفسه على صفد في ثامن شهر رمضان ونصب عليها المجانيق» ودام الإهتمام بعمل الآلات الحربية إلى مستهل شوال ثم شرع في الزحف والحصار وأخذ النقوب من جميع الجهات إلى أن ملكها بكرة يوم الثلاثاء خامس عشر شوال» ولكن قلعة صفد لم تستسلم «واستمرٌ الزحف والقتال ونصب السلالم على القلعة وتسلطت عليها النقوب» والسلطان يباشر ذلك بنفسه. حتى طلب أهل القلعة الأمان على أنفسهم وطلبوا اليمين على ذلك» وشرط السلطان على الصليبيين ألا يأخذوا معهم من أموالهم شيئاً «فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر شوال طلعت السئاجق على قلعة صفد ووقف الملك الظاهر بنفسه على بابها وأخرج من كان فيها من الخيالة والرجالة والفلاحين»؛ ودخل الأمير بدر الدين بيليك الخازندار وتسلمهاء وأطلع على أنهم أخذوا شيئاً كثيراً من التحف له قيمة وهذا يخالف الإتفاق» فأمر السلطان الظاهر بضرب رقابهم فضريت رقابهم على تل هناك وكتبت البشائر بهذا النصر إلى مصر والأقطار التابعة للسلطان لأن السلطان كان يطلع المسلمين في الدولة بما تم على وجه الحقيقة ولهذا زيّنت الديار المصرية إبتهاجاً بهذا النصر» ثم أمر السلطان بعمارة صفد وتحصينها «ونقل الذخائر إليها والأسلحة وأزال دولة الكفر منها ولله الحمد06' والسلطان قدوة للأمراء والمجاهدين وقد شارك في عمارة صفد «وقسّم خندقها على الأمراءء وأخذ لنفسه نصيباً وافراً عمل فيه بنفسهء فتبعه الأمراء والناس في العمل وئقل الحجارة ورمي التراب وصاروا يتسابقون» فوردت عليه رسل الفرنج يطلبون )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 675» سعيد عاشور الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١45‏ د سرور: الظاهر

بيبرس وحضارة مصر في عصره ص 94 2( النجوم ج /اا ص 21١١8‏ السلوك ج ١‏ ص 245ه-/20ه

١.8

الصلحء فرأوا الإهتمام في ال السلطان الظاهر جهاده ضد

الصليبيين وفتح هونين وتبنين ومدينة ا

ولما شعر الفرنج بقوة السلطان أرسلوا إليه يطلبون #إستقرار الصلح على بلادهم من جهة حمص وبلاد الدعوة0© فقال السلطان لا أجيب إلا بشرط إيطال مالكم من القطائع على مملكة حماة وهي أربعة آلاف دينارء ومالكم من القطيعة على بلاد أبي قبيس”'' وهي ثمانمائة دينار» وقطيعتكم على بلاد الدعوة وهى ألف وماثتا ديئار ومائة مد حنطة وشعير نصفين «فأجابوا إلى إبطال ذلك» وكتبت الهدئة وشرط فيها الفسخ للسلطان متى أرادء ويعلمهم قبل مدة»0©»

ولم يتوقف السلطان عن الجهاد فلما علم السلطان أن الفرنج في عكا وجدوا أربعة من المسلمين فشنقوهمء. فأمر السلطان القوات الإسلامية بالؤغارة على مادا ترج «فقتلت الشاكر مهم ترق المالتين ن وساقوا جملة من الأبقار والجواميس وعادوا» وذلك تأديياً لهم على ما قاموا به من قتل

بعض المسلمين وهكذا تكون الحمية في الإسلام.

غزو بلاد سيس 5554ه/ 1755م

كانت مملكة أرمينية الصغرى وإمارة إنطاكية وطرابلس قد تحالفوا مع المغول ضد المسلمينء» فأرسل السلطان الظاهر بيبرس فرقة من قواته بقيادة الأمير قلاوون استولت على القليعات وحلب وعرقة وهذه المواضع كانت تكون دفاعات تحمى طرابلس من جهة الشمال والشمال الشرقى» وبعد استيلاء القوات الإسلامية عليها أصبحت طرابلس مهدّدة بالقوات الإسلامية المهاجمة «فأغارت العساكر على الفرنج من كل جهةء وكثرت المغانم

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص مده 0 السلوك اج ااص 0٠‏ يلاد الدعوة عا كر ام 0 السلوك رج ١ص 00١0‏ حاشية (5) السلوك اج ااص 5-7

16

بأيديهم حتى لم يوجد من يشتري البقر والجاموس وصارت الغارات من بلاد طرابلس إلى أرسوف».

أما هيثوم الأول ملك أرميئية الصغرى» فإن زيارته لخان المغول وتحالفه مع هولاكو وتحريضه للمغول على مهاجمة الشام سنة 709١م‏ 570١م‏ وما ترتبف على ذلك من معارك بين المغول والمماليك في بلاد الشام. وانتصار المسلمين في عين جالوت الأمر الذي جعل السلطان الظاهر يقرر ضرورة معاقبة هيثوم الأول والأرمن الذين اتبعوا سياسة معادية ضد المماليك تقوم على فرض الحصار الإقتصادي عليهم ومنع تصدير الأخشاب والحديد إلى مصر من آسيا الصغرى وذلك بهدف عدم استخدام هذه المواد في الصناعات الحربية. ولهذا تقدم جيش المماليك في صيف 775١م‏ بقيادة الأمير قلاوون والملك المنصور الثاني الأيوبي صاحب حماه لمهاجمة أرمينية الصغرى» وتمكنت القوات الإسلامية من إنزال هزيمة كبرى بالأرمن وحلفائهم في 71/ 1557م قرب دربساك"'' وقتل في المعركة أحد أبناء الملك هيثوم الأول وأسر الإبن الثاني في حين كان هيثوم الأول في زيارة للمغول في تبريز يطلب مساعدتهم ضد المسلين» وتابع المسلمون بقيادة قلاوون الغارة على المدن الهامة في قيليقية وهي المصيصة وأذنة وطرسوس وميناء إياس أما الملك المنصور الأيوبي فقد زحف نحو سيس عاصمة أرمينية الصغرى واستولى السيكييرن عليها #فاخريوعا +وجعلوا بعاليها شافلها وآقاموا' أياما ‏ يمترفون ويقتلون ويأسرون”" وبعد أن قضى المماليك في أرمينية الصغرى عشرين نوما عادوا إلى الشام «وقد اجتمع معهم من الغنائم ما لا يعد ولا يحصى» حتى أبيع الرأس البقر بدرهمين ولم يوجد من يشتريه فورد الخبر بذلك والسلطان في الصيد فأعطى المبشر ألف دينار وأمرة طبلخاناه»9)

ودخل السلطان إلى دمشق واستعدٌ لاستقبال الجيش الإسلامي العائد من

)١(‏ دربساك قلعة حصينة قرب أنطاكية في آسيا الصغرى: الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١47‏ حاشية 3

(0) السلوك ج ,.0655-08١ ١‏ النجوم الزاهرة ج لا ص ١5٠‏

قرف السلوك ج ١ص‏ 78ومه النجوم الزاهرة ج لا ص 1١4‏

١6١

بلاد سيس فلما اقترب الجيش من دمشق ق ترج البلف الظامن ابلتيهن: في ثاني ذي الحجة 774ه"'' ولما اجتاز السلطان بقارا'" فشكى إلى من أهل 0 وهم نصارى : أنهم يتعدون على أهل الضياع ويبيعون من يقع إليهم إلى الفرنج بحصن عكا. فأمر العسكر بنهبهم فنهبواء وقتل كبارهم وسبى النساء والأولادن79 ,

من أسباب انتصارات الإسلام في عهد السلطان الظاهر بيبرس:

كان السلطان الظاهر بيبرس شديد الحرص على دولته. يحافظ عليها في الداخل ويدافع عنها ضد العدوان الخارجي ومن أسبابه نجاحه في سياسة دولته اعتماده على الحركة بسرية تامة يتفقد الرعية والبلاد وأمراء الجهات دون أن يشعر به أحد ومثال ذلك ما أورده - المقريزي: «2... وكانت 2 هذه المدة ترد المكاتبات وتكتب أجوبتها كما رنّبها السلطان والأحوال جميعها ماشية كأنه حاضر لم يختل شيء من الأمور» وقصد بما فعل أن يكشف حال مملكته...2!0؟ وعندما عقد السلطان العزم على الحج أخفى هذا الخبر مخافة أن يستغل العد وانشغال السلطان بالحج» ولما كان السلطان لا تعنيه المظاهر والإحتفالات جعل حركته إلى الحجاز سراً وخرج وبصحبته نحو ثلاثمائة من العسكر «وسار السلطان بهم إلى الكرك كأنه يتصيّد» ولم يجسر أحد يتحدث بأنه متوجه إلى الحجاز. . . ووصل السلطان إلى المدينة النبوية في خامس عشريه من ذي القعدة /551ه).... ورحل منها في سابع عشريه وأحرم ودخل مكة في خامس ذي الحجة وأعطى خواصه جملة من المال ليفرقوها سرا وفرق كساوي على أهل الحرمين وصار كواحد من الناس» لا يحجبه أحد ولا يحرسه إلا الله وهو منفرد يصلي ويطوف ويسعى» وغسل

)١(‏ ذكر المقريزي أنه استقبلهم في ثالث عشر ذي الحجة السلوك ج ١‏ ص 005 في حين ذكر صاحب النجوم أنه استقيلهم في ثاني ذي الحجة. ا

(؟) قارا أو قارة وهي البلدة التي تقع على الطريق من دمشق إلى حمص. السلوك ج جّ ١‏ ص ”مه حاشية ١‏

0) السلوك ج ١‏ ص 565-"561., النجوم ج لا ص ١1٠‏

(4) السلوك ج ١‏ ص 5/8 أو مسلسل (50)

١6

البيت وصار في وسط الخلائق» وكل من رمى إليه احرامه غسله وناوله إياه؛ وجلس على باب البيت» وأخذ بأيدي الناس ليطلعهم إلى البيت» فتعلق بعض العامة باحرامه ليطلع فقطعهء وكاد يرمي السلطان إلى الأرض وهو مستبشر بجميع ذلك. وعلق كسوة البيت بيده وخواصه؛ وتردد إلى من بالحرمين من الصالحين. هذا وقاضى القضاة صدر الله بين سليمان بن عيد الحق الحنفى مرافقه طول الطريق يستفتيه ويتفهم منه أمر دينه. ولم يغفل السلطان مع ذلك تدبير المالك وكتاب الإنشاء تكتب عنه فى المهمات وكتب إلى صاحب اليمن كتاباً يتكر عليه أمورآء ويقول فيه: «سطرتها من مكة المشرفة» وقد أخحذت طريقها في سبع عشرة خطوة» يعني بالخطوة المنزلة ويقول له: «الملك هو الذي يجاهد في الله حق جهاده» ويبذل نفسه في الغرب عن حوزة الدين» فان كنت ملكاً فاخرج التق التتار»”" , 1

وقضى السلطان مناسك الحج وسار من مكة وصلى صلاة الجمعة غرة المحرم بالكرك وركب في مانة كارن ونيد كل فار فرس وساق إلى دمشق هذا والناس بمصر والشام لا يعرفون شيئا من خبر السلطان: هل هو في الشام أو الحجاز أو غيره ولا يستطيع من مهابته والخوف منه أحد يتكلم. فلما قارب السلطان دمشق سيّر أحد خواصه على البريد يكتب إلى دمشق وفيها البشارة بسلامته وقضاء الحج. . . فركب السلطان في نفر يسير وتوجه إلى حلب. وحضرا أمراء دمشق للخدمة فلم يجدوا السلطان.

ودخل السلطان إلى خلب والأمراء في الموكب» فساق إليهم وبقي ساعة ولا يعرفه أحدء حتى فطن به بعضهم فنزلوا وقبلوا الأرض ودخل السلطان دار ناتب السلطنة وكشف القلعة؛ وخرج من حلب ولم يعرف به أحد» فوصل دمشق في ثالث عشره (المحرم 578ه) ولعب فيها بالكرة وركب في الليل وسار إلى القدس وزار الخليل وتصدّق» وكان العسكر المصري قد سار به الأمير آفسنقر الفارقاني من دمشق ونزل بتل العجول» فخرج السلطان من القدس إلى تل العجول» وكل ذلك في عشرين يوماً ما غيّر السلطان فيها )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 681-681١‏

١

عباءته التي حج فيها»(0)

ومن أسباب انتصارات السلطان الظاهر مقاومة المنكر وهو ولى أمر المسلمين في دولته فيقع عليه تنفيذ فريضة محاربة المنكر فيقول المقريزي : اوكتب السلطان بإزالة الخمور وإبطال الفساد والخواطئ من القاهرة ومصر وجميع أعمال مصر فطهرت كلها من المنكر ونهبت الخانات التي جرت عادة أهل الفساد الإقامة بها وسلبت جميع أهوال (الاموال) المفسدات وحبسن 08 يتزوجن ؛ ونفى كثير من المفسدين وكتب السلطان إلى جميع البلاد بمثل دلك» 2 .

أعدام حاكم الكرك بسبب خيانته

وكان السلطان الظاهر بيبرس يبغض من حارب الإسلام أو تأمر ضد المسلمين أو حالف غير المسلمين ولهذا سار السلطان من مصر قاصداً بلاد الكرك «واستدعى صاحيها الملك المغيث عمر بن العادل أبى بكر بن بكر بن الكامل» فلما قدم عليه بعد جهد أرسله إلى مصر معتقلاً فكان آخر العهد به وذلك أنه كاتب هولاكو وحثه على القدوم إلى الشام مرة أخرى وجاءته كتب التتار بالثبات ونيابة البلادء وأنهم قادمون عليه عشرون ألفاً لفتح الديار المصرية» وأخرج السلطان فتاوى الفقهاء بقتله وعرض ذلك على ابن خلكان» وكان قد استدعاه من دمشق وعلى جماعة من الأمراء»9© وهذا يعنى ان قتل الخائن بعد أخذ رأي علماء الشريعة وقضاتها من السمات التى تميز عصر السلطان الظاهر بيبرس استيلاء السلطان الظاهر على يافا سئة 67م

كان السلطان الظاهر يقظاً على مصالح الاسلام والمسلمين ولم يغفل مراقبة العدو الصليبي حتى يكون على أهبة تامة ودائمة» فخرج بالقوات من )١(‏ السلوك ج ١‏ ص ؟85ه-8مه ضرف ابن كثير : البداية والنهاية ج 1١1‏ ص 778

١6غ‎

مصر قاصداً فلسطين «فوردت عليه رسل صاحب يافا في الطريق فاعتقلهم وأمر العسكر بلبس آلة الحرب ليلاً وسار فأصبح في يافا واحاط بها من كل جانب» قهرب من كان فيها من الفرنج إلى قلعتهاء فملك السلطان المدينة وطلب أهل القلعة الأمان. فأمنهم وعوضهم عما نهب لهم أربعين ألف درهم» فركبوا في المراكب إلى عكا”' وكان ذلك في الثاني والعشرين من شهر جمادي الآخرة سنة 176ه الموافق مارس 718١م‏ وتابع السلطان زحفه على الشقيف”' وتمكن من تحريره من فرسان الداوية في منتصف شهر ابريل وأقام فيه القوات الاسلامية لحفظه”) وكان السلطان شارك بنفسه في قتال الفرنج اوقلم الفقهاء والفقراء للجهاد ونصب السلطان عليها ستة وعشرين منجنيقاً وألح عليها حتى أخذها يوم الأحد سابع رجب:!»

استيلاء المسلمين على انطاكية 555ه/ 5/8؟١ام:‏

سار السلطان الظاهر بقواته إلى طرابلس وناوش أهلها القتال وأخذ برجا كان هناك ثم جاوزها ونزل على حمص «وأمر بابطال الخمر والمنكرات» لأن محاربة المنكر من أسباب انتصار المسلمين» ودخل السلطان إلى حماه (ولا يعرف أحد أي جهة يقصد» ورتب الجيش الاسلامى ثلاث فرق» فرقة بقيادة الامير بدر الدين الخازندار ووجهه إلى ميناء السويدية لتقطع الصلة بين انطاكية والبحر المتوسط أما الفرقة الثانية بقيادة الأمير عز الدين ايفان كانت مهمتها حماية الممرات بين قيليقية وبلاد الشام لمنع وصول أية امدادات إلى الصليبيين في انطاكية من جهة أرمينية الصغرى.

أما الفرقة الثالثة والرئيسية فكانت بقيادة السلطان الظاهر «ونزل السلطان أفاميه ووافاه الجميع على انطاكية «وأصبح د أولا شير رمضان والسلطان مرا

50١ -187ء البداية والنهاية ج 7لا ص‎ ١1١ النجوم الزاهرة اج لاا ص‎ )١(

(؟) الشقيف: ل م د الساحل بالقرب من بانياس وأرنون هذا اسم أعجمي نسبته إليه وهي قلعة حصينة - انظر النجوم الزاهرة ج لا ص ١475‏ حاشية ١‏

() النجوم الزاهرة ج لاا ص ١47‏

(5) السلوك ا

١6م‎

على انطاكية» واحاطت العساكر بها من كل جانب» فتكلموا بخيامهم في الثهء وبعث السلطان إلى الفرنج يدعوهم وينذرهم بالزحف عليهم وفاوضهم

في ذلك مدة ثلاثة أيام وهم لا يجيبونء فزحف عليها وقاتل أهلها قتالً شديداً» وتسور المسلمون الأسوار من جهة الجبل بالقرب من القلعة» ونزلوا المدينة ففرّ أهلها الى القلعة» ووقع النهب والقتل والأسر في المدينة فلم يرفع السيف عن أحد من الرجال وكان بها فوق المائة ألفء وأحاط الامراء بأبواب المدينة حتى لا يفْرٌ منها أحدء واجتمع بالقلعة من المقاتلة ثمانية آللاف سوى النساء والاولاد. فبعثوا يطلبون الأمان:”2 وشرط الفرنج شروطاً مقابل الاستسلام للسلطانء لكن السلطان الظاهر رفض هذه الشروط «وزحف عليها فملكها يوم السبت رابع الشهر (رمضان)72'' وغنم المسلمون غنائم كثيرة وزعها السلطان على الجيش وفق أحكام الشريعة الاسلامية وذكر المقريزي ضخامة الغنائم فقال «وأمر ياحضار المغانم لتقسّم وركب (السلطان) وأبعد عن الخيام وحمل ما غنمه وما غنمه مماليكه وخواصه. وقال: «والله ما خبأت شيئاً مما حمل إلى ولا خليت مماليكي يخبئون شيئاًء ولقد بلغني أن غلاماً لأحد مماليكي خبأ شيئاً لا قيمة له فأديته الأدب البالغ» وينبغي لكل أحد منكم أن يخلّص ذمته» وأنا أحلف الامراء والمقدمين وهم يحلّفون أجنادهم ومضافيهم». فأحضر الناس الأموال والمصاغ الذهب والفضة حتى صارت تلأء وقسمت في الناس» وطال الوزن فقسمت النقود بالطاسات» وقسمت الغلمات على الناس» فلم يبق غلام الا وله غلام وتقاسم النساء والبنات والأطفال. وأبيع الصغير باثني عشر درهماً والجارية بخمسة دراهم. وأقام السلطان يومين وهو يباشر القسمة بنفسهء وقصّر الناس في احضار الغنائم فعاد السلطان مغضباًء فلم تزل الامراء به يلتزمون بالاجتهاد والاحتراز

ويعتذرون اليه حتى وقف على فرسه وما ترك شيئا أ حتى قسّمه00©

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص

(؟) النجوم الزاهرة ج لا ص ١47‏

() السلوك ج ١‏ 1 ثم انظر النجوم الزاهرة ج لا ص 147 ابن كثير: البداية والنهاية ج 17 ص 6 -017؟

١65

ومن نتائج سقوط انطاكية في أيدي المسلمين اطلاق سراح جماعة من أسرى - المسلمين ويقول ابن كثير «ووجد من أسارى المسلمين من الحلبيين فيا خلقا كشير 200

ومن نتائج فتح انطاكية ايضاً هلاك اعداد كبيرة من الصليبيين وذكر ابو المحاسن ذلك بقوله (وحصر من فقتل بانطاكية فكانوا فوق الأربعين ليق

ومن هذه النتائج ضعف شوكة الصليبيين في المنطقة بعد سقوط انطاكية في قبضة المسلمين» اذ كانت ثاني امارة صليبية أسسها الفرنج في الشرق سنة 17١٠مء‏ وكان لسقوطها اثر عظيم على المسلمين وأصاب الوهن والضعف الصليبيين ويوضح أهمية سقوط انطاكية في قبضة المسلمين سنة 574١م‏ قول المؤرخ ابو المحاسن «وأنطاكية مدينة عظيمة مشهورة» مسافة سورها اثنا عشر ميلا وعدد أبراجها مئة وستة وثلاثون برجاء وعدد شرفاتها أربع وعشرون ل ين

ومن النتائج أيضاً وقوع اعداد كبيرة من الصليبيين في أسر القوات الاسلامية وقدرت بعض المصادر الصليبية عدد الاسرى الفرنج من انطاكية فقط بمائة ألف اس (4)

وكانت انطاكية تابعة للأمير بهيموند صاحب طرابلس الذي كان يقيم في طرابلس وكتب السلطان الظاهر يبشر الاقطار الشامية والمصرية والفرنجية وفي الجملة كتاب إلى صاحب انطاكية لأنه كان «من أشد الناس أذية 1 ل

وترتب على سقوط انطاكية ان فرسان الداوية الصليبيين في منطقة أنطاكية لم يعد في استطاعتهم مقاومة المسلمين بعد سقوط مركز الامارة وعاصمتها

١17 ابن كثير: البداية والنهاية ج 11 ص 101 ثم انظر النجوم الزاهرة ج ص‎ )١( ١17 (؟) النجوم الزاهرة ج ص‎

) النجوم الزاهرة ج ص 147ء البداية والنهاية ج 17 ص 101-161١‏

(؟) 455-457.م.م 1 ,65 822

(6) السلوك ج ١‏ ص 4257 البداية والنهاية ج 11 ص 107

1١617

فاستسلمت قلعة بفراس دون مقاومة فيقول ابن كثير (وأرسل أهل بفراس حين سمعوا بقصد السلطان إليهم يطلبون منه أن يبعث إليهم من يتسلمهاء فأرسل إليهم استاذ قار الأمير آقسنقر الفارقاني في ثالث شن 00 ا وتسلموا حصوناً كبيرة وقلاعاً كثيرة وعاد السلطان مؤيداً منصوراً»”'' وترتب على سقوط هذه الامارة وتلك القلاع والحصون ان انقطعت صلة المسيحيين في طربلس وعكا بأرمينية الصغرى وتبددت فكرة التحالف بين انطاكية وأرمينية والمغول9 2

السلطان الظاهر يبر س يواصل جهاده ضد الصليبيين

إن اتتصارات السلطان الظاهر بيبرس على الصليبيين في بلاد الشام قضت على آمالهم في البقاء طويلاً» ونشط دعاة الحركة الصليبية في محاولة لإنقاذ الوجود الصليبي في بلاد الشام خصوصاً بعد أن فشلت الحملة الصليبية السابعة التى قادها ملك فرنسا كذلك عندما وقعت الهزيمة على التتار فى عين جالوت بفلسطين سئة ٠11١م‏ ففقد الصليبيون الأمل في التحالف مع التتار من ناحية وانهارت معنوياتهم من ناحية ثانيةء فإذا أضفنا إلى ذلك تدهور قوة مملكة أرمينيه الصغرى الصليبية من جهة أخرى بسبب الضربات التي وجهها إليها السلطان الظاهر كل ذلك دفع الصليبيين إلى النظر إلى مملكة قبرص الصليبية في محاولة لتعليق آمال الصليبيين عليهاء وكان هيو الثاني ملك قبرص قد مات سنة 1771م فخلفه الوصي باسم هيو الثالث الذي استغل سوء أحوال الصليبيين في بلاد الشام فتوجوه في صور ملكا على مملكة الصليبيين بالشام سنة 1159م وبذلك تم توحيد المملكتين الصليبيتين في قبرص وبلاد الشام تحت تاج ا

وكان هيو الثالث أظهر رغبة قبل تتويجه ملكاً على مملكة بيت المقدس

(0) البداية والنهاية ج ١‏ ص 2507 النجوم الزاهرة ج ج لااص ١17”‏ -145١ء‏ السلوك اج ١ااص‏ لمكم ١ملاه‏

١١60٠-1١14 الحركة الصليبية ج ؟ ص‎ )١(

(*) د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١6١‏

١4

الصليبية فحاول إنقاذ الصليبيبن عن طريق مهادنة السلطان الظاهر بيبرس» فلجأ في صيف عام 178١م‏ إلى عقد هدنة مع السلطان الظاهر. كذلك اضطر بوهيموند السادس صاحب مواق إن ع 2 0 حب الذطان الظاهر «وعقد بينهما مدة عشر سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام»”".

وكان السلطان الظاهر يعتمد خطة في عقد الهدنة مع الصليبيين تقوم على أساسين أولهما عدم مهادنة الصليبيين جميعاً في وقت واحدء وأنما يهادن البعض حتى يتفرغ لقتال البعض الآخر ويتجنب في نفس الوقت اجتماع الصليبيين على حربه والأساس الثاني في سياسته في مهادنة الصليبيين إلغاء المهادنة إذا خالف العدو الصليبي شرط من شروط المهادنة حتى يشعر العدو بقوة المسلمين وكثيراً ما شرط الظاهر بيبرس على الصليبيين بأن له حرية الفسيخ في المهادنة إذا رأى مصلحة الإسلام في ذلك فيذكر المقريزي بقوله «وكتبت الهدنة وشرط فيها الفسخ للسلطان متى أراد ويعلمهم قبل مدة)”"©»

وكان هيو الثالث يهدف من وراء مهادنة السلطان الظاهر سنة 1774م إلى استغلال الوقت في تقوية الجبهة الداخلية الصليبية في بلاد الشام فاستمال فيليب دي مونتفورت عن طريق الزواج الدبلوماسي إذ زوج أخته من حنادي مونتفورت ابن فيليب ليقوي جبهته ضد دولة المماليك الإسلامية وجعل بذلك من عكا وصور قوة واحدة أمام السلطان الظاهر بيبرس كما اجتهد هيو الثالث في عقد الصلح بين فيليب دي مونتفورت والبنادقة الذين كان لهم دور هام في مساعدة الصليبيين إلا أن فيليب دي مونتفورت قتل في شهر أغسطس ١7١١م‏ على يد اثنين من الباطنيه فجاء مقتله خسارة كبرى للصليبيين» إذ فقدوا رجلاً قوياً يعتمد عليه الصليبيين في وقت الشدة”" ولهذا فكر هيو الثالث في مجيء حملة جديدة من الغرب الأوروني فإذا تعذر ذلك قام بتشجيع المغول على القيام بغزو بلاد الشام ومصر ومحاربة دولة المماليك ونشط هيو الثالث في

)١(‏ النجوم الزاهرة ج لا ص 2167 ابن كثير البداية والنهاية ج ١‏ ص 1504» السلوك ج ١‏ ص 7 ثم انظر د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١6١‏ (0) السلوك ج ١‏ ص 00

١64

الإتجاهين فأفلحت جهوده في وصول حملة صليبية إلى عكا في أواخر اكتوبر سنة 1159م أرسلها ملك أرغونه بقيادة ولديه غير الشرعيين» إلا أن أثر هذه الحملة بقي بسيطاً نظراً لصغرها ولم تلبث أن خرجت من فرنسا الحملة الصليبية الثامنة بقيادة لويس التاسع في صيف سئلة ٠111م‏ وكان السلطان الظاهر يتتبع أخبار تلك الحملة ولم يغفل مراقبة الأعداء في البر والبحر فيقول المقريزي «ورد الخبر بمسير الفرنسيس (لويس التاسع وملوك الفرنج إلى تونس ومحارية أهلهاء فكتب السلطان إلى صاحب تونس بوصول العساكر إليه نجدة له على الفرنجح» وكتب إلى عربان برقة وبلاد الغرب بالمسير إلى نجدته. وأمرهم حفر الآبار في الطرقات برسم العساكرء وشرع تجريد العساكر فورد الخير بموت الفرنسيس وابنه وجماعة من عسكره» ووصول تعجدات العربان إلى تونس وحفر الآبار وأن الفرنج رحلوا عن تونس في خامس صفر - 24

وجدير بالذكر هنا أن نلاحظ مدى اهتمام السلطان بالجهاد ودفاعه عن بلاد الإسلام والمسلمين أينما كانوا فهو لا يهمل هذا الأمرء وأقام لويس التاسع في تونس ستة أشهر فقاتله المسلمون «للنصف من محرم سنة تسع وستين - قتالاً شديداً قتل فيه من الفريقين عالم عظيم . وكاد المسلمون أن يغليوا» فأتاهم الله بالفرج وأصبح ملك الفرنجة ميتاً»”"2 ومن الغريب أن رجلاً

من أهل تونس اسمه أحمد بن اسماعيل الزيات قال: يافرنسيس هذه أخت مصر تشاهكية لنمها النجة سيكس للةافيها ذاو'ايق لقمتان قبكرا" . وطتوا كاك تددرت 0

وكان السلطان الظاهر بيبرس قد اهتم بالثغور والأسطول حتى يكون على أهية في البحر كما هو في البر وفي عاشر جمادي الآخرة سنة شتاء ااام سار السلطان من القاهرة إلى بلاد الشام ليهاجم طرايلس

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص زفق السلوك ج ١1‏ ص وا

ويستولي على صافيتا من فرسان الداوية وأخرج من فيه من الخلائق اوعدتهم سبعمائة رجل سوى النساء والأطفال وتسلم الحصون والأبراج المجاورة لحصن الأكراد مثل تل خليفه وغيره»!"

وتابع السلطان زحفه على حصن الأكراد الذي كان بيد فرسان الإسبتاريه ويقول أبو المحاسن «ثم خرج الملك الظاهر من دمشق في يوم السبت عاشره رجب - وتوجه بطائفة من العسكر إلى جهةء وولده وبيليك الخازندار بطائفة أخرى إلى جهة» وتواعدوا الإجتماع في يوم واحد بمكان معيّن ليشنوا الغارة على جبلة واللاذقية والمرقب وعرقة ومرقية والقليعات وصافيتا والمجدل وأنطرطوس فلما اجتمعوا على أن يشنوا الغارة فتحوا صافيتا والمجدل ثم ساروا ونزلوا حصن الأكراد يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر رجب من سنة تسع وستين وستمائة وأخذوا في نصب المجانيق وعمل الستائرء ولهذا الحصن ثلاثة أسوار فاشتد عليه الزحف والقتال وفتحت الباشورة الأولى يوم الخميس جمادى عشرين الشهر ‏ رجب ‏ - وفتحت الثانيه يوم السبت سابع شعبان» وفتحت الثالثة الملاصقة للقلعة في يوم الأحد خامس عشره» وكان المحاصر لها الملك السعيد ابن الملك الظاهر ومعه بيليك الخازندار وبيسرى ودخلت العساكر البلد بالسيف وأسروا من فيه من الجبلية والفلاحين ثم أطلقوهم. فلما رأى أهل القلعة ذلك أذعنوا بالتسليم وطلبوا الأمان فأمنهم الملك الظاهر وتسلم القلعة يوم الإثنين ثالث عشرين شعبان وكتبت البشائر بهذا الفتح إلى الأقطارء وأطلق الملك الظاهر من كان فيها من الفرنج فتوجهوا إلى طرابلس»2”"' وقال ابن كثير «وتسلم القلعة بعد عشرة أيام من الفتح. فأجلى أهلها أيضاً وجعل كنيسة البلد جامعاً وأقام فيه الجمعة وولى فيها نائباً وقاضياً وأمر بعمارة البلد وبعث صاحب طرسوس بمفاتيح بلده يطلب منه الصلح على أن يكون نصف مغل بلاده للسلطان وأن يكون له بها نائباً فأجابه إلى ذلك» وكذلك فعل صاحب المرقب فصالحه أيضاً على المناصفة ووضع الحرب )١(‏ المقريزي: السلوك ج ١‏ ص ».54١©‏ النجوم الزاهرة ج ص ١6١‏ (؟) النجوم الزاهرة ج ص 191-1١9١‏ ثم انظر المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 541-55١0‏ ابن

كثير: البداية والنهاية ج ١7‏ ص ١909‏

11١

5 +0) عسر سيين ويبدو أثر قوة السلطان الظاهر في خضوع الصليبيين له بدون قتال» لأن قوة المسلمين حققت أهدافها فى إرهاب العدو وخوفه» وكان السلطان الظاهر لا يتهاون في أمور المسلمين ورد العدوان عنهم ويقف للصليبيين بالمرصاد حتى يشعروا بقوته فيخافونه والصليبيون كعادتهم لا عهد لهمء والغدر بالمسلمين لا يتوقف «وفي ربيع الأول بلغ السلطان أن أهل عكا ضربوا رقاب من في أيديهم من أسرى المسلمين صبرا بظاهر عكاء فأمر بمن كان كيده مرخ سواط أهل عكا فضربت رقابهم في صبيحة واحدة وكانوا قريباً من ماتتى أسير»”"؟ وكان مثل هذا الأسلوب يصلح في مواجهة الغدر الصليبي وقأن رد فعل السلطان الظاهر سريعاً وحاسماء وهكذا ينبغي أن يكون القادة في قوتهم ودفاعهم عن المسلمين لا يخشون في الله لومة لاكم. الوطنية الكاذبة أو لمحاربة المسلمين.

هجوم الظاهر بيبرس على طرابلس 159ه:

هاجم السلطان الظاهر حصن عكار”" لأن الأمير بوهيموند السادس صاحب طرابلس جدد الحصن بما يخالف المهادنة» ففي سابع عشر رمضان 48ه/مايو ١77١م‏ بدأ الحصار ونصب عليه المجانيق وجد الصليبيون في

)١(‏ البداية والنهاية ج ١7'‏ ص 7104 ثم انظر النجوم الزاهرة ج لا ص »15١‏ المقريزي: السلوك ج ١‏ ص اوه

(؟) ابن كثير: البداية والنهاية ج 17 ص 5508 أيضا باسم حصن ابن عكار وقد أورد النويري في كتابه نهاية الأرب ج ص ٠٠١-٠٠ ١‏ أن قيام صاحب طرابلس حديثا بعمارته كان السبب في اغارة السلطان الظاهر بيبرس على حصن عكار والاستيلاء عليه لأن الخلطان في عهادت لصاحب طرابلس شرط عليه عدم تجديد عمارة تلك الحصون فلما خلف الشرط فسخ الصلح أو المهادنة. المقريزي : السلوك ج ١اص‏ 047 حاشية 0 29 ثم انظر النجوم الزاحة ج لا ص 1١6١‏

كنل

الحصن في الدفاع والمقاومة ولكن السلطان قاتلهم قتالاً شديداً فأضطروا إلى التسليم ورفعت الأعلام السلطانية على أبراج الحصن وقال أبو المحاسن «وفي يوم الأحد ثامن عشرينه - رمضان ‏ رمى المنجنيق الذي قبالة الباب الشرقي رمياً كثيراً فخسف خسفاً كبيراً إلى جانب البدنه» ودام ذلك إلى الليل فطلبوا الأمان على أنفسهم من القتل وأن يمكنهم من التوجه إلى طرابلس فأجابهم فخرجوا يوم الثلاثاء سلخ الشهر وكتبت البشائر بالفتح والنصر إلى الركهم ار 006) سائر الأقطارة

ثم سار السلطان بقواته إلى طرابلس بعد أن أرسل إلى الأمير بوهيموند السادسن أمير طرابلش ايحتره ونذرة»7؟ لآنه حالف التخول فتك السلمين فلما علم الأمير بوهيموند بنزول السلطان الظاهر بقواته قريباً من طرابلس أرسل إليه يقول: ما مراد السلطان في هذه الأرض؟ فقال جئت لأرعى زروعكم وأخرب بلادكه0”"©

فأرسل الأمير بوهيموند إلى السلطان الظاهر «يستعطفه فبعث إليه الملك الظاهر فارس الدين الأتابك وسيف الدين بلبان الرومي على أن يكون له من أعمال طرابلس نصف بالسويه وأن يكون له دار وكالة فيهاء وأن يعطي جبلة واللاذقية بخراجهما من يوم خروجهما عن الملك الناصر ‏ صلاح الدين ‏ إلى يوم تاريخه» وأن يعطي نفقات العساكر من يوم ين فرفضص أمير طرابلس هذه الشروط وعزم على القتال وحصّن طرابلس «فنصب الملك الظاهر المجانيق» ثم ترددت الرسل ثانيا وتقرر الصلح» بينهما مذة عشر سئنين وعشرة أشهر وعشرة أيام.”*)

والسبب في انصراف السلطان الظاهر بيبرس عن طرابلس ودخوله في

)١(‏ النجوم الزاهرة ج لا ص »155-١6١‏ السلوك ج ١‏ ص 597» والبداية والنهاية ج 11 ص الي

(9) البداية والنهاية ج 11 صن 7569

(5) النجوم الزاهرة ج لا ص ١617‏

(5) النجوم الزاهرة ج لا ص ١167‏ » السلوك ج ١‏ ص 041-695 البداية والنهاية ج ١17‏ ص 509

1١17

مهادنة مؤقته مع الأمير بوهيموند كان سماعه بوصول حملة صليبيه انجليزيه بقيادة الأمير إدوارد إلى عكاء وكان هذا الأمير قد انضم للحملة الصليبية الثامنة التي قادها الملك لويس التاسع ‏ ملك فرنسا ‏ وتوجهت إلى تونس» وقد وصل الأمير إدوارد إلى شواطىء تونس بعد وفاة لويس التاسع ملك فرنسا ويعد إمضاء الهدنة بين الصليبيين وتونس فلم يعجب الأمير الإنجليزي اختتام الحملة الصليبية على النحو الذي انتهت إليه؛ فأنصرف إلى بلاد الشام ووصل عكا يريد منازلة المسلمينء وقال المقريزي: «وفي رابع شوال ركب السلطان بجميع عساكره جريدة من غير ثقل يريد طرايلين» :وساق إليها فبيتما هو عازم على ذلك» إذ ورد عليه الخبر بأن ملك الإنكتار ‏ إدوارد الذي سيكون ملكا لإنجلترا فيما بعد وصل إلى عكا في أواخر رمضان. بثلاثمائة فارس وثماني بطس وشواني ومراكب تكملة ثلاثين مركباً»'"

فهادن السلطان أمير طرابلس حتى يتفرغ لمواجهة الحملة الإنجليزية وحتى لا يتيح للصليبيين فرصة التحالف ضده.

وفىي طريق عودة السلطان الظاهر بيبرس من طرابلس استولى على حصن القرين”"' في ذي القعدة 779ه/ يونيه سنة 1171م اوتسلم السلطان الحصن بما فيه من السلاح ثم هدمه وكان بناؤه من الحجر الصلد وبين كل حجرين عود حديد ملزوم بالرصاص» فأقاموا في هدمه إثني عشر يومأ وفي حصاره خيينة عشون يوه

وكان السلطان يراقب جهود الملك هيو الثالث في تدعيم مركز الصليبيين في بلاد الشام ويتابع الصليبيين» وبدر من هيو الثالث ملك قبرص أعمالا

)غ2 السلوك ج اا ص 547

(؟) القرين: حصن من حصون الأرمن؛ وكان لطائفة يقال لهم الاستار وهو من أمنع الحصون على صفد. انظر نهاية الأدب ج ١8‏ ص 107 وذكر أيضا أنه حصن في أرض معليا قرب صفد وكان المركز الرئيسي لهيئة الفرسان التيوتون في الشرق ‏ انظر السلوك ج ١‏ ص 097 حاشية ٠‏ 5.271 لهها نأمط عطا مز دمع للد تمده15 مأطاوتص 1 عط :عمت1

(") النجوم الزاهرة ج ص 21657 السلوك ج ١‏ ص 2597 مفضل بن أبي الفضائل: النهج السديد ص .158-1١98‏

1"

معادية للسلطان الظاهر منها عندما قبض القبارصة على رسله وهم في رحلتهم إلى سلاجقة الروم عن طريق قبرس» واستدعى السلطان الظاهر بيبرس بعض زعماء الصليبيين بالشام وعاتبهم عتاباً شديداً لغدر صاحب قبرص”» وهددهم بأنه لن يتسامح معهم في حقوق الاسلام والمسلمين وشرع اعداد أسطول أقوى ليقوم بغزو جزيرة قبرص”"'؛ وكان بلغ الملك الظاهر وهو على حصن الاكراد أن صاحب قبرص خرج منها في مراكبه إلى عكاء فأراد السلطان اغتنام خلوهاء فجهز سبعة عشر شينيا”"» فيها الرئيس ناصر الدين عمر بن منصور رئيس مصر وشهاب الدين محمد بن ابراهيم بن عبد السلام رئيس الاسكندرية» وشرف الدين علوي بن أبي المجد بن علوي العسقلاني رئيس دمياط وجمال الدين مكي بن حسون مقدما على الجميع» فوصلوا الجزيرة ليلاً فهاجت عليهم ريح طردتهم عن المرسي؛ وألقت بعض الشواني على بعض فتحطم منها أكثر من أحد عشر شيئيا وأخذ من فيها من الرجال والصناع أسراء وكانوا زهاء ألف وثمانماثتة نفس» وسلم الرئيس ناصر الدين واين

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص 85-485 يوجد نص الحوار الذي دار بين السلطان الظاهر وبعض زعماء الصليبيين

(؟) قبرص: كان أول فتح للمسلمين في قبرص سنة 78 ه على يد عيد الله بن قيس الحارثي بتكليف من معاوية وانتشر الإسلام في الجزيرة وتعددت بها المساجد والزوايا والمدارس والأضرحة الإسلامية وخلال الحروب الصليبية تمكن ريتشارد قلب الأسد ملك انجلترا من الاستيلاء على قبرص سنة لال4ه ه/ ١1م‏ واتخذ منها قاعدة الامداد الصليبيين في الشام بالمساعدات الحربية وبقيت قاعدة صليبية حتى حررها السلطان المملوكي برسباي الدقماقيى الظاهري سنة 1477م وبقيت خاضعة للمماليك حتى سيطر عليها أهل جمهورية البندقية الايطالية سئة ١4484‏ ثم حررها الجيش الإسلامي العثماتي عام ١ا16م‏ وأنهوا الوجود الصليبي ووجود أهل البندقية هناك وأصبحت الجزيرة مسلمة شعبا وحكما ودعم الاتراك العثمانيون الوجود الإسلامي في الجزيرة حتى أن تعداد سكائها في عام ٠145م‏ كان ثمانين ألف نسمة منهم ستين ألف من المسلمين والباقين من الديانات الأخرى واستمرت قبرص إسلامية حتى استطاع رئيس الوزراء الإنجليزي اليهودي دذرائيلي أن يرغم العثمانيين على قبول ما يعرف بالتحالف الدفاعي عام 1418م فآلت الجزيرة بذلك إلى الاستعمار البريطاني وعلى ذلك فتاريخ قبرص في جملته تاريخ إسلامي. انظر قضايا إسلامية معاصرة ص 111-7508484

(*) الشيني: وجمعه شواني» أكبر نوع من السفن الحربية في العصر المملوكي وكان يجدف بمائة وأربعين مجدافا ‏ المقريزي: الخطط ج 7 ص ١90-1١94‏

16

حسون في الشواني السالمة وعادت إلى مراكزهاء فعظم ذلك على الملك الظاهر بيبرس إلى الغاية2'”6. ولم يكتف هيو الثالث ملك قبرص بما حدث للأسطول الاسلامىء بل دفعه الغرور إلى كتابه رسالة إلى السلطان الظاهر يظهر فيها الاعتزاز والفخر ويظهر الشماته في السلطان لانكسار سفنه وأسر رجاله ولكن السلطان الظاهر بيبرس حمد الله وقال في رسالته إلى هيو الثالث «إلى حضرة الملك أوك - هيو الثالث - جعله الله ممن يوفي الحق لأهله ولا يفتخر بنصر إلا إذا أتى قبله أو بعده بخير منه أو مثله. تعلم أن الله إذا أسعد انساناً دفع عنه الكثير من قضائه باليسير» وأحسن له بالتدبير فيما جرت به المقادير. وقد كنت عرفتنا أن الهواء - الريح - كسرعدة من شواشيناء وصار بذلك ينجح به ويفرح. ونحن الآن نبشره بفتح القرين - من حصون الصليبيين - وأين البشارة بتملك القرين من البشارة بما كفى الله ملكنا في العين. وما العجب أن يفخر بالاستيلاء على حديد وخشبء الاستيلاء على الحصون الحصينة هو العجب. وقد قال وقلناء وعلم الله أن قولنا هو الصحيح واتكل واتكلناء وليس من اتكل على الله وسيفه كمن اتكل على الريح. وما النصر بالهواء مليح. إنما النصر بالسيف هو المليح. ونحن ننشىء في يوم واحد عدة قطايع - سفن - ولا ينشىء لكم من حصن قطعةء ونجهز ماية قلع» ولا تجهز لكم في ماية عام قلعة. وكل من أعطى مقدافاً قدفء وما كل من أعطى سيفاً أحسن الضرب به أو عرف. وان عدمت من بحرية المراكب آحاد فعندنا من بحرية المراكب ألوفء وأين الذين يطعنون بالمقاديف في صدر البحر من الذين يطعنون بالرماح في صدر الصفوف» وأنتم خيولكم المراكب ونحن مراكبنا الخيول. وفرق بين من يجريها كالبحار ومن يقف به في الوصول» وفرق بين من يتصيد على الضفور من الخيل العراب وبين من اذا افتخر قال تصيدت بغراب فلئن كنتم أخذتم لنا قرية مكسورة» فكم أخذنا لكم من قرية معمورة؛ وان استوليتم على سكانء. فكم أخلينا بلادكم من سكان» وكم

)0 التجوم الزاهرة ج لاص السلوك ج ١ص‏ ”045-5497؛ ابن كثير : البداية والنهاية ج 1 ص ً"5

فيل

كسبت وكسيئا» فيرى أينا أغنم» ولو أن في الملك سكونا كان الواجب عليه أن سكت وما تكلم)”" .

وكان السلطان الظاهر لما قرأ كتاب ملك قبرص قال: «الحمد لله منذ تح الللالسالي ما عدت لروارايةء وكنت أخاف من اصابة عين» فبهذا ولا 006 ؟؟ والدلظان الظاهر بيبرس لم يهمل أمر الجهاد البحري نتيجة هذه الكسرة وإنما كتب إلى القاهرة بانشاء عشرين شينيا واحضار خمسة شواني كانت بقوص جنوب مصر لحماية البلاد من ناحية البحر الأحمر وكما أوضحنا كتب إلى ملك قبرص جواباً «أرعد فيه وأبرق» وأخذ في اعداد القوة البحرية اللازمة على الفور ويقول أبو المحاسن: «وفي العشر الأخير من ذي الحجة - 1194ه اهتم الملك الظاهر بانشاء شواني عوضاً عما ذهب على قبرص» وانتهى العمل من الشواني في يوم الأحد رابع عشر المحرم سنة سبعين»” " وقال المقريزي: «وقد أكثر السلطان من الركوب إلى مصر لمباشرة عمل الشواني؛ حتى كملت ضعفي ما اتكسر»”*' فلما تم انجاز بناء السفن في مدة وجيزة بسبب اهتمام السلطان الظاهر وكثرة زيارته لدار الصناعة وحثه الصناع على السرعة في انجازهاء رأى السلطان بعد ذلك أن يجري لها تدريباً عملياً في نهر النيل «وركب السلطان إلى الصناعة لالقاء الشواني في بحر النيل وركب السلطان في شيني منها» وفي هذا ما يشير إلى حب السلطان للجهاد واعداد القوة التي ترهب الاعداء وترضي الله عز وجل.

موقف رائع :

بعد أن بلغ السلطان الظاهر بيبرس بتحطم سفن الأسطول عند جزيرة قبرص عظم ذلك عليه إلى الغاية» ولم يكن السلطان قد هزم قبلهاء فهو

-١949 ثم | ابن أبى الفضائل : النئهج السديد ص‎ ةيشاح‎ 4 ١ السلوك ج‎ )١( لسلو ص ثم انظر: مفضل ابن أبي الفضائل: ص‎ 8 وي : تهاية الأرب ج 14 ص 0ه‎ 5

(6) السلوك ج ١‏ ص 544

قوف انيم أزامة اج لاا ص ١66- ١054‏

/

القائل : «الحمد لله! منذ ملكني الله تعالى الملك ما خذلت لي راية»”'' ففكر السلطان الظاهر بعد واقعة سفن الأسطول أن لا بد وان يكون في الأمر شيء راجع إلى حال المسلمين ورغم تشديده الدائم على منع المحرمات وحماية الدين فانه «في السابع عشر من ذي الحجة - 5179ه - أمر باراقة الخمور من سائر بلاده وتهدد من يعصرها أو يعتصرها بالقتل وأسقط ضمان ذلك» وكان ذلك بالقاهرة وحدها كل يوم ضمانة ألف دينارء ثم سارت البرد بذلك إلى الآفاق»9'' .

وذكر المقريزي: وكتب بذلك توقيعاً قرىء على المنابر»”” ويقول المقريزي أيضاً: «أهلت - سنة ١٠717ه‏ والسلطان متشدد في اراقة الخمور وازالة المنكراتء فكان ذلك يوماً مشهودا””*' والمسلم يؤمن بأن المدكرات والمحرمات تكون من أسبابء الهزيمة كما أن الطاعات تكون من أسباب النصر وقوة العزيمة.

ان انتصار السلطان الظاهر على الصليبيين وانتزاع المدن والقلاع والحصون من أيديهم أدخل الرعب في قلوبهم ومن انضوى تحت لوائهم من أعداء المسلمين من أمثال طائفة الباطنية (الحشيشية) ولقد قام الباطنية بدور خطر ضد الاسلام والمسلمين وساعدوا الصليبيين في كثير من المواقع. بل ركز هؤلاء على قتل القادة والأمراء العظام في تاريخ الاسلام في عصر الحروب الصليبية. وبذلوا من هذه المحاولاات الكثير في عهد السلطان نور الدين ومن بعده السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي عجز عن اخضاعهم والقضاء عليهمء فظل الباطنية ببلاد الشام يدفعون الأموال والضرائب

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص 44م

زفق ابن كثير : اليداية والنهاية ج اول ص لكك النجوم الزاهرة ج لا ص 2565 السلوك ج ١‏ ص ه54

() السلوك ج ١‏ ص 460ه

(5) السلوك ج ١ص‏ /اوه

للصليبيين وخصوصاً لطائفة الفرسان الاسبتارية فى حصن الأكراد حتى هادن السلطان الظاهر فرسان الاسبتارية عام 15717م» واشترط السلطان على الاسبتارية أن يمتنعوا عن أخذ الأتاوات من الحشيشية وأصحاب حماة وفامية فتحول ولاء وخضوع الحشيشية إلى السلطان الظاهر بيبرس وأخذوا يدفعون الأموال للسلطان تعبيراً عن طاعتهم وخضوعهم ويذكر المقريزي: ااوفي جمادى الآخرة وصلت رسل الدعوة - الحشيشية أو الباطنية - بجملة من الذهب وقالوا: «هذا المال الذي كنا نحمله قطيعة للفرنج قد حملناه لبيت مال المسلمين» لينفق في المجاهدين» وقد كان أصحاب بيت الدعوة فيما مضى من الزمان يقطعون مصانعات - أموال الرشوة والمداراة - الملوك ويحبون القطيعة من الخلفاء ويأخذون من مملكة مصر القطيعة في كل سنة» فصاروا يحملون القطيعة للملك الظاهر لقيامه بالجهاد في سبيل الله»'2 ومع ذلك فان السلطان الظاهر لم يأمن جانبهم» وأخذ يسعى للقضاء على نفوذهم في بلاد الشام كلية» فعزل مقدمهم نجم الدين الشعراني ثم أخذ يستولي على معاقلهم

جميعاً وأقطعهم بدلاً منها بعض أراضي في مصرحتي يباعد بينهم وبين التعاون مع الصليبيين «وفى حادي عشرة من شوال 559ه - استولى السلطان 0 حسن الغليقة من حصيرة الاسساعتاءة واليستدعرنه جنع" ,

الحملة الانجليزية ١/111م:‏

أما الحملة الانجليزية التي قادها الأمير ادوارد”" فقد وصلت إلى عكا في سنة أواخر رمضان/ مايو ١71١م‏ ولم يكن الأمير المذكور يملك من القوات ما يمكنه من محاربة السلطان الظاهر بيبرس علاوة على غضب الأمير الانجليزي عندما وجد أن التجار المسيحيين وفي مقدمتهم البنادقة يمدون دولة المماليك بالأخشاب والحديد اللازم لصنع السفن الحربية

704 ص لاد دء البداية والنهاية ج 17 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

(0) السلوك ج ١‏ ص 9 » البداية والنهاية ج 11 ص 7909

فرق وهو ادوارد الأول ملك انجلترا فيما بعد انظر د. سعيد عاشور ‏ الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١4‏

1١89

وآلات الحصار والأسلحة» هذا بالاضافة إلى امدادهم لدولة المماليك بالرقيق الأبيض الذي اعتمد عليه المماليك في تغذية جيشهم بالاعداد اللازمة بعد أن يعتنقوا الاسلام وكان التجار البنادقة يحصلون في مقابل ذلك على امتيازات تجارية في الموانىء الاسلامية» وحاول الأمير ادوارد جاهداً منع هؤلاء التجار من التعامل مع المسلمين وفرض حصار عليهم ولكن جهوده لم تلح نل تي النادقة أو الجرية هن مراصلة تجارتهم ف الامكهرية, وكانت لهم بها الفنادق والقناصل» كل ذلك جعل الأمير يفكر في التحالف مع التتار من أجل القيام بعمل عسكري مشترك ضد المسلمين ومن ثم أرسل بمجرد وصوله إلى الشام سفارة إلى ايغاخان ملك مغول فارس يعرض عليه التحالف ضد دولة المماليك فرد ادوارد ايجابياً في أوائل سبتمير ١11١م‏ ووعد بالحضور للاشتراك مع القوات الصليبية في محارية المماليك”"'.

وفى انتظار المساعدة المغولية أخذ الأمير ادوارد قائد الحملة الانجليزية ينظم أمور الدفاع عن عكاء حيث اجتمع بالملك هيو الثالث لوضع خطة عمل عسكري وتم الاتفاق بينهما على أن استرداد البلاد المقدسة لا يكون إلا بالاستيلاء على مصر باعتبارها مركز القوة الاسلامية وأن تأمين الوجود الصليبي في بلاد الشام يتطلب كذلك الاستيلاء على القسطنطينية وذلك بعد فتح مصر وبلاد الشام ولكن هذه الخطط لم يكتب لها النجاح لأسباب في مقدمتها يقظة السلطان الظاهر بيبرس ومراقبته للعدو وحذره الدائم وصدقه في الجهاد في سبيل الله يضاف إلى هذا انشغال أبفا ملك المغول بمحاربة أقربائه مغول التركستان فاكتفى بارسال بعض القوات المغولية في أواخر اكتوبر إلى شمال بلاد الشام عن طريق عينتاب وتحرك الصليبيون في نفس الوقت وهاجموا قاقون ولكن السلطان الظاهر كان يقظاً وقال المقريزي: «وورد الخبر بأن التتار أغاروا على عين تاب وتوجهوا على العمق - عمق الحارم - في نصف ربيع الأول - ٠ه‏ - فكتب إلى مصر بتجريد الأمير بيسرى بثلاثة آلاف فارس وخرج البريد من دمشق في الثالثة من يوم الأحد

)١(‏ المقريزي: السلوك ج ١‏ ص ؟594غ, .7.461 روعاعوظ :560.م 111 انرمع

اا

ثامن عشرة - ربيع الأول - مدخل القاهرة الثالثة من ليلة الأربعاء حادي عشرية - ربيع الأول - فخرج بيسري والعسكر بكرة يوم الأربعاء المذكورء وقدم التتار إلى حارم وقتلوا جماعة وتأخر العسكر الحلبي إلى حماة ووصل آقسنقر بالعسكر من جينين» فجفل أهل دمشق» وبلغ ثمن الجمل ألف درهم وأجرته إلى مصر مائتي درهمء ودخل الأمير بيسري بالعسكر المصري إلى دمشق في رابع ربيع الآخرء فخرج السلطان بالعساكر إلى حلب وجرد الأمير آقسنقر ومعه عدة من العربان إلى مرعش» وجرد الحاج طيبرس الوزيري والأمير عيسى بن مهنا إلى حرّان والرها » فوصل العسكر إلى حرّان وقتل من بها من التتار وهزم باقيهم» فورد الخبر بأن الفرنج قد أغاروا على قاقون بمواعدة التتار»”'' وأمام فشل الهجوم المغولي وضعف الصليبيين لم يجد هيو الثالث والأمير ادوارد بدا من عقد هدنة مع السلطان الظاهر بيبرس مدتها عشر سنوات وعشرة أشهر وعشرة أيام «أولها ثاني عشرين شهر رمضان سنة سبعين وان

وأعقب ذلك ان هاجم أحد الحشيشية الأمير ادوارد وطعنه بخنجر مسموم وذلك في /5/١7‏ 1777م ولكن الطعنة لم تكن قاتلة» فمرض الأمير الانجليزي بضعة أشهر ثم غادر عكا فور شفائه في 17/ 9/ 1977م عائداً إلى بلاده .

أما هيو الثالث ملك قبرص ومملكة بيت المقدس الصليبية فقد ظل في بلاد الشام يعمل جاهداً لاصلاح حال الفرنجة وازالة ما بين الجماعات والهيئات الصليبية من تنافس وخلافات ولكن فشله في تحقيق ماربه جعله يعود إلى قبرص سنة 1715م دون أن يعين نائباً عنه يرعى شئون مملكته ببلاد الشام» وأرسل إلى البابا جريجوري العاشر يشرح له سوء أحوال الصليبيين بالشام وتعذر اصلاح أوضاعهم وذلك كمبرر لرحيله عن الشام وتنازله عن مملكة بيت المقدس الصليبية ولكنه لم يلبث أن قدم على فعلته لا سيما بعد أن

)020 السلوك ج ال ص دك النجوم الزاهرة ج ص ه66١55-1١1‏ (1) السلوك ج ١‏ ص .5١0١‏ النجوم الزاعرة ج لا ص ١9!‏

1١/١

طالب شارك الانجوي بحقه في مملكة بيت المقدس الصليبية بوصفه وريثاً للامبراطور فردريك الثاني في صقلية» ولم يلبث هذا الأمير أن أعلن نفسه ملكاً لمملكة بيت المقدس وهو يقيم في صقلية وأرسل نائباً عنه إلى عكا على رأس أطول صغير في يونيو //71١م»‏ وحاول هيو الثالث استرداد مملكته الصليبية من جديدء فقصد صور على رأس قوة صليبية كبيرة سنة 4/ا١١م‏ ولكن فرسان الداوية وقفوا في سبيله» فعاد إلى قبرص ثم أعاد هيو الثالث المحاولة من جديد ورجع إلى بلاد الشام سنة 1147م ولكنه توفي في صور سنة 1784م فخسر الصليبيون في الشرق رجلاً هاماً من رجال الحرب الصلسة30؟ ,

أما امارة طرابلس الصليبيةء» فقد توفي بوهيموند السادس متولى أمرها في مايو 715١م‏ تاركاً ابنأ قاصراً عرف باسم بوهيموند السابع ليخلفه على عرش امارة طرابلس» واختلف أمراء الصليبيين في طرابلس فيما بينهم وقامت بينهم حريا أ أهلية بسبب الوصاية على الأمير الصغير الأمر الذي أضعف الجبهة الصليبية فى مواجهة المسلمين» وفى تلك الحروب الأهلية وقف أسقف أنطرطوس ضد أسقف طرابلس والفرسان الداوية وجاي الثاني أمير جبيل ضد الأمير بوهيموند السابع وأمه سيبل الأرمينية الأصل وأسقف انطرطوس وبالرغم من هذه الاختلافات بين بعض الطوائف الصليبية إلا أن الاتصاللات لم متم رون الدرب الأوروبي والصليحن في الشرف ين تاحية لكر هن ناحية أخرى وذلك بقصد التحالف 55 وتوجيه ضربة عسكرية مشتركة ضد دولة المماليك الاسلامية ومحاربة المسلمين» من ذلك ما ذكره المقريزي في حوادث 1ه/ من أن ١١‏ جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب وبعثوا إلى أبغا بن هولاكو بأنهم واصلون لمواعدته من جهة سيس في سفن ثيرة»”" وذكر أيضاً «وورد الخبر أنه قد خرج فرنج عكا وخيّموا بظاهرها. وركبوا وأعجبتهم أنفسهم بمن قدم إليهم من فرنج الغرب06© وفي اطار )١(‏ انظر د. سعيد عاشور الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١10-١181‏ (؟) السلوك ج ١‏ ص 586-684 (*) المصدر السابق ص مه

يفن

التحالف بين الصليبيين والمغول وبعد أن عقد صاحب طرابلس الهدنة مع بيبرس» توجه أمير طرابلس سنة 559/ ١11١م‏ إلى أبغا ملك مغول 0 يحثه على قتال المسلمين ويذكر له ما فتحه السلطان الظاهر بيبرس من القلاع والحصون الصليبية وعندئذ صاح فيه أبغا «أنت ما جئت إلا لتخوفتي منه وتنفرني عنه وتملأ قلوب عسكري رعباً!”'2 ومن الاتصالات التي قام بها الصليبيون في بلاد الشام مع المغول بقصد التحالف ضد المسلمين ما ذكره المقريزي من أن القوات الصليبية هاجمت قاقون ٠51ه/‏ ١17١م‏ ابمواعدة التتار»”"؟ ,

وتنسيق العمل العسكري بين الصليبيين من ناحية والمغول من ناحية أخرى ظل عنصراً ركسا في سياسة الغرب الأوروبي تجاه المسلمين ولا ننسى محاولة الأمير إدوارد الأنجليزي الذي جاء إلى بلاد الشام على رأس حملة صليبيّة صغيرة سنة ١71/١‏ وأبدى رغبة شديدة في التحالف مع المغول والإستعانة بهم في القضاء على خطر المسلمين ممثّلا في دولة المماليك في مصر وبيلاد الشام. وقد ظل الأمير إدوارد - بعد عودته إلى إنجلترا وأصبح الملك إدوارد الأوّل - محافظاً على تلك السياسة الرامية إلى التعاون العسكري بين الشرق والغرب ضد المسلمين» ولهذا أرسل إدوارد إلى أيغا ملك مغول فارس في هذا الشأن» ولم يكن أبغا أقل حماسا من إدوارد وإنما كان يريد مزيداً من التنسيق والتجاوب من جانب الصليبيّين لضمان الإنتصار على العدو المشترك - دولة المماليك وفي هذا السبيل أرسل أبغا إلى البابوية وإلى إدوارد الأول رسالة بهذا المعنى في أواخر سئة 15م ولكن ملك إنجلترا إعتذر عن تحديد موعد لذهابه إلى بلاد الشام على رأس حملة صليبية جديدة للإشتراك مع أبغا في محاربة المسلمين””"©

وحاول أبغا دفع الغرب الأوروبي إلى مشاركته في حملة عسكرية )١(‏ مفضل بن أبي الفضائل: النهج السديد ص ١16-197‏

(؟) السلوك ج ١‏ ص 001-5٠٠‏ (؟) د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١1١55-1١1١5١‏

لفن

مشتركة ضد دولة المماليك الإسلامية وعندما عقد مجمع ليون في 1775م حضره مبعوثان من قبل الملك أبغا عرضا على المؤتمرين مشروعا للتحالف المغولي الصليبي وبعد أن تم تعميد المبعوثين المغوليّين على المذهب الكاثوليكي عادا إلى بلادهما دون الوصول إلى نتيجة مع الغرب الأوروبي ومع ذلك كرّر أبغا إرسال السقراء إلى أوروبا من أجل التحالف ففي نوفمبر أرسل السفارات ثم في مارس 771١م‏ إلى البابوية وملك إنجلترا بهدف حث أوروبا على القيام بحملة صليبية تساعد المغول في حرب دولة المماليك”'2 ولكن آمال أبغا لم تتحقّق وكان السلطان الظاهر بيبرس يوالي جهاده ضد المغول والصليبيينء ويعدٌ القوّة العسكريّة التي تدخل الرهب والرعب في قلوب الأعداءء وهاجم في مارس 710١م‏ مملكة أرمينيّة الصغرى وأغار على المصيصة وسيس وأذنه وطرسوس وأياس ويروي المقريزي أن السلطان جهّز الجيش: «فساروا وهجموا المصيصة على الأرمن» وقتلوا من بهاء وكانت المراكب قد حملت معهم على البغال وهي منضّلة ليعدوا فيها من نهر جهان”" والنهر الأسود”” فلم يحتجٌ إليها ووصل السلطان على الأثر بعدما قطع بعساكره النهر الأسود وقاسوا مشقّة وملكوا الجبال وغنموا منها ما لا يحصى كثرة ما بين أبقار وجواميس وأغنام. فدخل السلطان إلى سيس وهو مطلب”*' في تاسع عشريه وعيّد بها. . . وبعث إلى البحر عسكراً فأخذ مراكب وقتل من كان فيها وأنيثت الغارت فى الجبال تقطلوا قاروا وقغيو ب 206 كل ذللف كون أن هزه لبو التالث ملك ارده

(؟) نهر جهان وهذه التسمية عامية والصحيحة نهر جيمان ويخرج هذا النهر من بلاد الروم عند ربطرة وتقع عليه المصيصة ويصب في البحر المتوسط على مسافة قريبة منها: انظر ياقوت معجم البلدان ج ١‏ ص ١/٠‏

() النهر الأسود واسم هذا النهر عند الترك وفي الخرائط الأوروبية أيضا قراصو ومنبعه في بلاد الروم ومجراه غربي بلاد المصيصة وطرسوس وهو أحد فروع الفرات الأعلى. انظر: ياقوت

(4:) المعنى أن السلطان جعل عساكرهة أطلايا (جمع طلب) أي صرايا ومرتيه» السلوك ج ١ا‏ اص 091 حاشية 6

(5) السلوك ج ١‏ ص 518-515

17

الصغرى على الوقوف في وجه السلطان الظاهر بيبرس . وبعد أن أتمم السلطان ضبط الأمور رحل السلطان من سيس إلى إنطاكية فلما وصلها «جعل الغنائم بمرج إنطاكية حتى ملاأته طولاً ا ووقف بنفسه حنّى فرّقهاء ولم يترك صاحب سيف ولا قلم حتّى أعطاهء ولم يأخذ لنفسه منها شيئ”"» وهاجم السلطان الظاهر بعد ذلك بلاد سلاجقة الأناضول التي كانت مشمولة بالحماية المغوليّة واستطاع أن يمرّق الجيش المغولي في الأناضول عند أبلستين في 4 1958م واحتل قيصريّة في 4/11 من نفس السنة وخطب له على فتائرها «وجلين على تحت آل سلجوقة«ربدذلك أعلن السلطاة نفسة زويناً لسلاطين السلاجقة في حكم بلاد الأناضول أما الوزير سليمان البرواناه فلم يستطع عمل شيء واضطرٌ إلى إظهار الخضوع والولاء للسلطان الظاهر بيبرس الذي اكتفى منه بذلك وعاد إلى بلاد الشام”"©

وعندما سمع أيغا ملك مغول فارس بما فعل السلطان بيبرس في الأناضول أسرع 00 أبلشتين نسنة 11م حيث #شاهد عسكره صرعى ولم يشاهد أحداً من عسكر الروم مقتولاً فاستشاظ غضباً وأمر بنهب الروم وقتل من مرّ به من المسلمين «على أن الملك أبغا أظهر في تلك الغزوة أن المسيحيّين حلفاء طبيعيّين له ولدولته المغوليّة في حين تطرف في معاملة المسلمين فقتل من ببلاد الروم من المسلمين. . . » ويقال أنه قتل من الفقهاء والقضاة والرعايا ما يزيد على مائتي ألف نفس» ولم يقتل أحداً من النصارى. . .02" وترنّب على غزوه السلطان الظاهر بيبرس للأناضول إلى تقوية الرابطة بم بين أبغا ملك مغول فارس والنصارى وكان ليو الثالث ملك أرمينية السقوي ل اي أبغا من القوى المسيحيّة في الشرق» ولم يلبث أن تم عقد تحالف قوى بين مغول فارس من ناحية وليو الثالث ملك أرمينية الصغرى من ناحية أخرى واتفق الجانبان على القيام بحملة كبرى مشتركة على بلاد الشام لطرد المماليك منها واستخلاص بيت )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 518 ثم انظر مفضل بن أبي الفضائل النهج السديد ص 7١50-1064‏ (1) السلوك ج ١‏ ص 379-517١‏ (؟) السلوك ج ١‏ ص 2577 النجوم الزاهرة ج لا ص ١15-١594‏

10/0

المقدس للمسيحيّين كما تقرّر إرسال الرسل إلى البابا وملوك الغرب الأوروبي لمساعدتهما في توجيه ضربة عسكرية قوية لدولة المماليك

من صفات السلطان الظاهر بيبرس:

كان السلطان الظاهر يباشر الجهاد بنفسه كسائر قوّاته ليكون قدوة لغيره علاوة على الإقتداء بالنبي يَكيةِ في الحرب ويذكر المقريزي في حوادث سنة «ورتّب السلطان أمره عمارة صفد» وقسم خندقها على الأمراءء وأخذ لنفسه نصيباً وافراً عمل فيه بنفسهء فتبعه الأمراء والناس في العمل ونقل الحجارة ورمي التراب وصاروا يتسابقون”©

ويقول أيضاً «وفي أول شهر ربيع الأول ( 770ه) ركب السلطان من ا ا اك حي ل الج لكر ا

علج م عرّج من شيزر وأصبح على خفص»:.وتوجه إلى خصن الأكراد اد وكشف أمورهما وسار إلى دمشق وكتب إلى مصر كتاباً يقول فيه لأكاير الأمراء: «ولدكم»» ويقينهم «أخوكم وولدكم عا عليكم ويتشوّق إليكمء وإيثاره ألا يفارقكم» وإنما قدّمنا راحتكم على على راحتناء فطالما تعبوا واسترحنا. ونعلمهم بالمتجدّدات ليكونوا لها كالمشاهدين»: وكمشاركينا في أكثر الميب اهدي 06

والعنيات شيل اش الس لفقم الصااكن وسعوفة السافقيت مه المتلمقء قن كه ,مكلك أرننا <مبافية تون نمدية لاطا اللاهر «وفي مكاتبته تقصير في المخاطبة» ففرقت هديته على الأمراء» وكتب إليه بالإدكار عليه في التظاعس بالمدكرات واستخدام الفرنج» وكونه لم يخرج إلى الفرنج لما نازلوه» وكان ب وقيل له «مثلك لا يصلح أن يلي أمور المسلمين وخوّف وأنذر»*»

(١)د.‏ سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 7 ص ١4‏ (6) السلوك ج ١‏ ص

١ك‎

وكان السلطان يشبجع المسلمين على التدرّب ومزاولة الرمي وركوب الخيل ويقول المقريزي «وأنعم السلطان على كل من أصاب القيق (الهدف) من الأمراء بفرس من الجنائب الخاصء بسرجه ولجامه وتشاهيره بالمراوات الفضة وغيرها وأنعم على من أصاب من المماليك والأجناد بالخلع. كل ذلك والسلطان يسعى وقد تنوّع في لامات حربه وصار يأخذ بقلوب الناس ويحسن إليهم وساق السلطان بالرمح أحسن سوق حنّى تعسجبوا من فروسيّته إلى أن إنقضى النهار على هذاء وفي اليوم الثالث ركب السلطان ولعب الناس ورموا في القيق والسلطان يطاعن بالرمح وفي الغد ترتب العسكر من جبهتين» واصطدما وتطاعنت الفرسان وكان السلطان بينما يراه الناس آخراً قد شاهدوه أولاً وهو لا يسأم من الكر والفرء وشاهد الناس منه ومن الملك السعيد ما يبهر العقول» وتواصل الطعن بغير جراح والسلطان بين تلك الصفوف لا خاف97

وكان الأعداء إذا سمعوا بحركته إنهزموا «وكأن قد ألقى الله فى أنفس الناس أن السلطان وحده يقوم مقام العساكر الكثيرة في هزيمة الأعداء» وأن إسمه يردٌ الأعداء من كل جانب»)”)

ومن صفات السلطان الظاهر بيبرس إستعانته على قضاء أموره وأفعاله بالكتمان والتورية في الحركة وسرية الخطة فهو لا يريد إعلاماً مضللاً أو دعاية كلامية ففي سئة 777ه عزم السلطان على الحركة للحجاز «فأنفق في العساكر جميعها وجرّد عدة من الأمير أقوش الرومي السلاح دار ليسيروا مع السلطان؛ وجرّد البقية مع الأمير آقسنقر الفارقاني الأستادار إلى دمشق» فنزلوا بظاهرها وأقاموا بها .

ثم توه السلطان إلى الحجّ ومعه الأمير بدر الدين الخازندار وقاضي القضاة صدر الدين سليمان الحنفي وفخر الدين بن لقمان وتاج الدين بن الأثير ونحو ثلاثمائة مملوك وأجناد من الحلقة» وسار السلطان بهم إلى

575١ ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ص 85ه‎ ١ (؟) السلوك ج‎

1١ا/ا/‎

الكرك كأنه يتصيّدء ولم يجسر أحد يتحدّث بأنه متوجّه إلى الحجاز. وذلك أن الأمير جمال الدين إبن الداية الحاجب كتب إلى السلطان: «إني أشتهي أتوجه صحبة السلطان إلى الحجاز» فأمر بقطع لسانه فما تفوه أحد بعدها بذلك» وهذا الحرص إنما بهدف إخفاء أخبار حركته عن الصليبيّين والتتار الذين لا يتوقفون عن مهاجمة بلاد الإسلام وحتّى لا يستغلّوا فرصة غياب السلطان في الحجاز» وقضى الظاهر فريضة الحبجح وسار من مكة إلى المدينة ثم إلى الكرك وكشف أحوال بلاد الشام وقلسطين والقدس «وكل ذلك في عشرين يومأ ما غيّر السلطان فيها عباءته التي حجّ فيها/"

ومن أسباب إنتصاره قوّة إيمانه وإلتزامه بالشريعة فقد كتب «السلطان بإزالة الخمور وإبطال الفساد والخواطىء من القاهرة ومصر وجميع أعمال مصر فطهّرت كلها من المنكر... وكتب السلطان إلى جميع البلاد بمثل ذلك»)””' ويقول المقريزي «أهلت ( ٠/1ا5ه)‏ والسلطان متشدّد في إراقة الخمور وإزالة المنكرات فكان لذلك يوماً مشهوداً»”" ولم يتساهل السلطان في إقامة الحدود الشرعيّة ففي سنة 7174ه شنئق السلطان الطواشي شجاع الدين عنبر المعروف بصدر الباز - وكان قد تمكن منه تمكناً عظيماً - من أجل أنه شرب الخمر وعلّقه تحت قلعة المجبل2*”2 وكان السلطان منذ ولايته يحارب المنكرات ففى سئة 5760ه اأشْتدٌ إنكار السلطان للمتكرء وأراق الخمون بوعني: كال المتكرات ومنع الخانات”*؟ والخواطىء بجميع أقطار مملكته بمصر والشام. فطهرت البقاع من ذلك)0)

وقال الذهبي سنة 778ه وفيها أريقت الخمور كلها من دمشق قام في

)١(‏ السلوك ج ١١‏ ص "مه

(؟) السلوك ج ١‏ ص 50/8» النجوم الزاهرة ج ص ١65‏

فرق السلوك ج ١‏ ص لاقه

(5) السلوك ج ١‏ ص ”577"

(4) الخانات والمفرد خانة وهي أمكان العبث والاستهتار السلوك ج ١‏ ص 567 حاشية 6 (5) السلوك ج ١‏ ص "اده

من

ذلك شيخ السلطان الشيخ خضر العدوي وبالغ وكبس بيوت الذمّة وكتبوا على أنفسهم بالقسامة» فكانت هذه من حسنات الشيخ خضر

ومن أفعاله أنه كان يباشر الإشراف على الأمور العسكرية بنفسه وبعد تحطم الأسطول بالقرب من سواحل قبرص سنة 574ه فأمر السلطان بصناعة أسطول جديد على وجه السرعة ويذكر المقريزي أنه لازم الصناعة بنفسه فيقول «وقدمت رسل رجار وهو يشفع في صاحب عكا والسلطان في الصناعة جالس بين الأخشاب والصناعء والأمراء تحمل بأنفسهم آلات الشواني وهي تمد فراعهم (الرسل) ماي وذكر أبو المحاسن ذلك فقال (وفي يوم السبت سابع عشرين جمادي الاآخرة ركب السلطان الملك الظاهر إلى الصناعة ليرى الشواني (سفن الأسطول) التي عملت وهي أربعون شينياً فسرّ بها»”"2 وقال المقريزي أيضاً «وفيه أكثر السلطان من الركوب إلى مصر لمباشرة عمل الشواني» حتى كملت ضعفي ما انكسر»”"

ومن أسباب قوّته وانتصاره حبّه للعدالة ووقوفه إلى جانب الشريعة وجلوسه لإنصاف الرعية «وفي يوم الإثنين سابع المحرم سنة إثنتين وسبعين وستمائة جلس الملك الظاهر بدار العدل وحكم بين الناس ونظر في أمور الرعية فأنصف المظلوم وخلّص الحقوق ومال على القوى ورفق بالضعيف»!*) والمعروف أن من عادة خلفاء الدولة الإسلامية ومعظم السلاطين أنهم كانوا يجلسون يومي الإثنين والخميس لإقامة العدل بأنفسهم ومنع الظلم:ولم يترك الخلفاء والسلاطين والحكام هذا إلا عندما أهملوا هذا الأمر وجماع القول في صفاته ما قال أبو المحاسن «وكان الملك الظاهر رحمه الله ملكا شجاعاً مقداماً غازياً مجاهداً مرابطاً خليقاً بالملك خفيف الوطأة سريع الحركة يباشر

الحروب بنفسه)”*)

50١ ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ١هال (؟) النجوم ا اج لاص‎ السلوك ح امن فاه‎ 9 171” النجوم اه اج لاص‎ )4( ١اا/ النجوم الزاهرة ج ص‎ )5(

74و

(لفصل (فقاس الجهاد في أيام السلطان قلاوون الألفي

على الرغم من أن السلطان الظاهر بيبرس كان أحد المماليك الذين لم يؤمنوا بنظام وراثة الملك فقد أحاطته ظروف جعلته مضطرًا لتعيين إينه الملك السعيد سلطاناً يقيم بديار مصر أثناء غيبة أبيه في ميادين الجهاد ببلاد الشام - ومن المعروف أن الظاهر بيبرس أمضى جل أيام حكمه مجاهداً أعداء الله ولم يقم في القاهرة إلا قليلاً ولهذا احتفل السلطان سئة 758١م‏ بسلطنة إبنه الملك السعيد وأشركه معه في الحكمء ثم كان أن توفي السلطان الظاهر في دمشق الاه/ 171١م‏ عندئل جلّد الأمراء البيعة للملك السعيد كما بايعه سائر العسكر والقضاة والأعيان ودعا له الخطباء في الجوامع والمساجد'')

ولكن بعد مرور الأيام إِتّبع الملك السعيد سياسة غير متوازنة فأغضب الأمراء والقادة أصحاب الخبرة والمكانة في الدولة؛ فقرب إليه جماعة من الأمراء الأحداث الذين إزداد نفوذهم في شؤون الدولة» وترتّب على هذه السياسة غضب كبار الأمراء وعلى رأسهم ناكب السلطنة الأمير سيف الدين» وزاد الملك السعيد في قسوته على الأمراء الكبار فسجن بعضهمء الأمر الذي أثار الخواطر ضدّه وتزعَم حركة المقاومة مجموعة من الأمراء مثل الأمير سيف الدين قلاوون الألفي شمس الدين سنقر الأشقر واستمرٌ الحال على هذا إلى أن كان يوم الجمعة خخامس عشريه (جمادي الآخرة 1177ه) وفيه قبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر والأمير بدر الدين بيسري

84-4١ ص 147-"547., بيبرس الدواردار: مخطوط زبدة الفكر ج 4 ورقة‎ ١ السلوك ج‎ )١( ام١‎

وسجنهما بالقلعة ثلائة وعشرين يوماً» فزادت الوحشة بينه وبين الأمراء ودخل خاله الأمير بدر الدين محمد بن بركة خان إلى أخته أم السلطان وقال لها: «قد أساء إينك التدبير بقبضه على مثل هؤلاء الأمراء الأكابر» والمصلحة أن تردّيه إلى الصواب. لثلا يفسد نظامه وتقصر أيامه»”'' فلما بلغ الملك السعيد ما قاله خاله قبض عليه واعتقله فلم تزل به أمه تعتفه وتتلتظف بهء حتّى أطلقهم وخلع عليهم وأعادهم إلى ما كانوا عليه» وقد تمكنت عداوته من قلويهم ء وظلّت العلاقة بين الملك السعيد وكبار الأمراء تهدأ حيناً وتسوء أحياناً حتى انتهى الأمر بأن حاصر الأمراء القلعة في القاهرة سئة 15١١م‏ واضطرٌ الملك السعيد إلى الإذعان لمطالب الأمراء وخلع نفسه من السلطنة وشرّط عليهم أن يعطوه الكرك فأجابوه إلى ذلك ويروي المقريزي ذلك فيقول «ولما طال الحصار بعث السلطان الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد يقول: «يا أمراء! إيش غرضكم؟» فقالوا: «يخلع الملك السعيد نفسه من الملك ونعطيه الكركة فأذعن السعيد لذلك» وحلف له الأمراء» وحضر الخليفة والقضاة والأعيان وأنزل بالملك السعيدء وأشهد عليه أنه لا يصلح للملك. وخلع السعيد نفسهء وحلف أن لا يتطرّق إلى غير الكرك ولا يكاتب أحداً من النوّاب» ولا يستميل أحداً من الجندء وسفّر من وقته إلى الكرك مع الأمير بيدغان الركني وذلك في سابع شهر ربيع الآخرء 0

ولما تم خلع الملك السعيد وسافر إلى الكرك» عرض الأمراء السلطنة على الأمير سيف الدين قلاوون الألفي فامتنع وقال «أنا ما خلعت الملك السعيد طمعاً في السلطنة والأولى ألا يخرج الأمر عن ذريّة الملك الظاهرء ووافق الأمراء على رأي قلاوون» واستدعوا الأمير سلامس واتّفقوا «أن يكون الأمير قلاوون أتابكه وأن يكون إليه أمر العساكر وتدبير الممالك» فحضر سلامس وله من العمر سبع سنين وأشهرء وحلف العسكر جميعه على إقامته سلطاناًء وإقامة الأمير قلاوون أتابك العساكرء ولقّبوه الملك العادل بدر

(؟) المقريزي: السلوك ج ١‏ 560-767

148

الدين» فاستقرٌ الأمر على ذلك" إلا أن الأمير قلاوون لم يلبث طويلاً ١ثم‏ جمع الأمراء في العشرين من رجب وتحدّث معهم في صغر سن الملك العادل» وقال لهم: «قد علمتم أن المملكة لا تقوم إلا برجل كامل؟ ودار حديث طويل إنتهى باتفاق الأمراء على خلع الملك العادل من السلطنة وبعثوا به إلى الكرك وكانت مدّة ملكه ماثة يوم #ولم يكن حظه من الملك سوى الإسم فقط وجميع الأمور إلى الأتابك قلاوون»”" ويمكن القول أن تولية الصغير مسألة لا يقبلها العقل السليم علاوة على عدم شرعية هذا الإختيار» لأن من شرائط إختيار الحاكم عند المسلمين أن يكون راشداً وقادراً على إدارة شؤون الدولة.

تولية السلطان قلاوون الألفي الحكم 79١1م‏

والسلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الألفى التركى الصالحى النجمي السابع من ملوك الترك بالديار المصرية والرابع ممن مسه الرق» وقد تعرض قلاوون الألفي في أوائل حكمه لمتاعب جديدة ظهر أخطرها في بلاد الشام حيث ثار الأمير سنقر الأشقر وأعلن نفسه سلطاناً في أبريل ٠18١م‏ وتلقب بالملك الكامل ودعي له في المسجد الأموي إلآ أن عصيان الأمير سنقر لم يستمرٌ طويلاً» فقد حلت الهزيمة به في يونيه ١78١م‏ وهرب إلى الرحبة ومنها إلى قلعة صهيون في شمال الشام» ولقد جانب الصواب الأمير سنقر عندما أعلن العصيان على السلطان قلاوون» وشبجع هذا الموقف العدو المغولي على الحركة نحو بلاد الشام وذكر أبو المحاسن بقوله «هذا وقد جفل غالب من بالبلاد الشامية وخرجوا عن دورهم ومنازلهم ولم يبق هناك إلا من عجز عن الحركة وكان سبب حركة التتار أنهم لما سمعوا إختلاف الكلمة وظنّوا أن سنقر الأشقر بمن معه يتّفْقَ معهم على قتال الملك المنصور قلاوون. فأرسل أمراء العساكر المصرية إلى سنقر الأشقر يقولون له: هذا

)0 المقريزي: السلوك ج ١‏ ص كك وت أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لا ص لالم (1) المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 2088. النجوم الزاهرة ج ص 7417

الذيل

العدو قد دهمنا وما سبيّبه إلا الخلف بيننا! وما ينبغي هلاك الإسلام» والمصلحة أننا نجتمع على دقعه فاميثل سنقر ذلك. . .272 وكان السلطان قد اهتم كثيراً بتقوية جبهته فلجأ إلى محاولة فصل للد الصليبي بالشام عن المغول في العراق وفارس ومنع قيام تعاون عسكري بينهما ضد 0 لذلك عمد إلى مهادنة بعض القوى الصليبية» ففي أوائل مايو ١78١م‏ محرم عقد صلحاً لمدة عشر سنوات مع الداوية والإسبتارية وبوهيموند السابع أمير طرابلس ويقول المقريزي: «فيها ( اانه شار الجلالاك لاووة من ظاهر القاهرة» فأتته رسل الفرنج وهو بمئزلة و98 ' في تقرير الهدنة. ررك يع سدم وت الابهاو وتات الإمخارة يظا وبين : السلطان وولده الملك الصالح. » لمدة عشر ستين وعشرة أشهر وعشرة أيام وعشر ساعات» أولها يوم السبت ثاني عشري المحرمء وتقرّرت الهدنة أيضاً مع متملك طرابلس الشام بيمند بن بيمند لمدة عشر سنين أولها سابع عشري شهر ربيع الأول»ء وعادت الرسل وتوبجّه الأمير فخر الدين آيار المقري الحاجب لتحليف الفرنج ومقدم الإسبتار على ذلك فحلفهم)”"

وجاء نص الإتفاقية كالآتيى: «وفيها ( 48٠‏ ه) تقرّرت الهدنة بين السلطان وولده معاء وبين مقدم بيت الإسبتار وجميع الأخوة الإسبتارية, لمدة عشر سنين كوامل متتابعات وعشرة شهور وعشرة أيام وعشر ساعات» أول ذلك يوم السبت ثاني محرم سنة ثمانين وستمائة» الموافق للثالث من شهر أيار سنة ألف وخمسمائة وإثنتين وتسعين للإسكندر بن فيليّس اليونانى» على جميع بلاد السلطان وما اشتملت عليه من الأقاليم والمماليك والقلاع, والمدن والحصون والبلاد من الفرات إلى النوبة» وعلى التجار والمسافرين في البر والبحر والسهل والجبل» في الليل والنهار وعلى قلعة المرقب وريض

المرقب بيحقوقه واحدوده.

46 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ص 5868 حاشية ؟‎ ١ (؟) الروحا: وهي بلد بالساحل من فلسطين: السلوك ج‎ 586 ص‎ ١ السلوك ج‎ )9(

18:

وتقررت الهدنة مع متملك طرابلس بيمند بن بيمندء لمدة عشر سنين كوامل متواليات متتابعات يتبع بعضها بعضاً أولها يوم السبت السابع والعشرين من ربيع الأول سنة ثمانين وستمائة؛ الموافق للخامس من تموز سنة ألف وخمسمائة وإثنتين وتسعين للإسكندرء وآخرها سابع عشر ربيع الأول ميلة نعي وستفاتة للهجرة البوية وؤلك غلن بلا التنلطاة العلك المتصود وبلاد ولده السلطان الملك الصالح أعز الله نصرهماء قريبها وبعيدهاء سهلها وجبلها غورها ونجدهاء قديمها ومستجدّهاء وما هو مجاور لطرايلس ومحادد لها من المملكة البعلبكية جميعهاء وجبالها وقراها الرّحلية0) والجبلية» وجبال الفئيين والعضبين وما هو من جملتها وحقوقهاء وعلى الفتوحات المستجدّة: وهي حصن الأكراد وبلاده.» وإفليس وبلادها والقليعات وبلادها وصافيتا وبلادها. وميعار وبلادهاء وأطليعا وبلادهاء وحصن عكار وبلاده» ومرقية ومدينتها وبلادها ومناصفاتها : وهي بلاد اللكمة وجميع بلاد هذه الجهات التي ذكرناهاء ومناصفات المرقب التي دخلت في الصلح مع بيت الإسبتار وبلده ومدينته وبلادهاء وما هو محسوب منها ومعروف بها من حصون وقرىء. وبلاد الست وبلاطنس وبلادهاء وقرفيص وبلادها وجبلة وبلاد اللاذقية وإنطاكية وبلادهاء والسويدية وميناؤها» وحصن بفراس وبلاده» وحصن ديركوش وبلاده» وشقيف تلميس وبلاده» وكفر دنين وبلاده والدربساك وبلاده» وثغرى الشغر وبكاس وبلادهماء والقصير وبلاده» وصهيون وبلادهاء وبرزية وأعمالهاء والقليعة وأعمالهاء وعيدوا وأعمالهاء ومصياف وبلادهاء وحصون الدعوة وما اشتملت عليه من البلاد والقلاع : وهي القدموس والكهف والمينقة والخوابي والرصافي والقليعة والعليقة» والمملكة الحلبية وحصونها ومدنها وبلادهاء وشيزر وأبو قبيس وبلادهاء والمملكة الحموية وبلادهاء والمملكة الحمصية وبلادهاء وجميع ما لمولانا السلطان من ممالك وحصون وبلاد» وقلاع وثغور وأبراج» وموان وسواحل وبرور وأنهارء وبساتين ومصايد وملآحات وسهل وجبل وعامر ودائرء

١ الرّحلبية لعل المقصود بالقرى الرحلية ما كان منها على طريق القوافل والرحالة. السلوك ج‎ )١(

ص حاشية ١‏ ه14

وجميع الأمصار مصريّها وشاميها وساحليها وحجازيّها وغربها وشرقها وما سيفتحه الله على يده ويد ولده عساكرهما وجنودهما من المماليك والحصون. وعلى بلاد الإبرنس: وهي طرابلس وما هو داخل بها ومحسوب منهاء وأنفه وبلادها وجبيل وبلادهاء ومدينة البترون وأعمالهاء وصنم جبيل وبلاده وعرقا وبلادها المعينة في الهدنة وعدتها إحدى وخمسون ناحية» وما هو للخيالة والكنائس وعدّتها أحد وعشرون بلداً» وما هو للفارس روجار دلا لولاي من قبلي طرابلس يكون مناصفة وعلى أن يستقرٌ برج اللاذقية وما تجدّد فيه لخاص الوبرنس .

ويستقر النواب من الجهّتين بمدينة اللاذقية وميناتها في إستخراج الحقوق والجبايات والغلآت وغيرها مناصفة» ويستقرٌ مقامهم بمدينة اللاذقية على حكم شروط الهدنة الظاهرية (بيبرس)» وكذلك في رعاية مدينة اللاذقية على ما تضمّنته الهدنة الظاهرية (بيبرس)» وعلى أن يكون على جسر أرتوسيه من غلمان السلطان لحفظ الحقوق والغلآت ستة عشر نفراً: وهم المشدء ويكون لهم في الجسر بيوت يسكنون فيها على العادة» ولا يحصل منهم مضرة لرعية الإبرنسء وأن يمنعوا ما يجب منعه من الممنوعات» وألا يمنعوا ما يكون من عرقا وبلادهاء وما يعبر من غلالها ومن أراضيها هنا يستكل منها ومن بالادها على ما تشهد به الهدنة» من الصيفي والشتوي» وغير ذلك مما يتعلق بعرقا وبلادهاء ل" يعارضهم المشد فيهء وما خلا ذلك مما يعبّر من بلاد مولانا السلطان تؤخذ عليه الحقوق» ولا تدخل إلى طرابلس غلة محمية بإسم البرنس ولا أصحابه إلا وتؤخذ الحقوق عليهاء وعلى أن الإبرنس لا يستنجد خارج مدينته ولا في البلاد التي وقعت الهدنة عليها بناء يمنع ويدفع» وعلى الشواني من الجهّتين أن تكون آمنة من الأخرىء وكذلك مولانا السلطان لا يستجدٌ بناء قلعة ينشئها من الأصل مجاورة للبلاد التي وقعت الهدنة عليهاء ولا ينتفض ذلك بموت أحد من الجهّتين ولا بتغيّره» ولا برجل غريبة من الفرنج أو التتارء بل تكون هذه الهدنة باقية» ومتى جاءت رجل غريبة يداريهم عن بلاده وعن نفسهء ولا يدخل في مشورة تؤدّي إلى إعتماد سوء أو مكروهء ولا يحسن لأحد من أعداء مولانا السلطانء ولا يتفق عليه برمز ولا خطء ولا

1

مراسلة ولا مكاتبة ولا مشافهة. فتقرّر الحال على ذلك» وعادت رسل كل جهة إليها””' .

وأمام نشاط السلطان قلاوون في مهاجمة الصليبيين تارة ورد عدوان التتار تارة أخرى اضطر الصليبيون الى مهادنة السلطان قلاوون في تلك الفترة وحافظوا على الصلح المعقود بين الطرفين «حتّى أن سان سفرينو نائب شارل الأنجوي في عكا خرج بنفسه لاستقبال قلاوون أثناء عودة الأخير من حمص إلى مصر في نوفمبر سئة ١78١م‏ وقدّم له الهدايا الثمينة»”'2 وكان السلطان قلاوون يريد التفرّغ بعضاً من الوقت لمواجهة التتارء في حين أن هذا الصلح لم يكن يعني إهمال الحيطة والحذرء ولم يكد يمضي على الصلح أريع متوات ستى تنرع السلطات: فلاوود في مهاجط الانتتارية في حصن المرقب في ربيع 16م الموافق صفر ويقول أبو المحاسن «وأقام (السلطان) بديار مصر إلى أول سنة أربع وثمانين وستمائة تجهّز وخرج منها يعساكره إلى جهة الشام. وسافر حتى دخل دمشق يوم السبت ثاني عشرين المحرم من السنة المذكورة» وعرض ا الشامي عذة أيام» وخحرجوا انان ع احن الدرقيا نا سرح ته ما فعلوا د فى النسن العافية: فنازل السلطان حصن المرقب في يوم الأربعاء عاشر صفر وشرع العسكر في عمل الستائر والمجانيق» فلما إنتهت ت الستائ ثر التى للمجانيق حملتها المقاتلة لباب الحصن» فسقطت الستارة إلى بركة كبيرة كان عليها جماعة من أصحاب الأمير علم الدين سنجر الدويداري» منهم شمس الدين سنقر أستاداره وعدة

ثم في يوم الأحد رابع عشره (صفر) حضر رسل الفرنج من عند ملكهم الإسبتارء وسألوا السلطان الصلح والأمان لأهل المرقب على نفوسهم

)١(‏ مخطوط بيبرس المدصوري: زيدة الفكرة ة في تاريخ الهجرة جه ص ١58‏ وما بعدها صور شمسية من نسسخة المتحف البريطاني بلندن؛ مكتبة الجامعة المصرية رقم 251078 انظر أيضاً النويري (نهاية الأدب ج 9؟: ص 518 وما بعدها.

1١1١18-1١517 الحركة الصليبية ج ؟' ص‎ )١(

١ /ا4‎

وأموالهم ويسلمون الحصن المذكور فلم يجبهم السلطان إلى ذلك» وكمل نصب المجانيق ورمى بها وشعٌّث الحصن وهدم معظم أبراجه واستمر الحال إلى سادس عشر شهر ربيع الأوّل» زحف السلطان على الحصن فأذعن من فيه بالتسليم» وحصلت المراسلة في معنى ذلك.» فلما كان يوم الجمعة ثامن عشر ربيع الأوّل المذكور سلّم ورفعت الأعلام الإسلامية وسأل من به الأمان على أرواحهم فركبوا وجهز معهم من أوصلهم إلى أنطرطوس. وبالقرب من هذا الحصن مرقية وهي بلدة صغيرة على البحرء وكان صاحبها قد بنى في البحر برجاً عظيماً لا يرام ولا تصله التّشاب ولا حجر المنجنيق وحصّنه واثفق حضور رسل صاحب طرابلس إلى السلطان بطلب مرقية» فاقترح عليه خراب هذا البرج وإحضار من كان فيه أجيرا من الجبيليين الذين كانوا مع صاحب جبيل فأحضر من بقي منهم في قيد الحياة واعتذر عن هدم البرج بأنه ليس له ولا هو تحت حكمه فلم يقبل السلطان إعتذاره وصمّم على طلبه منهء فقيل: أنه إشتراه من صاحبه بعدّة قرى وذهب كثير ودفعه إلى السلطانء. فأمر بهدمه فهدم واستراح الناس منهء وحصل الإستيلاء في هذه الغزوة على المرقب وأعماله ومرقية» والمرقب هو من الحصون المشهورة بالمنعة والحصانة وهو كبير جداً ولم يفتحه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فيما فتح» فأبقاه السلطان الملك المنصور بعد أن أشير عليه بهدمه ورمّم شعئه واستناب فيه بعض أمرائه ورتّب أحواله وكتبت البشائر بهذا الفتح إلى الأقطار”©

وهكذا بدأ السلطان يتطلع إلى القضاء نهائيًا على بقايا الاحتلال الصليبي في بلاد الشام وقد شجعه على ذلك أن تكودار ملك التتار الذي .خلف أنخاه ابغا سئة 1187م واعتنق الإسلام وتسمى بأسم أحمد واتخذ لنفسه لقب سلطان وأرسل إلى السلطان قلاوون في اغسطس رسالة حملها الشيخ قطب الدين محمود بن مسعود بن مصلح الشيرازي قاضي سيواسء والأمير جهاد الدين أتابك السلطان مسعود صاحب الروم والصاحب شمس الدين محمد بن الصاحب شرف الدين بن التيتي وزير ماردين وجاء في الرسالة أن

)١(‏ النجوم الزاهرة ج ص 7١19-15١4‏ ثم انظر السلوك ج ١‏ ص 77ا-م الا

184

السلطان أحمد تكودار أنه مسلم وأنه أمر ببناء المساجد والمدارس والأوقاف» وأمر بتجهيز الحجاج وسأل اجتماع الكلمة واخخماد الفتنة والحرب» وأنه ظفر بجاسوس وعادة مثله أن يقتل. فجهزه إلى الأبواب السلطانية» وقال إنه لا حاجة إلى الجواسيس ولا إلى غيرهم بعد الاتفاق واجتماع الكلمة» وبالغ في استجلاب خاطر السلطان»"'2 ولكن بعض قادة احمد تكودار ثاروا ضده وقتلوه في أغسطس 584١م‏ واقاموا محله أرغون (ابن أخيه) في حكم دولة مغول فارس فولى أرغون وزارته سعد الدولة اليهودي المعادي للإسلام والمسلمين وسرعان ما اتبع الملك الجديد سياسة معادية للإسلام والمسلمين ومال بحماسة وقوة لخدمة المسيحية والمسيحيين وجرى الاتفاق بين ارغون وملك ارمينيه على استرداد الأراضى المقدسة من المسلمين» وأرسل أربع سفارات إلى البابوية سئة 1788مء 1417م 49م 1198م يعرض فيها استعداده للقيام بحملة مشتركة مع البابوية لحرب دولة المماليك الإسلامية فيقوم الفرنج بغزو مصر في الوقت الذي يقوم هو بغزو بلاد الشام”" ولكن أرغون لم يجد استجابة من الغرب سواء البابا أم الملوك وكان السلطان قلاوون في تلك الاونة يقوم بإعداد العدة للاستيلاء على طرابلس.

لقد تطورت الاحداث فى الجانب الصليبى فى تلك الفترة» ففى صور نات بحتاقق -موتظورك "فى 'أواكنى ودر سين 1077م قم المخقينيه: أخوه أونفروي دي مونتفورت حاكم بيروت في ؟١‏ فبراير سنة 1784م وبذلك قامت أرملة كل منهما بالوصاية على أملاك زوجهاء وقد اسرعتا إلى طلب تجديد الهدنة مع السلطان قلاوون فأجابهما إلى ذلك سنة 1186١م.‏

أما عن الوضع في عكا فقد رجع روجر دي سان سفرينو ‏ نائب شارل

)١(‏ السلوك ج ١‏ 1/211 النجوم الزاهرة ج لا ص ل كر( (؟) رشيد الدين الهمذاني: جامع التواريخ ص 11١-١٠١‏ ثم انظر السلوك ج ١‏ ص #الاء النجوم الزاهرة ج لا ص خا

109

الأنجوي في حكم عكا ‏ إلى ايطاليا ومعه قواته فاضطر أهل عكا الصليبية أن يتجهوا نحو هنري الثاني ملك قبرص ومملكة بيت المقدس الأسبق» ولكنه لم يقم في عكا وإنما بقي مقيمًا في قبرص واكتفى بارسال القوات بين حين وآخر إلى الصليبيين كلما دعت الحاجة إلى ذلك . حدث ذلك والخلاف يدب بين القوى البحرية الايطالية فانتهز السلطان قلاوون تلك الظروف وأرسل حملة بقيادة الأمير حسام الدين طرنطاي استولت على اللاذقية في أبريل 141١م‏ ولم يلبث أن يتوفي بوهيموند السابع أمير طرابلس دون وريث فتشكلت من فرسان طرابلس وتجارها حكومة قومون إلى حاكم بلدي مستقل وتأزم الموقف عندما وصلت لوسي أخت بوهيموند السابع أمير طرابلس ووريثته واستنجدت بفرسان الاسبتارية حلفاء أخيها بوهيموند السابع لاستعادة حقها في حكم طرابلس وقد رد قومون طرابلس على ذلك بطلب المعونة من جنوا ويقول أبو المحاسن أن بارثلميو 0عة#طصظ باعصدمامطامةظ. صاحب جبيل ورئيس القومون الجديد ‏ استنجد أيضًا بالسلطان المملوكي قلاوون ووعده أنه إذا تمكن من تحقيق أطماعه فإنه سيقتسم معه طرابلس''' وكانت جنوا استجابت لنداء أهل طرابلس وأرسلت بعض سفنها لمساعدتهم وذلك في مقابل حصولها على امتيازات تجارية عظيمة في طرابلس وعقد لهذا الغرض باثلميوا مبرياتشو اتفاقية مع جنوا اصبحت امارة طرابلس الصليبية بمقتضاها تحت حماية الجنوية الذين حصلوا على كثير من الشوارع والأسواق في طرابلس يتكرونها في البيع والشراء» وقد كتب أهل طرابلس بما تم مع جنوا إلى الأميرة لوسي التي كانت في مدينة عكا يخبرونها بالاتفاق المذكورء ولم يعلم الجنوية بهذا الاتصال إلا عن طريق لوسي نفسها التي ادركت عدم جدوى عمل اتفاقية مع أهل طرابلس دون موافقة الجنوية ومن ثم اجتمعت لوسي مع الجنويه في مدينة صور وعقدت اتفاقية بين الطرفين تضمن موافقة لوسي على ما حصل عليه الجنويه من امتيازات في طرابلس» كما اعترفت بالحقوق التي حصل عليها القومون مقابل موافقة الجنوية على اعلانها أميرة

)١(‏ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١7‏ ص 21171-١1117١‏ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لاص 811-9١‏

ل

على طرابلس فاغضب هذا العمل صاحب جبيل الذي كان يطمع في طرابلس فاتصل بالسلطان المملوكي قلاوون وطلب منه «المساعدة» وأن يتقدم للأمير بلبان الطباخي السلحدار أن يساعده على تملك طرايلس» على أن تكون مناصفة وبذل في ذلك بذولا كثيرة» فسوعد إلى أن تم له مراده» ورأى أن الذي بذله للسلطان لا يوافقه الفرنج عليه» فشرع في باب التسويف والمغالطة وطاق ريات فلما علم السلطان باطن أمره عزم على قتاله قبل استحكام وكان المماليك يريدون القضاء على طرابلس أولاً لأنها قامت على ارض إسلامية استولى الصليبيون عليها ابان ضعف المسلمين هذا من ناحية ومن جهة أخرى فإن طرابلس منذ عهد أميرها بوهيموند السادس الذي قام باستدعاء المغول سنة ٠55١م‏ إلى الشام وحالفهم وحثهم على التنكيل بالمسلمين ولهذا فإن السلطان قلاوون عندما جاءه كتاب نائب الشام «بأن الفرنج بطرابلس نقضوا الهدنة» وأخذوا جماعة من التجار وغيرهمء وصار بأيديهم عدة أسرىء» وكانوا لما ملك السلطان قلعة المرقب قد بعثوا إليه هدية وصالحوه على ألا يتركوا عندهم أسيرّاء ولا يتعرضوا لتاجر ولا يقطعوا الطريق على مسافر فتجهز السلطان لأخذ طرابلس)0".

وخرج السلطان بالجيش إلى الشام في فبراير 184١م‏ الموافق /١/١‏ «واستخلف ابنه الملك الأشرف خليل بالقلعة» والأمير بيدرا نائبًا عنه ووزيرّاء وكتب عند الرحيل إلى سائر ممالك الشام بتجهيز العساكر لقتال طرابلس وسار إلى دمشق فدخلها في ثالث عشر صفر وخرج منها في العشرين منه إلى طرابلس فنازلها وقد قدم لنجدة أهلها أربعة شوان (سفن حربية) من جهة متملك قبرص فوالى السلطان الرمي بالمجانيق عليها والزحف والنقوب في الأسوار حتى افتتحها عنوة في الساعة السابعة من يوم الثلاثاء رابع ربيع الآخر'"' بعدما أقام عليها أربعة وثلاثين يومّاء ونصب عليها تسعة عشر

أمره»

77١ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج لا ص‎ )١( 745 ص‎ ١ السلوك ج‎ )0( - (؟) ذكر أبو المحاسن أن فتح طرابلس كان في الساعة الرابعة من نفس اليوم النجوم الزاهرة‎

14١

منجنيقا » وعمل فيها ألف وخمسمائة نفس من الحجارين والزراقين)»”'" وكان البنادقة والجنوية من حلفاء الصليبيين في طرابلس إلا أنهم امام قوة الجيش الإسلامي وعزمه على تحرير طرابلس» كل ذلك دفعهم - البنادقة والجنوية ‏ إلى جمع بضائعهم واموالهم من مدينة طرابلس وتهريبها عن طريق البحر إلى موانىيء قيليقيه الأمر الذي ترك أسوأ الأثر على أهل طرابلس مما مكن السلطان قلاوون وجيشه من اقتحام المدينة في 84/4/157؟١م‏ ويصف المقريزي ما جرى على أهل طرابلس بقوله «وفرٌ أهلها إلى جزيرة تجاه طرابلس» جزيرة القديس نيقولا) فخاص الناس فرسانا ورجالاً وأسروهم وقتلوهم وغنموا ما معهم» وظفر الغلمان والأوشاقية بكثير منهم» كانوا قد ركبوا البحر فألقاهم الريح بالساحل» وكثرت الأسرى حتى صار إلى ووعاناء”"" .. السلطات لكب ؤمانا آسير توامتسهد من المسلمينة الأمير حر الدين معن والأمير ركن الدين منكورس الفارقاني وخمسة وخمسون من رجال الحلقة وأمر السلطان بمدينة طرابلس فهدمهاء وكان عرض سورها يمر عليه ثلاثة فرسان بالخيل»”" .

أما طرابلس فقد أحرقت وأمر السلطان بتدمير المديئة وبناء مدينة طرابلس الجديدة بجوارها بعيدًا عن شاطىء البحر ذلك خوفًا من تهديد الاساطيل الضليبية للمدينة©؟. ١‏

دج لاص اكاثء البداية والنهاية ج ١7”‏ ص ١1‏ ويذكر أيضا ابن كثير أن فتحها كان في رابع جمادى الآخرة

١1" ابن كثير البداية والنهاية ج‎ 055١ ص 74-/29747 التجوم الزاهرة ج لا ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( ص ام‎

(؟) الزردخاناه هي السلاح خاناه ومعنى هذا اللفظ المركب بيت الزرد وكان بها حسيما جاء في القلقشندي (صبح الأعشى ج : ص )11-١١‏ جميع أنواع السلاح: «من السيوف والقسى العربية والنشاب والرماح والدروع المتخذة من الزرد المانع.. . وفي كل سنة يحمل إليها ما يعمل بخزائن السلاح من الأسلحة يجعل على رؤوس الحمالين ويزف إل القلعة» ويكون يوما مشهودء وفي هذه السلاح خاناه من الصناع المقيمين بها لاصلاح العدد وتجديد المستعملات جماعة كثيرة؛ ويسمى ذلك الزرد كاشي ومعئاها صانم الزرد ولها غلمان أخرى وفراشون. بسيب خدمة القماش وافتقاده «السلوك ج ١‏ ص 747 جاشية 4

(©) السلوك ج ١‏ ص ٠748-1١47‏

(؟) السلوك ج ١‏ ص 58لاء النجوم الزاهرة ج ص 777-1311

147

«ولما فتحت طرابلس كتبت البشائر إلى الآفاق بهذا النصر العظيم» وزفت البشائر والتهاني وزينت المدن وعملت القلاع ‏ اقواس النصر - في الشوارع وسر الناس بهذا النصر غاية السّرور وأنشأ في هذا المعنى القاضي تاج الدين ابن الأثير كتابًا إلى صاحب اليمن بأمر الملك المنصور يعرفه بهذا الفتح العظيم وبالبشارة به. وأوله:

بسم الله الرحمن الرحيم أعز الله نصر المقام العالي السلطاني الملكي المظفري الشمسي» ثم استطرد وحكى أمر الفتح وغيره إلى أن قال فأحسن فيما قال : وكانت الخلفاء والملوك في ذلك الوقت ما فيهم إلا من هو مشغول بنفسهء مكب على مجلس أنسه» يرى السلامة غنيمة» وإذا عنّ له وصف الحرب لم يسأل منها إلا عن طرق الهزيمة» قد بلغ أمله من الرتبة» وقنع من ملكه كما يقال بالسكة والخطبة» أموال تنهبء وممالك تذهب لا يبالون بما سلبوا وهم كما قيل: إن قاتلوا قتلوا أو طاردوا طردوا أو حاريوا حريوا أو غالبو غلبوا0)

وقد هنأ الشاعر شهاب الدين محمود المنصور قلاوون بفتح طرابلس بقصيدة جاء فيها : فإن تك قد فاتتك بدر فهذه بما أنزل الرحمن من نصره بدر.

وترتب على سقوط طرابلس في أيدي جيش الإسلام أن انسحبت القوات الصليبية من مراكز ومدن صليبية تابعة لامارة طرابلس الصليبية منها بيروت وجبله أما جبيل فقد بقيت في أيدي الصليبيين بضعة سنوات أخر وذلك بعد خضوعهم لشروط السلطان قلاوون واعلانهم تبعية جبيل وخضوعها التام لسلطنة المماليك كما تعهد صاحبها الصليبي بدفع أموال للسلطان قلاوون ولم يعد للصليبيين من ملكهم الواسع في بلاد الشام سوى عاصمتهم عكا وصيدا وعثليث وبات تحرير هذه المناطق قريًا”” . الحهاد أولاً:

إن الحذر من الاعداء من الصفات التي يتحلى بها القائد المسلم

7710-9177 النجوم الزاهرة ج ص‎ )١( 111/6 ص‎ ١ الحركة الصلببية ج‎ )1(

107

وخصوصًا عندما تكون الدولة في حالة طوارىء وجهاد ضد اعداء الإسلام» وثبت تواطىء غير المسلمين في اعمال ضد المسلمين على الرغم من أن هؤلاء يعيشون في أرض الوطن ومن بني جلدته ولكنهم على غير دين الإسلام فكثيرًا ما قرر السلاطين قرارات هدفها الحيطة والحذر من النصارى واليهود ولهذا نرى السلطان قلاوون في سنة /58ه/ 84م بعد عودته من الشام وانتصاره في طرابلس على الصليبيين قرر «ألا يستخدم أحد من الأمراء وغيرهم في دواويئهم أحدًا من النصارى واليهود وحرّض على ذلكء» فامتثل ذلك الأمراء جميعهه:7'.

والجهاد ضد اعداء الإسلام مقدم على اداء فريضة الحج «وفي هذه السنة (184ه) عزم السلطان الملك المنصور على الحج فبلغه خبر فرنج عكاء ففتر عزمه وتهيأ للخروج إلى البلاد الشامية» ورأى أن يقدّم غزوهم والانتقام منهم على الحج ‏ وأخذ في تجهيز العساكر والبعوث؛ وضرب دهليزه خارج القاهرة» وباب الدهليز إلى جهة عكا”" .

وكان هنري الثاني ملك قبرص أرسل إلى الغرب الأوروبي مستنجدًا وموضحًا أن يوم عكا قريب”".

استرداد عكا من الصليبيين :

بعد سقوط طرابلس في يد المسلمين سارعت البندقية للدفاع عن عكا وذلك بما في وسعها لحمايتها من النهاية المتوقعة وذلك بهدف المحافظة على مصالح البندقية التجارية ولهذا سارعت إلى المساهمة في الحملة الصليبية» وكان البابا نيقولا الرايع قد دعا إلى حملة صليبية لمساعدة الصليبيين في الشرق فأسهمت البندقية فى اعداد حملة من ألف وستمائة مرتزقًا على شاطىء الأدرياتيك في صيف عام 1740م لإنقاذ عكاء وخرجت الحملة في عشرين سفينة حربية بندقية تحت قيادة دوج البندقية نفسه وشارك معه عدد كبير من )١(‏ النجوم الزاهرة ج ص 14. السلوك ج ١‏ ص ٠/67‏ (؟) النجوم الزاهرة ج لا ص 816-194 (*) الحركة الصليبية ج ١‏ ص 1١١9/5‏

١54

البنادقة هذا بالإضافة إلى عدد آخر من المتطوعين من المدن الايطالية مثل مودينا وأنكونا وبولونا وغيرها”" .

وكان السلطان قلاوون عقب استيلائه على طرابلس توجه إلى دمشق حيث استقبل رسل الملك هنري الثاني طالبين عقد الصلح وذلك بهدف حماية الصليبيين في عكاء وكان أن وافق السلطان قلاوون. لتلك الرغبة فوافق في صيف 1789م على تجديد الهدنة لمدة عشر سئوات وعشر أشهرء أما الجنوية فقد عقدوا معاهدة مع السلطان قلاوون في ١4‏ مايو ٠9١١م‏ حصلوا بمقتضاها على امتيازات تجارية في الاسكندرية واستقرت الاحوال بعض الوقت ولكن هذا الاستقرار لم يدم طويلاً إذ لم تلبث أن وصلت إلى عكا في أغسطس م الحملة الايطاليةء التي قادتها البندقية» وشرع الصليبيون عند وصولهم إلى عكا في مهاجمة الفلاحين المسلمين في اقليم عكا ثم عادوا بعد ذلك إلى مدينة عكا ليذيحوا كل من بداخلها من تجار المسلمين الذين كانوا قد قصدوا عكا في ظل الأمان المعطى لهم بعد عقد الصلح بين السلطان قلاوون والصليبيين» ولشدة تعصب الصليبيبن وحماستهم فإن السريان المسيحيون في عكا لم يسلموا من أيدي أولثئك الايطاليين إذا اختلط الأمر علبيك: سيره ا 1

وذكر المقريزي السبب في استعداد السلطان قلاوون من أجل تحرير عكا بقوله «وفيه (رجب 144ه) ثار أهل عكا بتجار المسلمين وقتلوهم» فخضب السلطان وكتب إلى البلاد الشامية بعمل مجانيق وتجهيز زرد خانه (السلاح) لحصار عكا وذلك أن الظاهر بيبرس هادنهمء فحملوا إليه وإلى الملك المنصور هديتهم في كل سنة» ثم كثر طمعهم وفسادهم وقطعهم الطريق على التجارء فأخرج لهم السلطان الأمير شمس الدين سنقر المساح على عسكر»”” ونتيجة الاعتداء على المسلمين من قبل قوات الحملة الايطالية فقد )١(‏ سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص -١١!/5‏ لالا١١1‏ .593.م 11 زهمناء5 (؟) الحركة الصليبية ج ؟ ص لال1١111/8-11.‏

(*) السلوك ج ١‏ ص 4-957 6لا. ابن كثير البداية والنهاية ج 11 ص 1715؛ النجوم الزاهرة ج لا ص 716-9714

١4

ارتاع أهل عكا وخافوا من عاقبة ما فعله أولئك الصليبيون فأرسلوا إلى السلطان قلاوون يعتذرون عما حدث ويتعهدون بمعاقبة المذنبين ولكن أخبار ما فعله الصليبيون بالمسلمين حول عكا وداخلها قد بلغت السلطان وشاهد ملابس القتلى المسلمين مضرجة بالدماء فأقسم أن ينتقم لهم من الصليبيين”) وقد أرسل السلطان قلاوون إلى الصليبيين في عكا يطلب تسليم المذنبين فورّاء فعقد الصليبيون مجلسًا لبحث الأمر واقترح مقدم فرسان الداوية أن يبادر الصليبيون إلى القبض على الذين قاموا بالاعتداء على المسلمين وتسليمهم إلى السلطان قلاوون ليقتص منهم بنفسه وبذلك يشفي غليله ويهدأ عن الانتقام ولكن هذا الاقتراح قوبل بالمعارضة من الرأي العام المسيحي في عكا فاكتفوا بتقديم اعتذارات شكلية للسلطان فحواها أن العدوان الذي جرى أتى به صليبيون أجانب اغراب خارجون عن سلطة حكومة عكا الصليبية ولذلك فإن هذه الحكومة غير مسؤولة عن أعمالهم. فلم يقبل السلطان قلاوون بهذه الاعذارء فأخذ يعد العدة للانتقام» وأعلن الحرب على ا

ويقول ابن كثير «وجاء البريد بعمل مجانيق لحصار عكا"”" وقال المقريزي «وفي آخر شوال برز السلطان بظاهر القاهرة ونزل بخيمة بمسجد تبريريد فتح عكا فأصابه وعك في أول ليلة واقام يومين بغير ركوب . . . واشتد مرض السلطان إلى أن مات بخيمة تجاه مسجد تبر خارج القاهرة في ليلة السبت سادس ذي القعدهء فحمل إلى القلعة ليلاً وعادت الأمراء إلى بيوتهاء

)١(‏ هذا موقف إسلامي شجاع وواجب على السلطان قلاوون أن يقوم به للدفاع عن المسلمين واشعار العدو بقوة المسلمين لأن الجهاد أعلى المراتب فإن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وأرضهم من الأمور التي يجاهد من أجلها المجاهدون واليوم نرى هما تقوم به إسرائيل من سلب للأرض وقتل للمسلمين أطفالاً وشيوخاً رجالاً ونساءً وتدمير المنازل وإحراق المزارع وإبادة المسلمين والناس من حولهم على الأرائك ينظرون استوى في هذا الحاكم والممحكوم فهل أنتم مسلمون» والوقائع التاريخية من أفضل الأدلة على التطبيق الفعلي للجهاد .

(7) سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج "١‏ ص 111/4-١1١198‏ (*) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١7‏ ص 7١5‏

١45

وكانت مدة حكمه إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يومًا وعمره تلحو في 0 وكان سلطانًا كريمًا حليمًا شجاكًا مقدامًا عادلاً عفيقًا عن سفك الدماء مائلاً إلى فعل الخير والأمر بالمعروف وله ماثر كثيره»”' ويقول أبو المحاسن: لو لم يكن من محاسنه إلا تربية مماليكه وكفت شرهم عن الناس لكفاه ذلك عتد الله تعالى » فإنه كان بهم منفعة للمسلمين ومضرة للمشركين وقيامهم في الغزوات معروف وشرهم من الرعية مكفوف»””" .

وترتب على وفاة السلطان قلاوون أن فرح الصليبيون وازدادوا سرورًا اعتقادًا منهم أن تلك الوفاة تعطيهم الأمان ولو لبعض الوقت وظنوا أنها ارادة الله تدخلت لانقاذ عكاء وزادهم سرورًا سماعهم لانباء الخلاف بين أمراء المماليك حول العرض وعن الأمير حسام الدين طرنطاي نائب السلطنة الذي دير مؤامرة لابعاد خليل بن قلاوون عن منصب السلطنة”*' ولكن هذه البشائر لم تلبث أن تلاشت وحاب ظن الصليبيين» إذ نجح خليل في التغلب على الصعاب التي اعترضت سبيل وصوله إلى الحكم وفي القضاء على المؤامرة السلطان الجديد إلا تنفيذ خطة والده بالاستيلاء على عكا* .

السلطان قلاوون يرفض تولية ابنه السلطنة:

كان السلطان قلاوون شديد الاهتمام بمصالح المسلمين والدفاع عن بلادهم ومقاتلة اعدائهم وتوفي دون أن يوقع على كتاب التقليد لابنه خليل بحجة عدم صلاحيته لحكم المسلمين وخوفا على المسلمين منه فهذا أبو

)١(‏ المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 760-784 وقد ذكر أبو المحاسن أن السلطان خرج ولا زال متمرضا بمخيمه عند مسجد التبن خارج القاهرة إلى أن توفي به في يوم السبت سادس ذي القعدة من سنة تسع وثمانين وستماية. النجوم الزاهرة ج ص 717-1586

(؟) النجوم الزاهرة ج ص 775

() المصدر السابق ج لا ص 758

(4) ممخطوط بيبرس الدواردار: زيدة الفكرة في تاريخ الهجرة ج 4 ورقة 571-. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١١8٠‏

(5) السلوك ج ١‏ ص 5هلا-لاه/ا

ا‎

المحاسن يقول «وكان والده قلاوون قد سلطنه في حياته بعد موت أخيه الملك الصالح علي بن قلاوون في سنة سبع وثمانين وستمائة والمعتد به جلوسه الآن على تخت الملك بعد موت أبيه» وجدد له الأمراء والجند الحلف في يوم الاثنين ثامن ذي القعدة المذكور وطلب من القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده» فأخرجه إليه مكتويًا بغير علامة الملك المنصورء وكان ابن عبد الظاهر قد قدمه إليه ليعلم عليه فلم يرض . وتقدم طلب الأشرف وتكررء وابن فتح الدين» أنا ما أولى خليلا على المسلمين! ومعنى ذلك أن الملك المنصور قلاوون كان قد ندم على توليته السلطنه من بعده» فلما رأى الأشرف التقليد بلا علامة قال: يا فتح الدين» السلطان امتنع أن يعطيني وقد أعطاني الله! ورمى التقليد من يده وتم أمره ورتب أمور الديار المصرية وكتب بسلطنته إلى الاقطارء وارسل الخلع إلى النواب بالبلاد الشامية)”'2 ورفض السلطان قلاوون التوقيع على كتاب ولاية العهد للسلطان الاشرف خليل من بعده الذي نفتقر إليه في عصرنا حيث غلبت الانانية على الايثار وأصبح الاحتكام في الغالب لغير دين الله .

تحرير عكا من الاحتلال الصليبى ٠9”ه/‏ ١16ام:‏

وقدمت «رسل عكا يسألون العفو» ولكن السلطان الاشرف خليل «لم يقبل منهم ما اعتذروا به» وكان هذا يعني اعلان الحرب عليهم لأنهم غدروا بالمسلمين وقتلوهم ويقول أبو المحاسن «ولما استهلت سنة تسعين وستمائة أخذ الملك الاشرف في التجهيز إلى السفر للبلاد الشامية» واتمام ما كان قصذه والده من حصار عكاء وأرسل إلى البلاد الشامية وجمع العساكر وعمل آلات الحصار وجمع الصناع إلى أن تم أمره»”" ولم يكد السلطان الاشرف () النجوم الزاهرة ج 37و ص 5-35, السلوك ج ١‏ ص 7/66 0غ( النجوم الزاهرة ج 4 ص 28 السلوك ج ا ص لكلل الذهبي: تاريخ الإسلام ج ا ص

1١84-1١48

١54

خليل يصل إلى عكا ويفرض حصاره عليها في © ابريل سئة ١54١م‏ الموافق يوم الخميس رابع شهر ربيع الأول سنة ٠54ه‏ وكان قد اجتمع «عنده على عكا من الأمم ما لا يحصى كثرة» وكان المطوعة اكثر من الجند ومن في و0 والسبب في ذلك رغبة الناس في القيام بواجب الجهاد باعتباره ذروة سنام الإسلام ومن ثم فإن القوات الإسلامية جاءت من مختلف المدن الشامية واجتمعت حول عكا واخذت في مهاجمة أسوار المدينة وضربها بالمجانيق الكبار «وعدتها اثنان وتسعون منجنيقاء فتكامل نصبها في أربعة أيام» وأقيمت الستائر ووقع النضان؟"" #وتصيه غلبها ‏ المحائق الكار الفرنجية خمسة عشر منجنيقًا منها ما يرمي بقنطار دمشقي وأكبر» ومنها دونه وأما المجانيق الشيطائية وغيرها فكثيرة»''' وتمكن المسلمون من احداث عدة تقويا ف فول ملزينة عكا ويروي المقريزي فيقول: «وقد أتت جمائع الفرنج إلى عكا ارسالا من البحر» وصار بها عالم كبير» فاستمر الحصار إلى سادس عشر جمادي الاولى»”*' وكان على الصليبيين أن يبذلوا ما في استطاعتهم للدفاع عن عكا وانقاذها من السقوط فجمعوا كل قواتهم في الشام وعكا بالإضافة إلى البحارة الايطاليين والصليبيين الجدد الوافدين من الغرب حتى اجتمع في عكا عدد يتراوح بين ثلاثين ألما وأربعين ألقًا منهم ثمانمائة فارس وأربعة عشر ألف من قوات المشاة» البقية من عامة الحجاجء وجعل الصليبيون خطتهم تقوم على التناوب في الحرب وقسموا المواضع فيما بينهم ثم حاول مقدم الناوية أن يقوم بهجوم في ليلة متتصف ابريل ليشق طريقه خارج عكا ويقطع الحصار الإسلامي حول المدينة» ولكن محاولته تلك باءعت بالفشل بسبب يقظة المسلمين وحرصهمء فرجع الداوية من حيث أتوا إلى داخل المدينة. ولم يلبث أن وصل إلى عكا عن طريق البحر في 5 مايو ١0م‏ هنري الثاني ملك قبرص ومعه مائتين من الفرسان وخمسمائة من

)١(‏ النتجوم الزاهرة ج 4 ص ه (5) السلوك ج ١‏ ص 74

(©) النجوم الزاهرة ج 4 ص 5-6 (:) السلوك ج ١ص‏ 7/4

1149

المشاة وقدر كبير من المؤن والامدادات ففرح الصليبيون بقدومه فرحًا كبيرًا ويقول أبو المحاسن «وأنجد أهل عكا صاحب قبرص بنفسه وفي ليلة قدومه علبهم اشدان ا 0 ثم عاد عندما شاهد انحلال أمرهم وعظم مادهمهب” ' وكان هنري الثاني بمجرد وصوله إلى عكا أرسل السفراء للسلطان الاشرف خليل بن قلاوون - بهدف التفاهم ولكن السلطان واجه الرسل قائلاً : «ألم تحضروا معكم مفاتيح المدينة!؟ ثم وعد الصليبيين بتأمين خروجهم جميعًا عن عكا ومعهم اموالهم إذا هم استسلموا ولم تؤخذ المدينة منهم عنوة”“. وكان لموقف السلطان ا خليل أسوأ الأثر على الروح المعنوية للملك هنري والصليبيين نتيجة رفض السلطان للتفاهم وفقد بذلك هنري الثاني الأمل في حماية عكا وعدم سقوطها ولذلك قرر العودة إلى قبرص ومعه جميع قواته وفرسانه فاضعف ذلك الروح المعنوية عند الصليبيين في عكا”"

واستمر الحصار وانحلّت عزائم الصليبيين في عكا وضعف أمرهم واختلفت كلمتهم «هذا والحصار 00 واستشهد عليها جماعة من المسلمين. فلما كان سحر يوم الجمعة سابع عشر جمادي الأولى ركب السلطان والعساكر وزحفوا عليها قبل طلوع الشمس» وضريوا الكوسات فكان لها أصوات مهولة وحسٌ عظيم مزعج”*؟ فحال ملاصقة العسكر لها وللأسوار هرب الفرنج وملكت المدينة بالسيف» ولم تمض ثلاث ساعات من النهار المذكور إلا وقد استولى المسلمون عليها ودخلوها»'؟ وقد ركز المسلمون هجماتهم على القلعة التي كان يدافع عنها الملك هنري الثاني ولم

١1845-1١١41١ النجوم الزاهرة ج 4 ص 5-0»: د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص‎ )١0

(؟) د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص 1١١87‏

() سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ؟87١١»‏ النجوم الزاهرة ج 4 ص

(:) قال المقريزي «فلما كان يوم الجمعة سابع عشرة (جمادي الأولى) عزم السلطان على الزحف». فرتب كوساته على ثلاثمائة جمل» وأمر أن تضرب كلها دفعة واحدة وركب السلطان وضربت فهال ذلك أهل عكا «السلوك ج ١‏ ص 776-54

(6) النجوم الزاهرة ج 4 ص 5 ؛ ثم أنظر السلوك ج ١‏ ص 14م -710 الذهبي : تاريخ الإسلام ج 7 ص 184كء ابن كثير : البداية والنهاية ج 1لا ص 75١‏

لا

تلبث تلك القلعة إن انهار جدارها في منتصف مايو ١191‏ واستولى المسلمون عليها في اليوم التالي وفي يوم /١7‏ 0/ 1191م أدرك الصليبيون أن وضعهم صار خطيرًاء فقام مقدم فرسان الداوية بمحاولة يائسة للصلح مع المسلمين إلا أن هذه المحاولة كانت بدون جدوى «فلما كان يوم السبت ثامن عشر الشهرء وهو ثاني يوم فتح المدينة» قصد جماعة من الجند وغيرهم الدار والبرج الذي فيه الديويه فطلبوا الأمان فأمنهم السلطان وسيّر لهم صنجمًا (علمًا) فأخذوه ورفعوه على برجهم وقتحوا الباب. فطلع إليهم جماعة كثيرة من الجند وغيرهم» فلما صاروا عندهم تعرّض بعض الجند والعوام للنهب؛ ومدّوا أيديهم إلى من عندهم من النساء والأصاغرء فغلق الفرنج الأبواب ووضعوا فيهم السيف فقتلوا جماعة من المسلمين ورموا الصنجى وتمسكوا بالعصيان وعاد الحصار عليهم)”'". وكان الداوية والاسبتار قد عصوا واستتر الأرمن في أربعة ابراج شواهق في وسط مدينة عكا فحاصرهم المسلمون فيها حتى اضطروا إلى التسليم ونزل من «كان ببرج الاسبتار والأرمن بالأمان؛ واستمر القتال على برج الداوية إلى يوم الأحد التاسع عشر من جمادي الأولى فطلب الداوية ومن بقي في الأبراج الأمان فأمنهم السلطان على أنفسهم وحريمهم علن أن يعرجهوا شيف شاءىة”.

وكان برج الداوية الذي تحصنوا فيه آخر المعاقل التي استمرت في المقاومة حتى 78/ 0/ "0611941١‏ .

«والعجب أن الله سبحانه وتعالى قدّر فتح عكا في مثل اليوم الذي أخذها الفرنج فيه ومثل الساعة التي اخذوها فيهاء فإن الفرنج كانوا استولوا على عكا في يوم الجمعة سابع عشر جمادي الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة (بعد أن حررها صلاح الدين استردها الصليبيون وبقيت معهم إلى أن حررها السلطان الاشرف خليل) في الساعة الثالثة من النهار»”'' وقد رافق المؤرخ أبو

ا,/-1١ النجوم الزاهرة ج 4 ص‎ )١(

() التجوم الزاهرة ج 4 ص 7

() المصدر السابق ص لا» الذهبي تاريخ الإسلام ج ١ص‏ 1844-:190

(5) النجوم الزاهرة ج 4 ص 8 ثم انظر الذهبي: تاريخ الإسلام ج ١‏ ص ١1١‏

5١١

الفداء قريبه المظفر صاحب حماة في هذه الحملة وقد اثبت في مؤلفه المختصر في أخبار البشر ما قام به وما شاهده من وقعة عكاء وهو يوضح كثيرًا من أساليب الحرب في تلك العصور ومن تفاصيل القتال في الموقعة نفسهاء ونصه: «افى هذه السنة في جمادي الآخرة فتحت عكاء وسبب ذلك أن السلطان الملك الأشرف سار بالعساكر المصرية إلى عكاء وأرسل إلى العساكر الشامية وأمرهم بالحضورء وأن يحضروا صحبتهم المجانيق» فتوجه الملك المظفر صاحب حماه وعمه الملك الأفضل وسائر عسكر حماه صحبته إلى حصن الاكرادء وتسلمنا منه منجنيقًا عظيمًا يسمى المنصوري حمل على مائة عجله. ففرقت في العسكر الحموي وكان المسلم إلى منه عجلة واحدة» لأني كنت إذ ذاك أمير عشرة. وكان سيرنا بالعجل في أواخر فصل الشتاء واتفق وقوع الامطار والثلوج علينا بين حصن الاكراد ودمشق فقاسينا من ذلك بسبب جر العجل وضعف البقر وموتها بسبب البرد شدة عظيمة» وسرنا بسبب العجل من حصن الاكراد إلى عكا شهرًاء وذلك مسير نحو ثمانية أيام للخيل على العادة» وكذلك أمر السلطان بجر المجانيق والألات الحصار من جميع الحصون إليهاء فاجتمع على عكا من المجانيق الكبار والصغار ما لم يجتمع على غيرها. وكان نزول العساكر الإسلامية عليها في أوائل جمادي الأولى من هذه السنة» واشتد عليها القتال» ولم يغلق الفرنج غالب ابوابهاء بل كانت مفتحة وهم يقاتلون فيهاء وكانت منزلة الحمويين برأس الميمنة على عادتهمء فكنا على جائب البحرء والبحر عن يميئنا إذا واجهنا عكا. وكان يحضر إلينا مراكب مقببة بالخشب الملبسين جلود الجواميس» وكانوا يرموننا منها بالنشاب والجروح وكان القتال من أمامنا من جهة المدينة ومن جهة يميننا من البحر. وأحضروا بطسة وفيها منجنيق يرمي علينا وعلى خيمتنا من جهة البحر فكنا منه في شدة عظيمة» حتى اتفق في بعض الليالي هبوب رياح قوية» فارتفع المركب وانحط بسبب الموج وانكسر المنجنيق الذي فيه بحيث أنه انحطم ولم ينصب بعد ذلك. وخرج الفرنج في أثناء هذا الحصار بالليل وكبسوا العسكر وهزموا اليزكيه (الحراسة المتقدمة) واتصلوا إلى الخيام وتعلقوا بالاطناب (حبال الخيام) ووقع منهم فارسي في جوبة مستراح بعض 3060

الأمراء فقتل هناك» وتكاثرت عليهم العساكر فولى الفرنج منهزمين إلى البلد» وقتل عسكر حماة عدة منهم . فلما أصبح الصباح علق الملك المظفر صاحب حماة عدة من رؤّوس الفرنج في رقاب خيلهم التي كسبها العسكر منهم واحضر ذلك إلى السلطان الملك الاشرفء واشتدت مضايقة العسكر لعكا حتى فتحها الله تعالى لهمء في يوم الجمعة السابع عشر من جمادي الآخرة بالسيف. . 2١72.‏ وهكذا كان فتح عكا بعد قتال وحصار دام «أربعة وأربعين ومم 9 ,

وهكذا سقطت مدينة عكا المعقل الرئيسي للقوى الصليبية في بلاد الشام بعامة وفلسطين خاصة وجدير يالذكر أن المسلمين بذلوا جهدًا كبيرًا في تحرير عكا من الاحتلال الصليبي يدفعهم إلى ذلك واجب الجهاد الذي يفرض على المسلم القتال ضد اعداء الإسلام في كل مكان وزمان» ويروي أيو المحاسن في نجومه الزاهرة أن السلطان الأشرف أعد ما يلزم لتحرير عكا #فاجتمع عنده على عكا من الأمم ما لا يحصى كثرة» وكان المطوّعة اكثر من الجند ومن في د29 فأين امثال هؤلاء اليوم حتى يجاهدوا لتحرير عكا من جديد ويحرروها من الاحتلال الصهيوني المؤيد بالقوى الصليبية.

إن روح الجهاد الإسلامي كانت من علائم الإيمان التي حققت الانتصارات الإسلامية في العصور الإسلامية بعامة والعصر المملوكي بخاصةء وكان لانتصار الملك الأشرف خليل في عكا عوامل منها اسلامية المعركة ومشاركة المسلمين في مصر وبلاد الشام ؤمن جاءهم من الآفاق البعيدة ويلاحظ أيضًا أن الجميع كان يشارك في القتال حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاء ويقول ابن كثير «وفيها (.٠59ه)‏ جاء البريد إلى دمشق )١(‏ أيو الفداء: المختصر في أخبار البشر ج 4 ص 55-789

فرق النجوم الزاهرة ج م8 ص ه

ردن

في مستهل ربيع الأول لتجهيز آلات الحصار لعكا ونودي في دمشق الغزاة في سبيل الله إلى عكاء وقد كان أهل عكا في هذا الحين عدوًا على من عندهم من تجار المسلمين فقتلوهم وأخذوا أموالهم» فأبرزت المناجيق إلى ناحية الجسورة وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاءء وتولى ساقها الأمير علم الدين الدويداري» وخرجت العساكر بين يدي نائب الشام وخرج هو في آخرهم» ولحقه صاحب حماة الملك المظفر وخرج الناس من كل صوب واتصل بهم عسكر طرايلس» وركب الاشرف من الديار المصرية بعساكره قاصدًا عكاء فتوالت الجيوش هنالك» فنازلها يوم الخميس رايع ربيع الآخر ونصبت عليها المناجيق من كل ناحية يمكن نصبها عليهاء وأجتهدوا غاية الاجتهاد في محاربتها والتضييق على أهلهاء واجتمع الناس بالجوامع لقراءة صحيح البخاري» فقرأه الشيخ شرف الدين الفزاري» فحضر القضاة والفضلاء والأعيان. . .206 .

هذا هو المجتمع الذي يوصف بالجسد الواحد حيث كان المجاهدون في الميدان والناس في مدنهم وقراهم يقرأون صحيح البخاري ومسلم ويدعون الله أن يوفق جيش الإسلام فكان النصر وتم تحرير عكا للمرة الثانية «وأمر السلطان بهدمها وتخريبهاء بحيث لا ينتفع بها بعد ذلك» وجاءت البطاقة (برقية الحمام الزاجل) إلى دمشق بذلك ففرح المسلمون ودقت البشائر في سائر الحصون وزينت البلاد التي يتنزه فيها الناظرون والمتفرجون”" .

نهاية الصليبيبن في بلاد الشام :

كان من الطبيعي أن تستمر القوات الإسلامية في تحرير باقي المواقع الصليبية زفي مقدمتها مدينة صور «وكان السلطان عند منازلته عكا قد جهز جماعة من الجند مقدّمتهم الأمير علم الدين سنجر الصوابي الجاشتكير إلى صور لحفظ الطرق وتعرّف الأخبار وأمره بمضايقة صورء فبينما هو في ذلك

ال٠١ البداية والنهاية ج 11 ص‎ )١( 75١ (؟) البداية والنهاية ج 11 ص‎

لم يشعر إلا بمراكب المنهزمين من عكا قد وافت الميناء التي لصورء فحال بينها وبين الميناء» فطلب أهل صور الأمان فأمنهم على أنفسهم وأموالهم ويسلمّوا صور فأجيبوا إلى ذلك فتسلّمها»”'2. وذلك في 15١/17141/4م‏ وأمر بهدمها حتى لا يطمع فيها الصليبيون مرة أخرى إذا جاءت لهم النجدات من أورويا «ولما تيسر أخذ صور على هذه الصورة قوي عزم الملك الأشرف على أخذ غيرها» فاستولى المماليك على صيدا بعد أن هرب منها أهلها عند اقتراب المسلمين منهاء ودمر المسلمون قلعتها في /١54‏ 0/ ١19١م‏ ثم فتحت حيفا وتم تخريبها ثم سقطت انطرطوس في 1191/48/7١م‏ ثم عثليث في /١5‏ 4 م ولذلك «تكاملت بهذه الفتوحات جميع البلاد الساحلية للإسلام»” .

وهكذا زالت ممالك الصليبيين من فلسطين وبلاد الشام بعد حوالي قرنين من الجهاد المتواصل وعاد الحق إلى أصحابه المسلمين والمعروف أن حق الإسلام في فلسطين لا يتغير إلى يوم الدين والأرض التي حكمها الإسلام قرونًا لا يجوز التنازل عنهاء وكل اتفاق في هذا الإطار باطل شرعًا وإذا كان المسلم إذا ارتد عن الإسلام حل دمه وقتل» فإن حق الإسلام العام في الأرض أشد حرمة وأكثر أهمية لأن الأصل أن يسود الإسلام وحكمه وجه الأرض ويكون الدين كله لله رب العالمين» فلا ردة في عقيدة المسلم ولا تراجع عن أرض الإسلام كذلك.

8 النجوم الزاهرة ج 8 ص‎ )١( ص‎ ١ الحركة الصليبية ج‎ 21١١-8 ص 54!-16لاء النجوم الزاهرة ج 4 ص‎ ١ (؟) السلوك ج‎ .١1847

ا

الفصل الساوس «تعجمالف الصليبيين مع الحبشه» ضد الإسلام

بعد أن تمكنت دولة الإسلام المملوكية من القضاء على يقايا الوجود الصليبي في فلسطين وبلاد الشام عام ١19١م‏ ثارت أوروبا واضطربت» وأحدث نبأ سقوط مدينة عكا سنة ١14١م‏ في يد المسلمين دويًا مؤسمًا في غرب أوروياء وقد يفوق هذا الأثر الذي أحدثه سقوط بيت المقدس فى يد السلطان صلاح الدين سنة /1141م» لأن سقوط عكا كان يعني ضعف الآمال الأوروبية في استرجاع القدس. ولقد نشط البابا نيقولا الرابع ( ١1784‏ في استثارة الغرب الأوروبي وتحريضه لارسال حملة صليبية إلى الشرق ولكنه مات سنة 797١م‏ وذهبت جهوده مع الريح ومع ذلك فقد استمر الغرب الأوروبي يفكر في استئناف الحرب الصليبية . ومع نهاية القرن الثالث عشر الميلادي ظهر عدد من الكتاب الذين صاروا يكتبون الرسائل والكتب ويرفعونها إلى البابوات والملوك والأمراء يحثونهم على المضي في تحريك أوروبا بالحرب ضد المسلمين ويعرضون عليهم أفكارهم ومشاريعهم الصليبية ومن أبرز هؤلاء الكتاب أحد الرهبان الفرنسيسكان واسمه فدنزيو م21مء510 فقد تقدم في سنة 591١م‏ بتقرير كبير إلى البابا نيقولا الرابع» شرح فيه تاريخ الأرض المقدسة مع اقتراح لبناء جيش صليبي من نوع خاص لاسترجاع القدس من المسلمين وبيان الطريق المفضل الذي يسلكه ذلك الجيش للوصول إلى الشرق”'2 وفي العام التالي 141١م‏ تقدم ثاديوس بتقرير عن مدينة

)١(‏ 36-45.م.م نقلاننخ 430.م ,111 تمفسمتأعصي8 د. سعيدك عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١١98-17‏

لا

عكاء وكان تقريره عنيقًا أراد أن يحرك شعور الناس في الغرب الأوروبي من أجل ارسال حملة صليبية جديدة» واختتم التقرير بنداء إلى البابا والملوك ليقوموا بعمل فعال لاستخلاص الأراضي المقدسة من المسلمين.

ومن أهم دعاة الحرب الصليبية في أواخر القرن الثالث عشر وأوائل الرايع عشر الميلادي كان ريموندلول 22050 الذي ولد في جزيرة ميورقة سنة 1777م وتوفي شمال افريقية سئة 1715م» وكان ريمويند يعرف اللغة العربية وله خبرة بطبيعة البلاد الإسلامية بعد أن قام برحلات متعددة فيها فوضع مشروعًا سنة 706١م‏ يتضمن الدعوة إلى العمل على كسب المسلمين وطوائف المسيحيين الشرقيين والهراطقة إلى معسكر الكنيسة الغربية عن طريق التبشير وتشكيك المسلمين في دينهم وخلق النزاعات بينهم كما أكد على ضرورة ارسال حملة صليبية قوية إلى الشرق الإسلامي يقودها أحد ملوك اورويا وأن يشارك فيها فرسان من كل الطوائف والبلاد وذلك بعد أن يندمجوا جميعًا فى هيئة واحدة تحت زعامة الملك الذي سيقود الحملة» وكان يرى ريموندلول أن تبدأ الحملة تحركها من اسبانيا حيث يقوم الصليبيون بطرد المسلمين منها ثم ينتقلون إلى شمال افريقية ثم إلى تونس ومصر في الوقت الذي يتخذ الاسطول الصليبي مالطة ورودس قاعدتين لمساعدة الحملة البرية في قتال المسلمين» ومن أفكاره أيضًا إمكانية استيلاء الصليبيين على مدينة القسطنطينية وذلك للوصول إلى بلاد المسلمين عن طريق آسيا عبر الأناضول والصليبيون في هذا يرون أن المسلمين جميعهم هدمًا للحرب الصليبية وليس القدس فقط.

أما ملك فرنسا فيليب الرابع ( )17١4 ١186‏ الذي أظهر رغبته في قيادة حملة صليبية إلى الشرق الإسلامي»؛ وحصل على الاموال من الكئيسة وصادر أملاك الفرسان الداوية سنة 1717م للاستعائة بها في مشروعه الصليبي إلا أن فيليب الرابع لم يفعل شيئًا عمليًا سوى جمع الاموال واكتشفت البابوية عدم صدق ملك فرنسا على أنه إذا كان فيليب الرابع ملك فرنسا غير جاد في فكرة قتال المسلمين فإن فيليب فالوا ( 178- )١18٠0‏ كان صادق النية فى ضرورة اعداد حملة صليبية فرحب به البايا حنا الثاني والعشرون» ايه

204

البابا مرسومين» الأول في 1١/170/5١م‏ يبيح لملك فرنسا جمع ضريبة العشور لمدة عامين بقصد الاستعداد للحرب الصليبية» والثاني في ديسمبر سنة 18781م يبيح للملك الفرنسي بيع صكوك الغفران من أجل اعداد الحملة الصليبية وقتال المسلمين'' ولم يلبث ملك فرنسا أن اتخذ الاستعدادات الفعلية الخاصة بتموين الحملة الصليبية» كما اتصل بدولة البندقية الايطالية للاتفاق معهم على نقل القوات الصليبية إلى الشرق الإسلامي. ثم جمع الملك الفرنسي حوله خبراء الحرب الصليبية ومن لهم معرفة وخبرة بشؤون الشرق والمسلمين واستشارهم فتقدم له بركارد 0824 85 وهو أحد دعاة الحروب الصليبية عندئظٍ بمشروع هام وذلك عام 1777م» ولقد شرح بركارد

في القسم الأول من مشروعه الدواة ف التي تح القيام سجملة طلسة ولي مقدمتها نشر المذهبف ا ثم استرداد الأماكن المقدسة وأكد بركارد على أهمية السلام لمكم سالا الأوروبية كشرط أساسي لنجاح أية حملة صليبية في الشرق وذكر أيضًا أنه إذا تم اعداد الرجال والسلاح والموّنء فإن ملك فرنسا يستطيع الاتفاق مع البنادقة والجنوية على قل الحملة الضلينة إلى الشرق وحفط خطوط النواصللات ييخ الملينين فى الشرق من ناحية والغرب الأوروبي من ناحية أخرى لأن الينادقة والجنوية كانوا يملكون الاساطيل ويعرفون الطرق ولهم المحطات في البر والبحر. ولقد عرض بركارد في مشروعه للطرق المؤدية إلى بلاد المسلمين في الشرق أولها طريق شمال افريقية البري وقد استبعده لطول المسافة وصعوبته. وثاني

١١96-1194 ص‎ ١ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج‎ )١( وجدير بنا الإشارة هنا إلى موقف المسلمين السلبي من مسألة الجهاد ضد إسرائيل التي‎ اغتصبت القدس وفلسطين» واعتدت وما زالت تعتدي على الأرض والعرض والدين دون‎ أن يحرك هذا أحساسيس المسلمين» فإذا كان الصليبيون يجمعون العشور والضرائب وغيرها‎ من أجل قتال المسلمين والاعتداء عليهم وسلبهم حقهم الذي لا يتغير إلى يوم القيامة في‎ فلسطين والقدس فإنه من العجب أن هذا المجهود الذي قام القيامة في فلسطين والقدس فإنه‎ من العجب أن هذا المجهود الذي قام به الغرب من أجل العدوان والباطل فإن المسلمين لم‎ يقوموا به مع أنه حق وواجب.‎

(؟) كان بركارد قد رحل إلى الشرق الأدنى حوالي عام 1104م وعاش هناك حوالي أربع وعشرين سنة قام فيها بالعمل على نشر المذهب الكاثوليكي بين المسيحيين الشرقيين وبخاصة الأرمن.

الل

هذه الطرق الطريق البحري وفي هذه الحالة يصل الصليبون من الغرب إلى قبرص أولاً حيث يعقدون مجلسًا للحرب لوضع خطة الهجوم على مصر أولاً أو الشام وأما الطريق الثالث عن طريق ايطاليا ومنها برًا إلى القسطنطينية وبعد الاستيلاء على القسطنطينية يصبح الطريق البري مفتوحًا أمام القوات الصليبية إلى بلاد الشام. أما الطريق الرابع فيكون برًا عبر المانيا وهنغاريا وبلغاريا ثم إلى القسطنطينية وأشار بركارد إلى أهمية هذا الطريق ونصح الملك فيليب السادس باتباعه وأكد بركارد على أهمية التحالف والتعاون مع المغول في حرب مشتركة ضد دولة المماليك مما سيسهل مهمة القوات الصليبية فى الشرق الإسلامي7 . ١‏

وعكف الملك الفرنسي ومستشاريه على تقرير بركارد ودرسوه في عناية واستقر رأيهم على القيام بالحملة الصليبية عن طريق البحرء واجتمع لهذا الغرض مع ملك قبرص وممثلي الفرسان الاسبتارية والبندقية في حضرة البابا حنا الثاني والعشرين وتم الاتفاق بينهم ووقعت اتفاقية بين جميع الاطراف للقيام بتلك الحملة إلا أن قيام الحرب المعروفة بحرب المائة عام بين فرنسا وانجلترا أدى إلى توقف الحملة» إذ بلغ فيليب السادس وهو في ميناء مرسيليا يشرف على الترتيبات النهائية للاقلاع بالقوات الصليبية إلى الشرق نبأ هجوم الانجليز على بلاده فعاد إلى باريس حتى يواجه الأوضاع الجديده.

ومن المشروعات الصليبية لاسترداد الأراضي المقدسة في القرن الرابع عشر الميلادي المشروع الذي قدمه مارينو سانودو 00ناهد5 وصاة34 وهو من أهل البندقية وقد استطاع أن يقوم فيما بين سنتي 11207: ١117م‏ يعمل كتاب عن «أحوال الأرض المقدسة» جدد فيه الخطوات الثلاث اللازمة للقيام بحملة صليبية ناجحة. أما الخطوة الأولى فهي اضعاف مصر اقتصاديًا ثم تأتي الخطوة الثانية وهي احتلال مصر عسكريًا ثم تأتي الخطوة الثالثة وهي استيلاء الصليبيين على الأراضي المقدسة بالشام والاقامة فيها دون أن يخشوا أي ا ل 0 )١(‏ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص 1١191-11١95‏ (؟) د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص ١١94-١١98‏ .114-127.م.م نهلاناخم -

1١6

الحرب الصليبية الاقتصادية ضد المسلمين:

حاول معظم المؤرخين في الشرق التقايل من السبب الديني للحروب المتلبية إناد عن كك وكوه 20 أى كيال بحقيقة بحقيقة القضية الصلييية مع أن الصليبيين والقوى غير الإسلامية تتحد وتتعاون على قتال المسلمين» وأن الأسباب الأخرى من اقتصادية واجتماعية وسياسية واستراتيجية وغيرها إنما تكاملت مع بعضها لتكون سلاحًا موحدًا وموجهًا لحرب الإسلام والمسلمين» لأنهم فيتليون أولا اعني أن الدين المحرك الأول للحروب الصليبية وإن كانت الرموز مختلفة من وقت إلى آنخر”'' وبعد الفشل الذي لحق بالصليبيين في الشرق وانهيار كياناتهم امام قوة المجاهدين المخلصين ومن ثم لجأت القوى الصليبية إلى استخدام الحرب الاقتصادية لاضعاف المسلمين ذلك أن المسرح الاقتصادي هو الذي أبرز الدور الاقتصادي ولم يكن منافسات بين مصانع المسلمين والمصانع الأوروبية أو منافسة في الأسعار والجودة أو مصادر المواد الخام واسواق التصرف وإنما كانت هدف هذه الحرب الاقتصادية اضعاف المسلمين وافقارهم وبالتالي تأتي مرحلة السيطرة العسكرية بسهولة وذلك لتحقيق الأهداف الصليبية الدينية أعني استخدام

- وهنا تجدر الإشارة إلى أن الصليبيين مئذ عهد الحملة الصليبية الثالثة أدركوا استحالة السيطرة على الأماكن المقدسة وفلسطين قبل الاستيلاء على مصر ومن ثم نصحوا الصليبيين بضرورة احتلال مصر أولا ثم فلسطين بعد ذلك وبدأت الحملات الصليبية تركز على مصر ومنها الخامسة والسابعة ومشروعات الحملات الأخرى مثل الرابعة والسادسة كان هدفها مصر واستمرت السياسة الاستعمارية الصليبية والصهيونية المعاصرة تدور حول هذه النظرية #إذا أردت الاستقرار في فلسطين فعليك أن تبدأ باحتلال مصر أولا «لأن مصر موطن رجال الجهاد ووفرة المال والمؤن ومؤمنوها من طراز فريد ولهذا فإن الأمن الفلسطيني مرتبط بمصر والأمن المصري مرتبط بفلسطين وهذا ما أثبتته الأحداث التاريخية على مر العصور ولا زال الصليبيون والصهاينة يركزون على اضعاف مصر اقتصاديا وسلخها من دائرة الجهاد ضد إسرائيل ‏ )١(‏ إن العالم المسيحي في الشرق والغرب وتحالفه مع إسرائيل ومعاضدة الاتحاد السوفيتي للصهيونية عبر قنوات مختلفة ومنها هجرة اليهود الروس إلى فلسطين وحجبه لمصادر القوة المنظورة عن بعض الدول العربية حتى لا تتفوق على إسرائيل» كل هذا يؤكد على معاضدة قوى الكفر في العالم ضد المسلمين على اختلاف مذاهيهم "1١‏

الاقتصاد فى خدمة المسيحية ومن عجب أن هذه السياسة مستمرة حتى 4 | يومنا ".

ولعل استخدام الصليبيين للحصار الاقتصادي كجزء هام في الحرب الصليبية هو أهم مظاهرها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر باعتباره سلاحًا اكثر خطورة من المواجهة العسكرية وخصوصًا بعد أن فشلت القوات الأوروبية مجتمعة في مواجهة الجهاد الإسلامي المخلص في البر والبحر. والمعروف أن دولة المماليك كانت تسيطر على أهم طرق التجارة الدولية بين الشرق والغرب ولم يكن امام الغرب الأوروبي للحصول على منتجات الشرق الأقصى والهند وبخاصة التوابل والبخور إلا الطريق الذي يمر عبر بلاد الإسلام وخصوصًا الدولة المملوكية التي الحقت بقواتها الهزائم المتلاحقة بالقوات الصليبية وحررت ما بقي من بلاد الإسلام في فلسطين وبلاد الشام من دنس الاحتلال الصليبي» وتابعت قواتها البحرية الصليبيين في عمق البحر المتوسط. ولهذا رأى الغرب الأوروبي أن دولة المماليك تجنى ارباحًا طائلة من وراء السيطرة على تجارة الشرقء. وأن لا بد من قطع مصادر الثروة عن المسلمين عامة وعن المماليك خاصة حتى يمكن قهر المسلمين والسيطرة على المقدسات الصليبية والبلاد الإسلامية هذا في الوقت الذي نادى دعاة الحروب الصليبية مثل ماريئو سانودو بأن قوة دولة المماليك إنما مصدرها قيامها بدور الوسيط التجاري بين الشرق والغرب أعني بين الشرق الأقصى من ناحية والجمهوريات الايطالية التجارية مثل جنوا والبندقية من جهة ثانية 1 الطريق المضمون لنجاح الصليبيين في الاستقرار في بلاد الشام وفلسطين هو أن يبدأ الغرب الأوروبي بفرض حصار اقتصادي على دولة المماليك» حتى

)١(‏ من مظاهر الحرب الصليبية المعاصرة عدم تهيأة المناخ الداخلي في العالم الإسلامي لاقامة حياة اقتصادية قوية أو بناء قوة عسكرية ذاتية أو نهضة علمية حقيقية ومن الأمثلة على هذا الموقف الأمريكي من بناء مصنع للآدوية في ليبيا بحجة أنه مصنع ينتج أسلحة كيماوية وموقف الغرب وأمريكا من بناء الصاروخ العراقي والقلق الذي ساورهم ومحاولات أمريكا وإسرائيل وأورويا منع العرب من إقامة صناعة عسكرية ذاتية متقدمة في حين أن العالم غير الإسلامي يعطي من المعونات والتسهيللات بدون حدود.

51

فى الأراضى المقدسة آمنين مطمئنيه 7 .

والواقع أن فكرة الحرب الاقتصادية ضد المسلمين لم تكن جديدة وإنما ترجع أصول هذه الفكرة وجذورها إلى القرن الثالث عشر» من ذلك أن الملك هيثوم الأول ملك أرمينيه الصغرى عندما خاب ظنه في التعاون مع المغول ضد المسلمين لجأ إلى فكرة شن حرب اقتصادية على مصر لاضعاف دولة المماليك بهاء ولما كانت مصر في حاجة ماسة دائمًا إلى الخشب والحديد لصناعة السفن الحربية والتجارية وآلات الحصارء فإن المماليك اعتادوا عندئذ الحصول على هذه المواد الأولية العسكرية» إما طريق من جبال لبنان وإما من اقليم قيليقية وهي الجهات التي كانت تابعة لهيثوم ملك أرمينيه وحليفة بوهيموند السادس أمير امارة طرابلس الصليبية» ولذلك نجد هيثوم ملك أرمينيه يصدر أوامره المشددة سنة م إلى أهالي قيليقيه بمنع الاتجار مع دولة المماليك منعًا بانًا ومنع تزويد سفنهم بما يلزمهم من مواد تجارية هذا في الوقت الذي كان مغول فارس قد استولوا على بلاد العراق وبغداد وقطعوا طريق الفرات التجاري» كما كانت الموانيء الرئيسية على ساحل لبنان مثل طرابلس وبيروت لا تزال في أيدي القوات الصليبية.

وعندما وصل في مايو سنة ١17١م‏ الأمير ادوارد الانجليزي إلى عكا على رأس حملة صليبية صغيرة هاله الأمر عندما رأى تجار المسيحيين وبخاصة من البنادقة الذين يقومون بإمداد الدولة المملوكية بكل ما تحتاج إليه من خشب وحديد والرقيق الأبيض وبالمماليك أنفسهم الذين هم دعامة الدولة المملوكية وهم القوة الرئيسية التي اعتمد عليها جهازهم في الحرب والسلم'" وفشلت محاولات الصليبيين الاحتجاج على ذلك الوضعء وعبئًا لجأت الكنيسة الغربية إلى تهديد التجار الايطاليبن بتوقيع عقوبة الحرمان عليهم إذ مضى البنادقة والجنوية بوجه خاص في سياستهم واستمروا في علاقاتهم

)١(‏ سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص 11١1-١194‏ ز356.م 111 رمقسم اعمس )١(‏ 500.م .11 :90و11

اودلا

التجارية مع دولة المماليك» ولما كان الصليبيون في الشام لا يستطيعون الاستغناء عن الاساطيل اليندقية والجنوية التي تربطهم بالغرب الأوروبي وتنقل القوات والأسلحة والتموين للقوات الصليبية» فإن الكنيسة اضطرت إلى قبول ذلك الوضع رغم ما فيه من أضرار.

وفي الوقت الذي سقطت فيه طرابلس في يد الجيش الإسلامي المملوكي وأخذت عكا تخشى على نفسها من الضياع استولى الجنوية سئة 1789م على سفينة للمماليك محملة بالسكر والتوابل قرب شاطىء الاناضول» ولما سمع السلطان قلاوون الالفى بخبر هذا الاعتداء» هب غاضيًا وهدد بتأديب جنوة عسكريًا وتجاريًا لأنها اعتدت على سفينة اسلامية في البحر المتوسط وادركت جنوة خطورة الموقف فأسرعت إلى استرضاء السلطان قلاوون» وقام الجنوية بتسليم السلطان البضائع التي نهبوها من السفينة الإسلامية» بل عقدوا معه معاهدة صداقة واتفاقية تجارية في /١‏ 0/ 540١م‏ أي قبل سقوط عكا يعام واحد تقريبًا ولا شك أن موقف القوة الذي أظهره السلطان قلاوون كان رادعًا للجنوية ولغيرهم ممن يفكرون في الاعتداء برا أو بحرًا على المسلمين وممتلكاتهم وأقل واجبات السلطان أو الملك أو الرئيس حماية المسلمين وتوفير الأمان والاستقرار لهم .

ولكن فكرة فرض حصار اقتصادي على دولة المماليك في مصر والشام لم تتخذ طابعًا عمليًا واضحًا إلا بعد استيلاء المسلمين على عكا سنة وذلك أن طرد الصليبيين نهائيًا من الشام هز البابوية هرا عنيقاء فحاول البابا نيقولا الرابع أن يستشير الغرب الأوروبي للقيام بحملة صليبية كبرى جديدة لاسترداد الأراضي المقدسة وتأديب المسلمين ولكنه لم يجد الاستجابة المطلوبة فغضب غضيًا شديدًا وهدد الأمراء والملوك وأصدر قرارًا بابويًا بتوقيع عقوبة الحرمان على كافة المدن والجمهوريات والدول الأوروبية التي تتعامل تجاريًا مع دولة المماليك وخص هذا القرار المواد الأولية كالحديد والاخشاب والكبريت والقار باعتبارها مواد أساسية في صنع القوة العسكرية البرية والبحرية كما تضمن منع بيع الرقيق والخيول للمسلمين لنفس الغرض المذكورء وقد أضاف البابا بونوفيس الثامن سنة 149١م‏ إلى المواد

3

السايقة القمح والزيوت والنبيذ ياعتبارهما من الوسائل التي تزيد في قوة دولة المماليك والتي هي في حالة حرب مع القوى الصليبية في العالم. على أن هذه القرارات البابوية التي قصد بها فرض حصار اقتصادي على دولة المماليك في مصر والشام كان من الصعب تنفيذها لأسباب في مقدمتها أن المسلمين بعامة ودولة المماليك خاصة كانت شديدة فى موقفها فى مواجهة السياسة الصليبية والمواقف البابوية وترى دولة المماليك أن الحرب مع الصليبيين هي حرب شاملة يشترك فيها الاقتصاد والاعلام والمجتمع جتبًا إلى جنب مع الأمور العسكرية ومن ثم واجهت مثل هذه القرارات والمواقف بحزم واوقفت تمامًا تعاملها مع كل جهة لا تلبي المطالب المملوكية وخخمصوصًا المواد الآولية التي تساهم في بناء القوة العسكرية ولم يتباكوا على خسارة مالية من جراء وقف التعامل الاقتصادي مع بعض القوى الأوروبية فكانت المعاملة بالمثل الأمر الذي جعل القرارات البابوية والمحاولات الأوروبية التي قصد بها فرض حصار اقتصادي على دولة المماليك قليلة الأهمية» وكان من الصعب تنفيذهاء لأن الموقف الإسلامي كان واضحًا وصادقًا ويقدم المصلحة العامة للإسلام والمسلمين على سائر الأمور”''.

يضاف إلى ذلك أن البابوية لا تمتلك القوة البحرية التى تمكنها من قراف قاو نري سي للنا كد ريق الجمهورية الايطالية احترمت القرار البابوي ولأن الجمهوريات الايطالية كانت تفتقر إلى المواد الهامة لاقتصادها وجل اهتمامها يعتمد على التجارة الأمر الذي كان يحتم عليها مخالفة قرارات البابوية والتعرض لقرارات الحرمان لأنها بلاد يقوم اقتصادها على تجارتها مع الشرق الإسلامي وكانت في العصور الوسطى تحاول اللعب مع الجانبيين وقد

)١(‏ كيف يمكن أن نتصوّر موقف العالم الإسلامي من الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والقدس والطغيان الإسرائيلي المستمر ومع ذلك المواقف السلبية على مدى 1١٠‏ سنة بل أن الكثير من الدول الإسلامية تقيم علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل وتعترف بها الأمر الذي يتناقفض مع الإسلام تناقضاً مطلقاً . وما موقف منظمة المؤتمر الإسلامي الذي يقيم معظمها علاقات مع إسرائيل ويعترفون بها رسمياً وينكرون بذلك الحق الإسلامي في فلسطين والسؤال من فعل هذا كيف يكون مسلماً؟

كر

يزداد جانب على حساب الجانب الآخر وذلك من خلال قوة أو ضعف أحد الاطزاف حتى أن البنادقة حملوا شعارًا خاضًا بهم: «نحن أولاً بنادقة ويعد ذلك مسيحيون» لأن واقع البندقية كبيئة غير منتجة للحبوب اللازمة وصغر حجمها وطغيان البحر على مجموعة جزرها الأمر الذي فرض عليها الاعتماد على الاساطيل التجارية في توفير الحاجات الضرورية لشعبها مع أن هذا العمل لا ينفي دورها الإيجابي في الحروب الصليبية ومشاركتها بالاساطيل والمقاتلين من أسباب نجاح القوات الصليبية في كثير من المواقعء بل الاحتفاظ بالوجود الصليبي في فلسطين وبلاد الشام لاطول زمن ممكن”) ولهذا السبب تقدم هنري الثاني ملك قبرص ( ١١86‏ بمشروع صليبي هام إلى البايا كلمنت الخامس ( -١7:06‏ 1714م) نص فيه على أن أول خطوة يجب اتباعها لضمان نجاح الصليبيين في محاربة المسلمين هي العمل على اضعاف قوة دولة المماليك اقتصاديًا» يضرب حصار بحري على مصر والشام مدة سنتين أو ثلاث بشرط أن يكون الاسطول الصليبي المكلف بالحصار مستقلا تمامًا الاستقلال عن الجمهوريات الايطالية التجارية التي تشكك ملك قبرص في اخلاصها لتحقيق الهدف الصليبي» وقد رأى هنري الثاني أن ذلك الحصار كفيل باضعاف دولة الماليك إلى درجة تجعلها عاجزة عن مقاومة حملة صليبية تنزل بأرض مصر نفسهاء فإذا ما تم ذلك أصبح من السهل الاستيلاء على بلاد الشام والسيطرة على الأراضي المقدسة مادامت قبرص تتولى امداد القوات الصليبية بالرجال والمؤنء وأشار الملك القبرصى فى مشروعه إلى أن ذرلة البذالتك اضعف من الرفة الناضئ: وزؤللة. شيب هجمات المغول والمنازعات الداخلية” , 1

والواقع أن مبدأ الحصار الاقتصادي على مصر وبلاد الشام كسلاح قاطع يسلطه الغرب الأوروبي المسيحي على دولة المماليك لاضعافها ' في

-97 د. فايد عاشور: العلاقة بين البندقية والشرق الأدنى الإسلامي في العصر الأيوبي ص‎ )١( ١6

() د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 31 ص ١‏ -:5 217 د سعيد عاشور: قبرص والحروب الصليبية ص 65 2.26 ,11 :11610

() ما زال الحصار الصليبي اليهودي والشيوعي ينهج نفس مبدأ عدم إتاحة الفرصة للمسلمين -

"1

حين أن دوج البندقية (حاكمها) أرسل مبعوثًا إلى البابا كلمنت السادس يشرح له أن حياة البندقية متوقفة على نشاطها التجاري مع دولة المماليك ويرجوه أن يسمح للبندقية بالتجارة مع المماليك» فأستجاب البابا للرجاء وسمح للبندقية بالمتاجرة في غير البضائع المحظورة مع دولة المماليك وذلك لمدة خمس سئوات تبدأ من سئة ا

ورأت السلطة البابوية أن تنفيذ فكرة الحصار الاقتصادي ضد دولة المماليك في مصر والشام يتطلب انشاء قوة بوليسية بحرية تخضع للبابوية وتقوم بمراقبة شواطىء دولة المماليك وتفتيش السفن التي تسير في شرقي البحر المتوسط وذلك لمنع أية سفيئة أوروبية من الوصول إلى الموانيء الإسلامية والمتاجرة مع دولة الماليك ‏ القوة الإسلامية ‏ التي لقنت الصليبيين دروسًا قاسية في الهزائم وقضت على وجودهم في بلاد الشام. ولم يكتف الصليبيون بحصار البحر المتوسط وإنما نرى أن مارينومانورو الذي سبق أن تعرضنا لمشروعه الصليبي والذي تضمن أن تقوم الاساطيل المسيحية بمراقبة شواطىء الهند أيضًا باعتبارها منبع التجارة بين المماليك والأوروبين”".

وفعلاً بدأت دوريات بحرية صليبية تجوب سواحل البحر المتوسط وتقوم بتفتيش السفن التجارية للتأكد من أنها لا تحمل بضائع ممنوعة لدولة المماليك» بل أن الإحساس العام لدى معظم الأوروبين كان يطبق هذه الحرب الاقتصادية وعلى سبيل المثال فإن أحد النبلاء الايطاليين كان يقوم برحلة بحرية فرأى سفيئة تجارية للبنادقة فشك أنها متوجهة إلى مصرء فنادى على ربان تلك السفينة واوقفها وقام النبيل الايطالي مع رجاله بتفتيش السفينة وعندما سأل بحارتها عن الجهة التي يقصدونها قالوا إنها لبرت مصر ولكن النبيل الايطالي لم يكتف بذلك فطلب من بحارة السفيئة التجارية أن يقسموا

- بأن ينهضوا اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً وذلك بوضع العراقيل وخلق الأزمات ومنع تصدير الخبرة العلمية والتكنولوجيا المتطورة ووضع الشروط الاحتكارية التي لا يمكن معها تجاوز مراحل الضعف والفقر والتخلف وتفرض التبعية للقوى العالمية.

١5١5-١104 الحركة الصليبية ج ؟ ص‎ )١(

(؟) 134-137.م ,3 .اء/ا .لإطجهعومء© معله81 دبوو©ا :بروامه8

11/

الأيمان على أنهم لن يذهبوا إلى مصر ولا يبيعون تجارتهم إلى المسلمين ففعلوا. وينبغي أن نشير إلى موقف دولة المماليك الحازم مع القوى الصليبية التي فرضت الحصار الاقتصادي على المسلمين فإن السلاطين المماليك أصدروا الأوامر السلطانية إلى جهات الاختصاص في الموانىء المصرية والشامية والتجار بعدم تزويد التجار الأوروبين بما يحتاجونه من بضائع الشرق والمنتجات الإسلامية ما لم يقوموا بتلبية احتياجات الدولة المملوكية من المواد العسكرية وفي مقدمتها الاخشاب اللازمة لبناء للأسطول وآللات الحصار ومدافع المجانيق والحديد والرقيق وغيرهاء ولكن قرار الحرمان الصادر عن البابوية ضد كل من يتاجر مع المسلمين أو يبيع لدولة المماليك المواد المذكورة عرقل حركة التجارة؛ وامام المراقبة البحرية الصليبية للسفن التجارية اضطر المماليك إلى المعاملة بالمثل فلحق الضرر بالدول التجارية وخحصوطا الدويلات الايطالية مثل البندقية وجنوة وبيزاء فسعت تلك القوى ونخصوصًا البندقية إلى البابا فشرحت له الضرر الذي لحق بها نتيجة الحصار الاقتصادي ضد المماليك وأن ظروفها الطبيعية جعلت اقتصادها يقوم على نقل التجارة بين الشرق والغرب لذلك سمح البابا للبنادقة بالمتاجرة مع الدولة المملوكية في بعض المواد قليلة الأهمية. أما بالنسبة للخشب فقرر البابا أنه بإمكان التجار البنادقة أن يبيعوا إلى دولة المماليك الواحًا خشبية لا يزيد طول الواحد منها عن خمسة أقدام أي حوالي متر ونصف المترء ولما كان هذا النوع من الخشب لا يحقق حاجة دولة المماليك في بناء قوتها البحرية فإن السلطان المملوكي رفض شراء هذا الخشب وشدد على أن دولة المماليك تريد الواححا خشبية بطول لا يقل عن خمس وعشرين قدمًا مع الحديد اللازم» فإن لم يفعل البنادقة هذاء فلا تعامل تجاري معهم »2 ونتيجة هذا الموقف الرائد دخلت البندقية في صراع مع البابوية وتحملت قرارات الحرمان والموقف العدائي الصليبي منهاء وحاولت الافلات من الحصار الاقتصادي بطرق شتى حتى تتبادل تجاريًا مع دولة المماليك ما يريدونه"''.

١77 شارل ديل : البندقية جمهورية أرستقراطية ص‎ )١( - ١14-178 د. فايد عاشور العلاقة بين البندقية والشرق الأدنى الإسلامي ص‎

51

ونظرًا لموقع جزيرة قبرص الفريد في شرق البحر المتوسط فقد تم الاتفاق على جعلها مقرًا لتنفيذ المشاريع الصليبية سابقة الذكرء وإذا كانت الظروف والاحوال لم تمكن هنري الثاني ملك قبرص أو خلفه هيو الرابع (:؟* 1١‏ 4ه"1) من القيام بعمل ايجابي ضد المماليك. ولكن الملك القبرصي بطرس الأول لوزجنان كان متحمسًا للحروب الصليبية فلم يلبث أن قام بحملة صليبية كبيرة ضد مدينة الاسكندرية سنة 1156م وترتب على هذا العدوان تدهور العلاقات التجارية بين دولة المماليك والتجار الايطاليين وبخاصة البنادقة والجنوية لذلك أرسلت البندقية في ابريل 1757م رسلاً إلى السلطان المملوكي شعبان تؤكد له أن السفن الصليبية التي هاجمت الاسكندرية لا علاقة للبنادقة بها وأنهم لم يقدموا المساعده للملك بطرس لوزجنان ولم يشتركوا معه وحاولوا منعه من الهجوم على بيروت أيضًا ولكن تلك الهجمات التي تزعمها ملك قبرص تركت آثارها على تجارة البنادقة والجنوية» فهي لم تؤثر في تجارتهم مع الدولة المملوكية فحسب» بل أيضًا في علاقتهم مع بقية البلاد الإسلامية ومن أمثلة ذلك أن بعض التجار الجنوية والبنادقة قصدوا بلاد العراق برًا بعد الهجوم الصليبي على الاسكندرية سئة 06م للتجارة كعادتهم ولكن السلطان أويس منعهم من دخول بغداد أو المتاجرة بهاء وقال لهم «ارجعوا إلى سلطان مصر واستدركوا ما افسدتم في الاسكندرية» وأتوني بخط ملك مصر منه00".

وكان القبارصة في غاية التعصب الصليبي» وأخذوا يقومون بالاغارة

-766 عع0202:108ء ع1 ,لإرنظ8 ,415 ,356.مم رععتدء؟؟ بمماولط بزاعهء ع1 .«موعله2 ع- -151.م .3 701 ,لإأتصة نا وأمط0 صتاهة بوروطءز!؟ خوط لابمعلط 606.مم ,لدرماولتط لوععتل -60:م /5]059 15[ لمة ععتمةء/ رنوعء0[1 ,.347,.م الإعممدم عط 220 عتتمسظ عط1 ,ه11 ,154 -748/ 126 بأمقطم011 :53.م ,عتاطناصعظ8ظ سمنتاعمع/؟ ,مدمءظ :132-135.مم بععامعلا ,اعزس 61 ا78-8.مم عملدة؟ 01 ورعكا )١(‏ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص 6١7١7-1١15غ+‏ قبرص والحروب الصليبية ص الا وجدير بالذكر أن هذا الموقف العظيم لسلطان بغداد باعتباره جزءا من الجسم الإسلامي الكبير كان يعبر عن روح الإخوة الإسلامية الصادقة وهذا ما يفتقر إليه المسلمون في عصرنا. فنحن الإسلام.

احلدنا

على شواطىء مصر وبلاد الشام بين حين وآخر وشددوا في احكام الحصار الاقتصادي على المسلمين ونشطوا في حرمان دولة المماليك من أعظم موارد ثروتها وهي التجارة» وأطاع التجار الأوربيون الأوامر البابوية التي تمنع الاتجار بتانًا مع المسلمين وذلك من خلال شعورهم الديني الصليبي العام علاوة على طاعة الجهاز الكنسي والخوف من مخالفة الأوامر البابوية ومع ذلك فإن بعض التجار الأوروبيين اعتبروا التجارة مع الدولة المملوكية مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم» لأن الارباح التجارية كانت مصدرهم الرئيسي للحصول على الثروة وفي مقدمة هؤلاء التجار البنادقة والجنوية والبيازنه ولذلك نرى ملوك قبرص من آل لوزجنان يستغلون موقع جزيرتهم في شن حرب شعواء دائبة على ذلك النفر من التجار الأوروبين الذين ظلوا يتاجرون مع بلاد المسلمين بعامة وبلاد السلطان المملوكي خاصة وكانت سفن قبرص تتربص طريق السفن الأوروبية في الذهاب والعودة وتفتك بهم أشد فتك» وهكذا بقي أهل قبرص «يفسدون في البحر» ويقطعون الطريق على المراكب الآتية إلى الموانىء المصرية والشامية لاعتقادهم أن سياسة الحصار الاقتصادي هي أقوى سلاح لهدم قوة دولة المماليك التي تتصدى للعدوان الول 0

ومع أن موقف دولة المماليك الإسلامية كان قويّا في مواجهة العدوان الصليبي فإن القوى الصليبية اعتمادًا على التعاون والتعصب الصليبيى ضد الإسلام والمسلمين» جعل هؤلاء لا يتوقفون عن سياسة العدوان العسكري والحرب الاقتصادية والاعلامية ونشط الصليبيون في حربهم الاقتصادية وارادوا توشيع دائرة تلك الحرب فرغبوا في السيطرة على البحر الأحمر حتى يكتمل تطويق دولة الماليك الإسلامية اقتصاديًا وعسكريًا . على أن قطع تجارة الشرق الأقصى عن البحر الأحمر كان يتطلب أمرين هامين أولهما هو البحث عن طريق آخر لتجارة الشرق بحيث لا تمر عبر البحر الأحمرء بمعنى كشف )١(‏ العيني (مخطوط): عقد الجمان ج ١5‏ قسم ٠‏ ورقة 01/7 (مخطوط) د. سعيد عاشور: قبرص

والحروب الصليبية ص 86-84 .5.29 11 عمره1 .لنزه11 ”7

طريق جديد للتجارة بين الشرق وأوروبا لا يمر عبر البحار والبلاد التى تسيطر عليها دولة المماليك والأمر الثاني هو تحالف القوى الصليبية مع إحدى القوى غير الإسلامية الواقعة قرب مدخل البحر الأحمر من ناحية الجنوب (باب المندب) لتساعد الصليبيين والأوروبيين في قطع التجارة الواردة إلى دولة المماليك عن طريق البحر الأحمر أما عن الأمر الأول وهو البحث عن طريق جديد» فإن جنوا الايطالية بدأت فعلاً في البحث عن طريق آخر جديد يوصلها إلى بلاد الشرق الاقصى وترتب على هذه المحاولاات كشف بعض اجزاء الساحل الغربي لافريقيا في مواجهة جزر كناريا مما يعتبر مقدمة للجهود التي أدت إلى كشف طريق رأس الرجاء الصالح فيما بعد ولقد توالت الجهود الأوروبية الاسبانية والفرنسية والانجليزية وغيرهم انطلاقًا من الفكرة الصليبية الأساسية ومن ثم فإن معظم الذين ركبوا المخاطر البحريه في سفن الكشوف الجغرافية كانوا من رجال الكنيسبة أو من انصارها وبتأييد من قادة الدول الأوروبية ومباركة البابا حتى أن معظم المواقع التي تم الكشف عنها حملت اسماء القديسين الذين شاركوا فى الكشوف الجغرافية باعتبار هذا العمل جزء من الحرب ضد الإسلام والمسلمين ومن المشاريع الصليبية التي تنادي بالبحث عن طريق آخر غير طريق مصر للحصول على تجارة الشرق الأقصى ما قدمه الراهب الفرنسيسكاني فدنزيو 71068210 للبابا نيقولا الرابع» والذي نادى فيه بتحويل تجارة الشرق الأقصى عن البحر الأحمر ومصر إلى الخليج العربي وفارس ثم أرمينية الصغرى وموانىء قيليقية» ومن هناك تحمل السفن الأوروبية المتاجر الشرقية إلى أوروباء وقد اضطرت الجمهوريات الايطالية تحت ضغط البابوية إلى استخدام هذا الطريق» وترتب على هذا اشتعال روح التنافس بين البندقية وجنوا في البلقان وموانىء البحر الأسود والقسطنطينية وجزر بحر إيجه وجزيرة قبرص وكريت وأدى هذا التنافس إلى ظهور عدة طرق جديدة للحصول على تجارة الشرق الأقصى عن طريق جديد لا يمر ببلاد دولة المماليك وأول هذه الطرق وأهمها طريق جزيرة قبرص وموانىء أرمينية الصغرى فالجزيرة فتبريز وثانيهما طريق البحر الأسود ثم موانىء طرابيزون وسينوب ومنها برا إلى الفرات فتبريزء وثالث هذه الطرق طريق جنوب روسيا قف

والقوقاز فالشرق الأقصىء ولكن أهم هذه الطرق هو الطريق الأول عن طريق أرمينية الصغرى حيث كان الأرمن الذين عرفوا بتعصبهم الصليبي ضد المسلمين فتحالفوا مع المغول ضد المسلمين وأدى هذا التحالف بين المغول والأرمن إلى تأمين هذا الطريق وتنشيطه وانتعاش اياس الواقعة على الشاطىء الجنوبي لأرمينيه وبذلك بدأ الخطر يهدد دولة المماليك» وتراجعت التجارة الشرقية عن المرور في اراضي دولة المماليك فقل المال وبدأ الضعف ثم الانهيار 20 .

تحالف الحبشة مع الصليبيين:

بعد أن احرز الصليبيون نجاحًا في البحث عن طريق جديد للتجارة عن طريق أرمنية شرعت القوى الصليبية بالبحث عن حليف للصليبيين لغلق البحر الأحمر في وجه دولة المماليك من ناحية الجنوب» فلم يكن هناك أفضل من دولة الحبشة المسيحية ليحالفها الصليبيون ويعتمدون على مساعدتها في اغلاق باب المندب ومنع تجارة الشرق الأقصى من السير فيه إلى موانىء مصر الشرقية ولذلك حرصت البابوية منذ القرن الرابع عشر الميلادي بعد طرد القوى الصليبية نهائيًا من الشرق الإسلامي على يد القوات المملوكية ‏ على تقوية صلتها بالحبشةء فقام وليم آدم الراهب الدومينكاني الذي اختاره البابا نيقولا الرابع سنة ١122م‏ للتبشير في الشرق برحلة طويلة زار فيها دولة مغول فارس ومنها انتقل إلى عدن فشرق افريقية والحبشة ثم عاد إلى اورويا سنة وفي نفس الوقت أرسل البابا يوحنا الثاني والعشرين سفارة من الدوميتكان إلى الحبشة لنفس الهدف ولكن رجال هذه السفارة وقعوا في قبيضة دولة المماليك في مصر كذلك كان مصير سفارة أخرى من الدومينكان أرسلها ملك فرنسا إلى الحبشة سنة 778١م.‏ وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الاتصالات بين الغرب الأوروبي من ناحية وملوك الحبشة المسيحيين من ناحية أخرى نجحت في ضم الحبشة إلى الحرب الصليبية ومن ذلك ما ذكره

)00 د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص لا١١١-9١١١‏ 49.م 1[ نلبزه]ط :41.م ندزتام

517

لابروكيير 6:6ذنتوه:2 من أن ملك الحبشة أسرع عندما علم بأنباء اغارة ملك قبرص بطرس لوزجنان على الاسكندرية سنة 1170م إلى اعداد جيش ضخم وزحف بقواته تلك شمالاً لمهاجمة دولة المماليك من ناحية الجنوب ولكنه لم يكد يقترب من تلك الحدود حتى علم بانسحاب بطرس لوزجنان من الاسكندرية» فقفل ملك الحبشة راجعًا إلى بلاده بعد أن خسر فى تلك العملية عددًا ضخمًا من قواته» وتشير تلك الحادثة إلى وجود اتصالات بين ملكي قبرص والحبشة بقصد مهاجمة المماليك من الشمال والجنوب”"' .

ولكن ملك الحبشة اسحق الأول ( ١414‏ 1874م) فكر في القيام بحملة صليبية كبرى ضد دولة المماليك في مصر وشجعه على المضي في خطته تلك عاملان أولهما هروب الأمير الطنبفا والي قوص اليه ودخوله في خدمته وقيامه بتدريب الجيش الحبشي على استعمال السيوف والرماح والزرديات والنفط””' بعد أن كان الاحباش لا يعرفون غير استعمال النفط وأشار المقريزي إلى احوال الاحباش وكيف أن أحد الاقباط واسمه فخر الدولة ذهب إلى الحبشة وقام بتنظيم الدواوين لملك الحبشة «فصار ملكا له سلطان وديوان بعد ما كانت مملكته ومملكة آبائه هما لا ديوان ولا ترتيب ولا قانون»9".

أما عن العامل الثاني الذي فكر فيه ملك الحبشة فهو القيام بحملة صليبية كبرى ضد دولة المماليك وذلك بعد أن قامت اساطيل دولة المماليك بغزو جزيرة قبرص سنة 475١م‏ وأسرهم ملكها جانوس.» الأمر الذي أثار غضب ملك الحبشة وأراد الانتقام من المسلمين فكتب اسحق الأول إلى ملوك أوروبا سنة 478١م‏ يدعوهم إلى مشاركته في حملة صليبية كبرى ضد المماليك في مصرء وتم الاتفاق فعلاً ووضعت خطة مزدوجة بحيث تقوم الاساطيل الأوروبية بمهاجمة مصر بحرًا من جهة الشمال في حين تقوم قوات

١111-15١١ ص‎ ١ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج‎ )١( 7١6 مخطوط العيني: عقد الجمان ج 77 ص‎ )١( 4 المقريزي: الإلمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام ص‎ )7(

يفف

الحبشة بمهاجمة مصر برًا من جهة الجنوب وتمت الترتيبات الخاصة بتنفيذ الحملة إلا أن السلطان المملوكي حر برسباي كان يقظّا وكشفت مخابراته العسكرية أسرار الحملة الصليبية فتأهب للأمر وكان ملك أرغونه - الفونس الخامس ‏ شرع في اعداد أسطول ليقوم بالهجوم على شواطىء دولة المماليك وأرسل سفارة إلى ملك الحبشة يؤكد فيها حسن نواياه عن طريق عقد مصاهرة بين الطرفين وكذلك حاول ملك فرنسا تشجيع ذلك المشروع الصليبي على الرغم من انشغال فرنسا عندئل بحرب المائة عام ومع ذلك فإن تحقيق الآمال الصليبية لملك الحبشة كان من الأمور الصعبة وذلك لبعد السادة بين الحبشة وغرب اورويا من ناحية وصعوية أحوال اوروبا والحبشة فى ذلك الوقت من ناحية ثانية وحذر واحتياط دولة المماليك من جهة ثالثة ومع ذلك فإن فكرة استغلال الحبشة في القيام بحملة ضد دولة المماليك والمسلمين ظلت قائمة في أذهان أصحاب المشاريع الصليبية في غرب أوروبا حتى أواخر القرن الخامس عشر الميلادي07) ومن الأدلة على ذلك أنه حدث سنة 1567م أن كتب حنا جرمان «نةدمه6 مدع تقريرًا لانقاذ شرق أوروبا من توسع العثمانيين المسلمين أشار في تقريره إلى أن البابا أيوجنيوس الرابع نجح في مجمع فلورنسا سنة 1478م في اصلاح العلاقات بين الكنيستين الشرقية والغربية وأن هذا من شأنه أن يجعل من الممكن أن يشكل المسيحيون الشرقيون ومن جملتهم «يعاقبة الحبشة» جبهة قوية في وجه المسلمين” . ولكن يقظة سلاطين المماليك جعلت مؤامرات الحبشة والقوى الصليبيبة

)١(‏ الحبشة من البلاد التي كانت وما زالت موضعا معاديا للإسلام فعلاوة على تلك المحاولات فإن دور الأحباش في البحث عن أسلوب أو عن طريقة للإيقاع بالمسلمين لم تتوقف واستعرت تلك الروح العدائية في العصر الصليبي وفي عصر الكشوف الجغرافية ثم في ظل القرث العشرين فعلاوة على اضطهادها للمسلمين وتشجيع كل عداوة ضدهم فإن الأحباش يتعاونون الآن مع إسرائيل منذ قيامها وما زالوا يرسلون باليهود الأحباش إلى فلسطين المحتلة ويتعاونون مع اليهود في كل أمر يلحق الضرر بالمسلمين وهنا تجدر الإشارة إلى أن سلاطين المماليك ومن قبلهم الدولة الأيوبية ثم الدولة العثمانية في العصر الحديث أدركوا خطورة الأحباش فلم يغفلوا أمرهم وكان المسلمون ن لهم بالمرصاد ‏ أما اليوم فلا؟

(؟) د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 7 ص ١7111-171١١‏ 207.م :48 المقريزي: الالمام بأخبار من بأرض الحبشة من ملوك الإسلام ص 4 .

ترف

تنتهي بدون جدوىء بل أن سلاطين المماليك في مصر احتاطوا لكافة الأمور وأخذوا يراقبون البحر الأحمر مراقبة دقيقة ولا يسمحون للأوروبيين باجتيازه إلا بتصريح خاص من السلطان المملوكي”"' .

ونتيجة لفشل الحروب الصليبية في بلاد الشام وفلسطين واندحار القوى الصليبية عام ١19١م‏ وفشل الغرب الأوروبي في تنصير جميع المغول لحصر الإسلام بين قوتين مسيحيتين بالاضافة إلى ظهور قوة الدولة العثمانية الإسلامية من ناحية وفشل الاعتماد على الحبشة في القيام بعمل حربي ضد المسلمين في الشرق الأدنى» كل هذا دفع الأوروبيين إلى فكرة جديدة هي محاولة اكتشاف طريق جديد غير طريق دولة المماليك الإسلامية للوصول إلى الشرق وتجارته وذلك لتحقيق اهداف صليبيبة تؤدي إلى سيطرة المسيحيين على البلاد الإسلامية» فإن هدف الكشوف الجغرافية فى جوهره هدف دينى» واتخد الأوزوييوق مخ الغوامل :السترافية والامتصاهيد صورًا واشكالاً مق أجل تغلب العالم الصليبي على المسلمين وكان أن تمكن فاسكودي جاما البرتغالي من كشف طريق رأس الرجاء الصالح إلى الهند ( 15891 15494م) فكان ذلك بمثابة ضربة عسكرية ضد دولة المماليك وإن كان فى ظاهرها ضعف الموارد الاقتصادية والعوائد التجارية» وفي الحروب التي اعقبت ذلك الاكتشاف بين دولة المماليك والقوى البرتغالية أسهمت دولة الحبشة بنصيب كبير مع البرتغاليين المسيحيين ضد المماليك المسلمين”".

وكانت الاتصالات الودية بين البرتغاليين والاحباش قد بدأت قبل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالحء إذ أرسل ملك البرتغال كوفلهام سنة إلى افريقيا لكشف مواطن البهارء فوصل إلى الحبشة حيث تزوج هناك ويقال إنه جرت مباحثات هامة حول القيام بحرب صليبية يشارك فيها الاحباش مع البرتغاليين وذلك بهدف توجيه ضربة قاضية ضد دولة المماليك ولكن هذه المحاولات لم تصل إلى حيز التنفيذ إلا بعد اكتشاف طريق رأس

)١(‏ .439.م 11 نلملزه11 :207.م نوزناة (؟)د. سعي.ك عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١71‏

نيتنا

الرجاء الصالح وبعد أن تمكنت اساطيل البرتغال من انزال هزيمة بحرية ضد اسطول المماليك في موقعة ديو البحرية سنة 10:9" فعندئذ أرسلت هيلانة ملكة الحبشة رجلاً أرميئًا اسمه ماتيو في سفارة سنة ١٠16م‏ إلى عمانويل ملك البرتغال لاجراء مباحثات معه من أجل عقد معاهدة حربية بينهما ضد المسلمين» ولقد حرصت ملكة الحبشة في رسالتها إلى ملك البرتغال على تلقيبه «بقاهر المسلمين» وأظهرت اعجابها بما حققه البرتغاليون من انتصارات على المسلمين في المحيط الهندي كما أبدت رغبتها في أن يمدها البرتغاليون بالسفن اللازمة لنقل جنودها الاحباش إلى بلاد الحجاز لغزو مكة وتحطيم الكعبة فى محاولة جديدة كما حاول أبرهة الاشرم الحبشي من قبل كما أنها وعدت باغلاق 'البحر الأحمر من ناحتي. الطور. شمالاً .وياب «المندت ا

ومن المحاولات الصليبية ضد دولة المماليك مناداة الصليبيين بتصعيد لخر الاقتصادية الفففيق. معنف ستكري: ومن نم ! الرضوله إل اذلال المسلمين وذلك عن طريق تجويع مصر والقضاء على من فيها وذلك بتحويل مجرى النيل في الحبشة”" ولقد هدد ملوك الحبشة اكثر من مرة بتحويل مجرى النيل في بلادهم وذلك بهدف تجويع مصر واضعاف قدراتها العسكرية9 .

ولقد أثار فيليب دي ميزيير صاحب المشروع الصليبي الكبير في القرن

)١(‏ جدير بالذكر أن دولة المماليك كانت تدرك الأخطار الصليبية وأبعادها وتتحرك لتواءجه هذه الأخطار من منطلق الفهم الإسلامي الصحيح باعتبار بلاد الإسلام والمسلمين تمثل جسداً واحداً ومن ثم أرسلت دولة المماليك أساطيلها عبر البحر الأحمر ثم إلى شواطئ الهند عبر المحيط لتقاتل البرتغاليين الذين أقاموا لهم مستوطئات استعمارية في الهند ولم تتعلل دولة المماليك يبعد المساقة أو عدم المسؤولية.

زقفق د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟' ص ١١١7-15١5‏ 256 6 254.م.م 11 :رعتعصسصوط

زسرف تقوم إسرائيل هذه الأيام بالتعاون مع الحبشة لتحقيق هذه الفكرة» لأن العدو الصهيوني يقوم الآن بنفس الدور الصليبي ولذلك فإن العالم المسيحي هو دعامة الوجود الصهيوني في

الشرق . زفق السخاوي: التبر المسبوك في ذيل السلوك ص 59-51 » د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج “اص ١5١”‏

صا

الرابع عشر الميلادي إلى إمكان تنفيذ مشروع تحويل مجرى نهر النيل للقضاء على دولة المماليك» كما أرسل الفونس الخامس ملك ارغونه إلى ملك الحبشة سنة ٠56١م‏ يطلب منه أن يعمل على تحويل مجري نهر النيل ثم مهاجمة مصر من جهة الجنوب في الوقت الذي يقوم الفونس نفسه بغزو فلسطين واحتلال القدس"؟2. ولما اشتد النزاع بين دولة المماليك والبرتغاليين بعد كشف طريق رأس الرجاء الصالح». أرسل البوكيرك قائد اللأسطول البرتغالي إلى ملك البرتغال يطلب امداده بعدد كبير من المدربين وأصحاب الخبرة في قطع الصخور وحفر الأرض للعمل فورًا على تحويل مجرى نهر النيل ولكن ظهور الدولة العثمانية الإسلامية وتصديها للعدوان الصليبى والبرتغالي اوقف تلك المحاولات فإن اساطيل الدولة العثمانية فرضت وجودها في البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي وقضت على الوجود البرتغالي في المنطقة والتزمت الحبشة الصمت خوقًا من انتقام الدولة العثمانية حامية العالم الإسلامي طوال قرون عديدة.

)١(‏ .119.م ,11 عه زععم معلزمط عدن عسعتئط! عل عامعبامع126 هآ تعرعاعده8 ها عدا وفنا

(الفصل السابع جهاد المماليك ضد أرمينية الصغرى الصليبية

قامت مملكة أرمينية الصغرى في اقليم قليقية بين جبال طوروس والبحر وأمتدت حتى حدود امارة انطاكية» وكان سكانها خليط من آسيا الصغرى المسيحيين الذين هربوا إلى تلك المنطقة الجبلية في جنوب شرق أسيا الصغرى ومن أشهر أمراء أرمينية الصغرى الأمير روبان الذي عاصر استيلاء السلطان صلاح الدين الأيوبي على مدينة القدس. وقد خلف الأمير روبان الأمير ليو أو ليون الذي نال عطف البابوية فضلاً عن الامبراطورية الغربية» فأعترف به الامبراطور هئري الرابع ملكا على أرمينية الصغرى وتم تتويجه ملكا سنة 94١١م‏ وبذلك ولدت مملكة أرمينية الصغرى في التاريخ وأخذت تقوم بدورها الصليبي ضد المسلمين؟.

وكان السلطان الظاهر بيبرس مدركًا لخطورة موقع مملكة أرمينية الصغرى المسيحية بين القوى الإسلامية والمسيحية العديدة في شمال بلاد الشام والعراق وشرق آسيا الصغرى» هذا بالاضافة إلى اتصال الأرمن بالبابوية والقوى المسيحية في غرب أوروبا من ناحية وبمغول فارس لحثهم على مهاجمة المسلمين في بلاد الشام من ناحية أخرىء لكل ما تقدم جعل السلطان الظاهر بيبرس مملكة ارمينية الصغرى المسيحية فى حساباته العسكرية وخصوصًا عندما هاجم امارة انطاكية الصليبية لعقاب أميرها بوهيموند السادس على محالفته التتار ضد المسلمين ثم كرر الهجوم على انطاكية عام 557١م‏ وحاصرها وأوشك على الاستيلاء عليها لولا تدخل هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى الذي طلب النجدة من المغول مما أدى إلى

1١7؟1١15-1١11١6 د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص‎ )١(

حرق

جلاء القوات الإسلامية عن انطاكية بعد أن أسروا اكثر من ثلثمائة أسير"©»

ولم ينس الظاهر بيبرس موقف هيثوم الأول ملك أرمينية الصغرى لذلك أرسل السلطان جيشًا كبيرًا في صيف 157١م‏ تحت قيادة الأمير قلاوون الألفي والملك المنصور الثاني الأيوبي صاحب حماه لمهاجمة أرمينية الصغرى وتمكنت القوات الإسلامية من الحاق هزيمة كبرى بالأرمن وحلفائهم قرب دربساك في 777/8/1754١م»‏ وقد قتل في الموقعة أحد أبناء الملك هيثوم وأسر ابنه الثاني في حين كان هيثوم نفسه بعيدًا عن بلاده في تبريز يطلب مساعدة التعار 20 وشمل الهجوم الإسلامي مدنا كثيرة منها أذنه والمصيصه وطرسوس وأشعلوا النار في عاصمة أرمينية الصغرى المعروفة يدل على نجاح الحملة الإسلامية ضد مملكة أرمينية الصغرى المسيحية أن الملك هيثوم الأول تنازل عن العرش سنة 179١م‏ لابنه ليو الثالث كما أصبح دور تلك المملكة ضعيقًا في الاحداث المقبلة""'.

وكان العداء بين دولة المماليك الإسلامية ومملكة الأرمن المسيحية مرتبطا بالحروب الصليبية بشكل عامء وهكذا استمرت الحرب بين المسلمين ومملكة أرمينية الصغرى يعد السلطان الظاهر بيبرس» ومن ذلك ما قام به السلطان المنصور قلاوون الألفي من مهاجمة اياس سنة 1147م وانزل الهزيمة بقوات الأرمن ويقول المقريزي: «وفي هذه السئة غارت العساكر على بلاد الأرمن»؛ ووصلوا إلى مديئة اياس وقتلوا ونهبوا وحرقواء واقتتلوا مع ل م مادا و سالمين ظافرين

بالغنائم”*' ويبدو أن ملوك أرمينية الصغرى عقب الهزائم المتلاحقة التي نزلت بهم على أيدي قوات السلاطين المماليك اضطروا إلى دفع الجزية السنوية كدليل على الخضوع والطاعة ويبدى أن تلك الجزية استمرت حتى عهد

"9 د. سعيد عاشور: العصر المماليكي ص‎ )١(

)١(‏ المصدر السابق ونفس الصفحة

() مفضل بن أبي الفضائل : كتاب النهج السديد ص ١67‏ (:) السلوك ج ١‏ ص الا

نرف

السلطان الأشرف خليل بين قلاوون بطل الانتصار الإسلامي الكبير على الصليبيين في عكاء وعندما حاول الأرمن قطعها في تلك الاثناء ظنًا منهم أن عكا لن تسقط في أيدي المسلمين وأن النجدة ستصل إليهم من الغرب» إلا أن ظنهم ذهب ادراج الرياح بسقوط عكا وشرع الأشرف خليل في الحركة لتأديب الأرمن «وفي جمادي الآخرة قدم الأشرف دمشق فنزل في القصر الأبلق والميدان الأخضر وجهز الجيوش وتهيأ لغزو بلاد سيس عاصمة الأرمن وقدم في غضون ذلك رسل صاحب بلاد سيس يطلبون الصلح» فشفع الأمراء فيهم فسلموا بهسنا وتل حمدون ومرعش وهي اكبر بلادهم وأحسنها وأحصنها! وكان السلطان الأشرف خليل قد أرسل رسالة إلى هيثوم الثاني ملك أرمينية الصغرى يخبره يفتح عكا ويذكره بقوة دولة المماليك ويطلب منه أن يعتبر بما حل بعكا وإلا «تندم ندامة أهل عكا حيث لا ينفع الندم»”2 فخاف ملك الأرمن وسير نوابه لبذل الطاعة فضلاً عن أن ملك أرمينية أعلن ولاءه للسلطان كما بينا. ولكن مملكة أرميئية الصغرى المسيحية حاولت الاخلال بالعهد ونقض الاتفاقات مع المماليك وحاولوا استعادة بعض البلدان التي نزلوا عنها لدولة المماليك ولذلك فإن السلطان المنصور لاجين عندما أحس من الأرمن سوء النية أرسل حملة عسكرية هاجمت مدينة سيس العاصمة واستولت على تل حمدون وأغضب هذا العمل الأرمن وحملوا ملكهم سمباد تبعة تلك الهزائمء فعزلوه وأحلوا مكانه أخوه قسطنطين سنة 198١م‏ فأظهر الملك الجديد الطاعة للمماليك وعقد معهم اتفاقية تنازل لهم بمقتضاها عن كثير من القلاع والمراكزء ولكن الأرمن تنكروا لتلك الاتفاقية وأرادوا الغدر بالمسلمين وشجعهم على ذلك تحركات التتار بقيادة غازان للهجوم على بلاد الشام سئة 749١م‏ وعندئذ اضطرت دولة المماليك إلى الانسحاب من المدن الأرمينية التي كانت في حوزتهم» وكانت اورويا بزعامة البابوية قد شرعت تستخدم الحرب الاقتصادية ضد دولة المماليك الإسلامية بعد أن عجز الغرب الأوروبي الصليبي عن تحقيق أهدافه العسكرية» ولهذا فإن مملكة أرمينية

777 البداية والنهاية ج 11 ص‎ )١( 110-115 (؟) محمد جمال الدين سرور: دولة بني قلاوون في مصر ص‎

كرف

الأوروبي والبابوية من أجل فرض الحصار الاقتصادي على المسلمين ومن ثم فتح الأرمن موانيهم وبخاصة اياس للسفن الغربية وقد دفع ذلك الغرب الأوروبي إلى تحويل جزء كبير من النشاط الاقتصادي إلى طريق اياس ‏ الجزيرة ‏ تبريزء واستعاض التجار الأوروبيون بهذا الطريق عن طريق دولة المماليك المعروف في الحصول على كثير من متاجر الشرق» وحاول الأرمن تشجيع التجارة عن طريقهم ولهذا لجأوا إلى تخفيض الضريبة على البضائع المارة بأرمينية من 5/ إلى 7/ من قيمة البضاعة الأمر الذي ترتب عليه ازدياد اقبال التجار الأوروبين على هذا الطريق وتركوا طريق دولة المماليك» فغضب المماليك على الأرمن وخصوصضًا بعد أن ظهر واضحًا التفاهم بين الغرب الأوروبي والمغول والأرمن وقبرص وذلك بهدف احكام الحرب الاقتصادية ضد دولة المماليك في مصر والشام فلم يسكت السلطان المملوكي الناصر محمد بن قلاوون عن ذلك الوضع فأرسل الأمير بكتاش الفخري على رأس حملة ضد أرمينية الصغرى سنة ١70١م‏ وانضم إليه نائب حماهء ثم هاجمت تلك الحملة عاصمة الأرمن مدينة سيس وضربتهاء وقد انتقم الأرمن من أرمينية الصغرى سنة 1754م عقب فراغه من حرب المغول» وفي تلك الحملة دخل الجيش الإسلامي مدينة سيس «وضربوا الضياع وأسروا أهلها» كما استولوا على قلعة تل حمدون» ثم عادت قوات الإسلام المملوكية ومعهم عددًا كبيرًا من الأسرى وقدرًا ضخمًا من الغناته .

ومع أن أرمينية الصغرى تعهدت بدفع الجزية بانتظام لدولة المماليك وذلك اظهارًا للإسلام وخضوع خصومه. إلا أن ملوك الأرمن لم يحافظوا على عهدهم كسائر القوى الصليبية الأخرى الأمر الذي دفع نائب حلب الأمير

)١(‏ النويري: نهاية الأرب ج لا ص 14-117ء المقريزي: السلوك ج ١‏ ص 454.؛ ,11 :لزه1؟ |

برض

سيف الدين قشتمر جيشًا لمهاجمة بلاد الأرمن فدمر كثيرًا من القرى الأرمينية واحرق بعضها حتى تمكنت قوات المغول والأرمن من صد قوات المماليك واوقفوا تقدمهم وهزموا قواتهم وهنا نؤكد على أن القوى غير الإسلامية تلتقي في جبهة واحدة لمحاربة المسلمين والسلطان الناصر محمد بن قلاوون لم يسكت على تلك الهزيمة وغدر الأرمن فأخذ يستعد للانتقام وأخذ يعد حملة جديدة بقيادة الأمير بكتاش الفخري لمهاجمة أرمينية» لذلك بادر ملك أرمينية بارسال رسالة عاجلة إلى نائب حلب حاول فيها أن يعتذر عن هزيمة قوات المماليك امام تحالف القوات المغولية والأرمينية وأن الأمور لم تكن في يدهء بل أن المغول هم وحدهم السبب في ذلك وتعهد بدفع الجزية بانتظام فضلاً عما أرسله للسلطان الناصر محمد من هدايا ثميته(' .

وإذا كان السلطان الناصر محمد قد عدل مؤقثًا عن ارسال حملة ضد مملكة أرمينية الصغرى إلا أنه طلب من أوشين ملك أرمينية ضرورة تسليم البلاد والقلاع التي استولى عليها المماليك في عهد السلطان المنصور لاجين» ولكن أوشين رفض الاستجابة لمطالب السلطان المملوكي فأرسل الأخير حملة بقيادة الأمير شهاب الدين قرطاي سنة ١17١م‏ ضد مملكة أرمينية» وتمكنت قوات المماليك من محاصرة العاصمة سيس وتخريبها مع غيرها من البلاد والقلاع الأرمينية ثم عادوا محملين بالغنائم الوفيرة”".

ولم تستمر العلاقات الطيبة طويلاً» فعندما توفي أوشين ملك أرمينية الصغرى سنة ١117م‏ خلفه ابنه ليو الخامس الذي كان صغيراء وقد أحس الوصي على الملك الصغير يخطر دولة المماليك على بلادهء فأرسل إلى البابا سنا" الداوى والتشوري للب لاط “قله التسامية بوند رفن البأيونة ضدهمء فاستجاب البابا لمطالب ملك أرمينية الصغرىء فأصدر البابا حنا الثاني والعشرين مرسومًا جديدًا لحظر التعامل التجاري مع دولة المماليك سنة ثم أصدر مرسومًا آخر سنة 1777 للغرض نفسه مما أضر بتجارة دولة )١(‏ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١1١9‏ (؟) الحركة الصليبية ج ١‏ ص ١719‏

رشق

المماليك ضررًا بليعًا ولا يخفى على أحد أثر الحصار الاقتصادي على حركة الجهاد ضد الصليبيين» فإن اضعاف قوة المسلمين العسكرية والاقتصادية من الاهداف الاستراتيجية الدائمة في كل العصور التي تحرص القوى المسيحية والصليبية على انتهاجها ضد المسلمين ولكن السلطان الناصر محمد بن قلاوون لم يستطع السكوت على ما قام به الأرمن من تحريض البابوية ضد دولة المماليك فأرسل قواته لمهاجمة المدن الأرمينية واحراق أذنه سنة م دون أن يتمكن البابا حنا الثاني والعشرين من عمل شيء سوى ارسال بعض الأموال لمساعدة الأرمن فضلاً عن الاتصال مع المغول في فارس طالبًا منهم الاسراع بنجدة أرمينية الصغرى وتجدر الاشارة هنا إلى التعاون بين المسيحيين من ناحية والمغول الذين لا يدينون بالمسيحية من جهة أخرى ضد المسلمين انطلاقًا من أن دار الحرب اعني دار الكفار هي جماعة واحدة في تواحية التتلفية 77 :

ولم تتوقف الحملات العسكرية الإسلامية من جانب دولة المماليك ضد مملكة أرمينية الصغرى وذلك بهدف اخضاعها وعدم اعطائها فرصة التعاون

مع المغول من ناحية والغرب الأوروبي من ناحية أخرى» علاوة على ما في 0 حركة الجهاد من نشاط وتطور واعداد للقوة تنفيدًا للأوامر القرآنية الكريمة» وعندما يئس ليو الخامس من الغرب الأوروبي والمغول اضطر إلى أن يرسل قسطنطين بطرق الأرمن سفيرًا إلى مصر يحمل الهدايا والأموال للسلطان طالبًا الصلح «واعتذر الرسول عما كان من متملك سيس» وفعلا تم الصلح بين الجانبين سنة “117"71م لمدة خمسة عشر عامًا بعد أن تعهد الرسول الأرمني بأن «يحمل في كل سنة مائة ألف درهم»”'.

ولم تلبث الانباء أن وصلت إلى مسامع ليو الخامس ملك أرمينية الصغرى بأن فيليب السادس ملك فرنسا يستعد للقيام بحملة صليبية على الشرق» فتشجع ليو الخامس وخرق الاتفاقية التي عقدها مع دولة المماليك» )١1(‏ 603-604.م ,111 كامعده84 عطا كه نررماذذ1] تطاعمبجه81 :43.م .11 ارمق (1) المقريزي: السلوك ج ' ص 1747

>”

بل أنه أغار بقواته على بعض البلدان الإسلامية في بلاد الشام» الأمر الذي أثار غضب السلطان الناصر محمد وأرسل حملة تحت قيادة الأمير علاء الدين الطنبفا نائب حلب ضد أرمينية سنة 17785م» وتقدمت الحملة داخل البلاد الأرمينية حتى وافق الأرمن على التنازل عن جزء كبير من بلادهه”' ومع ذلك فإن قوات المماليك لم تتوقف عن غزو أرمينية الصغرى طوال القرن الرابع عشر الميلادي حتى استطاع السلطان الأشرف شعبان أن يقضي قضاءً تامًا على دولة أرمينية الصغرى سنة ذلك أن السلطان شعيان أمر نائبه في حلب بغزو أرمينية فخرجت القوات المملوكية إلى سيس عاصمة مملكة الأرمن واستطاعت فتحها بعد حصار دام ثلاثة شهو 2 أما ملكها ليو ا 0 وهي قلعة حصينة في جبال طوروس - فلحقت به القوات الإسلامية وحاصرته تسعة شهور حتى استسلم» وسيق ليو السادس آخر ملوك أرمينية الصغرى إلى القاهرة حيث ظل أسيرًا يضعة سئوات حتى جمع البابا كلمنت السادس بالاشتراك مع ملوك اوروبا المال اللازم لفدائه وتم اطلاق سراحه فقضى بقية حياته في غرب 4 1 أوروبا ".

وإذا كانت مملكة أرمينية الصغرى قد وجدت لنفسها سندًا في الصليبيين الذين احتلوا مناطق في بلاد الشام ثم في مغول فارس» فإن هاتين القوتين قد انهارتا بسقوط مديئنة عكا وطرد آخر البقايا الصليبية من بلاد الشام سنة ١0م‏ على يد السلطان الأشرف خليل بن قلاوون» ثم بسقوط دولة مغول فارس سنة “17001م» لم تجد أرمينية الصغرى من يقف إلى جانبها في التصدي للمسلمين باستثناء ما كانت تتلقاه من مساعدات محدودة من ال لوزجنان الذين يحكمون في جزيرة قبرص في حين لم تتمكن البابوية والغرب الأوروبي من مساعدة مملكة أرمينية الصغرى ودليل هذا العجز أن البابوية حثت جمهورية البندقية على القيام بدور الوساطة بين دولة المماليك والأرمن بهدف

١١9 أبو الفداء: المختصر في أخبار البشر ج 4 ص‎ )١( ١18 ص‎ ١ ابن دقماق: الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين ج‎ (32 1171-177١ د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 7 ص‎ )7(

تارق

منع سقوط دولة الأرمن في أيدي المسلمين» ولكن البندقية رفضت أن تقوم بتلك الوساطة خوقًا من اغضاب السلطان المملوكي وحرصًا على مصالحها الاقتصادية فى مصرء أما عن دور قبرص في هله الفترة فإن غزو دولة المماليك لارمينية الصغرى جاء بعد الصلح الذي تم سئة ٠177م‏ بين بطرس الثاني ملك قبرص ودولة المماليك» ولذلك هاجم الجيش الإرسلامي المملوكي مملكة أرميئنية الصغرى سنة 15١1م‏ واستولوا عليها وكان لهذا النصر آثار هامة منها زوال خطر تلك الدولة التى كانت تساند الصليبيين وتهدد المسلمين ببلاد الشام واطراف العراق وآسيا الصغرى» هذا بالإضافة إلى دورها في تهديد التجارة بين الشرق والغرب والتي كانت دولة المماليك طريقها الرئيسي ويمكن القول إن سقوط دولة الأرمن يعتبر سقوطًا لامارة صليبية جاءت وليدة الحركة الصليبية وعاشت فى ظل تلك الحركة وشاركت بدور فعال في الحروب الصليبية حتى انتهى أمرها سئة 17/4م بأن تحولت إلى جزء من دار الإسلام تابعة لنيابة حلب التابعة للسلطان المملوكي سلطان

مضصر وبلاد الغباء31 5

)0( د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 7 ص ١1775-1١17175١‏

هرف

(لفصل الثامن علاقة دولة المماليك في مصر والشام مع قبرص

أدرك المسلمون الأوائل أهمية جزيرة قبرص بالنسبة لهم أو لعدوهي”© فأخذوها في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وبقيت في حوزتهم حتى استولى عليها ملك بريطانيا رتشارد قلب الأسد سنة ١9١١م‏ ثم قام في حكمها بيت ال لوزجنان الذين قاموا بجهود كبيرة في خدمة الحركة الصليبية وتزويد الصليبيين في بلاد الشام بالمؤن والسلاح والرجال ومن الأدلة على أهمية قبرص للصليبيين أن تاجي مملكة بيت المقدس الصليبية ومملكة قبرص كثيراً ما اتحدا في القرن الثالث عشرء فتولى المملكتين ملك واحدء ولكن تحرير باقي بلاد الشام ومدينة عكا سنة ١14١م‏ على يد السلطان الأشرف خليل بن قلاوون ترتبت عليه نتائج بالغة الأهمية بالنسبة لجزيرة قبرص ودورها في الحروب الصليبية. إذ أصبحت بعد سقوط عكا الجبهة الرئيسية في الحروب الصليبية في الشرق الأدنى» وأصبح ملوك لوزجنان ودولة المماليك

)١(‏ تبلغ مساحة جزيرة قبرص حوالى 450١‏ كيلو متر مربع وتبعد عن الساحل السوري قرابة تسعين كيلو مترأ وعن مصر بأربعمائة كيلو متر وعن تركيا بخمسة وستين كيلو مترء ولقد فتحها المسلمون سنة 14ه على يد عبد الله بن قيس الحارثي بتكليف من معاوية غير أن الأمر لم يستقر تماما للمسلمين في الجزيرة إل عندما ثار أهلها على الحكم الإسلامي واضطر معاوية إلى إرسال أسطول جديد سنة المواقق 5904م احتل الجزيرة وسيطر على كل أجزائها وأسكن فيها اثني عشر ألفأ من جند المسلمين وهاجر إليها عدد كبير من المسلمين وانتشر الإسلام في الجزيرة وتعددت بها المساجد والمدارس» وخلال الحملات الصليبية ضد مصر وبلاد الشام تمكن ريتشارد قلب الأسد ملك بريطانيا من احتلال جزيرة قبرص وهو في طريقه إلى الشام عام /81ه الموافق ام وجعلها قاعدة لإمداد الصليبيين في الشام بالمساعدات الحربية كما كانت الملجأ الحصين وغط الدفاع الثاني للصليبيين في الشام كلما اضطرتهم الظروف إلى التراجع أمام جهاد المسلمين وبقيت محطة صليبية حتى فتحها من جديد السلطان المملوكي الأشرف برسباي سنة 1477م.

يننا

وجهاً لوجه والصراع بينهما مباشراً دون وساطةء لأن دولة المماليك أخذت في متابعة جهودها ضد الصليبيين في البحر المتوسط وزاد من هذا أن قبرص فتحت أبوابها لاستقبال بقايا الصليبيين الهاربين من بلاد الشامء وهناك رحب بهم الملك هنري الثاني؛ كما آوى هيئات الفرسان المشردة من بلاد الشام ومن هؤلاء فرسان الاسبتارية الذين ظلوا في ليماسول إلى أن تم لهم انتزاع جزيرة رودس من الدولة البيزنطية سنة 204١م‏ فاتخذوها مقراً لهم وأخذوا يقومون بعمليات حربية وقرصنة ضد المسلمين ويمكن إدراك أهمية قبرص من خلال المشروع الذي تقدم به هنري الثاني لوزجنان ملك قبرص إلى البايا كلمنت الخامس» وكيف أن الملك هنري نادى في مشروعه الصليبي بفرض حصار اقتصادي على مصر لإضعاف دولة المماليك كماأن قبرص لم تتوقف عن مهاجمة شواطىء دولة المماليك وكثيراً ما اعتدت على السفن التجارية الإسلامية في البحر المتوسط ومنع وصولها إلى شواطىء مصر وبلاد الشام.

حملة قبرص على الاسكندرية عام 16م

تولى عرش قبرص سنة 1109م الملك بطرس الأول لوزجنان الذي كان في جرأته وحماسته نموذجاً لفرسان العصور الوسطى. وقد عقد العزم على أن يجعل من نفسه البطل المدافع عن المسيحية ضد الإسلام ومن ثم كانت سنة اعتلائه العرش بداية لمرحلة جديدة في تاريخ الحروب الصليبية ولم يكتف بشن الغارات السريعة على موانىء مصر والشام وإنما أراد هذه المرة أن يقوم بحملة صليبية ضخمة يطعن بها المسلمين طعنة خطيرة ولهذا قام برحلة طويلة في غرب أورويا استمرت من ١١1١‏ حتى 1116م للدعاية لحملته الصليبية والحصول على معونات ومساعدات الغرب الأوروبي وفي شهر أغسطس 06م عاد بطرس لوزجنان من رحلته إلى جزيرة قبرص حيث اجتمعت السفن الصليبية وعدد كبير من أنصار الحركة الصليبية واتفق الصليبيون على مهاجمة الاسكندرية في وقت أداء صلاة الجمعة فأبحر بطرس على رأس حملته من قبرص في 9/78/ 1155م ليصل إلى شاطىء الاسكندرية في /١9‏ ٠‏ من نفس السنة. وكانت دولة المماليك عندئذ تعاني من عدم استقرار

يازفا

الأوضاع بسبب صغر سن السلطان الأشرف زين الدين أبو المعالي شعبان وقيام وصي جائر هو يلبغا الخاصكي الذي تحكم في أمور البلاد وحجر على السلطان» في هذه الظروف تمكن بطرس الأول من إنزال قواته إلى شاطىء مديئة الاسكندرية يوم الجمعة واقتحموا المدينة''2 ويقول صاحب النجوم الزاهرة «وفي سنة سبع وستين وسبعمائة أخذت الفرنج مدينة الاسكندرية على حر عله ف سعين قطعه ترتدي اعبانحي» مررض) وعد الفر تريد على ثلاثين ألفاً وخرجوا من البحر المالح إلى بر الاسكندرية فخرج أهلها إليهم فتقاتلوا فقتل من المسلمين نحو أربعة آلاف نفس واقتحمت الفرنج الاسكندرية وأحذوها بالسيف واستقروا بها أربعة أيام وهم يقتلون وينهبون

نذا ويأسرون. .

ولما وصل الخبر إلى السلطان سار بقواته نحو الاسكندرية فلما سمع العدو بقدومه «تركوا الاسكندرية وهربوا ففرح الناس بذلك»7".

وقال ابن كثير «فلما كان صبيحة يوم الأربعاء قدم الشاليش المصري» فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها وقد أسروا خلقاً كثيراً يقاربون الأربعة آلاف» وأخذوا من الأموال ذهباً وحريراً وبهاراً وغير ذلك ما لا يحد ولا 0

وكان بطرس لوزجتئان ملك قبرص وقائد الحملة قد دخل الاسكندرية باطمئنان «فاستلم الناس بالسيف وفعل رجاله بالمدينة ما يفوق الوصف» إذ نهبوا الحوانيت والفنادق وأحرقوا القصور والخانات والمساجدء وقتلوا كل ا والبيوت وبلغ من وحشية الصليبيين في تلك الحملة أنهم كانوا يقتلون المرأة بعد أن يذبحوا ابنها على صدرها”” .

.1716 1١7717 سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟' ص‎ )١(

(؟) المقريزي: السلوك ج " ورقة 747 (مخطوط) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١١‏ ص 79 وانظر ابن كثير: البداية والنهاية ج ١54‏ ص .5١4‏

(*) أبو المحاسن: الننجوم الزاهرة ج ١١‏ ص 1594 .7١‏

(5) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١4‏ ص .71١4‏

(5) ابن حبيب: درة الأسلاك في دولة الأتراك ج ‏ ورقة 7١ب‏ ثم انظر التويري السكندري: الإلمام بالأعلام ج ١‏ ص 3*08, هلل 180

اخوفا

موقف خيانة :

الصليبيين بحكم رابطة الدين» وقد استعان الصليبيون في التعرف على أماكن الثروة ودور الأغنياء والأثرياء والتجار بالنصارى في الاسكندرية الذين دلوهم على الخبايا والمكنونات فنهبوها”؟ .

وجاء الصليبيون على كل ما بالاسكندرية من صامت وناطق ثم أسرعوا بالرحيل عن المدينة يوم السيت 1/١٠/م/‏ 06م خوفا من وصول حبش المماليك وقد ضاقت السفن الصليبية بحمولتها وثقلت بما عليها فأخذوا يلقون ببعض حمولة السفن في البحر لتخف من ثقل الحمولة ويقول ابن كثير «وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشواني (السفن) بالبحر» فسمع للأسارى من العويل والبكاء والنشوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين ما قطع الأكباد. ...70 .

أما عن موقف الغرب الأوروبي من ملك قبرص بطرس لوزجنان» فقد استقبله الناس في قبرص بالاحتفالات العظيمة في حين أخل في كتابة رسائل إلى البابا وملوك أورويا يخبرهم بما فعل بالمسلمين في الاسندرية ويوضح لهم أنه اضطر إلى الانسحاب وترك المدينة بسبب قلة إمكانياته الحربية ويؤكد لهم عزمه على معاودة الكرة إذا وجد المساندة من ملوك الغرب وأرسل البابا إلى بطرس لوزجنان مهثئاً كما أرسل إلى ملوك الغرب وأمرائه يناشدهم أن يسرعوا في تقديم المساعدة إلى ملك قبرص حتى أن شارل الخامس ملك فرنسا أرسل إلى ملك قبرص يخبره بأنه سوف يبعث إليه بجيش عظيم يحطم به قوة المسلمين كما توافد إلى قبرص الفرسان من أورويا بهدف المشاركة في حرب صليبية ضد المسلمين وكان بعض الفرنج قل وجهوا انتقاداتهم إلى

)١(‏ سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج 7 ص ١715‏ ثم أنظر ابن كثير البداية والنهاية ج 1١4‏ ص ال زف النويري السكندري: الإلمام بالاعلام ج ١‏ ص

3533

النجدة من الغرب الاوروبي ولكن يبدوا أن الصليبيين لم يكونوا على ثقة بالنصر الذي حققوه في الاسكندرية فأسرعوا بالانسحاب ومعهم المسروقات والأسرى قبل وصول قوات المسلمين ويقول النويري عن الملك بطرس أنه «دخلها لصا وخرج منها لصاً!)”" .

أما عن موقف السلطان المملوكي فقد تحرك فوراً بقواته نحو الاسكندرية فوصلها بعد رحيل الفرنج عنها وأصدر السلطان الأوامر بعمارة ما تهدم من الاسكندرية وإصلاح أسوارها وجعلها نيابة بدلاً من ولاية وزاد من شأنها وأخذت الاستعدادات في عمل سفن الأسطول وإعداد السلاح للانتقام من ملك قبرص ويقول أبو المحاسن: «وبكتمر هذا أول نائب ولى نيابة الاسكندرية من النواب» وما كانت أولا إلا ولاية» فمن يومئذ عظم قدر نوابها وصار نائبها يسمى ملك الأمراء ثم أمر يلبغا فنودي بمصر والقاهرة بأن البحارة والنفاطة كلهم يحضرون إلى بيت الأتابك يلبغا للعرض والنفقة ليسافروا في المراكب التي تنشأء وبدأ يلبغا في عمارة المراكب» وبعث مراسيم إلى ساثئر البلاد الشامية والحلبية بإخراج جميع النجارين وكل من يعرف يمسك منشاراً بيده ولا يترك واحد منهم» وكلهم يخرجون إلى جبل شغلان ..... وأنهم يقطعون الألواح وينشرون الأخشاب للمراكب ويحملونها إلى الديار المصرية فامتثل نائب حلب ذلك وفعل ما أمر به ووقع الشروع في عمل المراكب»”" .

ويقول ابن كثير «وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين والنشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت"".

وبينما الاستعدادات مستمرة في مصر وبلاد الشام لبناء الأسطول من أجل غزو قبرص» فإن القبارصة لم يتوقفوا عن مهاجمة الشواطىء المصرية والشامية والسفن فى البحر» فقد أغار بطرس على طرابلس سنة 1751م ويذكر

.71١9 ابن كثير: البداية والنهاية ج 14 ص‎ ص‎ ١١ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج‎ )١( .7"١6 ابن كثير: البداية والنهاية ج 14 ص‎ ص‎ ١١ أبو المحاسن: التجوم الزاهرة ج‎ )1( .7196 ص‎ ١54 ابن كثير: البداية والنهاية ج‎ )7(

54١

أبو المحاسن ذلك بقوله «وفي هذه السنة أيضاً وحن تع وستين وسيعيالة قصدت الفرنج مدينة طرابلس الشام في مائة وثلاثين مركباً من الشواني والقراقير”'' والغربان والطرائد وصحبتهم صاحب قبرص وهو المقدس ذكره عليهم وكان نائبها (طرابلس وأكثر عسكرها غائبين عنهاء فاغتنمت 0 الفرصة وخرجوا من مراكبهم إلى الساحل فخرج لهم من طرابلس بقية عسكرها بجماعة من المسلمين فتراموا بالنبال ثم اقتتلوا أشد قتال وتقهقر المسلمون ودخل المدينة طائفة من الفرنج فنهبوا بعض الأسواق» م إن إن المسلمين تلاحقوا وحصل بينهم وبين الفرنج وقائع عديدة استشهد فيها من المسلمين نحو أربعين نفراً وقتل من الفرنج نحو الألف وألقى الله تعالى الرعب في قلوب الفرنج فرجعوا نخحائبين»”".

وتكررت إغارات بطرس ملك قبرص على جبلة واللاذقية وبانياس وأصبحت قبرص قاعدة لقراصنة الصليبيين يخرجون منها للإغارة على البلدان والسفن الإسلامية ومن الأمثلة على ذلك أن أحد القبارصة واسمه حنا الصوري أغار على صرفند على ساحل فلسطين عام 17517١م‏ فقتل من أهلها ثلاثين وأسر ثلاثة عشرء وقي سنة 1754م خرج أخوان جنويان من جزيرة قبرص فأغارا على مدينة صيدا ثم سارا نحو الاسكندرية حيث وجدا سفينة إسلامية محمّلة بالبضائع ومستعدة للسفر إلى طرابلس الغرب» فأسراها وعادا بها إلى فاماجوستا القبرصية0©.

مقدمات غزو قبرص :

كان من الطبيعي أن يحدث صراع حاد بين المماليك والصليبيين حول جزيرة قبرص» وأن يزيد من حماسة المماليك للجهاد ضد القبارصة» كثرة الاعتداءات ‏ الصليبية ومن هذه الاعتداءات ما حدث في عام ىه إذ هاجم الصليبيون مركبين من مراكب المسلمين قريباً من دمياط ١فيهما‏ بضائع )١(‏ النجوم الزاهرة ج ١١‏ ص 07.

.07 ص 7ه‎ ١١ النجوم الزاهرة ج‎ )١( .1778 د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج ؟ ص‎ )(

3

كثيرة وعدة أناس يزيدون على مائة رجل"'' فلما علم السلطان الأشرف برسباي بهذا العدوان أمر «بإيقاع الحوطة على أموال تجار الفرنج التي ببلاد الشام والاسكندرية ودمياط والختم عليها. وتعويقهم عن السفر إلى بلادهمم حتى ترد الفرنج ما أخذوه من المسلمين» فكلّمه أهل الدولة في إطلاقهم فلم يقبل» وأخذ في تجهيز غزوهم»”" ولما كان يوم الجمعة التاسع من شهر رمضان تحركت بعض سفن الأسطول الإسلامي في بولاق ظاهر القاهرة في بحر النيل «ورسم السلطان لهم أن يسيروا في البحر إلى طرابلس ويأخذوا أيضاً من سواحل الشام عدة أغربة (نوع من سفن الأسطول الإسلامي) أخر فيها المقاتلة ويسيروا في البحر المالح (المتوسط) لعلهم يجدون من يتجرم في البحر من الفرنج)”" .

من السلطان برسباي إلى السلطان مراد العثماني؟.

الحملة الأولى لغزو قبرص 8؟487ه / 15754١م.‏

قرر السلطان برسباي تأديب القبارصةء وتنفيذاً لفرض الجهاد وردع الأعداء أمر بإرسال الحملة البحرية التي اجتمعت من سفن الأسطول في مصر وبلاد الشام وساروا إلى جزيرة قبرص بهدف استكشاف أحوالها وقوتها وتحذير القبارصة من الاعتداء على شواطىء وسفن المسلمين» ويقول أبو المحاسة' ان المتليق: وصلوا إلى «بلد يقال له اللسيون””* من «جزيزة قبرص فوجدوا أهلها قد استعدوا لقتالهم وأخرجوا أهاليهم وعيالهم؛ )١(‏ أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١4‏ ص 155. (؟) المصدر السابق نفس الصفحة. ) النجوم ج ١5‏ ص 18؟. (4) خليل بن شاهين الظاهري: زبدة كشف الممالك ص 178 . (4) اللمسون: قلعة مرفأ في قبرص فتحها الأشرف برسباي سنة 1477م. النجوم الزاهرة ج ١5‏

ص 107١‏ حاشية 7 .

ردي

هزموهمء وقتلوا منهم فارساً واحداً وعدة رجال» وغرقوا بعض أغربة وأحرقوا بعضهاء ونهبوا ما وجدوه من ظروف السمن والعسل وغير ذلك» وأسروا ثلاثة وعشرين رجلاً وأخذوا قطع جوخ كثيرة ‏ فسر الناس بعودهم وسلامتهم وتشوق كل أحد للجهاد”'2 وهنا ننبه إلى أن استيلاء قوات المسلمين على الغنائم جائز في الشريعة علاوة على أن المسلمين يحاولون الثأر من القبارصة واسترداد بعض ما سرقه القبارصة أثناء استيلائهم على سفن التجار المسلمين. وعلى وجه الجملة فقد شجعت نتائج الحملة الأولى السلطان برسياي على إرسال الحملة الإسلامية الثانية إلى قبرص .

الحملة الثانية 174ه / 476١م:‏

بذل السلطان الأشرف برسباي المال لإعداد القوات والأسلحة والسفن ثم نودي : من أراد الجهاد فليحضر لأخذ النفقة» «وقام السلطان أتم قيام وقد شرح الله صدره له)”' وكان يباشر الإشراف بنفسه على إعداد القوات «ثم ركب السلطان في يوم الجمعة من القلعة بغير قماش الخدمة بعد صلاة الجمعة ونزل إلى ساحل بولاق حتى شاهد الأغربة والطرائد التي عملت برسم الجهاد «قلما جهزها وشرعت السفن بالسفر في اليوم الثامن من شعيان #وهذه الغزوة الثائية من غزوات الملك الأشرف برسباي76" .

«وكان من خبرهم: أنهم لما توجهوا من ساحل بولاق إلى دمياط ساروا منه في البحر المالح (المتوسط) إلى مدينة طرابلس فطلعوا إليهاء فانضم عليهم بها خلائق من المماليك والعساكر الشامية وجماعة كبيرة من المطوعة إلى أن رحلوا عن طرايلس في بضع وأربعين مركبء وساروا إلى جهة الماغوصة (مدينة فاماجوستا)”؟' فلما وصلت القوات الإسلامية إلى ميناء قرباص على الشاطىء الشمالي لجزيرة قبرص تحركت بعدها حتى رست سفن

.717١ ص‎ ١4 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج‎ )١( .776 ص‎ ١5 (؟) التجوم الزاهرة ج‎

(*) المصدر السابق نفس الصفحة.

(5) التجوم الزاهرة ج 14" ص 7/8؟.

* عم

الأسطول الإسلامي قرب فاماجوستا حيث نزل المشاة والفرسان إلى البر «وخيموا في برها الغربي» وقد أسرع حاكم فاماجوستا إلى إرسال سفارة إلى المسلمين لطلب الأمان وإخبارهم بدخوله في طاعتهم ويقول إِنّه مملوك السلطان الأشرف برسباي وأن المدينة مدينته» فأعطاه المسلمون أماناً بعد أن رفع الراية السلطانية الإسلامية على قلعة المدينة على أن الأهم من ذلك أن حاكم فاماجوستا أخبر المسلمين «وعرفهم تهيؤ صاحب قبرص واستعداده لقتالهم وحربهم» فاستعدوا وأخذوا حذرهم"(' وخلال الأيام الأربعة التي مكثها المجاهدون المسلمون فى منطقة فاماجوستا شنوا الغارات على المناطق المجاورة «وأسروا وقتلوا وأحرقوا وعادوا بغنائم كثيرةة''' بعد أن أرهبوا عدوهم "ثم ساروا ليلة الأربعاء من رمضان 4878ه) يريدون الملاخة» وتركوا في البر أريعماثة من الرجالة يسيرون بالقرب منهم إلى أن وصلوا إليها ونهبوها وأسروا وأحرقوا أيضاء ثم ركبوا البحر جميعاً وأصبحوا باكر النهار فوافاهم الفرنج في عشرة غربة وقرقورة”" كبيرة فلم يثبتوا للمسلمين وانهزموا من غير حرب» واستمر المسلمون بساحل الملااّحة وقد أرست مراكبهم عليها .

وبينما هم فيما هم فيه كرت أغربة الفرنج راجعة إليهم؛ وكان قصد الفرنج بعودهم أن يخرج المسلمون إليهم فيقاتلوهم فى وسط البحرء فلما أرست المسلمون على ساحل الملآحة كرّت الفرنج عليهم فبرز إليهم المسلمون وقاتلوهم قتالاً شديداً إلى أن هزمهم الله تعالى» وعادوا بالخزي» ؤبات المتلموت ليلة الجمعة خامس عشرين شهر رمفان؟** غلما كان بكرة

)١(‏ النجوم الزاهرة ج ١4‏ ص 778؛ د. سعيد عاشور الحركة الصليبية ج ١‏ ص 59؟17.

(؟) النجوم الزاهرة ج ١5‏ ص 714.

() الأغربة جمع غراب وهي سفيئة حربية» أما القرقورة ويقال القراق والقرقورء من سفن العصور الوسطى المتعددة الصواري والشرع» وكانت معدة لتموين الأساطيل . أنظر دكتوره سعاد ماهر اليحرية فى مصر الإسلامية ص 9515 754,

(4) يلاحظ أن المسلمين كانوا يفضلون لقاءعدوهم في شهر رمضان وهم صيام وكذلك في أيّام - الجمعة حيث تكون صلاة الجمعة والخطباء على المنابر يدعون الله أن ينصرهم بعكس المسلمين اليوم فإنهم لا يراعون لهذه المعاني أهميةء بل نرى الكثرين من المجندين يفطرون رمضان مع أنهم ليسوا في ساحة قتال.

5

نهار الجمعة أقبل عسكر قبرص وعليهم أخو الملك»؛ ومشى على المسلمين فقاتله مقدار نصف العسكر الإسلامي أشد قتال حتى كسروهم» وانهزم أخو الملك بمن كان معه من العساكر بعد أن كان المسلمون أشرفوا على الهلاك» لله الحمد والمئّة» وقتل المسلمون من الفرنج مقتلة عظيمة» ثم أمر الأمير جرباش بإخراج الخيول إلى البر فأخرجوا الخيول من المراكب إلى البر في ليلة السبت وتجهزوا للمسير ليغيروا على نواحي قبرص من الغد.

فلما كان بكرة يوم السبت المذكور ركبوا وساروا إلى المغارات”!2 حتى وافوهاء فأخذوا يقتلون ويأسرون ويحرقون وينهبون القرى حتى ضاقت مراكبهم عن حمل الأسرى؛» وامتلأت أيديهم بالغنائم» وألقى كثير منهم ما أخذه إلى الأرض»”" .

وتابع المسلمون زحفهم نحو ليماسول فوصلوها في منتصف شهر أغسطس واستطاعوا أن يستولوا على قلعة المدينة في اليوم نفسه”" ومع هذا النصر رأى قائد الجيش الإسلامي الأمير جرباشي أن يكتب بهذا النصر إلى الأمير قصروه من تمراز نائب طرابلس ثم علم المسلمون أن جمهورية البندقية الإيطالية أرسلت نجدة قوية إلى قبرص فرأى الأمير جرباشي مقدم (قائد) الجيش «أن الأمر أخذ حدّهء وأن السلامة غنيمة. ثم ظهر له بعض تخوّف عسكرهء فإنّه بلغهم أن صاحب قبرص قد جمع عساكر كثيرة واستعد لقتال المسلمين» فشاور من كان معه من الأمراء والأعيان» فأجمع رأي الجميع على العودة إلى جهة الديار المصرية مخافة من ضجر العسكر الإسلامي إن طال القتال بينهم وبين أهل قبرص إذا صاروا في مقابلة» فعند ذلك أجمع رأي الأمير جرباشي المذكور أن يعود بالعساكر الإسلامية على أجمل وجهء فحل القلاع بعد أن تهي للسفر وسار عائداً حتى أرسى على الطينة قريباً من قطيا وثغر دمياط» ثم توجهوا إلى الديار المصرية:2©2.

)١(‏ المغارات ولعله يقصد الكهوف المنتشرة بقبرص التي كان يتحصن بها القبرصيون. (؟) النجوم الزاهرة ج ١5‏ ص لاا .78٠١‏

() د. سعيد عاشور: الحركة الصليبية ج " ا صس .١1١١59‏

زفق النجوم الزاهرة ج غ١‏ ص 2.58٠‏

5”ي>

وكان السلطان الأشرف برسباي يننظر وصول قواته فقدموا عليه يوم السبت خامس عشرين شهر شوال «ومعهم ألف وستون أسيراً ممن أسروا في هذه الغزوة» وباتوا تلك الليلة بساحل بولاق وصعدوا في بكرة يوم الأحد سادس عشرينه إلى القلعة وبين أيديهم الأسرى والغنائم وهي على مائة وسعة خالا وأرسين يقد وعفرة جمال ما بين جوخ» وصوف وصناديق وحديد وآلاات حربية وآوان. وسار الجميع من شارع القاهرة» وقد جلس الناس بالحوانيت والبيوت والأسطحة والشوارع بحيث أن الشخص كان لا يكاد أن يمر إلى طريقه إلا بعد مشقة كبيرة وربما لا يستطيع السير ويرجع إلى

حيث أتى» وبالجملة فإنه كان ا مشهوداً لم يعهد مثله في الدولة التركية. 5 طلع ذلك كله إلى القلعة وعرض على السلطان رسم السلطان ببيع الأسرى وتقويم الأصناف 01011 واستمر البيع فيهم أياماً» وجمع ما تحصل من أثمانهم فأنفق السلطان ذلك على المجاهدين»”' .

قال أبو المحاسن ثم في يوم الأربعاء نصف صفر جمع السلطان الأمراء والقضاة وكثيراً من أكابر التجار وتحدث معهم في إبطال المعاملة بالذهب المشخص الذي يقال له الافرنتي وهو من ضرب الفرن» وعليه شعار فرهم الذي لا تجيزه الشريعة المحمدية» وأن يضرب عوضه ذهباً عليه السكة الإسلامية» فصوّب من حضر رأي السلطان في ذلك وهذا الافرنتي المذكور قد كثرت المعاملة به في زماننا من حدود سنة ثمانمائة في أكثر مدائن الدنيا مثل: القاهرة ومصرء والبلاد الشاميةء وأكثر بلاد الروم» وبلاد الشرق» والحجاز واليمن» حتى صار هو النقد الرائج والمطلوب في المعامللات» وانقضى المجلس على ذلك» وقد كثر ثناء الناس على السلطان يسبب إبطال ذلك. ولما كان الغد طلب السلطان صناع دار الضرب (سك العملة) وشرع في ضرب الذهب الأشرفي وتطلب من كان عنده من الذهب الافرنتي» ثم في

)2غ( النجوم الزاهرة ج 1١‏ ص 4 ١اخىا.‏

/ا1

سادس عشرينه نودي بالقاهرة بإبطال المعاملة بالذهب الإفرنتي وأن يتعامل التاس بالدنانير الأشرفية زئة الدينار منها زنة الدينار الإفرنتي» ثم ألزم السلطان الناس بحمل ما عندهم من الافرنتية إلى دار الضرب''.

وهذا الموقف تؤيده الشريعة الإسلامية» لأنه من مظاهر عزة الإسلام والمسلمين وعدم التبعية للمشركين وهذا حال العرب والمسلمين اليوم مع الدولار الأمريكي الذي حل محل العملات الوطنية وهذا بعكس مدى تحكم الولايات المتحدة الأمريكية في اقتصاد هذه الدول التي لا يمكن اعتبارها في هذا الوضع دولاً مستقلة ومن عجب أن البنوك الإسلامية تتعامل بالدولار قبل غيره من العمللات وآفهم من ذلك أن فيه دعم ومساندة وثنمية الاقتصاد الأمريكي أعداء 0 وزمان مع أن المسلم مفروض عليه شرعاً أن لا يساهم في تقوية أعداء الإسلام مباشرة أو غير ذلك» وعلى هذا سار معظم أهل الإسلام لأن الاستعلاء الحقيقي على سائر أمم الكفر يعتبر مطل إسلامياً حقى 'تتسقق الشاكة وإزهات الأعداء.

الحملة الثالثة على قبرص 4875ه / 475١م:‏

لم يقنع السلطان الأشرف برسباي بالنتائج التي انتهت إليها الحملة الثانية على قبرص»؛ ولم يكن الهدف منها الحصول: على التنائم وضرب العدو ثم العودة لأن الاحتفاظ بالبلاد هو الهدف لتكون قبرص داراً للإسلام كما كانت وينتهي 2 لذلك تهديد القبارصة للمسلمين ولهذا قرر القيام بحملة ثالثة تهدف إلى إخضاع الجزيرة ورفع راية الإسلام عليهاء وكان رون الروم في القسطنطينية أرسل رسوله إلى السلطان «وورد عليه في يوم السبت سابع عشرين جمادى الأولى ( 454ه) رسول صاحب استانبول وهي القسطنطينية بهدية وشفع في أهل قبرص أن لا يغزوا. فلم يلتفت السلطان إلى شفاعته» وأخذ فيما هو فيه من تجهيز العساكرة'' .

.7854 1787 ص‎ ١4 النجوم الزاهرة ج‎ )١( .7817 15856 ص‎ ١5 النجوم الزاهرة ج‎ )١(

1514

ثم في يوم الإثنين ثالث عشر جمادى الآخرة من سنة تسع وعشرين المذكورة قدم من عساكر البلاد الشامية عدة كبيرة من الأمراء والمماليك والعشير وطائفة كبيرة من المطوّعة ليسيروا إلى الجهادء فأنزلوا بالميدان

«ثم في ثالث عشرين جمادى الآخرة جلس السلطان بالحوشى من قلعة الجبل لعرض المجاهدين» وأنفق فيهم مالا كبيراً فكان يوم من أجل الأيام وأحسنهاء لما وقع فيه من بذل السلطان الأموال على من تعيّن للجهاد؛ وعلى السلطان ينظر رؤوس النوب تتهارب من المماليك السلطانية الذين يريدون أخحذ الدستور (الإذن والتصريح) من السلطان للتوجه إلى الجهاد. والسلطان يأمرهم بعدم السفرء ويعتذر أنه نبو تبق مراكب تحملهمء وهم يتسارعون في ذلك ا 0 تكرر وقوف , بعضهم الأريع 0 ولد 8 المعيّنة» حتى إِنّه سافر في هذه الغزوة عدة من أعيان الفقهاء» ولما أن صار السلطان لا ينعم لأحد بالتوجّه بعد أن استكفت العساكر سافر جماعة من غير دستور (إذن)» وأعجب من هذا أنه كان الرجل ينظر في وجه المسافر للجهاد يعرفه قبل أن يسأله لما بوجهه من السرور والبشر الظاهر بفرحه للسفرء وبعكس ذلك فيمن لم يعين للجهادء هذا مع كثرة من تعين للسفر من المماليك السلطانية وغيرهم؛ وما أرى هذا إلا أن الله تعالق قد وده 0 للجهاد وحبيهم في الغزو وقتال العدو ليقضي الله

.....ثم في يوم الجمعة ثاني شهر رجب من سنة تسع وعشرين

المذكورة خرج المجاهدون من القاهرة» وسافروا من ساحل بولاق إلى جهة الاسكندرية ودمياط”"'.

.78/8 7417 ص‎ ١5 النجوم الزاهرة ج‎ )١( .7848 ص‎ ١4 المصدر السابق ج‎ )7(

>29

وكان قائد الأسطول الأمير قرامراد جا الشعباني جاندار وأحد مقدمي الألوف وعدة من الأمراء والمماليك السلطانية وغيرهم والذي كان مقدم العساكر في البر الأمير تقرف ودف الممتنوكي الالمري 7

وسار الجميع إلى ثغر دمياط وثغر الاسكندرية» وتهيئوا للسفر والسلطان متشوّف لما يرد عليه من أخبار سفرهم وبينما هو في ذلك ورد عليه الخبر في يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب المذكور بأن الغزاة مروا في طريقهم إلى رشيدء وأقلعوا من هناك يوم رابع عشرينه» وساروا إلى أن كان يوم الإثنين انكسر منهم نحو أربعة مراكب غرق فيها نحو العشرة أنفس» وكانوا بالقرب من ساحل الإسلام بثغور أعمال مصرء ولما بلغ السلطان ذلك انزعج غاية الانزعاج حتى إنه كاد يهلك» وبكى بكاء كثيراً وصار في قلق عظيم» بحيث أن القلعة ضاقت عليهء وعزم على عدم سفر الغزاة المذكورين» ثم قوى عنده أنه يرسل الإمير جرباشي الكريمي قاشق حاجب لكشف خبرهم ولعمل مصالحهم وللمشورة مع الأمراء في أمر السفرء وخرج الأمير جرباش المذكور مسافراً إليهم وترك السلطان في أمر حريج» وكذلك جميع الناس إلا أن تباشرت بالنصر من يومئذء وقلت: ما بعد الكسر إلا الجبرء وكذا وقع فيما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى» وسار الأمير جرباش إلى العسكر فوجد الذي حصل بالمراكب المذكورة ترميمه سهل». وقد شرعت الصناع في إصلاحهء فتشاور مع الأمراء فأجمع الجميع على السفرء فعند ذلك جمع الأمير جرباشي الصناع وأصلح جميع ما كان بالمراكب من الخلل إلى أن تم أمرهمء فركبوا وساروا على بركة الله وعونه”" .

وكان ملك قبرص حانوس قد استعد وحشد القوات وجاءته الإمدادات من ملوك الفرنج» فلما وصل الجيش الإسلامي إلى ليماسول نازلوا قلعتها وقاتلوا من بها حتى أخذوها عنوة في يوم الأربعاء سادس عشرين شهر شعبان )١‏ الأمير تخغرى بردى المحمودي هو والد مؤلف كتاب النجوم الزاهرة وشاهد الأحداث في هذه

الفترة.

زفق 00 الزاهرة ج ١4‏ ص 188 .791١0‏

نكم

ثم هدموها عن آخرها وساروا منها في يوم الأحد أوّل شهر رمضان من سنة تسع وعشرين المقدم ذكرها بعد أن أقاموا عليها نحو ستة أيام وبينما هم في زحفهم إلى داخل جزيرة قبرص تقدم نحوهم جانوس بقواته التي بلغت خمسة آلاف فارس وسبعة آلاف راجل1(7) وعند خيروكيتا دارت الموقعة الفاصلة بين الجيش الإسلامي وجانوس ملك قبرس ويقول أيو المحاسن: وبينما هم في السير إذا هم يصاحب قبرص بجيوشه وعساكره ومن انضاف إليه من ملوك الفرنج وغيرها وقد ملأت الفضاءء وكان الذين وافاهم صاحب قبرص من المسلمين الذين سبقوا طائفة قليلة جداً وأكثرهم خياله من أعيان المماليك السلطانية» فعندما وقعت العين على العين لم يتمالك المسلمون أن يصبروا لمن خلفهم حتى يصيروا جملة واحدة بل انتهزوا الفرصة وتعرضوا للشهادة» وقال بعضهم لبعض: هذه الغنيمة» ثم حرّكوا خيولهم وقصدوا القوم بقلب صادق - وقد احتسبوا نفوسهم في سبيل الله - وحملوا على الفرنج حملة عظيمة وصاحوا الله أكبر وقاتلوهم أشد قتال» وأردفهم بعض جماعة وتخلّف عنهم آخر»”' واستمر القتال «فحلت الهزيمة بالقبارصة وقتل منهم جمع كثيرء في حين هرب الباقي «وأسنة الرماح تطعن في أعضائهم فصارت كثرتهم قلة وقوتهم ضعفاً». أما الأشرى' تتستعي ين ذكرهم لكثرتهم وكان ملك قبرص جانوس من جملة الأسرى”" ويقول أبو المحاسن «واجتمع عساكر البر والبحر من المسلمين في الملاحة يوم الإثنين ثاني شهر رمضان وتسلم الأمير تغرى بردى صاحب قبرصء كان ذلك والمسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون حتى امتلاأت أيديهم وتغلبوا عن حمل الغنائم.

وأما القتلى من الفرنج فلا تحضر ويستحي من ذكرها كثرة» حدثتي بعض مماليك الوالد ممن باشر الواقعة من أوّلها إلى آخرها وجماعة كبيرة من الأصحاب الثقات قالوا: كان موضع الواقعة أزيد من ألفي قتيل من 0 الفرنج» هذا في الموضع الذي كان فيه القتال» وأما الذي قتل من الفرنج )١(‏ ابن حجر: أبناء الغمر ج 4 ص ١١١‏ ثم انظر أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١54‏ ص 717 .

)3( النجوم الزاهرة ج 1١‏ ص 1 (9) ابن حجر: أبناء الغمر ج ؟ ص ١١1هء‏ التجوم الزاهرة ج ١5‏ ص 1597 714.

"0١

بالضياع والأماكن وبطريق قبرص فلا حد له ولا حساب فإنه استمر القتل فيهم أياماً» واستمروا على الملحة إلى يوم الخميس خامس شهر رمضان فساروا منها يريدون الأفقسية (نيقوسيا) مدينة قبرص)2""70.

ودارت موقعة بحرية بين الأسطول الإسلامي وأسطول القبارصة المكوّن من أربعة عشر مركباً مشحونة بالسلاح وانتهت المعركة بأسرها إحدى السفن القبرصية وفرار الباقي إلى عرض البحر بعد أن قتل من بحارتها ما يزيد عن مائة وخمسين 0

وكانت القوات الإسلامية التى سارت نحو نيقوسيا عاصمة الجزيرة قد أحرزت انتصاراً ودخلت المدينة ثم صلوا الجمعة في كنيسة المدينة بعد أن نادى المؤذن للصلاة في أبراجها”" وتقدم أكابر العاصمة وأساقفتها ورهبانها ومعهم الإنجيل طالبين الأمان» فأمنهم المماليك ونادوا في أنحاء البلاد بأن قبرص #صارت عن جملة بلاد السلطان الملك الأشرف برسبائي»9©؟ ,

ويقول أبو المحاسن: «ثم أقام جميع الغزاة بالملآاحة وأراحوا بها أيدانهم سبعة أيام» وهم يقيمون فيها شعائر الإسلام من الأذان والصلاة والتسبيح ‏ ولله الحمد على هذه المئة بهذا الفتح العظيم الذي لم يقع مثله في الإسلام من يوم غزاهم معاوية بن أبي سفيان» رضي الله عنه في سئة نيف وعشرين من الهجرة»”*' وهنا نؤكد على أن مواصفات جيش الإسلام لا بد وأن تكون من خلال الشريعة الإسلامية والسنة النبوية الشريفة» لأن هذا من أسباب النصر على الأعداء في حين نرى في زماننا أن معظم الحكومات الإسلامية من الناحية النظرية تقاوم وتحرم علئ-قواتها أن تقتدي بالسلف الصالح ومن ثم فإن معظم هذه القوات كغثاء السيل. "

.194 ص‎ ١5 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج‎ )١(

(؟) العيني: عقد الجمان ج ١5‏ ورقة 2587 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١4‏ ص 1984 قضايا إسلامية معاصرة ص 509؟.

() ابن حجر أيناء الغمر ج ؟ ص .1١7‏

(4) مخطوط العيني: عقد الجمان ج 15 ورقة “0817.

(0) أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج ١4‏ ص 196.

50

الاحتفال بانتصار ١‏ لمسلمين في قبرص وموقف النصارى أما أمر السلطان الملك الأشرف برسباي فإنه لما بلغه خبر أخذ قبرص في يوم الإثنين ثالث عشرين رمضان حسبما تقدم ذكره كاد أن يطير فرحاء ولقد رأيته وهو يبكي من شدّة الفرح» وبكى الناس لبكائه» وصار يكثر من الحمد والشكر لله ودقت البشائر بقلعة الجبل وبسائر مدن الإسلام لما بلغهم ذلك» وارتجت القاهرة وماجت الناس من كثرة السرور الذي هجم عليهم. وقرىء الكتاب الوارد بهذا النصر على الناس بالمدرسة الأشرفية بخط العنبريين بالقاهرة حتى سمعه كل من قصد سماعه... قلت: وكل ذلك والنصارى تكذب هذا الخبر وتستغربه من أسر متملك قبرص وهزيمته على هذا الوجهء لأن أمر هذا النصر في غاية من العجب من وجوه عديدة:

أولها: قلة من قاتل الفرنج من المسلمين» فإنهم كانوا في غاية من القلة بحيث أن العقل لا يقبل ذلك إلا بعد وقوعه في هذه المرة.

وثانيهما: أنه لم تتعب عساكر الإسلام ولا وقع مصاف.

وثالثها: أنه كان يمكن هزيمة صاحب قبرص من المسلمين بعد أيام كثيرة من وجوه عديدة يطول الشرح في ذكرها لا تخفى على من له ذوق.

ورابعها: أنه كان يمكن هزيمة الفرنج ولا يمكن مسك الملك وأسره أيضاً من وجوه عديدة .

وخامسها: أن غالب العسكر إذا حصل لهم هزيمة يتحايون ويرجعون غير مرة على من هزمهم لا سيّما كثرة عساكر الفرنج وقلة من حضر الوقعة من عساكر المسلمين في هذه المرة؛ فكان على هذا يمكنهم الكر على المسلمين بعد هزيمتهم غير مرة.

وسادسها: أن الوقعة والقتال والهزيمة والقبض على الملك وتشتت شمل الفرنج والاستيلاء على ممالكهم كل ذلك في أقل من نصف يوم» فهذا

ودرا

وما أرى إلا أن الله سبحانه وتعالى أعز الإسلام وأهله وخذل الكفر وأهله بهذا النصر العظيم الذي لم يسمع بمثله في سالف الأعصارء ولا فرح بمثله ملك من ملوك التركء ولقد صار للملك الأشرف برسباي بهذا الفتح ميزة على جميع ملوك الترك إلى يوم القيامة - اللهم لا مانع لما أعطيت.

ولما بلغ الملك الأشرف عودة الغزاة المذكورين إلى جهة الديار المصرية رسم فنودي بالقاهرة ومصر بالزيئة» ثم ندب السلطان جماعة كبيرة ”7 إلى الثغور لخد مضه لجرو

منها خوفاً من أن يطرقهم طارق من الفرنج مما يأتي صاحب قبرص من نجدات ا هذا ان كبر الماع - ثم رسم السلطان 0 0

5 وسبب سبب ذلك أن الغزاة المذكورين كان منهم من وصل 0 تغر الاسكندرية» ومنهم من وصل إلى ثغر دمياطء ومنهم من وصل إلى الطينة لكثرة المراكب ولاختلاف الأرباح)”"' .

وأخيراً عاد الجيش الإسلامي إلى مصر ومعهم أكثر من ثلاثة آلاف أسير على رأسهم ملك قبرص جانوسء» فوصلوا القاهرة في /8/١7‏ 475١م‏ وشقوا المدينة في موكب حافل والغنائم على رؤوس الحمالين وظهور البغال والأسرى» وفي ذيل الأسرى سار الملك جانوس «وهو راكب على بغل بقيد حديد» وأركب معه اثنان من خواصه «وعندما وصل الموكب إلى باب قلعة الجبل ‏ وهي مركز الحكم ‏ افأنزل جينوس عن البغل وكشف رأسه عند باب المدرج» وقد احتاطه الحجاب وأمراء جاندار» وقد صفت العساكر الإسلامية من باب الدرج إلى داخل الحوض السلطاني» فلما دخل جينوس من باب الدرج قبل الأرض» ثم قام ومشى ومعه الأمراء من الغزاة والحجاب ورؤوس النوب وهو يرسف في قيوده على مهل لكثرة الزحام»”” .

وبعد أن شاهد السلطان عرض القوات والغنائم والأسرى أمر بإحضار

.198 195 ص‎ ١4 أبو المحاسن: النجوم الزاهرة ج‎ )١( النجوم الزاهرة ج 14 ص ا لسري ل لخر‎ ()2»2

>30

«متملك قبرص فتقدم ومشى وهو بقيوده ورأسه مكشوفة» وبعد أن مشى خطوات أمر فقبل الأرض» : ثم قامء ثم قبل الأرض ثانياً بعد خطوات» وأخذ يعفر وجهه في التراب» كام فلم يتمالك نفس وقد أذهله ما رأى من هيبة الملك وعز الإسلام فسقط ثانياً مغشياً عليه» أقان ا مره وقبل الأرض وأوقف ساعة بالقرب من السلطان بحيث أنه يتحقق شكله «ثم أمر السلطان بسجن جانوس في أحد أبراج القلعة0" .

إطلاق سراح جانوس ملك قبرص

أمضى السلطان يوماً عظيماً محتفلاً بالنصر «فكان هذا اليوم يوماً عظيماً جليلا لم يقع مثله في سالف الأعصار أعز الله تعالى عليه دين الإسلام وأيّده وخذل فيه الكفر وبدده»”©)

المذكور بالحوشى بين يدي السلطان وأوقف معه جماعة من قناصلة الفرنج ممن كان بمصر وأعمالهاء وتكلم الترجمان معه فيما يفدى به نفسه من المال وإلا يقتله السلطان» صمم هو على مقالته الأولى» فالتزم القناصلة عنه بالمال لفدائه من غير تعيين قدر بعينه. . ولكنهم أجابوا السلطان بالسمع والطاعة فيما طليه؛ وعادوا بجيئوس إلى مكانه من الحوشى والترسيم عليه » وكان الذي رسم عليه السيفى أركماس المؤيدي الخاصكي المعروف بأركماس فرعون» وأقام جينوس يمكانه إلى يوم الأربعاء» 0 قماشه وأمر له بعشرين رطل لحم في كل يوم» وستكه ة أطيار دجاج وأمر له

بعشرين رطل لحم في كل يومء وستة أطيار دجاج وخمسمائة درهم فلوساً برسم حوائج الطعام» وفسح له في الاجتماع بمن يختاره من الفرنج وغيرهم؛ وأدخل إليه جماعة من حواشيه لخدمته. كل ذلك والسلطان مصمم على طلب خمسماثئة ألف دينار منه يفدى بها نفسه وإلا يقتله» والرسل تتردد بينهم من

,5١01١ 37٠١ ص‎ ١4 المصدر السابق ج‎ )١( .707 ص‎ ١4 النجوم الزاهرة ج‎ )١(

ا تتردد بينهم والقناصلة إلى أن 3 م 0

ثتى ألف دينار يقوم منها بمائة ألف دينار عاجلة» وإذا عاد إلى بلاده أرسل بالمائة ألف دينار الأخرى» وضمنه جماعة في ذلك وأنه يقوم في كل سنة بعشرين ألف دينار جزية» واشترط جينوس مع السلطان أن يكف عنه طائفة البنادقة وطائفة الكيتلان”'' من الفرنج فضمن له السلطان ذلك» وانعقد الصلح ثم أطلقه من السجن بعد أيام؛ أما قبرص فقد ظلت تابعة لسلطنة المماليك» وأصبح جانوس نائباً عن السلطان في حكمها'",

موقف خيانة

الخائن نور الدين علي التبريزي استحق عقوبة الإعدام بعد أن أفتى الفقهاء بذلك «وكان خبر هذا ا كا تكن العام بمصر وغيرهاء وكان يجول في البلاد بسبب المتجر على عادة التجارء فاتفق أنه توجّه إلى بلاد الحبشة فحصل له بها الربح الهائل المتضاعف» وكان في نفسه قليل الدين مع جهل وإسراف فطلب الزيادة في المال فلم يرم بوصله إلى مراده إلى أن يتقرب إلى الحطي ملك الحبشة بالتحف. فصار يأتيه بأشياء نادرة لطيفةء» من ذلك أنه صار يصنع له الصلبان من الذهب المرصّع بالقصوص الثميئة» ويحملها إليه في غاية الاحترام والتعظيم كما هي عادة النصارى في تعظيم الصليب» وأشياء من هذه المقولة» ثم ما كفاه ذلك حتى نه صار يبتاع السلاح المثمن من الخوذ والسيوف الهائلة والزرديات والبكاتر (جمع بكتر وهو سترة من الزرد) بأغلى الأثمان ويتوجه بها إلى بلاد الحبشة

)١(‏ البنادقة هم أهل البندقية وهم طائفة من الفرنج ومدينتهم على طرف جون (خليج) البنادقة. وأما الكيتلان فهم جنس من الفرنج وهم يقتسمون مملكة المرا مع صاحب قسطنطينية وتشتمل هذه المملكة على قطعة من ساحل بحر الروم تمتد من خليج القسطئطينية من الغرب. انظر صبح الأعشى ج 4 ص 04١4‏ ص 405.

زفق قضايا إسلامية معاصرة ص 105» واستمرت قبرص تدفع الجزية لمصر المملوكية قرابة الستين عاماً إلى أن تمكن أهل جمهورية البندقية الإيطالية من فرض سيطرتهم التجارية والمالية على الجزيرة عام ثم حررها العثمانيون عام الادام وانهوا الوجود الصليبي هناك وأصيحت الجزيرة مسلمة شعباً وحكماً حتى 1478م حيث سلبتها بريطانيا من الدولة العثمانية .

م"

وصار يهون عليهم أمر المسلمين» ويعرفهم ما المسلمون فيه بكل ما تصل القدرة إليه» فتقرب بذلك من الحطئ حتى صار عنده بمنزلة عظيمة. فعند ذلك ندبه الحطي بكتابه إلى ملوك الفرنج عندما بلغه أخذ قبرص وأسر ملكها جينوس يحثهم فيه على القيام معه لإزالة دين الإسلام وغزو المسلمين وإقامة الملة العيسوية ونصرتها؛ وأنه يسير فى بلاد الحبشة في البر يعساكره» وأن المشافهات لملوك الفرنج بعزم واجتهاد وسلك في مسيره من بلاد الحبشة البرية حتى صار من وراء الواحات إلى بلاد المغرب» وركب منها البحر إلى بلاد الفرنج» وأوصل إليهم كتاب الحطيّ وما معه من المشافهات» ودعاهم للقيام مع الحطيّ في إزالة الإسلام وأهلهء واستحثهم في ذلك» فأجابه غالبهم» وأنعموا عليه بأشياء كثيرة» فاستعمل بتلك البلاد عدّة ثياب تعمله مذهيّة باسم الحطي» ورقمها بالصلبان» فإنه شعارهم.. . . ثم خرج من بلاد الفرنج وسار في البحر حتى قدم الاسكندرية ومعه الثياب المذكورة ورهبان من رهبان الحبشة وكان له عدّة عبيد وفيهم رجل دين فنم عليه بما فعلهء ودلهم على ما معه من القماش وغيره فأحبط بمركبه وبجميع ما فيها فوجدوا بها ما قاله العيد المذكورء فحمل هو والرهبان وجميع ما معه إلى القاهرة » فسعى بمال كبير في إبقاء مهجته وساعده في ذلك ممن يتهم في دينهء فلم يقبل السلطان ذلك» وأو لع

«ولما كان يوم الثلاثاء رابع عشرين جمادى الأولى من سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة استدعى السلطان قضاة الشرع الشريف إلى بين يديه فاجتمعواء وندب السلطان قاضي القضاة شمس الدين كمدا البساطي المالكي للكشف عن أمره وإمضاء حكم الله فيه» وكان التبريزي مسجوناً في سجن السلطانء فتقله القاضي من سجن السلطان إلى سجنه واذعى عليه بالكفر وبأمور شنيعة» وقامت عليه بيّنة معتبرة بذلك» فحكم بإراقة دمه. فشهر في يوم

.7375 774 ص‎ ١54 النجوم الزاهرة ج‎ )١( لاه"‎

الأربعاء خامس عشرين جمادي الأولى المذكورة على جمل بالقاهرة ومصر ويولاق ونودي عليه: هذا جزاء من يجلب السلاح إلى بلاد العدو» ويلعب بالدّينين وصار وهو راكب الجمل يتشاهد ويقرأ القرآن ويشهد الناس أنه باقر على دين الإسلام والخلق صحبته أفواجاً» ومن الناس من يبكي لبكائه» وهم العامة الجهلة والذي أقوله في حقة أله كان زنديناً ضالاً مستخفاً بدين الوسلام» ولا زالوا به إلى أن وصلوا إلى ؛ بين القصرين فأنزل عن الجمل وأقغد تخت شبَاك المدرسة الضالبحية وضريت غنق في الملا من الخلا: ئق التى لا يعلم عددها إلا الله تعالى»© ش

هكذا حكم قضاة الشريعة الإسلامية بقتل التبريزي لخيانته وتجسسه لحساب ملك الحبشة والصليبيين ويكشف لهم أسرار الدولة الإسلامية المملوكية وكانت دولة الحبشة تخطط لحملة صليبية تشارك فيها أوروبا مع الحبشة للهجوم على الحجاز وتدمير مكة والمدينة بالإضافة إلى تطويق مصر من ناحية الجنوب وتحويل مجرى نهر النيل لإضعاف دولة المماليك اقتصادياً وعسكرياً وكذلك السيطرة على البحر الأحمر وبحر العرب» وقام التبريزي أمام الإغراء بالمال الكثير بدور الوسيط في نقل المعلومات من ملك الحبشة إلى ملوك الغرب الصليبيين ثم مكاشفة هؤلاء بأسرار المسلمين فحكم قضاة الشرع بقتله وأقول ماذا يمكن أن تحكم الشريعة الإسلامية في زماننا هذا على بعض الحكام وشعوبهم وجيوشهم التي تقف إلى جانب اعداء الله ولا يلتزمون بالاسلام عقيدة ومنهجا وتطبيقا.

موقف جزيرة رودس :

كانت من المواقع الصليبية مثل قبرص وإن كانت أقل فاعلية ومع ذلك لم يغفل أمرها السلطان الأشرف برسباي وفكر في غزوها حتى يطهر البحر المتوسط من الصليبيين ويؤمن السفن الإسلامية في البحر ويظهر هيبة الدولة الإسلامية وبعد أن خضعت جزيرة قبرص وأصبحت تابعة لدولة المماليك أصاب الخوف أهل رودس وقدم «رسول صاحب رودس الفرنجي فأركب

.774 النجوم الزاهرة ج غ1 ص‎ )١( لمه؟”‎

فرساً وفي صدره صليب وأطلع إلى القلعة» وقبل الأرض بين يدي السلطان وسأل عن مرسله صاحب رودس أنه طلب الأمان» وأنه يسأل أن يعفى من تجهيز العساكر الإسلامية إليه» وأن يقوم للسلطان بما يطلبه منهء وكان السلطان تكلم قبل تاريخه في غزوة رودس المذكورة” .

ولم يهمل المماليك جزيرة رودس» بل حاولوا الاستيلاء عليها سنة 1447م ثم أخذها العثمانيون سئة 1677م وبات الأسطول الإسلامي يسيطر على البحر المتوسط ويهدد الصليبيين الأمر الذي شجع الصليبيين على البحث عن طريق جديد ليقوموا بحركة التفاف على الدولة المملوكية» فكان ما نعرفه باسم حركة الكشوف الجغرافية بحثاً عن طريق تجاري وعسكري لا يمر ببلاد الإسلام وتم كشف طريق رأس الرجاء الصالح الذي يدور حول القارة الأفريقية مروراً بالمحيط الأطلنطي والهندي ثم إلى الهند وذلك لفرض حصار اقتصادي ضد المسلمين بعامة والمماليك خاصة ثم السيطرة على البحار الشرقية وكانت الدولة المملوكية تراقب تحركات العدو الصليبى فلما وصل فاسكودي جاما إلى الهند ١444‏ عن طريق رأس الرجاء الصالح شرعت الدولة المملوكية في وضع خطة حربية لقتال البرتغاليين في الهند مع بعد المسافة» إلا أن دولة المماليك ترى أن هدف الصليبيين السطو على بلاد الشام بالإسادم؟ هذا علاوة على واجب دولة الإسلام المملوكية بالجهاد ضد الأعداء في أي مكان باعتبار بلاد الإسلام والمسلمين يمثلون جسداً واحداً وسارت الأساطيل المملوكية في البحر الأحمر ثم إلى عدن ثم إلى بلاد الهند وحدثت موقعة ديو البحرية سنة ١9١4‏ بين البرتغال والمماليك» ومع أن التوفيق لم يحالف الأسطول الإسلامي إلا أن بذل الجهد يوضح مدى اهتمام الدولة بالجهاد رغم بعد المسافة بين القاهرة والهند ولم تقل إن الأمر لا يعتيها كما يقول حكاء اتوم حى ان العدو اليهودي يرى بالعين المجردة وهو يبطش بالمسلمين في فلسطين فلم تتحرك القوات المحيطة للنجدة فأين معنى الإسلام في مثل هذه الدول.

.705 ص‎ ١5 النجوم الزاهرة ج‎ )١(

الفصل التاسم الجهاد ضد التتار في عهد السلطان الظاهر بييرس

تولية بيبرس البندقداري عرش السلطنة في مصر:

كان بيبرس تركي الجنسء فاشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب» وترقى في خدمته واستفاد من أخلاقه, فلما مات الملك الصالحء قام بيبرس في نخدمة ابنه الملك المعظم تورانشاه إلى أن قتل؛ فلم يزل يترقى إلى أن قتل الأمير الفارسي أقطاي» فخرج من القاهرة وتنقل في بلاد الشام» ثم عاد إلى مصرء وخرج مع الملك المظفر قطز إلى قتال التتارء فلماقتل قطزء سار الأمراء الذين قتلوه إلى المعسكر السلطاني بالصالحية» واتفقوا على سلطنة الأمير بيبرس» فقام الأمير أقطاي المستعرب الأتابك . وكان بالمعسكر - وقال للأمراء عند حضورهم: من قتله منكم؟؟ فقال الأمير بيبرس: «أنا قتلتهة فقال الأمير أقطاي: (يا خوند! إجلس فى مرتبة السلطنة مكانه «فجلس بيبرس وبايعه أقطاي وحلف لهء ثم تلاه الأمير بلبان الرشيدي» والأمير بدر الدين بيسري» والأمير سيف الدين قلاوون والأمير بيليك الخازندارء ثم بقية الأمراء على طبقاتهم» وتلقب بيبرس بالملك القاهرء وذلك في يوم السبت سابع عشر ذي القعدة سنة 7804ه / ١15١م‏ وقال له الأمير أقطاي الأتابك: «لا تتم السلطنة إلا بدخولك إلى قلعة الجبل» فركب بيبرس لوقته» ومعه الأمير اقطاي» والأمير بيسري» والأمير بلبان» والأمير بيليك ومماليكه. وتوجه إلى قلعة الجبل» فتسلم القلعة ليلة الإثنين تاسع عشر ذي القعدة سنة ثمان وخمسين وستمائة» وحضر إليه الصاحب الوزير زين الدين يعقوب بن الزبير» وأشار عليه أن يغير اللقب بالملك القاهر» فإنه ما تلقب به أحد فأفلح» فاستقر لقبه الملك الظاهر.

31

وكانت القاهرة قد زيّنت لقدوم الملك المظفر قطزء والناس في فرح ومسرات بقتل التثر. فلما طلع النهار نادى المنادي في الناس: #ترحموا على الملك المظفر وادعوا لسلطاتكم الملك القاهر ركن الدين بيبرس»: ثم أمر في آخر النهار بالدعاء للملك الظاهر فغمٌ الناس ذلك» وخافوا من عودة دولة المماليك البحرية وسوء مملكتهه'" .

ثم ركب السلطان الظاهر بيبرس بشعار السلطنة في اليوم السابع من صفر / يناير ١55١م2‏ وسار بشعار السلطنة من قلعة الجبل إلى خارج القاهرة» ودخل من باب النصر إلى باب زويلة ثم عاد إلى قلعة الجبل» ا ا ل لق أكابر الأمراء حتى مهد الملك6””

لما علم التتار بقتل السلطان المظفر قطز اعتقدوا أن هذا فرصة سانحة للأخذ بثأر الهزيمة الكبرى التي لحقت بهم في عين جالوت» حيث توقعوا قيام خلافات بين أمراء المماليك وبالتالي انقسام لوحدة الصف الإسلامي وضعفهء ومن ثم تجمع التتار بقيادة الأمير بيدرا بالجزيرة وحران”" ومن انضم إليهم بعد هزيمة عين جالوت من المنهزمين» وكانت الأحوال

)١(‏ يستنتج من هذه الجملة أن السلطان قطز لم يكن من المماليك البحرية» وهو استنتاج صحيح يدعمه الواقع التاريخي» إذ ليس قطز من مماليك السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب حتى تصح له هذه النسبة» بل كان مملوكاً للسلطان الملك المعز أيبك التركمائي» أنظر السلوك 9 1 ص /141- حاشية 31 وعلى ا فليست تسمية دولة سلاطين المماليك الذين تداولوا ا عليها المؤرخون :

(؟) ابن كثير: البداية والنهاية ج ١1‏ ص “0717 السلوك ج ا 414 النسجوم الزاهرة ج لاص ٠١#»‏ لا١١.‏

(9) جزيرة ابن عمر وهي مدينة من الجزيرة غربي ينهر دجلة وقيل إنها شمال الموصل ودجلة محيطة بها مثل الهلال: صبح الأعشى ج 4 ص 77" بلداني الخلافة الشرقية ص 4177 أما عن حرّان يقال إنها ول دن يي بج الطرفات ويها عق هن جارة لى الا وكانت مديئة الصابئين وهم على دين ابراهيم عليه السلام . انظر بلدان الخلافة الشرقية ص 21١754‏

خض

الاقتصادية في حران سيّئة مما اضطرهم للإغارة على حلب» فسارت القوات المغولية حتى وصلت البيرة فطلب إليهم النجدة من الملك السعيد صاحب حلبء وكانت البيرة مكشوفة إذ كان التتار قد هدموا أسوارها وأبراج قلعتهاء فأرسل الملك السعيد إليهم نجدة بقيادة الأمير سابق الدين أمير مجلس الناصري"'2 إلا أن هذه النجدة لم تحقق الهدف المنشود الذي أرسلت من أجلهء مما أدى إلى اعتراض الأمراء على الملك السعيد» وقالوا له إن قلة الجند قد يكون سبباً في الهزيمة وضياع مدينة حلب إذا ما انتصر التتار على هذه النجدة المجرّدة إلى البيرة من حلب» فلما اقتربوا منها صادفوا التتار بجموعهم» فاشتبك الطرفان ولكن سايق الدين لم يكن في استطاعته خوض المعركة لقلة جنده كما أشرناء فسار إلى البيرة فطارده التتار وقتلوا معظم أصحابه»ء ووصل الخبر بذلك إلى حلب فاضطربت المدينة وجفل الناس نحو الجنوب» وندم الملك السعيد لمخالفته الأمراء فيما أشاروا عليه» ثم وصلت رسالة من البيرة تدكر أن طائفة من العدو اتجهت نحو منييح7") ويؤيدون مهاجمة حلب» وكان الأمراء قد عزموا على القبض على الملك السعيد علاء الدين نائب حلب لفساده وظلمهء فأجلوا الخلاص منه حتى ينجلي الموقف ويواجهوا التتار وحتى لا يطمع فيهم العدو إذا ما علم بخلافهم» وأشار الأمراء على الملك السعيد بالخروج إلى التتار خارج حلب» وأشاروا عليه بجمع الجيش والأعراب والتركمان والاستعداد للقاء العدوى فأجابهم إلى ذلك وأرسل الأمير جماعة إلى منيح لكشف أخبار العدو إلا أنه وقع في يدهم وقتلوهء فلما علم الملك السعيد بذلك اشتد خوفه ثم قدم في هذه الآونة الأمير بدر الدين أزدمر الدوادار العزيزي ناتب اللاذقية وجبله» من قبل المظفر قطزء وأخبر خشداشيته ‏ أصدقائه ‏ بمقتل قطزء وأشار عليهم بالقبض على السعيد وإقامة أحدهم ملكا على حلب وبلادهاء فأجابوه إلى ذلك وتوجه

)١(‏ أمير مجلس: وظيفة يقوم صاحبها بحراسة السلطان في مجلس ويتحدث على الأطباء والكحالين ولا يكون إلا واحداً: صبح الأعشى ج 4 ص 18.

(7) منيح بلد قديم كبير واسع بينه وبين الفرات ثلاثة فراسخ وإلى حلب عشرة فراسخ: مراصد الاطلاع ج 7 ص 11515.

إرنض

الأمراء إلى الملك السعيد وقبضوا عليه بعد أن أمّنوه على حياته بشرط أن يسلم كل الأموال» وهي أكثر من أربعين ألف دينار» ووزعت الأموال على الجند ثم أرسل الملك السعيد إلى الشغروبكاس”'' معتقلاً وبقي بها إلى أن أفرج عنه”؟ حدثت هذه التغيرات في حلب في الوقت الذي تقدمت فيه الجيوش المغولية إلى حلب في يوم الخميس السادس والعشرين من ذي الحجة عام / نؤقمبر ١11١م‏ بقيادة بيدرا فانسحب الأمير حسام الدين الجوكندار”"؟ وأصحابه والعساكر إلى دمشق فتقدمت القوات المغولية ودخلوا حلب وأخرجوا من فيها من الخلف إلى قرية مجاورة لمدينة حلب» وهذه كانت سياسة التتار في غزو البلاد وأعملوا السيف في بعضهم فأيادوهم وأطلقوا الباقين «فدخلوا حلب في أسوأ حال» وبعد امتلاكهم حلب تقدمت قواتهم إلى حماه وكان نائبها الملك المنصور فنزلوا بمشارفها من ناحية الجنوب» وكان الأمير حسام الدين الجوكندار وعساكره قد وصلوا إلى حماة منسحبين من حلب» فلما أدركه التتار في حماه سار الجوكندار والملك المنصور صاحب حماه إلى حمص» ثم وصلت القوات المغولية إلى حماة فأغلقت أبوابها وقدم أهل حماه شيئاً من المؤن والطعام إلى التتار مداراة لهم فتركوا المدينة وطاردوا الجيش الإسلامي المنسحب بقيادة الجوكندار والملك المنصور محمدء هذا في الوقت الذي هرب فيه بعض الناس خوفاً من التتار إلى دمشق”*.

)١(‏ الشفروبكاس : قلعتان حصينتان قريبتان من التواحي القريبة من حلب والشغر قلعة صغيرة قريبة من بكاس يعبر من إحداها إلى الأخرى بحسر: مراصد الاطلاع ج 4 ص 71

(1) السلوك ج ١‏ ص .45٠‏

() الجوكندار هو الرجل الذي يحمل الجوكان للسلطان أثناء لعبة الكرة وهو المحجن الذي تضرب به الكرة: السلوك ج اص 1755 حاشية .١‏

(5) الذهبي: دول الإسلام ج ؟ ص ١74‏ 150ء ابن كثير البداية والنهاية ج 17. ص ٠72ء‏ النجوم الزاهرة ج لا ص .1١8 ١١54‏

>33

موقعة حمص الأولى 1509ه / ١115م‏

ذكرنا أن الأمير حسام الدين لاجين الجوكندار مقدم عسكر حلب والملك المنصور صاحب حماة وأخوه الأفضل علي والأمير مبارز الدين قد ساروا من حماة بعد أن علموا اقتراب التتار منها ووصلوا جميعاً إلى حمص حيث اجتمعوا مع صاحبها الملك الأشرف» هذا في الوقت الذي عزم فيه عسكر حلب على المسير إلى دمشق» وفي الوقت نفسه كان العدو قريباً من حمص ويتهددهاء فلام الملك الأشرف «الجوكندار» على تخاذله عن القتال وقال له: "ما يقال عنا في البلاد وبأي وجه نلقى صاحب مصر؛ وأخذ في حثه هو وصاحب حماة على لقاء العدو» وتقرر الوقوف في وجه العدو وقتالء فوصلت قوات المغول يوم الجمعة الخامس من المحرم 154ه / ديسمبر ام والتقى الجمعان» واشتد وطيس القتال عند مكان بالقرب من قبر خالد بن الوليد قرب الرستن» وبرغم أن كمّة العدو كانت الراجحة من حيث العدد والعددء فقد بلغ عدد فرسان العدو حوالى ستة آلاف فارس في حين كان جند المسلمين نحو ألف وأربعمائة فارسء» إلا أن النصر كان حليف المسلمين «ورزقهم الله النصر عليهم» فبدد شمل عدوهم وحقق لهم النصر المبين» ولقد كان لهذا النصر أبلغ الأثر في نفوس المسلمين» فتتبعوا قلول عدوهم حتى أفنوا معظمهمء وفي هله المناسبة قال الذهبي: «فحمل المسلمون حملة صادقة فكان النصرء ووضعوا السيف في الكفرة حتى حصدوا أكثرهم» وانهزم مقدمهم بيدرا بأسوأ حال» والعجب أنه ما قتل من المسلمين سوى رجل واحدة”'.

وترتب على هزيمة التتار رفع الروح المعنوية عند المسلمين فما أن علم أهل حماة بهزيمة التتار عند حمص حتى شرعوا في عقاب جماعة من المنافقين فى المدينة» كانوا يميلون إلى مد يد العون إلى التتار وذلك عن طريق فتح ثقب كبير في سور المدينة ليدخل منه التتار إلى المديئة» ثم وصل (1) الذهبي: دول الإسلام ج 7 ص 156: لالنجوم الزاهرة ج ص 2٠١7‏ ابن كثير: البداية

والنهاية ج 1 ص .377١‏

نا

الملك المنصور إلى حماة فرجع التتار المنهزمون ونازلوا المدينة يوماً ولكن قوّتهم كانت ضعفت وانهارت فتركوا المدينة وساروا إلى أفامية أما الملك المنصور وأخوه الأفضل فقد قررا المسير إلى دمشق ولكن الناس في حماة منعوهما من ذلك حتى استوثقوا منهما بأنه يعود إليهم عن قرب فمكنوه من السفر ومعه جماعة قليلة من خواصه ومماليكهء وقال لهم إنه يريد أن يأخذ معه عسكراً ليكون له النصر بهم على التتارء فسار بعد أن ترك عندهم الطواشي شجاع الدين مرشداً مع العسكرء وكذلك توجه الملك الأشرف صاحب حمص إلى دمشق» وكان الملك المجاهد علم الدين سنجر قد زيّن دمشق ابتهاجاً بالانتتصار على التتار في حمص .

أما حسام الدين الجوكندار فإنه لم يدخل دمشق» بل أخذ طريقه إلى مصر ولم يقبل الدخول في طاعة الملك المجاهد الذي أعلن تمرّده على السلطان الظاهر بيبرس وطمع في الاستقلال بالشام» وأقام صاحب حماة وصاحب حمص بدمشق في دورهماء ولم يدخلا في طاعة الملك المجاهد لضعفه وعادا إلى بلادهما”'' في حين أرسل السلطان الظاهر بيبرس قوة استطاعت أن تقضي على حركة الانفصال في دمشق وهرب الأمير سنجر صاحب دمشق إلى بعلبك ولكن قبض عليه واعتقل لأنه جاوز الصواب في غملةء: آنا بالسبة للحار ساروا عن خماة إلى أفامئة» وكاق الأمين يفت الدين الديبلي الأشرفي قد وصل إلى أفامية وأقام في قلعتهاء وأخذ يهاجم التتار حتى اضطرهم وساروا إلى حلب وحاصروها «أربعة أشهر وضيقوا عليها الأقوات وقتلوا من الغرباء خلقاً صبراًء فإنا لله وإنا إليه راجعون والجيوش الذين كسروهم على حمص مقيمون لم يرجعوا إلى حلب بل ساقوا إلى مصر”' فبعث السلطان الظاهر بيبرس القوات بقيادة الأمير فخر الدين الحمصي والأمير حسام الدين لاجين الجوكندار والأمير حسام الدين

17 ابن خلدون: الصرح هص الال السلوك ج ١ص 4160 ابن كثير : البداية والنهاية ج‎ )١( .٠١5 ص‎ ٠ النجوم الزاهرة ج‎ 07١ ص‎ .1١8-١٠١7 ص‎ ٠ صن ١ث"77, التجوم الزهرة ج‎ ١7 ابن كثير: البداية والنهاية ج‎ )(

كل

العينتابي وذلك لطرد التتار من حلب. فلما وصل الجيش إلى غزةء أرسل الفرنج يخبرون التحار ويحذرونهم» فرحلوا عن حلب بسرعة ودخل الجيش الإسلامي إلى مدينة حلب"" .

إحياء الخلافة العباسية في القاهرة:

وكان الأمير أبا القاسم أحمد بن الخليفة الظاهر أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بالله العباسي «وكان معتقلاً ببغداد فأطلق, وكان مع جماعة الأعراف رضن العراق» مضل لكل رين بلغه ملكهء فقدم مصر صحبته جماعة من أمراء الأعراب عشرة» منهم الأمير ناصر الدين مهنا في ثامن رجب ( 159ه) فرع السلطان ومعه الوزير والشهود والمؤذنون فتلقوه وكان يوماً مشهوداء وخرج أهل التوراة بتوراتهم» والنصارى بإنجيلهم ودخل من باب النصر في أبهة عظيمة» فلما كان يوم الإثنين ثالث عشر رجب جلس السلطان والخليفة بالإيوان بقلعة الجبل» والوزير والقاضي وامراء على طبقاتهم» وأثبت نسب الخليفة المذكور على قاضي القضاة تاج الدين بن الأعزء وهذا الخليفة هو أخو المستنصر بالله باني المستنصرية وعم المستعصم» بويع بالخلافة بمصرء بايعه الملك الظاهر والقاضي الوزير والأمراء»ء وركب في موكب عظيم وسار في شوارع القاهرة فى ثالث عشر رجبء وهذا الخليفة هو الثامن والثلاثون من خلفاء بنى الساتى بية ردق للحباطى | رئعة وش رون ١‏ وكا | زلانين ايه القامين ناج الدين لما ثبت نسبه» ثم | لسلطان ثم الشيخ عز الدين ابن عبد السلام ثم الأمراء وكبار رجال الدولة وخطب له على المنابر وضرب اسمه على السكة ‏ التقود ‏ وكان منصب الخلافة قد شغر منذ ثلاث سنين ونصفاً لأن المستعصم قتل في أوّل سنة ست وخمسين وستمائة) وبويع هذا في يوم الإثنين في ثالث عشر رجب من هله السنة أعني سنة تسع وخمسين وستمائة”") )١(‏ المصدر السابق ص ١9ا2ء‏ النجوم الزاهرة ج لا ص .١٠١9‏

(؟) ابن كثير ج "17 ص 2771 الذهبي: دول الإسلام ج ؟ ص 156, السلوك ج ١‏ ص 444» التجوم الزاهرة ج جح لاص .١3١١-1١١9‏

يخم

وهنا نؤكد على أهمية منصب الخلافة الإسلامية باعتبارها الرمز الذي يمثل القيادة السياسية والدينية للمسلمين وقد ارتضوها بإجماع الآراء قبل أن يوارى جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم الثرى» وهي تمثل وحدة العالم الإسلامي ولقد أدرك المسلمون على اختلاف طبقاتهم أهمية وجود الخلافة صاحبة الأمر والنهي والتي تقوم بدورها في تطبيق الإسلام في جميع المجالات؛ وكان المسلمون يسهرون على حماية دار الإسلام من العدوان الخارجي كما يقومون بمراقبة أصحاب الحكم كباراً وصغاراً ومدى تطبيقهم للإسلام» فإن شاهدوا أو سمعوا أي إهمال أو تجاوز للشريعة فإنهم يظهرون معارضتهم بالقول والفعل بمعنى السهر على حراسة أمور الدنيا والدين في آن واحد» ولقد حرص المسلمون على إبقاء الخلافة معبرة عن وحدة العالم الإسلامي حتى ألغاها عدو الإسلام كمال أتاتورك عام 1975م وتحولت تركيا إلى دولة علمانية وانخرطت في معاضدة الصهيونية والصليبية حتى أصبحت تنتمي إلى حلف الأطلنطي. على الرغم من أن معظم سكانها من المسلمين.

وإذا تأملنا الأصوات المعادية للإسلام العلمانية والقومية والصهيونية والصليبية والشيوعية وآخرين» فإن الصين التي بلغ عدد سكانها الآن ما يزيد عن مليار نسمة وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم خمسين ولاية وكذلك الاتحاد السوفيتي أو الهند التي يزيد سكانها عن نصف مليار شخص رغم تباين سكانها من حيث الدين واللغة والأصول فكيف ينكر أعداء الإسلام موضوع الخلافة الإسلامية مع أن التجارب التاريخية أثبتت فاعلية وجدوى هذا النظام في توحيد كلمة المسلمين ومن ثم فإن الأعداء يقاومون هذه الفكرة حتى لا يتوحد أهل الإسلام تحت راية قيادة سياسية ودينية واحدة تستطيع أن تكون قوة رادعة للأعداء وقوة لفعل الخبر في المجال الإنساني .

والقرآن الكريم يؤكد هذه المعاني ففي سورة الأنبياء: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون4”' وقوله تعالى في سورة المؤمنون #«وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون74" وهذا يؤكد على أن المسلمين أمة

.97 سورة الأنبياء آية رقم‎ )١( .67 (؟) سورة المؤمنون: آية رقم‎

لما

واحدة وأن أي تقسيم سياسي أو قبلي أو اقتصادي أو قومي فيكون مخالفاً للوسلام مخالفة صريحة تستوجب الجهاد بالقوة إذا لزم الأمر لإعادة توحيد هذه الأمة تحت قيادة سياسية ودينية واحدة وهذا المعنى يفرض عليئنا أن نفهم أن أي تصرف أو فعل يؤدي إلى قيام كيانات مستقلة ولها دساتيرها وقوانينها التي لا تتفق مع الشريعة ولها أهدافها وطموحاتها دون أن يرتبط هذا مع منطلق الإسلام الأصلي وهو أن المسلمين أمة واحدة ولقد حدد القرآن الكريم بوضوح أن سلوك المسلمين بعيداً عن روح الإسلام سيؤدي بهم إلى الانقسام والتقطع والضعف والهوان داخلياً وبالتالي ينعكس هذا خارجياً فتضيع هيبتهم وتتوالى الاعتداءات عليهم وتذهب ريحهم والقرآن يقول #وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون4”'' وقوله تعالى: افتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون» #فذرهم في غمرتهم حتى حين# #أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين» «نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون»”" .

والمعنى القرآني لا يحتاج إلى تفسير أكثر مما هو واضح أن جميع الدعوات والأحزاب لا يقرها الإسلام فهي تؤدي إلى الانقسام والاختلاف حتى يتطرق الخلاف بين كل فرد وآخر وبالتالي بين أسرة وأخرى وقبيلة وأخرى وبلد وآخر مع أن النجاة والدواء لكل هذه الأمراض يكمن في أن المسلمين يشكلون أمة واحدة لها دستور واحد هو القرآن الكريم ورسالة واحدة بمعنى أنها تسير على نهج الله القويم فلا تضل ولا تشقى.

لهذا فهم السلطان الظاهر بيبرس ورجال دولته أهمية إحياء الخلافة الإسلامية» فأقامها السلطان وله الفضل فى هذا كما أن السلطان الظاهر حقق فائدة عظيمة من إحياء الخلافة العباسية» فقد فوض إليه الخليفة حكم البلاد والعباد وما يفتحه الله على يديه؛ فأصبح بذلك سلطاناً مفوضاً في الحكم نيابة عن الخليفة الذي لقب باسم المستنصر بالله 7" .

. 97 سورة الأنبياء آية‎ )١(

(') سورة المؤمنون الآيات 0-07 15ه.

() ابن كثير: البداية والنهاية ج لال ص !”7 اك السلوك ج ١١‏ ص 418 /اه2:0 الذهبي: دول الإسلام ج 7 ص 006 النجوم الزاهرة ج لا ص ١1١3*31٠‏ .

احلس

وأراد الخليفة العودة إلى بغداد مقر الخلافة العباسية» فطلب من السلطان الظاهر بيبرس أن يجهزه بما يلزم لقتال التتار وإخراجهم من العراق وبغداد «فرتب السلطان له جنداً هائلة» و سار السلطان صحبته قاصدين دمشق»2(١2‏ «فدخلوا دمشق يوم الإثنين سابع ذي القعدة» وكان ا مشهوداٌ 0 الجمعة بجامع د مشق » وكان دخول الخليفة من ياب البريد» ودخخل السلطان من باب الزيارة) وكان نوفا مشهوداً 0 ثم جهز السلطان الخليفة إلى بغداد ومعه أولاً صاحب الموصل»

دن عليه علبي وعاى كن ابتمل ممه من لصيل :| الذي إرذون عندرها لم يقدر الله من الذهب والعين ألف ألف دينار»”''.

في أوائل هذه السنة ( ٠7ه)‏ في ثالث المحرم قتل الخليفة المستنصر بالله الذي بويع له في رجب في السنة الماضية بمصر وكان قتله بأرض العراق بعد ما هزم من كان معن ال

إلا أن السلطان الظاهر شرع في إقامة خليفة جديد ففي السابع والعشرين من ربيع الآخر دخل الخليفة أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن الأمير أبي علي القبي بن الأمير علي بن الأمير أبي بكر بن الإمام المسترشد بالله بن المستظهر بالله أبي العباس أحمد من بلاد الشرق وصحبته جماعة من رؤوس تلك البلادء وقد شهد الوقعة صحبة المستنصر» وهرب هو فى جماعة من المعركة فسلم» فلما كان يوم دخوله تلقاه السلطان الظاهر وأظهر السرور له والاحتفال بهء وأنزله في البرج الكبير من قلعة الجبل وأجريت عليه الأرزاق الدارة والإحسان:؟؟ .

ولما كان يوم الخميس الثاني من المحرم ( كككه) جلس السلطان الظاهر والأمراء في الإيوان الكبير بقلعة الجبل» وجاء الخليفة الحاكم بأمر

زرف أبن كثير : البداية والنهاية ج 1 ص ؟773.

زهرق المصدر الا ونقس الصفحة . الذهبي : : دول الإسلام ج اص 21١55-1١560‏ السلوك ج ١‏ ص 16575 » النجوم الزاهرة ج لاص .1١١17-1١١6‏

دق ابن كثير : البداية والنهاية جَ ل ص ”7 734

ئى.

الله راكباً حتى نزل عند الإيوان» وقد بسط له إلى جانب السلطان وذلك بعد ثبوت نسبه» ثم قرئ نسبه على الناس ثم أقبل عليه الظاهر بيبرس فبايعه وبايعه الناس بعدهء ثم خطب يوم الجمعة وكتبت بيعته إلى الآفاق ليخطب له وضربت السكة باسمه وقرر الإقامة في القاهرة هذه المرة9" .

هجوم التتار على الموصل :

ولقد كان للاضطرابات التي تموج بها الموصل والانقسامات التي تعانيها فرصة سانحة للمغول لمحاولة الاستيلاء عليهاء ومن ثم سار قائد المغول صندغون بعشرة آلاف فارس”'" من جيش التتار إلى الموصل وحاصرهاء وكان السبب في ذلك أن الملك الصالح عماد الدين اسماعيل بن الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ قد سار إلى مصر قبل ذلك مما أغضب أهل الموصل والحاكم المغولي المقيم بالموصل» وكان من خرج لوداع الملك الصالح وقتذاك أحد قادته واسمه علم الدين سنجرء فلما رجع الأخير بعد وداعه للملك الصالح» منعه حاكم التتار من دخول الموصل لأن البلاد كانت تحت سيطرة المغول ‏ إلا أن علم الدين سنجر استطاع أن يدخل المدينة مع .رجاله سرء فاضطر الحاكم المغولي أن يلجأ إلى القلعة بالمديئة هذا في الوقت الذي قام فيه علاء الدين سنجر بالتنكيل بالمسيحيين وعدم كنائسهم لتعاونهم مع التتارء هذا في الوقت الذي كان الملك الصالح غائباً عن البلاد في مصر ووردت الأخبار أنه في طريق العودة» فما علم التتار بعودته إلى بلاده حتى رفعوا الحصار عن الموصل» واختفوا في مكان مجاور حتى دخل الملك الصالح اسماعيل الموصل فأعاد المغول الحصار للمدينة من جديد وحصروا بها الصالح اسماعيل ونصبوا عليها ثلاثين منجنيقاً ترمى ليلا ونهاراًء وبدأ القتال من الداخل والخارج «فضايقوها أشد مشايقة ولم يكن فيها سلاح يقاتلون به ولا قوت يمسك رمق من فيها»”" فاستنجد الملك الصالح بالأمير

. 167 ص 2778-7127 الذهبي: دول الإسلام ج ؟ ص‎ ١7 ابن كثير: البداية والنهاية ج‎ )١( أخقوم رطاده ه11‎ 3: 5.181. 0 .5457 ص‎ ١ الذيل ج‎ 0

و"

شمس الدين أقوش البرلي في حلب في الوقت الذي سير فيه أخويه إلى الملك الظاهر بيبرس ليسألاه نجدة أخيهما واستجاب الظاهر لمطلبهم فسيّر جيشا من مصر بقيادة الأمير شمس الدين سنقر الرومي» وكان ذلك في رابع جمادى الأولى ١ه‏ / مارس 1577م. وفي نفس الوقت كتب الظاهر لصاحب دمشق بخروخ جيشها لنجدة الصالح بقيادة الأمير علاء الدين الحاج طيبرس”'2؛ كذلك خرج شمس الدين البرلي ملك حلب على رأس قواته لإنجاد الملك الصالح اسماعيل حتى وصل إلى سنجار» فلما علم التتار بقرب وصول النجدات للملك الصالح عزموا على ترك الحصار والهرب لولاا وصول الزين الحافظي موفداً من هولاكو وتشجيعه لهم على استمرار الحصار وعرفهم أن عساكر البرلي قليلة وقال للتتار: «والمصلحة أن تلاقوهم لثلا توصفوا بالعجز فيطمع فيكم «فسار صندغون ومعه العساكر لمقاتلة البرلي وقصد سنجار حيث يوجد البرلى «ومعه سبعمائة فارس غزا وأريعمائة من التركمان ومائة من العرب» فالتقى الجمعان يوم الأحد الرابع عشر من جمادى الآخرة ١ه‏ / مايو 757١م‏ فانهزم البرلي وقتل معظم أصحابه ونجا البرلي في جماعة يسيرة من أصحابه من المماليك العزيزية والناصرية فوصلوا إلى البيرة حيث فارقه أكثرهم وساروا إلى مصرء وما أن دخل البرلي البيرة حتى وصلت إليه رسل هولاكو ومن بينهم ابن خال شمس الدين البرلي وزين الدين الناصري» وطلبوا من البرلي المسير إلى هولاكو ولكنه لم يفعل بل طلب الإذن من السلطان الظاهر بدخول مصرء فأذن له وسار من البيرة في التاسع عشر من رمضان ١ه‏ / سبتمبر 1777م» ودخخل مصر في أوّل ذي القعدة ١ه‏ / سبتمبر 177١م‏ فأنعم عليه الظاهر بيبرس وأكرمه بالمال والخلع.

أما عن صندغون قائد التتار فإنه بعد انتصاره على البرلي عاد إلى الموصل ومعه الأسرى فأدخلهم من النقوب إلى داخل المدينة ليخبروا الملك الصالح بهزيمة البرلي الذي جاء لنجدته» وفي نفس الوقت شدد الحصار على المدينة حتى قلت الأقوات بها فأرسل قائد التتار صندغون إلى الملك الصالح )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 458.

فى

يعده بالوعود الحسنة فاستجاب لذلك «ويطل القتال وقعدوا قعوداً» إلا أن صندغون نكث بوعوده وهي عادة التتار» فبعد أن فتحت أبواب المديئة فى السادس والعشرين من شعبان ١571ه‏ / يوليه أي بعد تسعة أشهر من الحصار دخل التتار المدينة وسبوا ونهبوا أهلها واستباحوا المدينة أكثر من أسبوع”'2 وفي أواخر شوال ١17ه‏ / سبتمبر 1277م عاد المغول إلى بلادهم وصحبتهم الملك الصالح الذي قتل في الطريق قبل أن يصل إلى هولاكو كما ذكر المقريزي .

خيانة ملك الكرك وحكم الإسلام فيه:

قال ابن كثير: #ركب الظاهر من مصر في العساكر المنصورة قاصداً ناحية بلاد الكرك» فاستدعى صاحبها الملك المغيث عمر بن العادل أبى بكر بن الكامل» فلما قدم عليه بعد جهد أرسله إلى مصر معتقلاً فكان آخر العهد بهء وذلك أنه كاتب هولاكو وحثه على القدوم إلى الشام مرة أخرى» وجاءه كتب التثار بالثبات ونيابة البلاد» وأنهم قادمون عليه عشرون ألفاً لفتح الديار المصرية. وأخرج السلطان فتاوى الفقهاء بقتله وعرض ذلك على ابن خلكان» وكان قد استدعاه من دمشقء وعلى جماعة من الأمراءء ثم سار فتسلم الكرك يوم الجمعة ثالث عشر جمادي الأولى ودخلها يومئذ في أبهة» ثم عاد إلى مصر مؤيداً منصوراً»" .

وذكر المقريزي ذلك بقوله: «وخرج إليه الملك المغيث من الكرك» بعدما كاتبه الملك الظاهر يستدعيه وهو يسوّف به فأظهر السلطان من الاحتفال به شيئاً كثيراً» وخدعه أعظم خديعة» وكتم أمره عن كل أحدء فلما وصل المغيث بيسان ركب السلطان إلى لقائه في سادس عشرين جمادى الأولى» ووافاه في أحسن زي . فعندما التقيا ساق الملك المغيث إلى جانب )١(‏ ذكر أن مدة الحصار اثتا عشر شهراً: الحوادث الجامعة ص 740 وذكر أيضاً أنها ستة أشهر

1 ,3 ,ه2110 ثم انظر دول الإسلام ج ؟ ص :١78‏ تاريخ الخميس ج “كقدص "4737. 0 ابن كثير: البداية والنهاية ج ١1‏ ص 71238.

وففا

السلطان فسار به إلى الدهليز ‏ المعسكر ‏ السلطاني» ودخلا إلى خركاه» وللوقت قبض عليهء وأحضر السلطان الملوك والأمراء وقاضي القضاة شمس الدين أحمد بن خلكان ‏ وكان قد استدعاه من دمشقء والشهود والأجناد ورسل الفرنج وأخرج السلطان إليهم كتب الملك المغيث إلى التتارء وكتب التتار إليه» وأخرج أيضاً فتاوى الفقهاء بقتله» وأحضر فيا القصاد الذين كانوا يسفرون بينه ويين هولاكو» ثم قال الأمير الأتابك لمن حضر : «السلطان الملك الظاهر يسلم عليكمء ويقول ما أخذت الملك المغيث إلا بهذا السبب «وقرئت الكتب المذكورة عليهم؛ فكتب بصورة الحال» وأثبت القضاة خطوطهم في المكتوب» وأنفض الجمع»”".

ويفهم من هذا أن خيانة الدين والإسلام عقوبتها القتل» وأي خحيانة ومباطنة وموادعة مع أعداء الإسلام وتشجيعهم على حرب المسلمين فإن هذه الخيانة عقوبتها القتل ولقد أفتى في هذا الأمر قضاة وعلماء كبار ليس من يجاريهم في علمهم ونزاهتهم في عصرنا وبناء على ما تقدم يثور سؤال ما حكم بعض المسلمين قادة وأفراداً عندما يتعاونون علانية مع العدو الصليبي والصهيوني » بل يقاتلون بقواتهم وأمواليتع شا سبلا رفم أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تحرم ذلك. بل إن الشواهد التاريخية عبر القرون الماضية منذ عهد النبوة ة الشريفة إلى وقت قريب تؤكد عدم جواز التحالف مع غير المسلمين ضد المسلمين تحت أي ظرف من الظروف. وينبغي أن يفهم القارىء العزيز أن كل ما يقول به علماء اليوم بغير هذا فإنه منافق أو جاهل أو خائف أو عدو لله ورسوله والمؤمنين تحالف السلطان الظاهر مع بركة خان.

كان إسلام بركة شان ملك المغول الذين يعيشون حول نهر الفولجا والذين عرفوا باسم مغول القبيلة الذهبية سبباً في العداوة والحرب بين بكرة خان وهولاكوء بسبب اعتناق المغول (القبيلة الذهبية) الإسلام بين بركة خان وهولاكوء وكان من الطبيعي نتيجة لأخوة الإسلام وهي الأقوى في الروابط

.447 صن‎ ١ السلوك ج‎ )١(

3

بين جماعات المؤمنين فإن السلطان الظاهر بيبرس اهتم بالتعاون مع بركة نان ففي الحادي عشر من رجب سنة ١17ه‏ / مايو 1157م وصل إلى القاهرة رسولان أوفدهما الملك بركة خان أحدهما جلال قاضي دوقات والآخر الشيخ علي التركماني”'' وكان وصولهما إلى الاسكندرية بطريق البحر بعد أن مرا ببلاد الدولة البيزنطية» وكان مضمون هذه الرسالة: «أنت تعلم أني محب لهذا الدين وأن هذا العدو يعني هولاكو ‏ قد تعدى على المسلمين»

واستولى على بلادهم» وقد رأي يت أن تقصده من جهتك وأقصده من جهتي ونصدمه صدمة فئقتله أو نطرده عن البلاد ومتى كانت واحدة من هاتين أعطيتك ما كان في يده من البلاد التي استولى عليها»”” وذكر بركة خان فى رسالته أنه قام وإخوته الأربعة بمحاربة هولاكو من جميع الجهات لإقامة شريعة الإسلامء وأنَه أخذ بثأر الأئمة والأمة» وأنه أقام الأذان والصلاة والقراءة في بلاده”". فاستجاب السلطان الظاهر بيبرس لطلبات بركة نان وأخذ في تجهيز الرسل إليه فساروا من القاهرة في شهر رمضان ١17ه‏ / يوليو 777١م»‏ وبعث الظاهر بيبرس معهم عماد الدين عبد الرحيم الهاشمي العباسي والأمير فارس الدين أقوش المسعودي ومعهم هدايا ثميئة49) وتضمنت رسالة السلطان الظاهر بيبرس أيضا الدخول في الطاعة وطلب المعاضدة على هولاكو على أن يكون للظاهر من البلاد التي تنتزع من هولاكو مما يلي الشام» فلما وصل هؤلاء الرسل إلى القسطنطينية وجدوا صاحبها «الباسلوس» كرميخائيل غائبا في حرب مع الفرنج» فلما علم بقدومهم طلب حضورهم إليه «فساروا إليه عشرين يوماً في عمارة متصلة؛ واجتمعوا به في قلعة أكشانا فأحسن استقبالهم ووعدهم بالمساعدة» ووجدوا عنده رسلاً من هولاكوء فاعتذر صاحب القسطتطينية للرسل عن تأخيرهم خوفاً من اطلاع )ورد اسع ف الروض: لزاع اقوج ااا ضاق التق التي ذا الي مز الاين على :

(؟) الروض الزاهر ص »8١‏ الذيل ج ١‏ ص 5885» الذيل ج ١‏ ص ١114‏ 190» تلفيق الأخبار

ص 1536. «”) الروض الزاهر ص »8١‏ تلفيق الأخبار ص /231. () السلوك ج ١ا‏ ص 1997 حاشية "2 الذيل ج ؟ صض97١.‏

84

هولاكو على ما وصلوا من أجلهء ثم أمرهم بالعودة إلى القسطنطينية والمقام بها حتى يعود ويجهزهم إلى الملك بركة نخان» ولكنه استمر يسوّف لهم «ولم يزل يمطلهم سنة وثلاثة أشهر»"'' «فبعثوا إليه ‏ إن لم يمكنك المساعدة على توجهنا تلعادق انا فى الرجرع ةفافل لس ععا د الذين يمقر صددواعتار لهم اعرد تأخيرهم لكونه بعيداً عن بلاده ويخشى من مهاجمة هولاكو لبلادهء ويبدو أن صاحب القسطنطينية كان يخشى من غضب هولاكو وانتقاض الصلح معه فيهاجم بلاده إذا ما علم بمساعدته لسفراء سلطان مصر والملك بركة خان اللذان هما فى حالة حرب وعداء شديد معه ‏ وعاد عماد الدين وتأخر الأمير فارس الدين آقوشي المسعودي مدة 7 ونتيجة لتأخير السفراء في بيزنطة سارت جيوش الملك بركة خان وهاجمت أطراف بيزئطة وهرب الياسلوس من القلعة التي كان بها إلى القسطنطينية» وأرسل الأمير فارس الدين إلى مقدم جيش بركة خان ليخبره أن البلاد البيزنطية في عهدة الملك الظاهر وصلحه. وأن بركة خان في صلح من صالحه وعهد من عاهده» فطلب مقدم جيش بركة من الباسلوس أن يكتب له مرسوماً بذلك» فكتب أيضاً أنه لن يقوم بتأخير الرسل فرحل عسكر بركة خان بعد أن أخذوا معهم السلطان عز الدين كيكاوس وكان محبوساً في قلعة من قلاع القسطنطينية فأخرجوه منها ثم بعث الباسلوس الأمير فارس الدين إلى بركة تمان بعد أن جهزه وبعث معه رسولاً من جهته برسالة ضمنها أن يقرر على نفسه ما يحمله كل سنة ثلثمائة توب أطلس على أن يكون معاهداً ومصالحاً له مدافعاً عن بلاد» فسار فارس الدين إلى الملك بركة خان» فلما وصل إليه سأله عن سبب تأخره وهلاك معظم ما معهء فاعتذر عن ذلك بسبب ملك القسطنطينية الذين أعاقهم عن الوصول بسرعة» وأخرج خطاباً بما كتبه ملك القسطنطيئية لمقدم عسكر بركة خان ثم قال بركة خحان إلى فارس الدين: أنا ما أواخذك لأجل الملك الظاهر وهو أول من يؤاخذك على كذبك وإفساد ما بعثه معك. وعاد» سفير السلطان الظاهر

.197 ص 497 حاشية 4: الروض الزاهر ص الذيل ج ؟ ص‎ ١ السلوك ح‎ )١( .198 -1917 ص 577 018» الذيل ج 7 ص‎ ١ الذيل ج‎ )6(

فحن

بيبرس إلى القاهرة وكان وصوله في جمادى / مارس 1157١م.‏ وكان الظاهر بيبرس يهدف إلى تقوية المسلمين والجهاد ضد الأعداء» مهما تباعدت البيئة الجغرافية والحدود السياسية فإن رابطة الإسلام وأخوة الدين فوق هذه الاعتبارات وأن المسلمين كالجسد الواحد أو كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا .

اعتداء التثار على البيرة:

كان السلطان الظاهر بيبرس حذراً باستمرار» ويراقب تحركات الأعداء. فلما علم بوصول التتار إلى البيرة ومحاصرتهم لها أرسل الأمير بدر الدين الخازندار على الفور إلى بلاد الشام ليخرج بأربعة آلاف فارس لقتال العدوء وعين الأمير عز الدين إيغان المعروف باسم سم الموت مقدماً على الجيش ومعه الأمراء فخر الدين الحمصي والأمير بدر الدين بيليك الأيد مري والأمير علاء الدين كشتفدي الشمس وعدة من الأمراء مع أربعة آلاف فارس وخرجوا من القاهرة في الرابع من شهر ربيع الأول 77ه / ديسمبر 571١م‏ ثم سارت فرقة ثائية عدتها أربعة آلاف فارس بقيادة الأمير جمال الدين المحمدي والأمير جمال الدين ايدغدي الحاجبي» وكان سيرهم في اليوم التالي لخروج الفرقة الأولى» واجتمعوا خارج القاهرة ثم ساروا إلى بلاد الشام في العاشر من ربيع الأوّل *277ه / يناير 20617764 ثم طلب السلطان من صاحبي حماة وحلب التحرك بقواتهما؛ فسارت جميع هذه القوات وعبرت نهر 06 وكان السلطان الظاهر قد أمر عيسى بن مهنا بعد أن أرسل إليه عسكراً أن يسير بهم عبر الصحراء إلى حزان والإغارة عليهاء أما السلطان الظاهر فإنه استعد هو الآخر وخخرج من القاهرة على رأس القوات السلطانية» وكان ذلك في الخامس من شهر ربيع الآخر 777ه / يناير 1176م. إلا أن هذه القوات تعرضت أثناء مسيرها إلى بلاد الشام لفناء أدى إلى هلاك معظم الدواب التي تحمل المهمات والأسلحة الخاصة بالجيش. «وصارت الأموال مطروحة» والسلطان لا يقتصر في المسير» فلما شكى إليه قلة الظهر قال: ما أنا في قيد

.17١ 1194 صن 577 514؛ الروض الزاهر ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

يفذا

الجيالة أنا في قيد نصرة الإسلام»”'2 هكذا العزائم الإيمانية المخلصة التي لا تتوقف عن الجهاد لأي سبب لأنْ مصلحة الإسلام العليا فوق كل اعتبار» 3 واصل السلطان التقدم بقوّاته إلى غزة فوضلها. في العشرين من ربيخ الآخر "ها / فيراير - فعلم السلطان بها أن العدو نصب على البيرة سبعة عشر منجنيقاً فكتم ذلك النبأ حتى لا يتراجع العسكر وتبقى معنوياته قوية» وكتب السلطان كتاباً إلى الأمير عز الدين إيغان مقدم الجيش يقول له: «متى لم تدركوا قلعة البيرة؟ وإلا سقت إليها بنفسي تجريدة»”"©» وكان ذلك من قبيل تشجيع الأمير على الزحف بقواته نحو البيرة دون تأخيرء هذا في الوقت الذي تقدم فيه السلطان من غزة ونزل قريباً من صيداء ثم سار إلى يبنى”" في السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر 1717ه / فبراير 1754م» فورد كتاب على السلطان من دمشق جاء فيه أن الملك المنصور صاحب حماة يقول إنه وعساكره والأمير عز الدين إيغان وجماعة من الأمراء وصلوا إلى البيرة ومعهم العساكر» قلما شاهدهم عسكر العدو هربوا ورموا مجانيقهم وغرّقوا مراكبهم» وتوالت كتب الأمراء بالبشاير وتحمل نفس الأنباء» وكتب السلطان بإعادة إصلاح ما تهدم من البيرة وحمل آلات القتال إليها والأسلحة من مصر والشام» كما أمر «أن يعبأ فيها كل ما يحتاج إليه أهلها في الحصار لمدة عشر سنين»7؟؟ وأمر السلطان الأمراء وصاحب حماة بالإقامة على البيرة وعدم مغادرتها حتى ينظف الخندق من الحجارة التى ردمها العدو فيه» فأخذل الأمراء في نقل الحجارة على أكتافهم فكتبوا إلى السلطان يخبرونه بعملهم في حين كان السلطان نفسه يقوم بحصار قيسارية'”' ويعمل في هدم أسوارها بنفسه فكتب السلطان الظاهر جوابه للأمراء في البيرة قائلاً لهم : «إِنا بحمد الله ما تخصصنا عنكم براحة ولا دعة» ولا أنتم في ضيق ونحن في سعة» ما هنا )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 554.

0 المصدر السابق ونفس الصفحة.

() يبئى: بلد قرب الرملة بفلسطين: مراصد الاطلاع ج * ص ”147 .

(:) المصدر السابق ص 050» اين كثير: البداية والنهاية ج اص 514.

(0) قيسارية : :بل على ساعل الجر السوسطا خلس بيار مد عير ل بف الوم ل

174

إلا من هو مباشر الحروب في الليل والنهار» وناقل الأحجار ومرابط الكفار. وقد تساوينا في هذه الأمورء وما ثم ما تضيق به الصدور» هكذا كان السلطان الظاهر مجاهداً صادقاً وفي مقدمة قواته وقدوة .حسنة اقتداء بالنبي صلى الله 5 عليه وسلم» فقد شارك في الجهاد وفي حفر الخندق. ولم يكتف السلطان بكتابه السابق بل كتب إلى القاهرة «باستدعاء مائتي ألف درهم ومائتي تشريف» وإلى دمشق بتجهيز مائة ألف درهم ومائة تشريف» وحمل جميع ذلك إلى البيرة وكتب إلى الأمير إيغان بأن يحضر أهل قلعة البيرة ويخلع على سائر من فيها من أمير ومأمور وجندي وعامي» وينفق فيهم المال حتى الحراس وأرباب الضوء”'' فاعتمد ذلك كله" . وبعد أن هدم السلطان الظاهر أسوار قيسارية وأرسوف”" وفتحها عاد إلى مصرء ووصلها في يوم الخميس الحادي عشر من شعيان 177ه / 55م والأسرى بين يديهء وكان في استقباله الملك السعيد والأتابك عز الدين الحلبي نائب السلطنة”» ثم عادت العساكر والأمراء من البيرة مع الأمير عز الدين إيغان والأمير جمال الدين المحمدي.

غارات التتار على بلاد الشام :

في السابع و العشرين من جمادي الآخرة عام 76ه / مارس 1577م تقدم السلطان الظاهر إلى الشام ومعه جماعة من الأمراء 5 ضباط - وترك معظم قواته بمصرهء وييئما السلطان الظاهر في صفد بفلسطين علم بهجوم التتار على الرحبة» وأن أهل الرحبة بة قتلوا وأسروا عدداً كبيراً من العدو والذي اضطر إلى العودة إلى بلاده.

وفي شهر صفر عام 577ه / اكتوبر 171١م‏ علم السلطان الظاهر بمسير التتار إلى حلب» فأمر بالاستعداد وأرسل على الفور إلى الشام يأمر

)١(‏ أرباب الضوء: أي الأشخاص المكلفون بأعمال الإضاءة ويقال لهم الضويه والمشاعلية أيضاً. السلوك ج ١‏ ص 010 حاشية 7.

(') السلوك ج ١‏ ص 576.

(7) أرسوف ال الشام بين قيسارية ويافا: مراصد الاطلاع ح ١‏ ص 05.

'(4) السلوك ج ١‏ ص “عه

لحف

النواب بتجهيز القوات والاستعداد لمواجهة العدو”'' وحاول الفرنجة مد يد العون مع المغول في محاربة المسلمين» فتقدم الفرنجة لمهاجمة وادي الأردن وهذا يوضح تحالف قوى الشر ضد المسلمين كما هو الحال في عصرنا.

وفى عام / 1119م كان السلطان الظاهر بيبرس في دمشق فوصل إليه رسل ملك المغول أبغا بن هولاكو ومعهم رسالة تتضمن: «إن الملك أبغا بن هولاكو لما خرج من الشرق ملك جميع البلاد» ومن خالفه قتلء وأنت لو صعدت إلى السماء أو هبطت إلى الأرض ما تخلص مناء فالمصلحة أن تجعل بيننا صلحاً وأنت مملوك أبعث في سيواس فكيف تشاقق ملوك الأرض».

إل أن إبغا ملك التتار لم يتمكن من تنفيذ تهديداته في هذه الآونة لوقوع الخلاف بينه وبين مملكة مغول الفقجاق ‏ القبيلة الذهبية ‏ وانشغلوا بأنفسهم.

وفي عام 57/4ه / 19١١م‏ علم السلطان بتحركات المغول نحو بلاد الشام وكانوا قد اتفقوا مع الصليبيين الموجودين ببلاد الشام على مهاجمة المسلمين. وعلم السلطان أن التتار أغاروا على السلجوق”" بالقرب من حلبء فأرسل السلطان بعض القوات من مصر إلى الشام بقيادة الأمير علاء الدين البندقدار» وأمره السلطان بأن يرابط بقواته في أطراف بلاد الشام الشرقية وأن يكون على أهبة واستعداد» ثم سار السلطان من القاهرة في ربيع الأول 174ه / اكتوبر 1779م في جماعة من العسكر» فوصل غزة ثم دمشق بعد أن صادفت العساكر أضراراً بالغة ومشقة عظيمة بسبب البرد القارس» ولم تلبث الأخبار أن وصلت السلطان بانهزام التتار عندما علموا بتحرك السلطان الظاهر «وكأن قد ألقى الله في أنفس الناس أن السلطان وحده يقوم مقام العساكر الكثيرة في هزيمة الأعداء وأن اسمه يردّ الأعداء من كل جانب»9" فورد الخبر بأن جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب وبعثوا إلى أبغا بن

.0586 5484 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

(؟) الساجور: وهو نهر بجهات منبيج وتقع عليه عينتاب وتل باشر ‏ السلوك ج ١‏ ص 084 حاشية 0

() السلوك ج ١‏ ص 584.

58

هولاكو بأنهم واصلون لمواعدته من جهة سيس في سفن كثيرة» فبعث الله على تلك السفن ريحاً أتلفت عدّة منهاء ولم يسمع بعدها لمن بقي في الأخرى خبر» وكان أبغا بن هولاكو راسل ملوك أورويا والبابا كليمنت الرابع في سنة / 1117م» وطلب من البابا إرسال جيش صليبي من الغرب ليهاجم المسلمين في بلاد الشام بينما يتقدم التتار للهجوم على المسلمين من جهة الشرق فيقع أهل الإسلام بين نارين في وقت واحدء وأجابه البابا بالموافقة على هذه الخطة إلا أن الموقف الجهادي الصادق ويقظة السلطان وقواته حالت بين الجانبين أن يلتقيا في حرب واحدة ضد السلطان الظاهر بيبرسر”' .

ومن أسباب انتصار السلطان الظاهر إيمانه القوي فكلما رأى منكراً أسرع إلى تغبيره 'وفي يوم الإثنين سابع عشر ذي الحجة ( 579ه) أمر الملك الظاهر بإراقة الخمور في سائر بلاده» وأوعد من يعصرها بالقتل 0 وكتب بذلك توقيع - أمر سلطاني ‏ قرىء على منبر مصر والقاهرة»”"©)

ويقول المقريزي: اسنة سبعين وستمائة أهلت والسلطان متشدد في إراقة الخمور وإزالة المنكرات» فكان لذلك يوماً مشهوداً»”" وقال ابن كثير: «وفي اليوم السابع عشر من ذي لس ام ال وتهدد من يعصرها أو يعتصرها بالقتل. . سارع البرد بذلك إلى الآفاق»7*»

وفي سنة ١51ه‏ / 0 قوات التتار نحو بلاد الشام و فى عشرة آلاف فارس بقيادة الأمير صفرا (سماغور) والبرواناهك؟ وكان السلطان الظاهر موجوداً بالشام في تلك الفترة» فلما علم التتار بذلك أرسلوا ألفاً وخمسماية فارس بقيادة آمال بن بوغاي للإغارة على أطراف بلاد حلب»

.0860 584 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

() النجوم الزاهرة ج ج لاص 164.

9) السلوك ج ١‏ ل

2( 0 البداية والنهاية ج 11 ص .78١‏

(5) البرواناه : لفظ فارسي معناء في الأصل الحاجب» وقد أطلق في دول السلاجقة بآسيا الصغرى على الوزير الأكبر» وهو سليمان بن علي بن محمد بن حسن الصاحب معين الدين البرواناه توفى شهيداً فى أواخر 167ه في واقعة التتار مع الملك الظاهر أنظر النجوم الزاهرة ج ص 06 حاشية ”7

لمكن

وأرسل الظاهر بيبرس إلى مصر يطلب حضور قواته فحضرت العساكر الإسلامية من مصر بقيادة الأمير بيسرى وعدتهم ثلاثة ألاف فارس» فوصلوا إلى السلطان في الخامس من ربيع الآخر ٠301ه‏ / 1771م وتقدم بهم نحو التتار في السابع من رييع الآخرء فعلم العدو بحركة السلطان إليهم «فولوا على أعقابهم”' .

موقعة البيرة وعبور الفرات ١/ا1اه‏ / اام

وصل السلطان الظاهر بيبرس إلى دمشق في الخامس من المحرم ١/51.ه‏ / أغسطس 1777م فعلم بحركة التتارء فعاد السلطان إلى مصر سراًء ووصل إلى قلعة الجبل على حين غفلةء وكان قد أخبر أمراء الشام أنه متوجّه إلى البيرة لتفقد أحوالهاء وفي مصر أعد قواته وعاد إلى الشام فدخل قلعة دمشق يك50 ,

وفي خامس جمادى الأولى ١/51ه‏ / ديسمبر 777١م‏ ورد الخبر بنزول التتار على البيرةء وأنهم نصبوا المجانيق عليهاء كما أنهم يراقبون المخاضات التي يمكن أن يعبر منها المسلمون نهر الفرات إلى ضفته الشرقية لقتال التتار ويقول المقريزي «وأنهم قد حفظوا مخاوض الفرات ونزلوا عليهاء ليعوقوا من يصل إليهم. فجهز السلطان الأمير فخر الدين الحمصي بعدة من عسكر مصر والشام إلى جهة حارم» وجهز الأمير علاء الدين الحاج طيبرس الوزيري ورحل هو من ظاهر دمشق في ثامن عشر جمادى الأولى. ومعه مراكب مفصلة محمولةء وجدّ السلطان فى السير حتى وصل إلى الفرات» فوجد التتار على الشطء فألقى المراكب التي حملها معه في الفرات وأشحنها بالمقاتلة» فتراموا هم والتتار» واقتحم الأمير قلاوون الألفي الصالحي الفرات» فخاض ومعه عدة وافرة» وصدم التتار صدمة فرقهم بها ومرّفقهم. فألقت الاطلاب ‏ القوات ‏ أنفسها في الفرات» وساقوا فيها عوماً الفارس

.1550-1١966 النجوم الزاهرة ج لا ص‎ )١( .١88 النجوم الزاهرة ج لا ص‎ »505 5١4 ص‎ ١ (؟) السلوك ج‎

18

إلى جانب الفارس» وهم متماسكون بالأعنة ومجاديفهم رماحهمء وعليهم الماء 7 مفزع » وطلع السلطان في أوَلهِمٍء وصلى في منزلة العدو ركعتين شكراً لله تعالى وب العساكر يميناً وشمالاًء فقتلوا وأسروا عددًا كثيراً.

وبات العسكر ليلة الإثنين» فورد الخبر بهزيمة التتار عن البيرة مع مقدمهم درباي وتركهم الأثقال والأزواد» وأن أهل البيرة أخذوا ذلك فتقووا به. وأقام السلطان ينتظر من يلاقيه من التتار فلم يأت أحدء فعدى بجميع عساكره في الفرات كما فعلوا أوّل مرة» ونزل بهم في ذلك ما لا يوصف من كثرة المشقة وعظم الهول حتى طلعت العساكر إلى البر. وسار السلطان إلى البيرة» وخلع على نائبها وأعطاه ألف دينارء وعم التشاريف والأنعام أهل البيرة» وفرّق فيهم مائة ألف درهم فضة» وجرّد هناك عدة من العسكر زيادة على من كان فيهاء وسار إلى دمشق فدخلها في ثالث جمادي الآخرة والأسرى بين يديه370)

وهنا ملاحظتان هامتان الأولى معرفة القوات الإسلامية للسباحة واجتياز نهر الفرات لقتال العدو والحديث النبوي الشريف يقول «علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل».

والمسلمون الصادقون يحرصون على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وستلم وتنفيذ سنته مع أن الحديث قيل في عهد النبوة ولا توجد أنهار أو حروب بحرية ولكن الإسلام بشموله يصلح لكل زمان ومكان.

أما الملاحظة الثانية فهي أن أوّل شيء قام به السلطان الظاهر بعد عبوره نهر الفرات إلى جهة الأعداء أن صلّى ركعتين شكراً لله على توفيقه؛ وهذا قمة الإيمان لأنّه لا يجوز مطلقاً أن يصاب القائد أو الرئيس أو الجيش بالغرور ويتصور أن النصر مرهون لأي سبب مادي آخر والدليل في هذا ما حدث في

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص 5١056‏ ا ,٠‏ النجوم الزاهرة ج ص 194-١58‏ البداية والنهاية ج 1 ص ولف المختصر في أخبار البشر ج + ص لا.

18

غزوة حنين في العام الثامن الهجري بعد فتح مكة ويقول القرآن الكريم في سورة التوبة لألقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكيتته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين»7#"'.

وقوله في سورة الأنفال: #وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم»” .

ويفهم مما ورد في الآيات أن النصر من عند الله؛ وأن بعض المسلمين يووا ختين أصابه الخزور عند شاهد جيشاً من المسلمين بلغ تعداده اثني عشر ألفأ وقالوا نحن اليوم كثرة سنغلب العدو بمعنى اعتقد البعض أن النصر موقرد بالعد رالكل. رالمسيكح على اليش من أن قال الجن ار سول متاو الله عليه وسلم ومعه أحب الصحابة الكرام فإن الله أراد أن يعلم المسلمين درساً ويحاسبهم على هذه الكلمة فهزمهم في بداية المعركة وولوا الأدبار رغم كثرتهم بمعنى أبطل اعتقادهم فوراً بينما ثبت النبي صلى الله عليه وسلم مع جماعة من أصحابه ممن لم يراودهم فكرة العدد الكثير» ثم جاء المدد من عند الله والثبات والنصر الشامل والمؤزر على العدو. فقد قتل وأسر معظم جيش الأعداء وكانت الغنائم فوق الوصف» وهنا إثيات آخر للمؤمئين أن النصر مع الإيمان والثبات وإن كانوا قلة والقرآن هئا يعلم المؤمنين والمسلمين من خلال هذا الموقف بعدم الغرورء فلو انتصر المسلمون فوراً بدون هزيمة في بداية المعركة لصح الاعتقاد عند بعض المسلمين أن النصر كان يسبب كثرة العددء ولكن الهزيمة أبطلت مفعول هذه الفكرة وأفشلت عملياً إسناد النصر لغير الله» والواقع أن هذه الواقعة فيها ترشيد للمسلمين فيما بعد وخصوصاً أنهم واجهوا الكثير من الهزائم والسبب فيها عدم الصدق مع الله بل الضعف

.750-76 سورة التوبة الآيات‎ )١( .٠١ (؟) سورة الأنفال آية‎

20

فى الزيمان والشك 3 العقيدة والكبرياء وأن النصر مرهون: بالمعدات والتكنولوجيا الأمريكية أ و الغربية أو الروسية بمعنى الاعتداد بكل شيء مادي وإهمال جانب الإيمان اا بلاد المسلمين وعمهم الذل والهوان والاضطهاد والفقر والانقسام حتى أصبح عدوهم صاحب الرأي والقول والفعل.

ال ا ري السلطان في ميدان المعركة.

هجوم التتار على البيرة عام 5لاكه / 11/6ام:

سارت قوات التتار البالغ عددها خمسة عشر ألفاً من الفرسان بقيادة أبطاي نوين (اقطاي نوين) بينما رست معهم قوات الروم البالغة خمسة عشر ألفاً من الفرسان بقيادة الأمير معين الدين البرواناه؛ فوصلوا البيرة وحاصروها ونصبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقاً. فخرج أهل البيرة على العدو في الليل في عملية فدائية ونهبوا نا كيرا عن تالوم وأحمالهم ورجعوا إلى بيوتهم سالمين» واستمر حصار التتار للبيرة حتى التاسع عشر من جمادى الأولى / نوكمير لالاكامء ولما فشلوا في فتحها رجعوا بتظهم؛ وكان السلطان الظاهر لما علم بنزول التتار على البيرة قد أعد جيشاً كبيراً وأنفق على العساكر أموالاً طائلة بلغت ستمائة ألف دينار» ثم سار إلى الشام ومعه ولده الملك السعيدء وبينما هو في الطريق علم بهزيمة التتار وعودتهم» ولكنه واصل سيره حتى وصل حلب ثم عاد إلى مصر

أما معين الدين البرواناه مقدم جيش التتار والروم في غزوتهم للبيرة» لما

عاد إلى بلاده خشي من انتقام السلطان الظاهر منه لنقضه وعده حين قاد جيش

التتار والروم إلى البيرة» فلما عاد إلى بلاده اجتمع بالأمراء وأخذ عليهم

الأيمان على أن يكونوا موالين للسلطان الظاهر بيبرس» ويقاتلوا أبغا فحلفوا

للبرواناه بذلك» وكتب إلى السلطان الظاهر يخبره بهذا ويطلب إليه أن يرسل 31>

له جيشاً ويحمل له ما كان يحمله إلى التتار على أن يكون غيّاث الدين تكلزس: تبسر وكا ها هر جل رمتعا على اروم » ثم اختلف البرواناه مع أمراء الروم ففارقه بعضهم إلى السلطان الظاهر بيبرس» وساروا من قيسارية وذلك بيقصد ل فى خدمة السلطان الظاهر وإعلان الولاء والطاعة له فقدموا على السلطان في الشام فجهزهم إلى القاهرة وعاد السلطان الظاهر في شهر رجب ه/ااه / ديسمبر م إلى مصر ثم وقع خلاف بين أبغا وابن عمه في تلك الآونة وتغلب أبغا عليه وأخضعه لحكمه وأخذ عليه شروطاً بعدم الثور ة عليه30© ,

إقامة العدل من أسباب الانتصار

كان من عادة حكام المسلمين الجلوس يوماً أو يومان في الأسبوع حيث تفتح الأبواب أمام الرعية للتقدم إلى السلطان مباشرة بقضاياهم لإزالة الظلم عنهم ويقول أبو المحاسن: «وفي يوم الإثنين سابع المحرم سنة اثنتين وسبعين وستمائة جلس ١‏ لملك الظاهر بدار العدل وحكم بين الناس ونظر في أمور الرعية»ء فأنصف المظلوم وخلص الحقوق. ومال على القوى ورفق بالضعيف)2؟' ,

موقعة 1 بلستين هلاكه / 5/اكام:

عزم السلطان الظاهر بيبرس على دخول بلاد الروم لأسباب منها ما وعده به معين الدين البرواناه» ووصول بعض أمراء بلاد الروم وانحيازهم إلى الظاهر بيبرس وتشجيعهم له على أخذ بلاد الروم» «فقووا عزمه على ذلك» ونتيجة لعلم السلطان بميل أمراء الروم إليه» أرسل الأمير بدر الدين بكتوث الأتابكي ومعه ألف فارس إلى بلاد الروم» وأرسل معه رسالة إلى أمراء الروم يحثهم على طاعته والانقياد إليه» فلما وصل الأمير بدر الدين الأتابكي إلى

.٠١84 ١١" د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص‎ )١( . 157 النجوم الزاهرة ج ص‎ )1(

من

الأبلستين'") صادف جماعة من جيش الروم فقدموا إليه الهدايا والعطايا وسألوه أن يبقى على حياتهم مقابل أن يقوموا بقتل من في أبلستين من التتارء ثم يسيروا معه إلى السلطان الظاهر بيبرس فأمنهم على حياتهم» فنفذوا ما اتفقوا عليه») وحضروا معه إلى الشامء وكان السلطان قد دخل دمشق في المحرم 115ه / يونيه 11177م» فلما قدم عليه أمراء الروم مع الأمير بدر الدين أحسن إليهم وبعث حريمهم إلى القاهرة» ثم وصل إليه الأمير سيف الدين جندربك صاحب الأبلستين ومعه الأمير مبارز الدين سوار بن الجاشنكيرء ومعهم جماعة من أمراء الروم فاستقبلهم السلطان الظاهر بنفسه وعند ذلك تقوى عزمه على غزو بلاد الروم ولكنه قبل أن يقدم على ذلك كتاباً إلى الأمراء بمصر يستشيرهم في إرسال الجيش لغزو بلاد الروم. وطلب من الأمير بيسري والأمير اقشى أن يحضروا إليه فخرجا إليه يصحبهم الأمير سنقر الأشقر بعساكره» وسار الظاهر بعد ذلك إلى حلب وسيّر الأمير سيف الدين بلبان الزيني الصالحي بجماعة من الجيش فتقدموا حتى وصلوا عينتاب وعاد الظاهر إلى مصر فدخلها في الرابع عشر من ربيع الأول 510ه / أغسطس وأصدر الأوامر بالاستعداد التام لاستعراض القوات العسكرية فانشغل الجميع في الاستعداد ثم بدأ السلطان في استعراض قواته بالقاهرة في الخامس من جمادي الأولى 51/6ه / اكتوبر 111/5١م»‏ وشاهد رسل التتار وأمراء الروم العرض العسكري وجرت مناورة بين فرق الجيش اشترك

السلطان الظاهر وولده الملك السعيد ووزعت الجوائز في نهاية العرض العسكري على ١‏ لعلماء والقضاة والأمراء والمقدمين» وبعد الانتهاء من العرض العسكري خرج السلطان بقوّاته في رمضان ملااه / فبراير /ا/11١م‏ قاصداً بلاد الشام وغزو بلاد الروم؛ فوصل إلى حلب أوّل ذي القعدة من نفس السنة» وسار منها إلى حيلان”' وبعد ذلك سار الأمير نور الدين علي بن

)١(‏ الأبلستين: مديئة ببلاد الروم اسمها الحالي البستان وهي قريبة من أفسوس مديئة أهل الكهف: السلوك ج ١‏ ص 570 حاشية /ا.

(؟) حيلان: ا .حلب» تخرج منها عين فوارة كثيرة الماء» تسبح إلى حلب وتدخل إليها من قناة» وتتفرق إلى الجامع وإلى جميع مديئة حلب: : ياقوت: معجم البلدان ج ؟ ص 781.

دكن

مجلى نائب حلب للمرابطة على شاطىء الفرات ومعه جيش حلب لحفظ معابر النهر خوفاً من دخول التتار إلى الشام فجأة. فلما وصل نور الدين بقوّاته إلى نهر الفرات جاءه الأمير شرف الدين عيسى بن مهنا ورايط بعسكره مع نائب حلبء أما السلطان الظاهر فإنْه ما مر على مملكة ببلاد الشام «إلا أخذ معه عسكرها وخزائنها وأسلحتها» وتحرّك من حيلان إلى عينتاب وسار في المسالك المؤدية إلى بلاد الروم» وكان الأمير سنقر الأشقر قد تقدم الجيش .فرقة صغيرة للاستطلاع فوقع في طريقه على ثلاثة آلاف فارس من التتار يقودهم كراي فانهزموا أمامه وأسر جماعة منهم وذلك في يوم الخميس التاسع من ذي القعدة 737 ه / أبريل //11717م. فلما علم أبغا ملك التتار بذلك جهّز جماعة من عرب خفاجة ليهاجموا جيش حلب على حين غرة. فعلم نائب حلب وهو مرابط على الفرات فاستعد لهم وقاتلهم وهزمهم وأخذ منهم ألفاً ومائتى جمل''' وفي هذه الأثناء علم السلطان الظاهر باتفاق الروم والتتار على قتاله» وكانت بلاد الروم قد تغلب التتار عليها وأبقوا سلطانها على حاله بكفالة البرواناه» وكان التنافس قائماً بين المغول والسلطان الظاهر بيبرس على بسط السيطرة على بلاد الروم وأقام التتار لهم أميراً وعسكراً في أرض الروم ويسمونه بالشحنة أي حامية التتار ببلاد الروم» وكان البرواناه يتأفف من التتار لاستطالتهم عليه وسوء ملكهم. فأراد مكاتبة الظاهر يستحثه على قتال التتارء ولكنه تغيّرء ولما قدم الظاهر لغزو بلاد الروم حسب وعده البرواناه نقض البرواناه العهد. وراسل أبغا ملك التتار» فأمده بجيش من المغول”) لقتال السلطان الظاهر»ء وسار المغول بقيادة الأمير تتاون وعسكر الروم بقيادة معين الدين البرواناه» فاستعد الظاهر ورتب قرّاتهء وتأهب للقاء العدو. وتقدم بقوّاته حتى جبال تشرف على صحراء أبلستين» هذا في الوقت الذي نظم فيه العدو نفسه في كتائب وكراديس» كل كردوس يزيد على ألف فارسر”© )١(‏ السلوك ج ١‏ ص 1158.» النجوم الزاهرة ج ص ١7١8‏ مرآة الجنان ج 4 ص 2174 الحوادث الجامعة ص 27894 ذيل مرآة الزمان ج 1 ص 175 .

() العبر ج ه ص 917. (©) السلوك ج ١‏ ص 1758» النجوم الزاهرة ج لا ص 118»ء الذيل ج ٠‏ ص 195.

514

ثم اصطف العسكر الرومي في جانب واحد حتى لا تحدث مؤامرة بين الروم ار وا رأت القوات الإسلامية حملة السلطان على العدو حملوا على العدو حملة واحدة. واشتد القتال» فترجل التتار عن خيولهم وقاتلوا قتال الموت فلم يغن ذلك عنهم شيئاً»”"' فعظم القتل في التتار وانهزمت قوّاتهم وهربت فرقة منهم واعتصمت بالجبال فأدركتها القوات الإسلامية وأحاطت بهم» وترجل العدو عن الخيول» وقاتلوا قتالاً شديد إلا أهم برغم الشجاعة التي أبدوها في المعركة انهزموا هزيمة نكراء» وتفرّق جمعهم ووقع عدد كبير منهم في الأسرء وكان من بين الأسرى في هذه الواقعة الأمير سيف الدين قبجق الذي سيصبح نائباً للشام في عهد الملك الناصر محمد» وأمر الظاهر بيبرس بقتل أسرى التتار وقتل تتاوون مقدم التتار في نفس الواقعة» وقتل الأسرى التتار إِنْما كان لعدم استطاعة الاحتفاظ بهم في تلك الجهة من ناحية كما أنه لا يقع بين المسلمين والتتار تبادل للأسرى الأمر الذي تطلب الانتهاء من وجودهم وعدم عودتهم إلى قتال المسلمين.

أما بالنسبة لمعين الدين البرواناه فقد نجا بنفسه» وانهزم أصحابه» وكان السلطان الظاهر يظن إذا ما وصل إلى قيسارية”" أن البرواناه سيحضر إليه بناء على ما اتفق عليه سراًء ولكن البرواناه لم يفعل» وسار إلى قيساريه فدخلها واجتمع مع السلطان غيّاث الدين كيكاوس بن كيخسرو وأمراء البلاد وأخبرهم بالهزينة وقال ليم ؟إن العان الكهريين إن دخلا قيسارية فتكوا بمن فيها حنقاً على المسلمين. «وأشار على سلطان الروم والأمراء بالخروج» فخرج السلطان بأهله إلى دوقات ‏ إحدى بلدان الروم وبينها وبين قيسارية مسيرة ثلاثة أياه”؟؟.

.118 ص 57578. النجوم الزاهرة ج لا ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

زفف4 النجوم ام ج لاا ص 158 جام اراي لم5 صاآكء الذيل ج ؛ ص /الا١.‏ (7') قيسارية: مدينة ميم حبيرة فى بلاه الروع - آميا الصترى ب مراصد الاطلاع ج ص ١115‏ (:) السلوك ج ١‏ ص 9؟51.

104

دخول السلطان الظاهر مدينة قيسارية عاصمة الروم :

سبق الأمير سئقر الأشقر مع جماعة من العسكر إلى قيسارية ومعه كتاباً من السلطان إلى أهل قيسارية بالأمان وإخراج الأسواق والتعامل بالدراهم الظاهرية إظهاراً للطاعة والخضوع» ومر الأمير سنقر الأشقر بفرقة من التتار معهم بيوتهم فأخذ منهم جانباً وأدركه الليل فهرب من بقي منهم في الظلام» ثم سار السلطان الظاهر في يوم السبت الحادي عشر من ذي القعدة عام هه / أبريل لا117١م‏ فخرج أهل المدينة لاستقبالهم ومعهم العلماء والأكابر» وساروا حتى وصل الظاهر إلى أن وصل تيسارية فارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل» واج جتمع الروم وأخذوا في الغناء والضرب بالآللات الموسيقية سيقية فقيل لهم : «هذه ع يا وما هذا ع الغناء بل موضع الشكرة”"" ثم ورّع السلطان الأموال على الأمراء وعيّن النواب وقان: الجمعة في قيسارية ولبس شعار السلطنة السلجوقية» وجلس على تخت بن سلجوق وهنتأه الناس» ثم جمعت الأموال التي تركها النازحون عن قيسارية وزوجة البرواناه» ثم أرسل معين الدين يهنىء السلطان الظاهر بيبرس بجلوسه على تخت الملك في قيسارية» فرد عليه الظاهر يطلب حضوره ليقره على مملكة الروم؛ فطلب البرواناه مهلة خمسة عشر يوما”'' وكان يهدف البرواناه بذلك أن يصل أبغا بقواته ليدرك الظاهر وهو بقيسارية» حيث كان البرواناه طلب من أبغا ملك التتار الحضور نفسه» فلما علم الظاهر بما ينويه البرواناه ومراسلته لأبغا ملك التتار خرج من قيسارية في الثاني والعشرين من ذي القعدة 73/0ه / أبريل //1171م» ومن أسباب خروج السلطان الظاهر من مدينة قيسارية وعودته منها قلة الأقوات وخراب البلاد وقلق العساكر الإسلامية لبعدهم عن بلادهم فتقرر عودتهم.

وخرج السلطان من قيسارية في الثاني والعشرين من ذي القعدة )١(‏ السلوك ج ١‏ ص :77٠‏ صبح الأعشى ج 4 ص 154ء الذيل ج ٠‏ ص .18١‏

() السلوك ج ١‏ ص 25177 النجوم الزاهرة ج ج لاص "الاك جامع التواريخ ج 7 م 7 صن 231 الروض 8 ص 18١‏ 1895.

"4

ه/اه/ أبريل 17م بعد أن ورّع الغنائم والأموال على الأمراء» فلما وصل موضع يقال له خخان كيقباذ بجهة الرمانة سير الأمير عيبرس الوزيري إلى الأرمن» فحرق وقتل وسبى من بها من الأرمن» وذلك لأنهم كانوا قد أخفوا جماعة من التتارء ثم سار السلطان إلى الأبلستين ومر على مكان المعركة مع التتار فذكر أهل الأبلستين أنهم عدوا من القتلى التتار ستة آلاف وسبعمائة وستين قتيلً» فأمر السلطان الظاهر يدفن من قتل من عسكر المسلمين وترك منهم قليلاً دون دفن وقصد بذلك نكاية التتار في إظهار كثرة من قتل منهم وقلة من قتل من المسلمين» ثم سار السلطان في طريق عودته في الرابع من ذي الحجة / مايو /171م» ووصل إلى حارم في السادس من ذي الحجة حيث أمضى عيد الأضحى بها ثم سار إلى دمشق فدخلها في السابع من المحرم 51/7ه / /117177م. فعلم السلطان في يوم دخوله دمشق بقدوم أبغا بن هولاكو لقتاله فتهيأ الظاهر للخروج لحربه» وعزم أبغا على غزو الشام وذلك في فصل الصيف» فقال الأمراء المغول: «وإن أواخر الخريف والشتاء أنسب لتلك الحملة» فتريّث لذلك السبب وأرسل رسولاً إلى بيبرس يهدده ويخوّفه فيما قال: «إنكم تنقضون فجأة كاللصوص وتطاردون فرساننا وطلائعنا وتقتلون بعضهم فإذا ما بلغنا الأخبار وتحركنا لصدكم تفرون كاللصوص» فإذا كنتم تريدون لقاءنا وقتالنا فادخلوا الميدان كالرجال وثبّتوا الأقدام» تعال لكي ترى سناني وتنظر إلى التواء عناني» فإن كنت جبلاً فستنهار من أساسك» وإن كنت حجراً فلن تستقر في مكانك» فأين شاهدت المقاتلين» يا من لم يسمع عواء الثعالب» وإن لم تأت فإن جيوشنا مستعدة لقتالك في طليعة الشتاء؛ وإذا امتدت نار غضبنا إلى بلاد الشام فإنْها بلا ريب سوف تأتي على كل ما لكم من أخضر ويابس لأن الله الأزلي قد وهب جنكيزخان وذريّته بلاد العالم» وأدخل السراة المتمردين في رقّة طاعتناء وكل من يخالف أهل الإقبال تكون مخالفته دليلاٌ على الادبار)7 ,

)00 النجوم الزاهرة ج لا ص ١158‏ 300 السلوك ج ١‏ ص 118 ا الذهبي: دول الإسلام جّ ١‏ ص 7 البداية والنهاية ج ؟لا صن 571 377.

دكن

وكان أبغا ملك التتار اتهم معين الدين البرواناه بالتآمر مع السلطان الظاهر بيبرس وأطمعه في غزو بلاد الروم» ولذلك عاد أبغا إلى قيسارية ونهبها وقتل من ببلاد الروم من المسلمين واستمرت غارة جيش التتار سبعة أيّام في بلاد الروم فقتل المسلمين ونهب الأموال والدواب وقيل «إنه قتل من الفقهاء والقضاة والرعايا ما يزيد على مائتي ألف نفس «ولم يقتل أحد من النصارى وشمل القتل من أرزن الروم " إلى قيسارية وقيل إن عدد من قتل في هذه الكارثة كان خمسماية وألف»7 2 “» ثم سار أبغا ومعه غيّاث الدين صاحب بلاد الروم ل ا 1 0 / يونيه /الا1امء وكان قد اتهم البرواناة بثلاثة اتهامات أوَلها أنه هرب من الأعداء (المسلمين) وثانيهما أنه لم يخبر قادة المغول على ل بمجيء الظاهر بيبرس وثالثها أنه لم يقدم سريعاً إلى أبغا ملك التتارء ولهذه الأسباب قتل شر قتلة

توفي السلطان الظاهر بيبرس يوم الخميس بعل صلاة الظهر إلكامن والعشرين من السجرم كاه «وكان الملك الظاهر رحمه الله ملكا شجاعاًمقداماً غازياً مجاهداً أ مرابطاً خليقاً بالملك خفيف الوطأة سريع الحركة

يباشر الحروب بنفسه»”" .

«#وكان الملك الظاهر يحب أن يظلع على أحوال أمرائه وأعيان دولته حتى لم يخف عليه من أحوالهم شيء» وكان يقرب أرباب الكمالات من كل فن وعلم» وكان يميل إلى التاريخ وأهله ميلاً زائداً ويقول: سماع التاريخ أعظم من التجار 0

ويكفيه فخراً أنه أمضى معظم وقته مجاهداً في سبيل الله ضد كل أعداءالله في البر والبحر من المغول والصليبيين والأرمن وحرر بلاداً وحَضونا (١)ارزن‏ الررم: بلدة من بلاد أرمينية : مراصد الاطلاع ج اص 0660. (0) السلوك ج ١‏ ص 777.

00 النجوم الزاهرة ج لا ص ١927 ١96‏ . )2( المصدر السابق ج 37 ص دنه

50

كثيرة ولم يهزم في معركة» إنه جدير بالدراسة وليس كصناع الهزيمة وأبطال العمالة للقوى الاستعمارية الذين جعلوا بلاد الإسلام تابعة لا متبوعة ذليلة وفقيرة ومتخلفة في ذيل القافلة الإنسانية» لا يعنيهم إلا السلطة والمال واللذة الأنيوية وشدمة:القوق الجمادية للاستلاة والسامين.

تلحنا

الفصل العاثر

جهاد السلطان قلاوون الألفي صد الثثار

حكم بعد السلطان الظاهر ابنه الملك السعيد ثم خلع من الحكم إلا أنه مات في الحادي عشر من ذي القعدة 11/4ه / مارس ٠78١م‏ وأقام الأمراء في الملك من بعده أخخاه الملك العادل بدر الدين سلامش ابن الظاهر بيبرس وكان عمره سبع سئوات وبويع بالسلطنة وأقسم الجيش والأمراء على الولاء له وجعل الأمير سيف الدين قلاوون الألفي أتابكاً ومدبراً للمملكة ولكن صغر سن السلطان لا يحقق الهدف من المنشور ومن الناحية الشرعية لا يصح ذلك وإن وجد الوصي الذي ينفذ أمور الدولة ولهذا جمع الأمير قلاوون الألفي الأمراء في العشرين من رجب 7178ه / نوثمبر 1714م وتحدث معهم عن صغر سن السلطان وقال لهم: «قد علمتم أن المملكة لا تكون إلا برجل كامل «فاتفق رأي الأمراء على خلع الملك العادل بدر الدين سلامش» فخلعوه وأرسلوه إلى حصن الكرك وكانت مدة ملكه مائة يوم وبايع الأمراء الأمير قلاوون بالسلطنة في يوم الأحد العشرين من شهر رجب عام 717/8ه / نوثمبر وحلف له الأمراء وأرباب الدولة ولقب بالملك المنصور إلا أن نائب دمشق الأمير سنقر الأشقر أعلن العصيان وبايعه العساكر ولقب بالملك الكامل وقبض على الأمير حسام الدين نائب قلعة دمشق لأنه لم يحلف له وكذلك جماعة من الأمراء”' وأصبحت بلاد الشام خارجة عن حكم السلطان

١١54 ص‎ ١ ذكر أنه جلس على سرير الملك في ثاني عشر رجب 718ه: بدائع الزهور ج‎ )١( وذكر في البداية والنهاية ج ص 86 أله جلس في الحكم في الحادي والعشرين من‎ رجب.‎

(5) السلوك ج ١‏ ص 537 114» النجوم الزاهرة ج ص 547 744: تاريخ الدول والملوك - 5156

قلاوون الذي اقتصر سلطانه على الديار المصرية وأعمالهاء إلا أن السلطان قلاوون لم يترك الانفصالي والثائر في د مشق» فأرسل ثلاثة آلاف فارس بقيادة الأمير حسام الدين أيتمش لإخضاع الأمير سنقر الأشقرء وكان الأمير سنقر طلب المساعدة من التتار لإبقائه حاكماً في الشام فكتب إلى أبغا ملك التتار يحثه على القدوم لفتح بلاد الشام والاستيلاء عليهاء وكتب إلى الأمير عيسى بن مهنا بمثل ذلك». فلما علما بمسير جيش السلطان قلاوون إليهما لإخضاعهما هرب سنقر الأشقر في الصحراء ثم إلى صهيون”'' وتحصن بها وسيطر على جملة من الحصونء وهنا نلاحظ أن الأمير سنقر الأشقر خالف الصواب في أمرين الأوّل إعلانه الانفصال بالشام عن مصر والإسلام يعارض ذلك»ء لأن الأصل فى أن تكون أمة المسلمين أمة واحدة ودولة واحدة وقيادة واحدة» وكل عمل يؤدي إلى التعدد والانقسام وكثرة القيادات مرفوض دينياً» أما الأمر الآخر وهو استعانته بالتتار - المشركين من أجل تحقيق أهدافه وتلك مخالفة كبيرة للإسلام أيشا» وخصوضا أن الاستحانة ال ين ضد المسلمين أمر غير جائز شرعاً .

ثم بدأت الاتصالات بين السلطان قلاوون والأمير سنقر الأشقر من أجل حقن دماء المسلمين والوقوف في وجه العدو ‏ التنار ‏ الذي وصلت طلائع قواته إلى أطراف بلاد الشام فاتفق الطرفان في ربيع الأؤل ٠8"ه‏ / يونيه ١م‏ على أن ينزل سنقر الأشقر من شيزر”” للسلطان في مقابل حصوله

> م لاا ص 167 مرآة الجنان ج ؛ ص 184» الختصر في أخبار البشر ج 4 ص ١1‏ اع العبر ج ه ص 27"955ء البداية والنهاية ج ١7‏ ص 278 تاريخ دولة الحماليك في مصر ص 5

)١(‏ صهيون : قيل هي الرقة وقيل بيت المقدس والمعروف أنها كنيسة في أعلى مديئة ببيت المقدس إل أن المقصود د هنا صهيون وهو حصن حصين من أعمال سواحل بحر الشام من أعمال حمص ٠»‏ لكنه ليس بمشرف على البحرء وهو في طرف جبل خنادقة أودية هائلة واسعة عميقة» وليس له خندق محفورء إل من جهة واحدةء طوله ستون ذراعاً أو نحوها وهو نقر في حبجرء وله ثلاثة أسوار: سورات دون الربف» وسور دون القلعة» انظر مراصد الاطلاع ج “اص 8هعل 806.

(؟) شيزر: قلعة تشتمل عليها كورة بالشام قرب المعرة بينها وبين حماة مسيرة يوم في وسطها نهر الأردن: مراصد الاطلاح ح ؟' ص 4875.

للحا

على الشغروبكاس وتبقى معه أيضاً صهيون وبرزية وبلاطس وأفامية وإنطاكية وكفرطاب”'' على أن تقتصر قوات الأمير سنقر الأشقر على ستماثة فارس فقظ وأن يطرد الأمراء الذين لحقوابه؛ وتم الاتفاق وكتب السلطان له تقليداً بتلك الأعمال وذلك بهدف إبعاده عن التحالف مع الأعداء التتار» وبعد أن زال الخطر تم إخضاع الأمير سنقر الأشقر سنة 747ه / 1747م واستسلم وحضر إلى القاهرة فأحسن السلطان إليه ولكنه عاد إلى مكاتبة التتار سراً وراودهم على غزو بلاد الشام فكان لهذه المراسلات الدافع الأساسي الذي شجع التتار على غزو بلاد الشام. وظنوا أن الأمير سنقر الأشقر ومن معه يتّفق معهم على قتال السلطان قلاوونء وكان أبغا ملك التتار يريد الانتقام لهزيمة جيشه من موقعة الأبلستين» ولذلك فإنه حاول التحالف مع القوات الصليبية هذه المرة» كما أنه كان ينوي مساعدة الأمير سنقر الأشقر ضد السلطان قلاوون فلما سارت القوات المغولية إلى جهة الشام ساروا في ثلاث فرق الأولى سارت من جهة بلاد الروم بقيادة صمغار وتنجى وطرنجى» والثانية سارت من جهة الشرق بقيادة بيدو بن طوغاي بن هولاكو وصحبته صاحب ماردين» أما الفرقة الثالثة وفيها معظم الجيش المغولي» فقد سارت مع منكوتمر بن هولاكوء ويلغ عدد القوات المغولية خمسين ألفاً من الفرسان ومعهم صاحب سيس والأرمن. فلما علم المسلمون بذلك استعدت قواتهم وخرج الأمير ركن الدين أياجي علي بعسكر من دمشق وانضم إليه العسكر المحاصر لشيزر ‏ وكانت تابعة للأمير سنقر الأشقر ‏ ثم سارت القوات من مصر بقيادة الأمير بدر الدين بكتاشي النجمي واجتمعت هذه القوات في ظاهر حماة» وراسلوا الأمير سئقر الأشقر في إخماد الفتنة وتوحيد الكلمة والوقوف فى وجه العدو وقالوا له: «هذا العدو قد دهمنا وما سببه إلا الخلف بيننا وما ينبغي هلاك الإسلام والمصلحة أننا نجتمع على دفعه!" فامتئل سنقر ذلك

)١(‏ بلاطس حصن منيع بسواحل الشام مقابل اللاذقية من أعمال حلب» وكفرطاب بلدة بين المعرة وحلب. وبرزية قرية في غوطة دمشق وفامية مدينة حصينة من سواحل الشام. انظر: مراصد الاطلاع ج ١ص‏ 49 18#١ء,‏ ص 25١6‏ كذلك ج 7 ص /ا1١.‏

() النجوم الزاهرة ج لا ص 75919-198.

51/

وأنزل عسكره من صهيون وأمر رفيقه الحاج أزدمر أن يفعل كذلك من شيزرء وخيّمت كل طائفة تحت قلعتهاء ولم يجتمعوا بالمصريين» غير أنْهم اتفقوا على اجتماع الكلمة ودفع العدو المخذول عن الشام» واستمروا على ذلك إلى يوم الجمعة حادي عشرين جمادي الآخرة حيث وصلت طائفة كبيرة من عساكر التتار إلى حلب ودخلوها من غير مانع يمنعهم عنهاء وأحرقوا ارات والمساجد والمدارس المعتبرة ودار السلطنة ودور الأمراءء وأفسدوا 0 كبيراً على عادة أفعالهم القبيحةء وأقاموا بها يومين على هذه الصورة رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشرينه راجعين 0 الغنائم التي كسبوها وكان شيئاً كثيراً»7".

أما عن الأسباب التي دفعت التتار إلى العودة إلى بلادهم والانسحاب من حلب فكان منها اتفاق الامير سنقرالأشقر وعسكر الملك المنصور قلاوون على قتال التتار إلى العودة إلى بلادهم والانسحاب من حلب فكان منها اتفاق الأمير سنقر الأشقر وعسكر الملك المنصور قلاوون على قتال التتار وذكر أيضاً أن سبب رجوعهم أن بعض من كان استتر بحلب يئس عن نفسه من الحياة» فطلع منارة الجامع وكبّر بأعلى صوته على التتار» وقال: جاء النصر من عند الله وأشار بمنديل كان معه إلى ظاهر البلد. وأوهم أنه أشار به إلى عسكر المسلمين» وجعل يقول في خلال ذلك: اقبضوهم من البيوت مثل النساء فتوهم التتار من ذلك وخرجوا من البلد على وجوههم وسلم الذي فعل ذلك.

يضاف إلى ما سبق أن السلطان قلاوون جمع القوات في مصر وأنفق في كل أمير ألف ديئار» وني كلى جندي خمسداة درهم واستخلل على مصر اب الملك الصالح علي» وصار السلطان إلى غزة» ثم قدم عليه من كان ببلاد الشام من عسكر مصر وجماعة من أمراء 00 عنه فأكرمهم الملك المنصورء وبقي السلطان في غزة إلى العاشر من شعبان

)١(‏ النجوم الزاهرة ج لا ص 599؟.

554

4لأاه / ديسمبر ١1758مء‏ فلما علم بعودة التتار إلى بلادهم عاد إلى مصر بعد أن غاب عنها خمسين يوما”" .

معركة مع التتار بجوار حمص 0١58ه‏ / ١8١1ام‏

في سنة / 1781م علم أبغا بن هولاكو بأن أهل الشام يهاجمون حدود بلاد الروم وديار بكر ويدمرون تلك البلاد وينهبون غلالها ويثيرون الفتن» فتألم لذلك وصمم على الحركة إلى تلك البلاد» فسار متصيداً ولم يعبر نهر الفرات» وحاصر الرحبة ويمكن أن نضيف إلى ذلك مراسلات الأمير سنقر الأشقر إلى التتار والتي كان يستحثهم فيها على غزو الشامء وكذلك كان الخلاف بين أمراء المماليك عاملاً هاما من العوامل التى دفعت التتار إلى الإسراع في الغزوء فسارت القوات المغولية وبلغ عددها ثمانين ألفاً بقيادة منكوتمر أخى أبغا بن هولاكوء ودخل بلاد الروم ونزل بين قيسارية والأبلستين» فلما علم الملك المنصور قلاوون بذلك أرسل الكشافة لاستطلاع أخباره وتحركاته وأهدافه فقابلوا جماعة من التتار وأسرعوا واحد منهم أرسلوه إلى السلطان قلاوون» وكان السلطان قد وصل دمشق فاستماله حتى أخخبره بأن التتار في نحو ثمانين ألف جندي سيهاجمون بلاد الشام في أوّل رجب ٠18ه‏ / اكتوبر ١1740م»‏ فأخد السلطان قلاوون يستعد للأمرء واستدعى العساكر وحضر إليه الأمراء بقواتهم من سائرالجهات في حين زحفت قوّات التتار ومنها فرقة بقيادة الأمير أبغا ملك التتار وتوجهوا نحو الرحبة» وفرقة ثانية بقيادة منكوتمر وترتب على ذلك اضطراب بلاد الشام وهروب الناس إلى جهة الجنوب حتى خخلت حلب من أهلها"'".

أما الملك المنصور قلاوون فإنّهِ سار بقوّاته التي بلغت نحو خمسين ألف

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص امك النجوم الزاهرة ج /اا ص "٠٠‏ البداية والنهاية ج #الاص لاو .268 ,3 أققم رطاره 110

0( السلوك ج ١‏ ص 19١‏ » البداية والنهاية ج ٠١‏ ص 2558 النجوم الزاهرة ج لا ص 00٠7‏ المختصر في أخبار البشر ج 4 ص 14» تاريخ الدول والملوك م ص 717.

لكل

مقاتل إلى المرج''' ومنه سار إلى حمص ومعه الجيش ووصل إليها في الساني: عشر رمن زجحت ها / اكتوبر ١154ام2‏ فلما علم به الأمير سنقر الأشقر صاحب صهيون حضر إليه على أن يعود إلى حصونه وأعماله يعد انتهاء القتال وشرط أن يحضر ومعه بعض الأمراء بعساكرهم وذلك لقتال التتارء فسر السلطان بذلك سروراً عظيماً» ثم تقدمت قوّات المغول إلى عين طاب» وهاجم أبغا بن هولاكو قلعة الرحبة في السادس والعشرين من جمادي الآخرة ٠58ه‏ / أكتوبر ١14١م‏ بقوات بلغت ثلاثة آلاف فارس» وسار متكوتمر بقوّاته حتى وصل إلى حماة وخرب المناطق المجاورة لهاء وعلم السلطان قلاوون وهو في حمص بأن منكوتمر تقدم بخمسين ألف من التتار وثلاثين ألف من الكرج والروم والأرمن والفرنجة وعلم السلطان أيضاً أن الأمير ركن الدين بيبرس العجمي الجالق هرب إلى منكوتمر وأخبره بأحوال المسلمين «ودله على عورات المسلمين» واستمر عسكر السلطان بظاهر حمص على حاله إلى أن وصلت التتار إليه في يومي الخميس رابع عشر شعبان» فركب الملك المنصور بعساكره وصافف العدوء والتقى الجمعان عند طلوع الشمس على مقدار النصف من ذلك أو أقل» وتواقعوا من صحوة النهار إلى آخرهء وعظم القتال بين الفريقين وثبت كل منهم.

قال الشيخ قطب الدين اليونيين: «وكانت وقعة عظيمة لم يشهد مثلها في هذه الأزمان ولا من سنين كثيرة» وكان الملتقى فيما بين مشهد خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى الر ستن”"2 والعاصي» واضطريت ميمنة المسلمين» وحملت قوّات العدو على ميسرة المسلمين فكسروها وانهزم من كان بهاء وكذلك انكسر جناح القلب الأيسر وثبت الملك المنصور سيف الدين قلاوون» رحمه الله» في جمع قليل بالقلب ثباتاً عظيماً» ووصل جماعة كثيرة من التتار خلف المتكسرين من المسلمين إلى بحيرة حمص» وأحدق جماعة من التتار

)١(‏ تاريخ دولة المماليك ص لاة.

0 الرّستن: بلدة قديمة بين حماة وحمص في نصف الطريق» بها آثار باقية إلى الآن تدل على جلالتها» وهي خراب ليس يها ذو مرىء» وهي في علو تشرف على العاصي. النجوم الزاهرة ج حاشية .١‏

ووم

بحمص. وهي مغلقة الأبواب وبذلوا نفوسهم وسيوفهم فيمن وجدوه من العوام والسوقة والغلمان والرجالة المجاهدين بظاهرهاء فقتلوا منهم جماعة كثيرة ) وأشرف الإسلام على خطة صعبة» ثم إن أعيان الأمراء ومشاهيرهم وشجعانهم: مثل الأمير سنقر الأشقر المقدم ذكره وبدر الدين بيسري وعلم الدين سنجر الدويداري» وعلاء الدين طيبرس الوزيري وبدر الدين بيليك أمير سلاحء وسيف الدين أجتمش السعدي». وحسام الدين لاجين المنصوري والامير حسام الدين طرنطاي وأمثالهم لما رأوا ثبات السلطان ردُوا على التتار وخناوا عابهم حماات بعتى سروه كشرة عظمة» وجرع مكوتي مقلم التتارء وجاءهم الأهير شرت انون عن بن مها كرد 2 عرضاً فتمّت هزيمتهم» وقتلوا منهم مقتلة عظيمة تجاوز الوصف» واتفق أن ميسرة المسلمين كانت انكسرت كما ذكرنا والميمنة ساقت على العدو ولم يبق مع السلطان إلا النفر اليسيرء والأمير حسام الدين طرنطاي قدامه بالسناجق» فعادت الميمنة الذين كسروا ميسرة المسلمين في خلق عظيم» وهو في ذلك النفر تحت السناجق (يعنى الملك المنصور قلاوون) والكوسات تضرب قال: ولقد عم ريق ييه فى :ذلك الرقك ونا خوله اهو المفائلة الف فارين إلا'دوة ذلك» فلما مروا به (يعني ميمنة التتار التي كانت كسرت ميسرة المسلمين) ثبت لهم ثباتاً عظيماًء ثم ساق عليهم بنفسه فانهزموا أمامه لا يلوون على شيء؛ وكان ذلك تمام النصرء وكان انهزامهم عن آخرهم قبل الغروب» وافترقوا فرقتين: فرقة أخذت جهة سلمية والبرية وفرقة أخذت جهة حلب والفرات.

ولما انقضى الحرب في ذلك النهار عاد السلطان إلى منزلته؛ وأصبح بكرة يوم الجمعة سادس عشر رجب جهز السلطان وراءهم جماعة كثيرة من العسكر والعربان» ومقدمهم الأمير بدر الدين بيليك الأيمدمري» كان لما لاحت الكسرة على المسلمين نهب لهم من الأقمشة والأمتعة والخزائن والسلاح ما لا يحصى كثرةء وذهب ذلك كله أخذته الحرافشة!') )١(‏ الحرافشة: جمع حرفوش وهو ذميم الخلق والخلق. النجوم الزاهرة ج لا ص 1١6‏ حاشية ١‏ .

لمق

المسلمين مثل.الغلمان وغيرهم» وكتبت البشائر بهذا النصر العظيم إلى سائر اليلاد» وحصل للناس السرور الذي ل مزيد عليه وعملت القلاع ‏ أقواس النصر ‏ وزيتت المدن»0©.

أحوال دمشق ومصر أثناء موقعة حمص اه / ١1م‏

اضطربت بلاد الشام بسبب غزو التتار للبلاد «وكان أهل البلاد الشامية من يوم خرج السلطان من عندهم إلى ملتقى التتار وهم يدعون الله تعالى في كل يوم ويبتهلون إليهء وخرج أهل البلاد بالنساء والأطفال إلى الصحارى والجوامع والمساجد» وأكثروا من الابتهال إلى الله عر وجل في تلك الأيّام لا يفترون عن ذلك حتى ورد عليهم هذا النصر العظيم ولله الحمدء وطابت قلوب الناس» ورد كل من نزح عن بلاده وأوطانه واطمأن كل أحد وتضاعف شكر الناس لذلك06؟.

وقال الذهبي: .... وزيّنت البلاد وعاشت العباد» ووصل خبر النصر بكرة يوم الجمعة سادس عشر شهر رجب بعد أن عاين أهل دمشق من نصف اللبل إلى بكرة مكرات. الموّت" وتودعوا من أولادهم وأحبائهم» فإن عدوهم كانوا كفاراً لا يبقون على مسلم لو ملكوا واستشهد نحو المائتين”".

وهنا نؤكد على ترابط الأمة في وقت اح ا 0 زمن الجهاد والقتال كان الناس في رباط شامل» ففي المدن بي يجتمع الخلق في المساجد والجوامع ويقرؤون القرآن الكريم وصحيح مسلم 0 ويصلون ويدعون الله ويبتهلون إليه أن ينصر الإسلام ويضجون بالبكاء ويسألون الله في إخلاص أن يؤيد جيش الإسلام في ميدان المعركة ولا يتركون هذا حتى يأتيهم الخبرعلى وجه السرعة بالنصر فيزدادوا إبياناً على إيمانهم» ويشكرون الله

)١(‏ النجوم الزاهرة اج لاا ص ١"‏ امرك نوق السلوك ج ١‏ ص 2.5960 البداية والنهاية ج ٠5‏ ص 65> تاريثك يخ الخميس ح 7 ص 5 تاريخ الدول والملوك م لاص 23777 دول الإسلام ج * ص ١1١‏ 2.751 رك قالد5 عأدااتسولة عط"

(؟) النجوم الزاهرة ج ص .7٠68‏

زفرف الذهبي دول الإسلام ج 0 ص *8ا.

بالصلاة والحمد وخير الدعاء وهذا يعكس المدئ العظيم أن المسلمين كالجسد فأين هم في أيامنا؟ وكان نائب قاقون7١‏ “فد أوسل وسالة اتتريفعة إلى مصر أخبر فيها بأن جماعة المنهزمين في ميسرة الجيش الإسلامي قد وصلوا إلى قاقون ناجين بأنفسهم» ووصل بعض الأمراء إلى قطيا في الطريق إلى مصر منهم ابن الأيدمري. فشق ذلك على أهل مصرء فأخذ الناس يقنتون في صلواتهم وكثرت قراءة صحيح البخاري والقرآن الكريم» ثم اجتمعوا في المشهد الحسيني وفي الجوامع والمساجد وأخذوا يدعون الله بالنصر للإسلامء ومما زادهم قلقاً ما جاء في رسالة نائب قاقون من انهزام العسكر الإسلامي فنهض الملك الصالح علي بن قلارون» ع و الجيش بقيادة الأمير صارم الدين أزبك الفخري ومعه كثير من العربان إلى قطبا(؟) وذلك لمنع دخول أحد من المنهزمين إلى مصر وإعادتهم إلى السلطان وذلك حفظاً على شعور الناس وعدم إضعاف الروح المعنوية عند أهل مصرء ولكن هذه الساعات من القلق والخوف والاضطراب لم تستمر طويلاً» إذ وصلت البشائر تحملها الطيور المخلقة”" بأن الله نصر المسلمين على الأعداء» ثم قدمت كتب البريد تحمل البشائر بالنصر» فدقت البشائر في القاهرة وزيّنت المدينة» وكذلك باقي البلاد» فأرسل الملك الصالح إلى السلطان يشفع في المنهزمين ويطلب منه العفو عنهم

)١(‏ قانون: حصن بفلسطين قرب الرملة»ء قيل من عمل قيسارية» من ساحل الشام: مراصد الاطلاع ج ج ص .١٠١66‏

(1) قطيا أن قلي : بالفتح ثم السكون. وياء مفتوحةء قرية في طريق مصر في وسط الرمل قرب الفرماء بيوتهم صرائف من جرد النخل» بها أصحاب السلطان لوزن مقرر على المجتاز بهم بمعنى نقطة جمارك ومراقبة. أنظر مراصد الاطلاع ج “ا ص .١١١1‏

() الطيور المخلقة: وهي الطيور المعطرة الزائنة معتل المسياة خلوق وكانت العادة في نقل الأخبار السارة وخصوصاً البشائر بنصر الإسلام في المعارك أن تمسح الطيور (حمام الزاجل) والبطائق التى تحملها بهذه المادة من العطورء أما طيور الأخبار السيّئة ويطائقها فكانت تلطخ بالسواد فيراها الناس فيعلمون فوراً المعنى وهذا الترتيب دال على أهمية الروح المعنوية وكيف أن الخبر السار ينشرح له صدر التاس قبل قراءة الرسالة التي تحملها الحمامة الرسائلية» فَإذا فاحت رائحة العطور أدركوا فوراً أن البر قية تحمل خبراً ساراً فتنم قراءة الرسالة بهدوء وسرور.٠‏ انظر: د. فايد عاشور: العلاقات السياسية بين المماليك والمغول ص ١؟7١.‏

ينين

وقام السلطان يإعادة الأمير سنقر الأشقر إلى حصن صهيون على عادته» ورد معه من الأمراء من أرادء هذا على الرغم من أن السلطان علم بمكاتبة الأمير سنقر الأشقر وأصحابه للتتار يحثونهم على مهاجمة بلاد الشام» إلا أنه كتم هذا بعد أن تحقق النصرء ثم تقدم إلى د مشق فدخلها السلطان يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب 8٠518ه‏ / نوقمبر ١114م2‏ وعظم سرور الناس وفرحهمء لمحي السلطلان: من جهته الاامير بدر الدين بيليك الأيدمري إلى الرحبة دن لان" ثم سار السلطان في الثاني من شعبان متوجهاً إلى مصرء فزينت القاهرة ان السلطان المنصورء 5 ثم دخل قلعة الجبل يوم السبت 00 والعشرين من شعبان ٠58ه‏ / ديسمبر ١74١م‏ وأسرى التتار

يه وقد حمل بعضهم الصناجق خرن الرايات ‏ وهي مكسورة وكان يوم 0 السلطان قلعة ا نوها مشهوداً يتناسب مع الانتصار العظيم الذي أيّدهم الله فيه على عدوّهم «وحصل للناس السرور الذي لا مزيد عليه وعملت القلاع وزيتت المدن؛.

حدث هذا النصر بينما كان أبغا ملك التتار محاصراً للرحبة»ء فوصلت بشائر السلطان إلى نائب الرحبة تبشر بهزيمة التتار في حمص» فدقت البشائر في قلعة الرحبة» فعلم العدو بذلك ومن ثم قرر أبغا الرحيل فوراً إلى جهة بغداد» وكانت الهزيمة في حمص شديدة الوقع على التتار وخصوصاً أبغا الذي توفي غمّاً وكمداً» إذ لم يكن أمر هذه الحرب إلا تحقيقاً لرغبة منكوتمر وبناء على تشجيع الأمير سنقر الأشقر كما توفي منكوتمر بعد أبغا بأيّام في المحرم ١58ه‏ / أبريل 1181م وتولى الحكم من بعد أبغا أخوه تكدار بن هولاكو ثم ما ليث السلطان قلاوون أن أخضع الأمير سنقر الأشقر الذي شكل خطراً على الدولة وتعاون مع العدو مرات» وبعد إخضاعه أحضر إلى مصر وبقي بها إلى أن توفي السلطان قلاوون وحكم من بعده الأشرف خليل ا

,.505 706 النجوم الزاهرة اج لاا ص‎ )١( 26

علاقة السلطان قلاوون مع أحمد تكدار ملك التتار:

تولى عرش الملك ببلاد مغول فارس بعد وفاة أبغا أخوه تكدار سنة ١ه‏ / 1187م وانّخْذ له اسم أحمد واعتنق دين الإسلام قبل سلطنته» واستهل عهده بإظهار إخلاصه وتمشكه بالدين الإسلامي» فأرسل كتاباً إلى فقهاء بغداد جاء فيه «وإنا جلسنا على كرسي الملك ونحن مسلمون» فيلقون أهل بغداد هذه البشرى. ويعتمدون في المدارس والوقوف وجميع وجوه البر ما كان يعتمد في أيّام الخلفاء العباسيين» ويرجع كل ذي حق إلى حقه في أوقاف المساجد والمدارس ولا يخرجون عن القواعد الإسلامية» وأنتم يا أهل بغداد مسلمون وقد سمعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لا تزال هذه العصابة الإسلامية مستظهرة ظافرة إلى يوم القيامة»؛» وقد عرفنا أن هذا الخبر صحيح ورسوله بح ورب واحد أحد فرد صمدء فتطيبون قلوبكم وتكتبون إلى البلاد جميعا).

كما أرسل أحمد تكدار رسالة إلى الملك المنصور قلاوون أعلن له فيه رغبته في حماية الإسلام والذود عنهء والعمل على إعلاء شأنه» وأظهر رغبته في السلام وعلاقات الود والصداقة مع الجيران المسلمين» وكان حامل تلك الرسالة جماعة وهم الشيخ قطب الدين محمود الشيرازي قاضي سيواس وأتابك السلطان مسعود سلطان سلاجقة الروم الأمير بهاء الدين وشمس الدين محمد بن الصاحب شرف الدين بن التيتي » فوصل هؤلاء إلى البيرة؛ فسار إل الأمير حسام الدين لاجين الرومي» والأمير سيف الدين كبك الحاجبان» وقد أمر السلطان «أن يبالغا في الاحتراز على الرسل وإخفائهم عن كل أحد «فسار بهم في الليل ولم يشاهدهم أحد ووصلوا بهم قلعة الجبل ومعهم كتاب الملك أحمد أغا سلطان تكدار بن هولاكوء وكان يتضمن أن أحمد تكدار قد تولى حكم التتار وأنه مسلمء وأمر ببناء المساجد في بلاده والمدارس والأوقاف كما أمر بمسير الحجاج إلى بلاد الحجاز لأداء الفريضة» وطلب أيضاً اشاح كلم المسلمين وإخماد الفتنة والشقاق وإقرار السلام والوفاق» وذكر أيضاً أن أصحابه وجدوا جاسوساً في زي الفقراء

م.م

فقبضوا عليه» ومع ذلك فإنه لم يقتل» بل أعادوه إلى بلاد الإسلام مراعاة للسلطانء وليكون ذلك دليلاً على حبهم في السلام ورغبتهم فيه وقال إنه لا داعي لإرسال الجواسيس بعد أن يتم الاتفاق وينعقد الصلح ويجتمع الصف . وعاد رسل أحمد أغا سلطان (تكدار) وقد أكرمهم الملك المنصورء ولم يعلم الناس بقدومهم وذلك ليلة السبت الثاني من رمضان ١54ه‏ / ديسمبر فوصلوا إلى حلب في السادس من شهر شوال ١74ه‏ / 8 يناير 1187م وعبروا الفرات وعادوا إلى بلادهم ومعهم رد السلطان الملك المنصور قلاوون الذي كان يتضمن تهئئته بالإسلام والموافقة على العمل من أجل الصلح والاتفاق ونبذ الحرب والطعان» وقال قلاوون لرسل تكدار أحمد أنه أي قلاوون لا يثق إلا بإسلام الشيخ عبد الرحمن لتديّنه وصدق حديثه عن الملك أحمد أغا سلطان ووزير صاحب ين وجهز هؤلاء الرسل وسار معهم الأمير سيف الدين كبك المنصوري الحاجب» وكان ذلك في الثاني من شهر رمضان ١54ه‏ / ديسمبر 1815م فوصلوا حلب في السادس من شوّال ومنها إلى بلادهم. ثم مات أحمد تكدار في 547ه / 64م.

وهنا ينبغي أن نؤكد على شيء مهم وهو تحوّل المغول إلى الإسلام وكان إسلام سلطان المغول تكدار فاتحة خير للعلاقات بين البلدين وبالرغم من وفاته إلا أن حركة انتشار الإسلام بين المغول على المستوى الرسمي والشعبي كانت تتم بشكل سريع حتى دخل التتار في الإسلام وخصوصاً مغول القبيلة الذهبية التي ارتبطت مع السلطان الظاهر بيبرس بعلاقات طيّبة» وكان السلطان جيل تكدار قتل وقادته الذين اعتنقوا الإسلام. وكان زعيم قتلة تكدار وأصحابه أرغون بن أبغا الذي جلس على كرسي الملك في مملكة مغول فارس وذلك في العاشر من شهر أغسطس سنة 547ه / 1784م ثم بدأ في

)0 ماردين : قلعة مشهورة على قمّة جبل الجزيرة» مشرفة على دنيسر» وتحتها ريض عظيمء فيه أسواق ومدارس وريط ودورهم فيه كالدرجء كل درب يشرف على ما تحته من الدورء ليس دون سطوحهم مانع» والماء عندهم قليل» وأكثر شربهم من صهاريج معدة في بيوتهم : مراصد الاطلاع ج 7 ص 0008

ال

اضطهاد المسلمين وصرفهم عن كافة المناصب التي كانوا يشغلونها في القضاء والمالية»؛ وحرم عليهم الظهور في بلاده وتحكم فيهم وزيره سعد الدولة اليهودي وراح يقضي على ما للإسلام من مكانة وينهج سياسة أسلافه أو بمعنى أصح السياسة التقليدية للمغول وهي محاولة الاتفاق مع الصليبيين في حلف لتحطيم قوّة المماليك» تلك القوة التي كانت تقف دائماً أمامهم وتحول دون تنفيذ أطماعهم وأمام هذا التقارب الذي بدأ يلوح في الأفق بين التتار والصليبيين قابله تقارب آخر بين المماليك ومغول القبيلة الذهبية» ولم يكتف أرغون ملك المغول بما فعل ضد المسلمين في بلاده بل ذهب أبعد من هذا بأن راسل ملوك الغرب المسيحي والباب وعرض على البابا حق نوابه ورسله في الاتجار والتنقل في بلاد المغول وتشجيع الدخول في المسيحية» وكان هذا يعني إضعاف تجارة المسلمين والقضاء على قوّتهم في الشامء بل زاد على ذلك بأن أعلن عزمه على الدخول فى النصرانية إلا أن محاولته كلها باءت بالفشل» وإن كانت العلاقات العدائية بين الدولتين ظلّت كما هيء أضف إلى ذلك تطلع المماليك إلى فتح العراق وذلك أيام الملك الأشرف

وكان السلطان قلاوون على نية حصار مدينة عكا وفتحها إل أن المرض أصابه ووافته المنية بمعسكره خارج القاهرة وكان ذلك ليلة السبت السادس من ذي القعدة 71/4 ه / نوثمبر مم وكانت مدة حكمه إحدى عشرة سنة وشهرين وأربعة وعشرين يوماً وعمره نحو السبعين سنةء وترك ثلاثة أولاد وهم الملك الأشرف خليل والملك الناصر محمد والأمير أحمد الذي مات أثناء حكم أخيه الأشرف خليل واستقر الرأي على أن يكون الأشرف خليل سلطاناً على البلاد فجلس على كرسي الحكم بقلعة الجبل يوم الأحد السابع من ذي القعدة 4لا ه / نوقمبير ٠119م‏ وجدد العسكر له القسم في الثامن من دق القعدة من نفس السنة ولبس شعار السلطئة ورتب الأمور وعلى الرغم من أن والده قلاوون لم يكن مقتنعاً بابنه خليل سلطاناً وحاكما اللمسلعين ورفضه أكثر من مرة بيعته بولاية العهد «وطلب السلطان الملك الأشرف من القاضي فتح الدين بن عبد الظاهر تقليده بولاية العهد» فأخرج إليه مكتوباً بغير

ان

علامة توقيع ‏ الملك المنصور قلاوون وكان ابن عبد الظاهر قد قلمه إليه ليعلم عليه فلم يرض» وتكرر طلب الأشرف لهء وابن عبد الظاهر يقدمه والمنصور يمتنع إلى أن قال له: يا فتح الدين! أنا ما أولّي خليلاً على المسلمين «إلآّ أن خليلاً أثبت عملياً جدارته بهذا المنصب فقد تمكن من إنهاء الوجود الصليبي في بلاد الشام وحرر عكا أقوى وآخر معقل لهم بعد أن حاصرها أربعة وأربعون يوماً وذلك في جمادى الأولى ٠59ه‏ / مايو ١0م‏ واتبع ذلك بالاستيلاء على باقي معاقلهم وهي صور وحيفا وعثليت وصيدا وعلى هذا أحرز الأشرف خليل شرف إنهاء الاحتلال الصليبي لفلسطين وأجزاء من بلاد الشام وفارق كبير بين الذين يحررون البلاد والآخرين الذي يكرسون الاحتلال ويقدمون له العون إما سلباً بعدم الوقوف في وجه المعتدي ومنع الجهاد أو المساهمة بالمال والرجال لهذا العدو وإما سراً أو علانية» وإذا كان المماليك والأيوبيون من قبل جاهدوا بإخلاص وصدق ضد الصليبيين حتى أحرزوا النصر. فما بال قومنا في عصرناء هل فقدوا الرجولة والغيرة على الدين والعرض والوطنء» أم أنهم لا يملكون قرارهم وفقدوا الإرادة» أم إن الحدود السياسية تحول بين الناس وفعل الفضائل» ولا بد للقارىء أن يدرك حملة الأمراض التي يعاني منها المسلمون اليوم وكأن حالهم مثل حال بعض المسلمين في زمن التتار «وقد سكن أهلها على 1-5 الجار وموادعة التتار وممالأتهم على الإسلام بالنفس والمال»” ".

والسلطان الأشرف خليل لا يتهاون مع الأعداءء فقد ورد إليه رسول ملك التتار ومعه كتاب يتضمن مطالبة الأشرف خليل برد حلب إلى المغول لأن أباه هولاكو كان قد فتحها من قبل ويهدد الأشرف خليل بأنه إذا لم يسمح له بأخذ حلب فسوف يغزو بلاد الشام» فأجابه السلطان الأشرف خليل «بأنه قد وافق القان ‏ اسم يطلق على ملك المغول ‏ ما كان في نفسي فإني كنت على عزم من أخحذ بغداد وقتل رجاله» فإني أرجو أن أردها دار إسلام كما

.5١5 مرآة الجنان ج ص‎ )١(

كانت وسينظر أينا يسبق إلى بلاد صاحبه:27 .

ثم بادر السلطان بالكتابة إلى نوابه في بلاد الشام بأخذ الحذر والاستعداد وتجهيز الجيش لتحقيق هذا الأمرء وكان ذلك في عام 747ه / 191١م‏ إلا أن هذه الاستعدادات لم يكتب لها أن تتم بسبب وفاةكل من السلطان الأشرف خليل ووفاة ملك التتار كيثماتو 7907ه / 115١م‏ وسبب ذلك مقاتلة بيدو لملك التتار وقتله ياه وتولى بيدو الملك في دولة مغول فارس فخرج عليه غازان بن أرغون وجمع الجيوش وقاتل بيدو حتى أخذ الملك منه وقتل بيدو بعد معركة حامية قرب همدانء وكان بيدو محباً للنصرانية وبذل كثيراً من الجهد لوضع العقبات في سبيل نشر الإسلام بين المغول.

أما في مصر فإن الأشرف خليل قتل يوم الإثنين الثاني عشر من المحرم ديسمبر 1797م وعلى الرغم من أن مدة حكم الأشرف خليل لم يتجاوز الثلاث سنين وقال فيه النويري في تاريخه: «كان ملكا مهيبا شجاعا مقداماً جسوراً جواداً كريماً بالمال» أنفق على الجيش في هذه الثلاث سنين ثلاث نفقات)202 .

حكم مصر وبلاد الشام بعد السلطان الأشرف خليل الملك الناصر محمد بن قلاوون ولكنه كان صغير السن ولم يكن له من السلطنة «إلا اسم الملك من غير زيادة على ذلك:9 .

ورأى القضاة والخليفة العباسي والأمراء ضرورة خلع السلطان الناصر محمد لصغر سنه وبويع بالسلطنة الأمير زين الدين كتبغا بن عبد الله المنصوري

005 ص كثاسضفى دولة بني قلاوونث ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

(؟) النجوم الزاهرة ج مص 255-150 السلوك ج ١‏ ص ١3لا‏ العبر ج 5 ص 7٠4؛‏ شذرات الذهب ج ٠‏ ص 477» دول الإسلام ج ص ١190ء‏ فوات الوفيات ج ١‏ ص 7١١‏ أخبار الأول ص 217١‏ تاريخ سلاطين المماليك يمصر ص 25» تاريخ الدول والمملوك م 4 ص © المختصر في أخبار البشر ج 4 ص 51 مرآة الجنان ج 4 ص 577» دولة بني قلاوون فى مصر ص .١/5‏

() السلوك ج ١‏ ص 0944 النجوم الزاهرة ج 4 ص »4١‏ فوات الوفيات ج ١‏ ص 7١1‏ المختصر ج ص 23١‏ تاريخ سلاطين المماليك بمصر ص 0؟58-7.

احلكوا

التركي المفلس وهو من سبي التتار في موقعة حمص الأولى سنة 564ه / ١0مم.ء‏ ولكن السلطان كتبغا خلع من السلطة عام 595ه / 1195م وحكم بعده الملك المنصور حسام الدين لاجين إلا أنه قتل بسبب خلاف مع الأمراء وذلك يوم الخميس العاشر من ربيع الآخر / يناير 1199م وقام الأمراء باستدعاء الملك الناصر محمد بن قلاوون وأجلسوه على كرسي الحكم يوم الإثنين السادس من جمادي الأولى 598ه / فبراير 799١م‏ وجددت له البيعة» واستقر الأمير سيف الدين سلار نائباً للسلطنة0" .

6١١ الذهبي: دول الإسلام ج 37 ص‎ )١( ان‎

(لفصل (غاوي عشر الجهاد ضد التتار في عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون

مقدمات هجوم التنار على بلاد الشام :

لجأ بعض امراء المماليك إلى دولة مغول فارس ومنهم الأمير قبجق والأمير بكتمر وذلك بسبب اضطراب دولة المماليك والصراع على السلطةء ولما انتهى الحال بعودة الملك الناصر محمد إلى الحكم أرسل نائب حلب خلف هؤلاء الأمراء يخبرهم بانتهاء الفتنة وعليهم بالعودة وعدم مفارقة البلاد»ء ولحق بريد نائب حلب بالأمير قبجق في ماردين» فلما رأى الكتب وما تضمنته من تغير الاحوال في بلاد مصر والشام بكى الأمير قبجق والأمراء ندمًا على سرعة مفارقتهم بلاد الشام» ولكنهم لم يعودوا وكتبوا ردًا بالاعتذار عن العودة والتقوا مع مقدم جيش التتار الذي حضر لخدمتهم واستقبالهم وسار بهم إلى ملك المغول غازان الذي اكرمهم وأظهر الحفاوة بهم «وصار قبجق في غاية المسرة فإنه أتاه طائفة من أهله وأقاربه» وأما بكتمر فإنه لم تطب نفسه بالاقامة»30 ,

موقعة وادى الخازندار 99"ه/ 6ام:

قرر غازان ملك التتار عبور الفرات إلى جهة بلاد الشام لأسباب منها اتباعه سياسة اسلافه في مواصلة غزو بلاد الإسلام الواقعة غرباً بالإضافة إلى

.80١ ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

"1١

تشجيع الأمير سيف الدين قبجق نائب دمشق السابق وأصحابه الذين دخلوا في طاعة غازان وشجعوه على غزو الشام نكاية في الأمير منكوتمر والسلطان لاجين الذي قهرهم واستبد بهم » يضاف إلى ذلك ما اتهم به نيروز وزير غازان بمكاتبة السلطان لاجين ضد التتارء مما اغضب غازان علاوة على غضب غازان على الأمير بلبان الطباخي نائب حلب الذي أرسل جيشًا إلى ماردين عاث فيها فسادًا فاتخذ غازان من ذلك ذريعة في غزو الشاء”'' كما أن اختلاف امراء المماليك حول السلطة شجع غازان على غزو الشام مستغلاً انشغال امراء المماليك بأمور الحكم فشد عزمه على فتح مصر وضمها إلى أملاكه”" .

وعلى الرغم من أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون عاد إلى الحكم ثانية» وحركته بالقوات إلى جهة الشام» وحدث خلال الطريق أن هطلت الأمطار وسالت الأودية» فأتلفت أثقال الجيش «وافتقر عدة منهم لذهاب جمالهم وأثقالهم وتشاءموا به وتظيروا منهء فكان الأمر كذلك» ثم اعقب ذلك ظهور الجراد فزاد تطير العساكر الإسلامية «وخشوا أن يكون منذرًا بقدوم العدو وكسرة العسكر وتحدث يذلك كل أحد حتى السوقة»9 .

ومع ذلك واصل السلطان الناصر محمد تقدمه بالعسكر إلى دمشق فوصلها في ثامن ربيع الأول 779ه/ 1114١م»‏ وفي اليوم التاسع من الشهر وصل الناس إلى دمشق جافلين من حلب أمام جحافل التتارء ووصلت الأخبار بأن غازان عبر بقواته نهر الفرات» وأنه في جمع كبير من العسكر فارتفعت الأسعار ووزع السلطان الأموال على الجند لكل فارس ما بين ثلاثين دينارًا أو أربعين» ولكن النفوس كانت وجلة ومضطربه والكل يتوقع الهزيمة أمام العدو”؟'.

)١(‏ بدائع الزهور ج ١‏ ص 79١141-1ء‏ المختصر في أخبار البشر ج ؟ ص 45 تاريخ المماليك البحرية ص .١١90‏

(؟) تاريخ المماليك البحرية ص .1١54‏

زرف السلوك ج ١‏ ص 48808.

(4) السلوك ج اص 6م48 البداية والنهاية ج 15 ص تاريخ سلاطين المماليك يمصر ص م5

بحلخا

خرج السلطان الناصر محمد بقواته في يوم الأحد السابع عشر من ربيع الأول سنة 779ه/ ديسمبر 199١م‏ وسار إلى حمص وعسكر عندها «ولم يكن بالمسلمين في تلك النوبة اكتراث بالتتار ولا كأنهم عندهم عدو"".

وسارت الكشافة من العربان لاستطلاع أخبار العدو وكشف تحركاته» هذا في الوقت الذي كان فيه التتار قد وصلوا بالقرب من سلميه”؟ .

واستمر الحال على ذلك حتى سحر يوم الأريعاء الثامن والعشرين من ربيع الأول 69ه/ ديسمبر 1194م» فركب السلطان الناصر محمد وسار بقواته حتى ظهرت أمامه طلائع العدو المغولي فنودى عند ذلك في العسكر الإسلامي أن يرموا الرماح ويعتمدوا في القتال على ضرب السيوف والدبوس”" فألقى الجند رماحهم على الأرض وساروا مدة ساعة ورتبوا العسكر بمجمع المروج”*؟ المعروف بوادي الخازندارء وكان عدد المسلمين لا يزيد عن عشرين ألف فارسء أما التتار فكانوا نحو مائة ألف ”2 وقبل أن تبدأ المعركة سار الأمير سلار نائب السلطنة ومعه الحجاب والأمراء والفقهاء والشيخ ابن دقيق العيد»ء ومروا على العسكر كلها والفقهاء يوجهون ارشادهم ووعظهم لرفع الروح المعنوية عند الجيش وتقوية عزائم المجاهدين على الثبات «حتى كثر البكاء»"2 وكان هذا التوجيه من عادات جيوش الإسلام وتقليدًا للرسول الأعظم كَهِ الذي كان يقوي عزم جماعة المسلمين بدءًا من معركة بدر الكبرى وما تلاها من غزوات.

١6 الدار الفاخر ص‎ )١(

(؟) سلمية: قيل هي قرب المؤتفكة» وأن أهل المؤتفكة لما نزل بهم العذاب سلم منهم مائة فأسرعوا إلى سلمية فسكنوهاء فسميت سلم مائة ثم خففت فقيل سلميه: وهي بليدة في ناحية البرية من أعمال حماة» بينهما مسيرة يومين» في طريقها إلى حمص قبر النعمان بن بشير : مراصد الاطلاع ج 1 ص خرفة

(9) الدبوس: هراوة مدملكة الرأس وكالابرة من النحاس في طرفها كتلة صغيرة: السلوك ج ١‏ ص حاشية .

(4) مجمع المروج: يقع هذا الموقع في وادي الخازندار وهو بين حماة وحمص: السلوك ج ١‏ ص 8/856 حاشية

)2 السلوك ج اص 65 المماليك البحرية ص 5١١1-/9ا١١‏ 2.438 ,3 رأقة8 رطاره 1808

(7) السلوك ج ١‏ ص 8417.

رضنا

أما غازان ملك التتار فقد أمر جيشه بعدم التحرك حتى يبدأ هو الهجومء ولكن المسلمين بادروا بالقتال» وأشعل الزراقون النفط ‏ حملة المشاعل النفطية المشتعلة ‏ وحملوا على غازان حملة صادقة إلا أن غازان لم يتحرك لخطة في نفسه «فمرت خيول العساكر بقوة شوطها في العدوء ثم لما طال المدى قصرت في عنوها وعدت تاو الشتلة”* فلما أدرك غازان ما حدث هاجم المسلمين ورمى بالنشاب فأصابت سهامهم عرولا رة لالمسلسن «وألقى الفرسان عنهاة فاضطريت صفوف المسلمين ثم تقدمت ميسرة المسلمين وهاجمت ميمنة التتار فصدمتها صدمة شديدة مزقت جمعها وهزمتها عن آخرها وقتل من التتار فيها حوالي خمسة آلاف”"'.

وأخبر السلطان الذي كان على بعد من اللقاء حتى لا يعرف مكانه فيقصده العدو فسر يهذا الخبر كثيرًا وارتفعت الروح المعنوية عند المسلمين» وكاد غازان ملك التتار أن يولى الأدبار هو الآخر ولكنه استدعى إليه الأمير قبجق نائب دمشق السابق» فشجع غازان وقيل إن هدف الأمير قبجق من ذلك كان أن يدفع غازان إلى الهزيمة””" .

ومع ذلك تجمعت فلول المغول حول غازان من جديد «وعاد له أمره» وهاجم قلب الجيش الإسلامي فتفهمر 2 5

وحاول السلطان 2 الهرب ولكن الأمير حسام الدين لاجين الاستادار كان يمئعه ويقول له: ما هي كسرة. ولكن المسلمين قل تأخروا "ولم يبق مع السلطان من المماليك غير اثنى عشر مملوًا””2 ثم عادت ميسرة الجيش الإسلامي المنتصرة على ميمنة العدو إلى حمص ومعهم الغنائم ولكنهم لم يلبثوا طويلاً حتى علموا بانهزام قلب الجيش الإسلامي أمام غازان

)١(‏ المصدر السابق ونفس الصفحة.

(1) السلوك ج ١‏ ص 447 ولكن في مرآة الجنان ج 4 ص 17١‏ ذكر ان عدد قتلى التتار نحو عشرة آلاف.

(5) السلوك ج ١‏ ص 887 حاشية ".

إحق السلوك ج ١ا‏ ص لاحم دولة بني قفلاوون في مصر ا ص 8/ا1كء 2.439 ,3 1يهم رطام ج11

(5) السلوك جح اص /امة.

51

وتبعهم التتارء ولكن غازان خشي أن يكون المسلمون اعدوا كميئًا للإيقاع به فكف عن اتباع العسكر المنهزم''2 في حين وصل المنهزمون إلى حمص وقت غروب الشمس وقد غنم العدو كل ما كان معهم والقوا أسلحتهم طلبًا للنجاة بأرواحهم» فاضطربت حمص واشتد هلع الناس بالمدينة وصاحوا بالعسكر «الله الله في المسلمين)”2 وساروا حتى وصلوا بعلبك وقد أغلقت أبوابها فأخذوا منها ميرتهم وعرجوا إلى دمشق فدخلوها يوم السبت أول ربيع الآخر سئنة 1569"ه/ ديسمبر 144١م»2‏ وسار معظم هؤلاء المنهزمين بجوار الساحل إلى مصر بعد أن أشاع الناس في دمشق خبر وصول غازان وجيش التتارء فخرج المنهزمون فورًا وتركوا اثقالهم وما معهم وجفل أهل دمشق «فتشتنوا في سائر الجهات”" مع أن جريمة التولي يوم الزحف والهروب من ميدان القتال من الكبائر وذلك بسبب ما يترتب على الانهزام على البلاد والعباد من آثار سيئة ومعروف أن الانسحاب وما شابه ذلك لا بد وأن يكون لهدف عسكري يزيد الجيش قوة كسحب قوة معينة لدعم ومساندة فريق آخر من جهة أخرى أو لعمل خطة التفاف» أما أن يهرب المقاتل فلا وخصوصًا إذا فعل ذلك بدون أمر صادر من قيادة الجيش.

احتلال التثار لمدينة دمشق 559ه/ 1594م:

شجعت هزيمة المسلمين في معركة وادي الخازندار غازان على الزحف نحو دمشق» فتقدم غازان بقواته أولاً إلى حمص فدخلها واستولى على ما فبها من الاموال والأمتعة الخاصة بالمسلمين والجيشء ثم سار إلى دمشق ابعد ما امتلأت أيدي أصحابه بأموال جليلة القدر؛ وكانت دمشق في تلك الأونة مضطربة بسبب الهزيمة وخوقًا من التتار وفظائعهمء» وحدث في أول ربيع

١78 دولة بي قلاوون في مصر ص‎ 2١١7 تاريخ المماليك البحرية ص‎ )١( 888 ص‎ ١ (؟) السلوك ج‎ تاريخ سلاطين‎ »١7 ص الدر الفاخر ص‎ ١7 ص 488» البداية والنهاية ج‎ ١ السلوك ج‎ )( تاريخ دولة المماليك بمصر‎ 2117-١1 المماليك ص 54-38 : تاريخ المماليك البحرية ص‎ 7٠١ ص‎ ن قرا‎

الآخر 99 ه/ ديسمبر 1794م أن انتشر الرعب في دمشقء وانتشر الناس على قمم الجبال وفي القرى وتوجه كثير منهم إلى جهة مصرء واتبع ذلك خروج من كانوا في السجن وعاثوا فسادًا في البلدة"'2 أما من بقى فِي دمشق فقد اجتمعوا في الجامع الأموي وتشاوروا في الأمر واتفقوا على أن يرسلوا وفدًا لمقابلة غازان قبل أن يصل دمشق ويطلبون منه الأمان لأهل دمشقء فسار إليه قاضي القضاة بدر الدين محمد بن جماعة وشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية وجمع كبير من الأعيان والفقهاء والقراء وذلك يوم الاثنين ثالث ربيع الأخر 599ه/ ديسمبر 1199م 7 فقابلوه في النبك (قرية بين حمص ودمشق) أثناء طريقه للإستيلاء على دمشق» ثم قدموا لغازان بعض الطعام والمأكولات التي كانت معهم» ولكنه لم يلتفت إليها ثم قال لهم: «قد بعئت اليكم الأمان فعادوا إلى دمشق يوم الجمعة السابع من ربيع الآخرء ووصل فعلاً إلى دمشق في نفس اليوم الأمير اسماعيل التتري ومعه جماعة من التتاره وفي يوم السبت اجتمع الناس في الجامع الأموي وقرىء عليهم نص الأمان من غازان وكان يشمل الأمان للناس كافة حتى اليهود والنصارى كما أنه وعدهم بحكومة عادلة في كل انحاء مصر حينما تنضم إلى سوريا بمعنى أنه ينوي أخذ مصر أيضّاء ثم وصل غازان إلى دمشق في عاشر ربيع الآخر 8ه/ يناير ١٠17م‏ وعاثئت عساكره في غوطة دمشق فسادّاء» ووصلت بعض قوات التتار إلى القدس الشريف بفلسطين والكرك وهم ينهبون ويأسرون من صادفهمء ثم خطب لغازان في مساجد دمشق يوم الجمعة رابع عشر من ربيع الآخر من نفس السنة وجاء في القابه «السلطان الأعظم سلطان الإسلام والمسلمين مظفر الدنيا والدين محمود غازان» وقرأ على الناس في الجامع تقليد الأمير قبجق بلاد الشام كلها وسائر الاعمال» وله أيضًا ولاية القضاء والخطباء ثم نثرت الدراهم والدنانير على الناس وفرحوا بذلك فرحًا كثيرًا .

زدل4 البداية والتهاية ج ١‏ ص “وى الدر الفاخر ص 018 تاريخ سلاطين المماليك يمصر ص 594»؛ النجوم الزاهرة ج 4 ص ١١0-17‏

0 الدر الفاخر ص »١9‏ تاريخ سلاطين المماليك بمصر ص ."١‏

زفر4ق السلوك ج ١‏ ص اذى النجوم الزاهرة ج 4 ص ١1-1‏ البداية والنهاية ج 15 ص م 1 ,1581 رأاقهم ,)ه110

لضن

كان نائب قلعة دمشق الأمير علم الدين سنجر المنصوري المعروف ياسم أرجواش ش قد امتنع عن تسليم القلعة وتقدم إليه كل من قبجق ويكتمر السلاح دار وطلبا إليه تسليم القلعة وقالا له: دم المسلمين في عنقك إن لم تسلمها فأجابهما: دم المسلمين في اعناقكما أنتما اللذان خرجتما من دمشق وتوجهتما إلى غازان وحستتما له المجيء إلى دمشق وده وفي الحادي عشر من ربيع الآخر 144ه/ يناير 8٠15م‏ طلب الأمير اسماعيل التتري إلى القضاة والأعيان في دمشى أن يطلبوا من أرجواشي تسليم القلعة وإلا نهب التتار المدينة وقتلوا أهلها كافة؛ فاجتمع عالم غفير وأرسلوا إلى الأمير أرجواشي في ذلك الأمر ولكنه لم يجبهم وتكررت الرسل بينهم وبينه إلى أن سبهم وعنفهم وقال: اللترتعت لز ريطاله بادا الساطان وجي العمركن در وهو واصل عن قريب؟ فانصرفوا عنه وفي اليوم الثاني عشر من ربيع الآخر دخل الأمير قبجق دمشق وأرسل إلى ارجواشي يطلب إليه التسليم» ولكن ارجواشي رفض ولم يجبهء وأرسل إليه الشيخ ثم تقى الدين بن تيمية يقول له «الو لم يبق فيها إلا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك إن استطعت”" فلم يجب أرجواشي مطالبهم واعتصم بالقلعة» واشتد خوف الناس وحصنوا الدروب والمسالك”" وشرع التتار في نصب المجانيق على سطح الجامع الأمري القريب من قلعة دمشق» فعلم بذلك أرجواشي فأرسل جماعة من الشجعان هاجموا الجامع فجأة وأفسدت المنجنيق» ثم أعد التثار منجنيقا آخر بالجامع واتخذوا الجامع حانة يزنون ويلوطون ويشربون الخمر فيه وعطلت فيه الصلاة في بعض الأوقاتء ونهب التتار ما حول الجامع من السوق» فأرسل ارجواشي رجلاً من عنده وقتل المنجنيقي المغولي ومن حوله من التتار» وعاد إلى القلعة سالمّاء ولجأ ارجواشي إلى تحصين موقعه فأمر بهدم ما و القلعة من العمائر والبيوت فهدمت حتى لا يستتر العدو بها وقت القتال

. 141١ النجوم الزاهرة جه ص 256 الدر الفاخر ص 4 ؟» دولة بني قلاوون في مصر ص‎ )١(

() البداية والنهان > ١4‏ ص /-م

(9) السلوك جا ص -413١‏ -2491 مرآة الجئان ج 5 ص »77١٠‏ النجوم الزاهرة ج جم ص 20756 الشرع 5 ين 11

(4) السلوك ج ١‏ ص ”2499 العبر ج ه ص »4١5‏ البداية والنهاية ج 15" ص 4

7

ثم تعرضت مختلف المناطق التي سيطر عليها التتار للنهب والسلب ومنها أن التتار هاجموا قرية الصالحية”2 وأخذوا ما في جامعها ومدارسها ونبشوا على الخبايا فظهر لهم منها شيء كثير حتى كأنهم تعلمون اماكني 9 ولما خرج التتار هاربين أمام شيخ الشيوخ نظام الدين محمود ساروا إلى المدة”'؟ وساروا بعذها إلى اي فنهبوا وقتلوا عددًا من أهلهاء فخرج الشيخ ابن تيمية في العشرين من ربيع الآخر 144ه إلى غازان وكان بتل راهط”*؟ ليشكوا مما فعل التتار في المناطق المذكورة من نهب وتدمير وقتل بما يخالف الأمان الذي منحه غازان للبلاد ويقول ابن كثير: «وخرج الشيخ ا يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر إلى ملك التتر وعاد بعد يومين ولم ية يتفق اجتماعه به حجبه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي والتزما له بقضاء الشغل» وذكرا له أن التتر لم يحصل لكثير منهم شيء إلى الآنء ولا بد لهم من شيء»29.

وهنا موقف للشيخ الجليل ابن تيمية عندما شعر بواجبه في التحرك لدفع الظلم عن المسلمين وإلا ما قيمة هذه المشيخات وتلك العمائم إن لم تتقدم الصفوف لدفع الظلم عن المسلمين ولم يكن امام الناس من سبيل إلا دفع المال» وبدأ الأمراء في جمع المال» فارتفعت الأسعار ووزعت الأموال على الأسواق حتى يدفعوها فجمعوا الكثير كما دفع الناس وقتل نتيجة ذلك في ضواحي دمشق من الفلاحين والجند والعامة على ما قيل نحو مائة ألفء ومبلغ ما نقل إلى غازان وحده من المال حوالي ثلاثة ملايين وستمائة الف درهم سوى السلاح والثياب والدواب والغلال» ويضاف إلى ذلك ما نهبته العساكر المغولية» وقرر غازان مصادرة الخيول والجمال لأنهما من عدة

" حاشية‎ 89١ ص‎ ١ الصالحية قرية مطلة على دمشق من جبل قاسيون: السلوك ج‎ )١(

زفق السلوك ج ١‏ ص 887ء البداية والنهاية ج ١#‏ ص تاريخ المماليك البحرية ص ١١8‏

(1) المزة وهي قرية كبيرة وسط بساتين دمشق بينها وبين دمشق مسافة نصف فرسخ ويقال لها أيضاً مزة كلب : السلوك ج ١‏ ص 8415 حاشية "

(5) داريا : : وهي فرية 0 من قرى دمشق بالغوطة: مراصد الاطلاع ج ١‏ ص اليك

(5) يقصد بها مرج راهط في نواحي دمشق: مراصد الاطلاع ج 7 ص ١784‏

(1) البداية والنهاية ج 145 صم

518

القتال والحرب» فأخرج من دمشق اكثر من عشرين الف حيوان». هذا بالإضافة إلى ما أخذه الأمراء والجباة والأمير قبجق من الناس فأضعفوا الناس بما أخذوا منهم وساءت حالة البلاو30 ,

عودة غازان ملك التتار إلى الشرق:

عاد غازان إلى الشرق لأسباب منها غزو تعرض بلاده لغزو من جهة الشرق وذلك بعد أن جمعت الأموال من الناس بالعنف والقوة وهلك من جراء ذلك مئات من الناس» وأقر غازان في نيابة دمشق الأمير قبجق وفي نيابة حلب وحماة وحمص الأمير بكتمر السلاح دار وجعل في نيابة صفد وطرابلس والساحل الأمير الألبكي» وجعل مع كل نائب من هؤلاء جماعة من التتارء وأقام عندهم مقدمًا من التتار لحماية الشام وهو فظلو شاه ومعه ستين الفا من جيش التتار حامية للشام'"“ وجرد عشرين الفا من عسكرة ومعهم أربعة من قادة المغول منهم بولاي وساروا إلى الأغوار في الشام فنهبوا تلك الجهات ووصلوا القدس وغزة وقتلوا بجامع غزة خمسة عشر رجلاً وعادوا إلى دمشق وقد أسروا عددًا كبيرًا وهذا يعني أن دولة المماليك في مصر فقدت سيطرتها على بلاد الشام.

أما غازان فقد رحل عن دمشق يوم الجمعة الثاني عشر من جمادي الأولى 49ه/ فبراير "00170١‏ ولم يمض يوم على رحيل غازان ناحية الشرق حتى انطلق التتار في دمشق ينهبون ويسلبون الناس متاعهم » واحرقوا كثيرًا من الدور والمنازل والمدارسء» مثل «دار الحديث الاشرفية» وما حولها ودار الحديث النورية والعادلية الصغرى» وما جاورها وأخلوا ما حول القلعة وركبوا فوق اسطح المنازل ليرموا بالنشاب على قلعة دمشق التي لا زالت تقاوم التتار» وكان غازان قد أكد قبل رحيله عزمه على العودة إلى الشام في

)١(‏ البداية والنهاية ج ١5‏ ص 4-8.» الذهبي: دول الإسلام ج ؟! ص 05٠7-17‏ النجوم الزاهرة جم ص ١١7‏

(؟) العبر ج ه ص »4١5‏ البداية والتهاية ج ١4‏ ص تاريخ المماليك البحرية ص ١١1‏

020 السلوك ج ١اص‏ 2465 العبر رج هه ص 45 البداية والنهاية ج 14 ص ٠١‏

احلدق

زمن الخريف والدخول إلى الديار المصرية وفتحها”'".

عودة السلطان الناصر محمد إلى مصر واستعداده لقتال التتار:

بعد أن تفرقت القوات الإسلامية عن السلطان الناصر محمد في ميدان المعركة وانهزامهم بوادي الخازندار» انحاز السلطان بمن بقي معه من الأمراء ولم يجدوا بدا من العودة إلى مصر فدخلوها في الثاني عشر من ربيع الآخر 8ه/ يناير ١170م‏ ثم تتابع وصول العساكر إلى مصر وهم في اسوأ حال”" ولم يتنظر السلطان الناصر طويلاً حتى شرع في الاستعداد من جديد للعودة إلى بلاد الشام» ونشط الأمراء في جمع الاموال اللازمة للانفاق على الجيش». وطلب من عمال الاقاليم بمصر أن يجمعوا الخيول والرماح والسيوف من سائر الوجهين ين القبلي والبحري» فارتفعت الأسعار حتى بلغ ثمن الفرس الذي كان يساوي ثلثمائة درهم ألف درهم احتى أخحذت خيول الطواحين وبغالها بالأثمان الغالية»”" .

وطلبت قوات الاحتياط ممن تركوا الخدمة العسكرية فاجتمع منهم ومن غيرهم عدد كبير حتى أن أناسًا تقدموا ولم يكونوا من الجند المسرحين» بل رغبة في الجهاد وتولى الأمراء أمر هؤلاء الجند «البطالين» هذا بالإضافة إلى من استتخدمهم بعض الأمراء تطوعًا واحتسابًا للأجرء» ثم استدعى مجد الدين عيسى بن اللخشاب نائب الحسبة ليأخذ فتوى الفقهاء ويأخذ المال من الرعية للانفاق على الجيش» واستخرجت فتوى الشيخ عز الدين بن عبد السلام التي اصدرها للملك المظفرقطز والتي فيها أن يأخذ من كل إنسان دينارًا ضريبة دفاع وجهاد وذلك بعد أن دفع الأمراء والأغنياء وتساووا مع العامة» وقرر الأمير سلار نائب السلطنة أن يأخذ رأي الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد

)١(‏ 446.م ,3 امهم طانم به1]

(0) السلوك ج ١‏ ص 895» النجوم الزاهرة ج 4 ص 178» دول الإسلام ج ؟ ص 21988 تاريخ دولة لايك في مصر ص ١/!-1لا‏ (©) السلوك ج ١‏ ص 2158 النجوم الزاهرة ج 4 ص ١١8‏ .446-447.م 3 راقم رطخدهه11

رلا

وحضر الاجتماع الأمراء والعلماء وشكا الأمير سلار إلى الشيخ ابن دقيق العيد حاجة الدولة للمال للانفاق على الجيش لدفع العدو عن البلادء وأن الضرورة دعت إلى طلب المساعدة من الرعية لأجل الجهاد والدفاع عن الإسلام وأرضهء وطلب من الشيخ الموافقة على اصدار فتوى شرعية تسمح بأخذ مال الرعية لهذا الهدف ولكن الشيخ ابن دقيق العيد لم يوافق ورفض هذا الطلب واحتج ابن الخشاب نائب الحسبة بفتوى الشبخ ابن عبد السلام أيام الملك المظفر قطز فقال الشيخ ابن دقيق العبد: «لم يكتب ابن عبد السلام للملك المظفر قطز حتى أحضر الامراء ما في ملكهم من ذهب وفضه وحلى نسائهم وأولادهم ورآه وحلف كلا منهم أنه لا يملك سوى هذاء وكان ذلك غير كاف فعند ذلك كتب بأخذ الدينار من كل واحد» وأما الآن فبلغنى أن كلا من الأمراء له مال جزيل وفيهم من يجهز بناته بالجواهر واللآليء ويعمل الاناء الذي يستنجي منه في الخلاء من فضهء» ويرصع مداس زوجته بأصناف اللجوامرة 1" ثم اتخترف الشيخ ابن دقيق العيد ولم يخش في الله لومة لائم » ولم يعبأ بغضب السلطان وامراء الدولة» لأن حكم الله أولأً» وهكذا تكون مواقف العلماء» فكيف لو عاش ابن دقيق العيد في عصرنا فماذا يقول في انحراف معظم أهل الفتوى عن جادة الصواب طمعًا في دنيا يصيبونها أو شيكات يقبضونها أو مراعاة وخوفًا من جبروت السلاطين والحكام أو جهالة بعظمة هذا الإسلام واتباع للهوى وما اكثر هؤلاء الذين جانبوا الصواب في أمور كبار لا شبهة فيها.

اضطر متولى القاهرة إلى الاستدانة من الأغنياء والتجار وأخذ ما يمكن أخذه كل على حسب حالته المالية والسبب في ذلك واضح لاعداد الجيش والجهاد في سبيل الله ونصرة الإسلام» فاجتمع في جمادي الأولى 44"ه/ فبراير ١٠11م‏ جيش كبير وازدحمت القاهرة بالجيش وضاقت بهم المساكن ونزلوا بالقرافة» وحول جامع أحمد ابن طولون» وكان قد وصل من الشام عسكرها بعد الهزيمة واحتلال التتار لبلاد الشام .

4948 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

وعلى الرغم من توفر الغلال والرخاء في الاسعار إلا أن ابن الشيخي متولي القاهرة (محافظ) أراد أن تكون جباية المال من جميع الناس من القاهرة وخارجها والولاةاني الأكاليع ,تور يجان الأعراله أيضا ويسمها حصل من المال مقرر الخيالة «فاستشفع الأمراء ذلك" ' ثم فرض الضريبة على جميع الغلال وجبى هذه الأموال وأعد بها حوالي مائتي فارس ثم حول نظره إلى التجار وأرباب الأموال وفرض على كل منهم من ماثة دينار إلى عشرة دنانير «فلم يدع تاجرا ولا متسببًا ولا من يعرف بغنى إلا وأخخذ منه؛0) ثم اقترض أمرالة من التجار والأغنياء فاجتمع لديه من ذلك مال عظيم» ووزعت الرواتب على الجند جميعًاء وكذلك النواب ومقدمي العساكرء وتجهزت العساكر وبينما الملك الناصر محمد على هذه الحال من الاستعداد وصل الخبر من الشام بعودة غازان ملك التتار إلى الشرق واقامة الأمير قبجق نائيًا عنه في دمشق فسر الناس يذلك. وكان الملك الناصر محمد قبل ذلك عندما قدم إلى مصر أرسل إلى أصحاب القلاع رسائله ويأمرهم فيها بحفظ قلاعهم ويخبرهم بأنه قادم لهم «فلم يتمكن التتار من الاستيلاء عليها ثم عادت أجوبة قبجق وأصحابه بالامتثال”" وعلم من تأخر ببلاد الشام من التتار بحركة السلطان الناصر محمد فاشتد خوفهم» وخرج الأمير قبجق بمن معه يريد مصر وذلك في منتصف رجب 599ه/ ابريل ١10١م‏ وبصحبته الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دارء فخرج التتار من دمشق» واستولى الأمير ارجواشي على المدينة مع القلعة وأعاد الخطبه ا الناصر في يوم الجمعة السابع عشر من رجب بعد أن انقطعت مائة يوه” '' وأصلح ارجواشي

اخوال دمشق وأوقف المنكرات وأغلق الخمارات مستعيئًا بالشيخ ابن دل

مه م

١١‏ السلوك ج ١‏ ص 48م

() المصدر السايق ص 44/

() المصدر السايق ونفس الصفحة

(54) السلوك ج ١‏ ص .4٠٠‏ البداية والنهاية ج ١4‏ ص ١١ء‏ النجوم الزاهرة ج 4 ص ١78‏ مرآة الجنان ج ؟: ص ١"7؟‏ .448-449.م ,3 06هم ,طامم ه11

(6) السلوك ج ١‏ ص 240٠‏ البداية والنهاية ج ١4‏ ص ١١‏

فض

في مستهل صفر ٠٠/اه/‏ ١170م‏ وردت الأخبار بقصد التتار بلاد الشامء وأنهم عازمون على دخول مصر «فانزعج الناس لذلك وازدادوا ضعمًا على ضعفهمء وطاشت عقولهم وألبابهم» وشرع الناس في الهرب إلى بلاد مصر والكرك والشوبك والحصون المنيعة فبلغت أجرة الحمارة إلى مصر خمسمائة وبيع الجمل بألف والحمار بخمسمائة وبيعت الأمتعة والثياب والمفلات بأرخص الأثمان» وجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ثاني صفر بمجلسه في الجامع وحرض الئاس على القتال» وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك» ونهى عن الاسراع في الفرار» ورغب في اناق الاموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم» وأن ما ينفق في اجرة الهرب إذا أنفق في سبيل الله كان خيرّاء وأوجب جهاد التتار حتمًا في هذه الكرة» وتابع المجالس في ذلك» ونودي في البلاد لا يسافر أحد إلا بمرسوم وورقة ‏ جواز أو تصريح ‏ فتوقف الناس عن المسير وسكن جأشهم» وتحدث الناس بخروج السلطان من القاهرة بالعساكر ودقت البشائر لخروجهء لكن كان قد خرج جماعة من بيوتات دمشق كبيت ابن حصري وبيت (ابن فضل الله وابن منجا وابن سويد وابن الزملكاني وابن جماعة).

وفي أول ربيع الآخر قوي الارجاف بأمر التتارء وجاء الخبر بأنهم قد وصلوا إلى البيرة ونودي في البلد أن تخرج العامة مع العسكرء وجاء مرسوم النائب من المرج بذلك» فاستعرضوا في اثناء الشهر فعرض نحو خمسة آلاف من العامة بالعدة والأسلحة على قدر طاقتهم» وقنت الخطيب ابن جماعة في الصلوات كلهاء واتبعه أئمة المساجد وأشاع المرجفون بأن التتار قد وصلوا إلى حلب وأن نائب حلب تقهقر إلى حماة» ونودي في البلد تطييب قلوب الناس واقبالهم على معايشهم» وأن السلطان والعساكر واصلةء إلا أن الأخبار جاءت بعد قليل بأن السلطان الناصر محمد رجع إلى مصر بعد أن خرج منها قاصداً الشام» فكثر الخوف» واشتد الحال» وكثرت الامطار وصارت بالطرقات من الأوحال والسيول ما يحول بين المرء وبين ما يريده من

رفضل

الانتشار في الأرض والذهاب فيها فإنا لله وانا إليه راجعون.

وخرج كثير من الناس خحفاقًا وثقالاً يتحملون بأهليهم وأولادهم والمديئة خير لهم لو كانوا يعلمون» وجعلوا يحملون الصغر في الوحل الشديد والسمشقة على الدواب والرقاب» وقد ضعفت الدواب من قلة العلف مع كثرة الأمطار والزلق والبرد الشديد والجوع وقلة الشيء» فلا حول ولا قوة إلا بالله.

واستهل جمادي الاولى والناس على خطة صعبة من الخوف» وتأخر السلطان واقترب العدوء وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في مستهل هذا الشهرء وكان يوم السبت إلى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم النصرء والظفر على الاعداء وتلا قوله تعالى #ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفى غفور ١7‏ وبات عند العسكر ليلة الأحد ثم عاد إلى دمشق وقد سأله النائب والأمراء أن يركب على البريد إلى مصر يستحث السلطان على المجيء فساق وراء السلطان؛ وكان السلطان قد وصل إلى الساحل فلم يدركه إلا وقد دخل القاهرة وتفارط الحال» ولكنه استحثهم على تجهيز العساكر إلى الشام إن كان لهم به حاجة» وقال لهم فيما قال: إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانًا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن» ولم يزل بهم حتى جردت العساكر إلى الشام» ثم قال لهم: لو قدر أنكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصرء فكيف وأنتم حكامه وسلاطيئه وهم رعايكم وأنتم مسؤولون عنهم؛ وقوى جأشهم وضمن لهم النصر هذه الكرة» فخرجوا إلى الشام» فلما تواصلت العساكر إلى الشام فرح الناس فرحا شديدًا بعد أن كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأحوالهم.. ورجع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في السابع والعشرين من جمادي الأولى على البريد» وأقام بقلعة مصر ثمانية أيام يحثهم على الجهاد والخروج إلى العدوء وقد اجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة فأجابوه إلى الخروج”) وهكذا تكون وقفة رجال الإسلام وشيوخهء لهم رأى وموقف في كل الأمور

5 سورة الحج: آية‎ )١( ١1-154 البداية والنهاية ج‎ )1(

رضن

لأن السيادة اصلاً للإسلام ورأيه وإن لم يكن هذا فاعلم أن الأمة والدولة تكون قد جانبت الإسلام ولا تنتمي إليه والشيخ ابن تيمية حركة دائمة يتكلم عن الحق والواجب امام السلطان والوزراء والأمراء ولا يخشى في الله لومة لائم.

م

طلب التتار الصلح ٠ولاه)/‏ ٠1م‏

حاول غازان ملك التتار التحالف مع ملوك أوربا الصليبية من أجل الحصول على مساعدات تلك الدول ليزيد فى قوته من أجل محاربة المسلمين مع أنه يدّعي الإسلام واسمه محمودًا كما هو الحال مع معظم حكام العالم الإسلامي اليوم؛ ووصلت رسائله مع سفرائه إلى ملكي انجلترا وفرنساء ولكن هذه السفارات عادت دون أن تحقق أي نجاح مما اضطر غازان إلى أن يطلب الهدنة من سلاطين المماليك حتى يستطيع خلال هذه الهدنة من اعداد قواته ومن ثم أرسل رسله إلى الأمير سيف الدين قبجق نائب الشام للحديث مع السلطان الناصر محمد بن قلاوون في هذا الشأن» فعلم السلطان الناصر بوصول رسل غازان إلى الفرات» فأرسل اليهم أحد امرائه لاحضارهم فجاء بهم إلى دمشق في الثالث والعشرين من ذي القعدة ٠٠لاه/‏ اواخر يوليو ١0م‏ وكانوا نحو عشرين رجلاً”'' وانزلهم في قلعة دمشق» واختار من بينهم ثلاثة نفرء وسار بهم إلى مصر وهم كمال الدين موسى بن يونس قاضي الموصل» وناصر الدين علي خواجا ورجل آخر من المغول فوصلوا القاهرة في منتصف ذي الحجة ١٠٠اه/‏ اغسطس ١70١م‏ وقبل أن يقابلوا السلطان اجتمعت الامراء والعساكر بقلعة الجبل بكامل لباسها وأفخر ثيابها ثم جلس السلطان وبين يديه ألف شمعة. واصطف المماليك صفين في الطريق الذي مر به الرسل إلى حضرة الملك الناصر محمد» فلما حضر الرسل قام قاضي الموصل وخطب خطبة بليغة موجزة في معنى الصلح دعا فيها للسلطان الناصر

- عإزينل.ء لي ٠‏ هع ٠.‏ ولغازان وللأمراءء ثم أخرج كتابًا من غازان مختوما لم يفتح”" ثم فت

.97 ص 4169. الدر الفاخر ص 65»؛ تاريخ سلاطين المماليك بمصر ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( (؟) .457.ص بأققم رطاره؟ده11‎

مانا

الكتاب بعد يومين» وكان مكتوبًا باللغة المغولية فترجم إلى اللغة العربية وقرىء على أهل الدولة» وكان يتضمن أن عساكر مصر دخلت في العام الماضي أطراف بلاد غازان»: وأفسدت فيهاء فأنف غازان من ذلك» وقدم إلى الشام وهزم العساكر الإسلامية» ثم عاد فلم يخرج إليه أحد فرجع حتى لا يخرب البلاد وأنه مستعد للحرب والقتال» ودعا الناصر محمد بعد ذلك إلى عقد الصلح بين المغول في فارس والمماليك إلا أنه كان يهدد ويتوعد إن لم يتم ابرام الصل-”' .

ويفهم من خطاب غازان أنه حاول أن يبرر غزوه لبلاد الشام كما أنه يحمل صيغة التهديد في حالة عدم تجاوب المماليك لطلب الصلح والمهادنه» وبعد قراءة خطاب غازان اجتمع الناصر برجال دولته. وأخذ رأيهم فيما يفعل فاستدعوا كمال الدين قاضي الموصل ونخطيبها وهو أحد سفراء غازان وقالوا له «أنت من أكابر العلماء وخيار المسلمين» وتعلم ما يجب عليك من حقوق الإسلام والنصيحة للدين ما نتقاتل إلا لقيام الدين» فإن كان هذا الأمر قد قعلوه جبلة ودهاء فنحن نحلف لك بالله أن ما يطلع على هذا القول أحد من خلق الله تعالى فأقسم القاضي لهم «أنه لا يعلم عن غازان غير الرغبة في الصلح وتأمين التجار والمسافرين» ثم زاد على ذلك بقوله «والمصلحة أنكم تنفقون وتبقون على ما أنتم عليه من الاهتمام بعدوكم» فإن كان هذا الأمر خديعة فيظهر لكمء وإن كان الأمر صحيحًاء فتكوئون قريبًا منهم فينتظم الصلح وتحقن الدماء فيما بينكم» وكان لهذا الحديث أحسن الأثر في نفوس المماليك وأيقنوا أن هذا القاضي لم يحد عن طريق الحق» وأنه بذل النصح لهم''' ومن ثم استقر رأيهم على كتابة رسالة إلى غازان ردًا على رسالته الدين محمد ابن التيتي”" وقد فند السلطان الناصر في رسالته إلى غازان ادعاءات التتار وكذبها واثبت له أن المغول هم البادون بالعدوان على

(؟) الدر الفاخر ص (") المصدر السابق ص 55

احضن

المسلمين وقال أيضًا في رسالته أنه لن يرسل هدية إلى غازان حتى يبدأ غازان بذلك وعاب على غازان فعله بالمسلمين في دمشق ويلاد الشام وتخريبه للمساجدء وختم السلطان رسالته يأنه مستعد للصلح والمصادقة إذا جنح غازان للسلم وأبعد الكفار الذين لا يحل له أن يتتخذهم بطانة له.

وقبل سفر الرسل إلى غازان قرر السلطان الناصر محمد في يوم الأحد تاسع عشر المحرم سنة ١٠١لا‏ ه/ سبتمبر ١10١م‏ على جميع الأمراء والمقدمين في مصر الخروج إلى الصيد نحو العباسة”"' .

وخرج السلطان ومعظم الجيش بكامل ملابسهم وعدتهم في يوم الاثنين العشرين من المحرم ١٠اه/‏ سبتمبر ام ثم طلب القضاة من القاهرة فحضروا إليه واجتمعوا بالسلطان في بركة الحجاج ثم عاد القضاة الاربعة إلى القاهرة وشرعوا في تجهيز الرسل إلى غازان ووصل الناصر وأصحابه والجيش إلى الصالحية» وكانوا في احسن منظر. وخلع السلطان على الأمراء والمقدمين أريعمائة وعشرين ا

وأذهل رسل التتار بما رأوا من نظام وحسن هيئة الجيش الإسلامي ما لم يكن عند التتارء ومن الواضح أن هدف السلطان من ذلك العرض الذي قرر الخروج فيه للصيد أن يرى رسل التتار مدى قوة جيش المماليك واستعداده للقتال حتى يخبروا غازان بما رأواء ثم حضر رسل التتار بين يدي السلطان في الليل في معسكره والشموع مشتعلة» وتحدثوا معهم ساعة ثم اعطوهم جواب السلطان إلى غازان وخلعوا عليهم وأعطوا لكل منهم عشرة آلاف درهم وقماشًا وغير ذلك» وسار معهم بالرسالة الأمير حسام الدين ازدمر المجيري وشمس الدين محمد بن التيتي وعماد الدين علي بن عبد العزيز بن

)١(‏ العياسة: وهي أول قرية يلقاها القادم من بلاد الشام إلى مصر بمركز الزقازيق بالشرقية» وسميت بهذا الاسم نسبه إلى العباسة بنت أحمد بن طولون كانت خرجت مع قطر الندى بنت أخيها لما تزوجت من الخليفة المعتضد بالله العباسي وهناك في ذلك المكان ضربت الخيام قبل مسير قطري الندى إلى بغداد فسميت القرية باسم العباسة وأنها قامت في خيمة في نفس المكان: انظر ‏ النجوم الزاهرة ج 4 ص ١4١‏ حاشية ١‏

(؟) النجوم الزاهرة ج 4 ص ١511-154١‏

يفانا

عبد الرحمن ابن عبد العلي بن السكري في طريقهم إلى غازان وذلك في المحرم ٠ءلاه/‏ سبتمبر ١‏ ين

موقعة عرص ؟دله/ 157م:

قدم البريد العسكري من حلب بأن غازان ملك المغول على عزم الزحف إلى بلاد الشامء فوقع الاتفاق على خروج الجيش لمواجهة العدو وعيّن من الأمراء بيبرس الجاشنكير وطريل الاياني وكراي المنصوري وبيبرس الدوادار وسنقر شاه وحسام الدين لاجين الرومي ومعهم قواتهم وثلاثة آلاف من الأجناد فساروا في ثامن عشر رجب 5٠ل/اه/‏ مارس 0 وتواترت الأخبار ينزول غازان على الفرات» ووصل عسكره الرحبه وأراد منازلتها بنفسهء وكان النائب بها الأمير علم الدين سنجر الغتمي» فلاطفه وخرج إليه بالاقامات وقال ل «هذا المكان قريب المأخذء. والملك يقصد المدن الكبارء فإذا ملكت البلاد التي هي أمامك فنحن لا نمتنئع عليك» حتى كف عنه ورجع عابرًا الفرات بعد أن أخذ ولده ومملوكه رهنًا على الوفاء. وبعث غازان فطلو شاه من أصحابه على عساكر عظيمة إلى الشام تبلغ ثمانين الما وكتب إلى الأمير عز الدين أيبك الافرم نائب دمشق يرغبه في طاعته.

أما العسكر المصري فقد دخل الأمير بيبرس الجاشنكير إلى دمشق بمن معه في نصف شعبان» وكتب يستحث السلطان على الخروج وأقبل الناس من حلب وحماه إلى دمشق خائفين من التتارء فاستعد أهل دمشق للفرار ولم يبق إلا خروجهم» فنودي بها من خرج حل ماله ودمه) وخرج الأمير بهادر أهي والأمير قطلوبك المنصوري وأئص الجمدار على عسكر إلى حماة» ولحق بهم عسكر طرايلس وحمص » فاجتمعوا على حماة عند العادل كتبغا.

وبلغ العدو المغولي اجتماع الأمراء بقواتهم على حماة فأرسل العدو وطائفة كبيرة إلى القريتين فأوقعوا بالتركمان فهاجمهم المسلمون في ألف

.58 النجوم الزاهرة اج ماص 175 تاريخ سلاطين المماليك يمصر ص‎ )١(

رضنا

وخمسمائة فارس فطرقوهم بمنزلة عرض”""2. في حادي عشر شعبان على غفله» وافترقوا عليهم أربع فرق وقاتلوهم قتالاً شديد من نصف النهار إلى العصر حتى أفنوهم» وكانوا فيما يقال نحو أربعة آلاف وانقذوا التركمان بحريمهم وأولادهم وهم نحو ستة آلاف أسير ولم يفقد من العسكر إلا الأمير أنص الجمدار المنصوري ومحمد بن ياشقرد الناصري وستة وخمسين من الأجناد» وعاد من انهزم إلى فطلوشاه» وقد أسر العسكر مائة وثمانين من التتار» وكتب إلى السلطان بذلك ودقت البشائر بدمشق» وكان السلطان الناصر محمد خرج من مصر بقواته ومعه الخليفة العباسي المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بعد أن استناب بمصر الأمير عز الدين أيبك البغدادي وذلك في شعبان 7١اه/‏ ابريل 1076م وكان الانتصار الإسلامي في موقعة عرض مهم جدًا في رفع الروح المعنوية عند المسلمين فتشجعوا على قتال العدو بعد أن كانوا يئسوا من النصر بعد الهزيمة التي لحقت بهم من قبل في وادي الخازندار» وكان الانتصار الأول كما قال أبو الفدا اعنوان النصر الثانى»”' .

موقعة شقحب - مرج الصفر ؟٠/اه/‏ 1107ام:

وفي ثامن عشر شعبان ١7‏ قدمت طائفة كبيزة من جيش مصر معهم الأمير ركن الدين بيبرس الجاشكنير» والأمير حسام الدين لاجين المعروف بالاستادار المنصوري» ثم قدمت بعدهم طائفة أخرى فقويت قلوب الناس في الشام واطمأنوا ولكن الناس في جفل عظيم من يلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي وتقهقر الجيش الحلبي والحموي إلى حمص ثم خافوا أن يدهمهم التتار فجاءوا فنزلوا المرج يوم الأحد خامس شعبان ووصل التتار إلى

)١(‏ عرض: بلدة في برية الشام بين قدمر والرصافة الهاشمية انظر السلوك ج ١‏ ص 97١‏ حاشية 6 النجوم الزاهرة ج .م4 ص ١08‏ حاشية ١‏

زفق السلوك ج اص 571-8٠‏ البداية والنهاية ج 14 ص 077-17 النجوم الزاهرة ج 4 ص /ا16-مه21 المختصر في اخبار البشر ج ص 258 دول الاسلام ج ١‏ ص ١اكاكء‏ مراة

10

وخافوا خوقًا شديدّاء واختيط البلد لتأخر قذوم السلطان ببقية الجيش» وقال الناس لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم ١‏ وإنما سبيلهم أن يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة» وتحدث الناس بالاراجيف فاجتمع الأمراء يوم الأحد المذكور بالميدان وتحالفوا على لقاء العدو؛ء وشجعوا أنفسهم» وتودي بالبلد أن لا يرحل أحد منهء فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلفوا جماعة من الفقهاء والعافة على القتال» وتوجه الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في التي فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء ا العذى. فاجاتوا إلى ذلك وحلفوا معهم » وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس انكم في هذه الكرة منصورون؛ فيقول له الأمراء: قل إن شاء اللهء فيقول إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى «#ثم بغي عليه لينصرنه الله6”" .

وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتار من أي قبيل هوء فانهم يظهرون الإسلام وليسوا بغاة على الامام» فائهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفره: فقال الشيخ تقي الدين: هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية» ورأوا أنهم أحق بالأمر منهماء وهؤلاء يزعمون أنهم أحق باقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم»ء وهم متلبسون ما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفه» فتفطن العلماء والناس لذلك» وكان يقول للناس: إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني» فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد”"' .

وهذا موقف إسلامي كريم وهو أن الئاس لا يقاتلون إلا غير المسلمين في حين نرى في عصرنا دولاً وشعوبا تذّعي الإسلام تشارك مع اليهود وأهل السيل لي اك يلزه إااضة ركرك يف يتن بحن رانا خزر امسق ليقاتل المسلمين» وما جزاء هؤلاء إلا القتل والشواهد من الادلة التاريخية

5 سورة الحج: آية‎ )١( ١1-77” (؟) البداية والنهاية ج 1:5 ص‎

ارين

المبنية على احكام شرعية تؤيد ذلك.

ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسورة من ناحية الكسوة. ومعهم القضاة» فصار الناس فيهم فريقين فريق يقولون إنما ساروا ليختاروا موضعًا للقتال فإن المرج فيه مياه كثيرة» فلا يستطيعون معها القتال» وقال فريق: إنما ساروا لتلك الجهة ليهربوا وليلحقوا بالسلطان» فلما كانت ليلة الخميس ساروا إلى ناحية الكسوة فقويت ظنون الناس في هربهم» وقد وصلت التتار إلى قارة» وقيل انهم وصلوا إلى القطيعةء فانزعج الناس لذلك انزعاجًا شديدّاء ولم يبق حول القرى والحواضر أحدء وامتلأات القلعة والبلد وازدحمت المنازل والطرقات» واضطرب الناس وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة وصحيته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معهء فظنوا أنه إنما خرج هاربًا فحصل اللوم من بعض الناس وقالوا أنت منعتنا من الجفل وها أنت هارب من البلد؟ فلم يرد عليهم وبقى البلد ليس فيه حاكم» وجلس اللصوص والحرافيش فيه» وفي بساتين الناس يخربون وينتهبون ما قدروا عليه» واستمر اضطراب البلاد حتى وصل السلطان الناصر محمد إلى بلاد الشام فاطمأن الناس وسكنت وني

وبوصول السلطان الناصر في يوم السبت ثاني رمضان اطمأن الناس فاستقيله الأمراء. فورد عند لقائهم به الخبر بوصول التتار في خمسين ألقًا مع قائدهم قطلوشاه نائب غازان فلبس العسكر الإسلامي بأجمعه السلاحء واتفقوا على المحاربة بشقحب تحت جبل غباغب”'©؛ وكان قطلوشاه قد وقف على أعلى النهر. فوقف في القلب السلطان وبجانبه الخليفة والأمير سلار النائب والأمير بيبرس الجاشتكير» وعز الدين أيبك الخازندار وسيف

)١(‏ البداية والنهاية ج ١54‏ ص 4؟-70

)١(‏ غباغب: قرية فى أول عمل حوران من نواحي دمشق» بينهما ستة فراسخ: ياقوت الحموي معجم البلدان ج 7 ص 4171١‏ أما شقحب فهي قرية في أول عمل حوران من نواحي بدمشق بيئهما ستة فراسخ وهي في الشمال الغربي من غباغب: السلوك ج ١‏ ص 477 حاشية +

تقرس

الدين بكتمر أمير جاندار وجمال الدين أقوشي الأفرم نائب الشام وبرلغي وأيبك الحموي» وبكتمر البوبكري وفي الميمنة الإسلامية الحسام لاجين استادار ومبارز الدين سوار وغيرهم وفي الجناح الأيمن الأمير قبجق يعساكر حماة والعربان وفي الميسرة الإسلامية الأمير بدر الدين بكتاشي الفخري أمير سلاح والأمير قراسنقر بعساكر حلب» ووقف الجميع في موقعه ومعه قواته ومشى السلطان والخليفة بجانبه ومعهما القراء يتلون القرآن ويحثون على الجهاد ويشوقون إلى الجنة» وصار السلطان يقفء ويقول الخليفة (يا مجاهدون. لا تنظروا لسلطانكم» قاتلوا عن حريمكم وعلى دين نبيكم يدا والناس في بكاء شديدء ومنهم من سقط عن فرسه إلى الأرض» وتواصى بيبرس وسلار على الثبات في الجهادء وعاد السلطان إلى موقفه» ووقف الغلمان والجمال وراء العسكر صمًا واحدّاء وقيل لهم: «من خرج من الاجناد عن المصاف فاقتلوه» ولكم سلاحه وقوه ةا

«فلما تم الترتيب زحفت كراريس التتار كقطع الليل» بعد الظهر من يوم السبت المذكور. وأقبل قطلوشاه بمن معه من التوامين”"' وحملوا على الميمنة وقاتلوهاء فثبتت لهم وقاتلتهم قتالاً شديدّاء وقتل الحسام لاجين استادار؛ وآخرين من الأمراء وألف من الفرسان فادركهم الأمراء من القلب ومن الميسرة» وصاح سلار: «هلك والله أهل الإسلام» وصرخ في بيبرس والبرجية طائفة من المماليك ‏ فأتوه وصدم بهم قطلوشاه وأبلى ذلك اليوم هو وبيبرس بلاءٌ عظيمًا إلى أن كشفا التتار عن المسلمين.

وكانت الأمراء لما قتلت بالميمنه انهزم من كان معهم» ومرّت التتار خلفهم» فجفل الناس وظنوا أنها كسرةء وأقبل السواد الأعظم على الخزائن السلطانية فكسروها ونهبوا ما بها من الأموال حتى لا تقع في أيدي العدوء وجفل النساء والأطفال» وكانوا قد خرجوا من دمشق عند خروج الأمراء منهاء وكشف النساء عن وجوهن وأسبلن الشعورء وضج ذاك الجمع العظيم

9-985 ص‎ ١ السلوك ج‎ )١( التوامين: أو الطوامين جمع تومان أو طومان. وهي الفرقة التي يبلغ عددها عشرة آلاف‎ )( ١ ص ”47 حاشية‎ ١ مقاتل. السلوك ج‎ رسن‎

بالدعاء؛ وقد كادت العقول أن تطيش وتذهب عند مشاهدة الهزيمة» فلم ير شيء اعظم منظرًا من ذلك الوقت إلى أن وقف كل من الطائفتين عن القتال.

ومال قطلوشاه قائد التتار بمن معه إلى جبل قريب منه» وصعد عليه وفي نفسه أنه انتصرء وأن بولاي أحد قادة التتار في أثر المنهزمين يطلبهم» فلما صعد الجبل نظر السهل والوعر كله عساكرء والميسرة السلطانية الإسلامية ثابته وأعلامها تخفق فبهت وتحير واستمر بموضعه حتى كمل معه جمعه وأتاه من كان خلف المنهزمين من الميمنة الإسلامية ومعهم عدة من المسلمين قد أسروهم» منهم الأمير عز الدين أيدمر نقيب المماليك السلطانية فأحضره قطلوشاه وسأله: «من أين أنت؟» فقال «من امراء مصر؛ وأخبره بقدوم السلطان الناصر محمد ولم يعلم قطلوشاه بقدوم السلطان بعساكر مصر إلا منه. فجمع قطلوشاه أصحابه وشاورهم فيما يفعل» وإذا بكوسات السلطان والأمراء والبوقات قد رجفت بحسّها الأرض وأزعجت القلوب» فلم يثبت بولاي أحد مقدمي التتار»ء وخرج من تجاه قطلوشاه في نحو العشرين ألقّاء ونزل من الجبل بعد المغرب ومر هاربا .

وبات السلطان وسائر العساكر على ظهور خيولها والطبول تضرب وتلاحق به من انهزم شيئًا بعد شيء؛ وهم يقصدون ضرب الطبول السلطانية والكوسات الحربية» وأحاط عسكر السلطان الناصر محمد بالجبل الذي بات عليه التتار؛ وصار بيبرس والأمير قبجق والأمراء الأكابر في طول الليل دائرين على الأمراء والأجناد يرهبونهم ويرتبونهم ويكثرون من التأكيد عليهم في التيقظ وأخذ الأهبة» فما طلع الفجر يوم الأحد إلا وقد اجتمع شمل عساكر السلطان ووقف كل أحد في مصافه مع أصحابه» والجفل والأثقال قد وقفوا على بعدء وكانت رؤيتهم تذهل. وثبتوا على ذلك حتى ارتفعت الشمس. وشرع قائد التتار قطلوشاه في ترتيب قواته التي بقيت معهء ونزلوا مشاة وفرسانًا وقاتلوا العساكر. فبرزت المماليك السلطانية بمقدميها إلى قطلوشاه وجوبان» وعملوا فيهم عملاً عظيمًا: تارة يرمونهم بالسهامء وتارة يهاجمونهم» واشتغل الأمراء أيضًا بقتال من في جهتهم. وصاروا يتناوبون القتال أميرًا بعد أميرء وألحت المماليك السلطانية في القتال واستقتلوا حتى

رضن

أن فيهم من قتل تحته الثلاثة رؤوس من الخيل. وما زال الأمر على ذلك حتى انتتصف نهار يوم الأحدء وصعد قطلوشاه الجبل» وقد قتل منه نحو ثمانين رجلاً» وجرح الكثير» واتفق أن بعض من أسروه نزل إلى السلطان وعرّفه أن التتار قد أجمعوا على النزول في السّحر ومصادمة الجيش وأنهم في شدة من العطش . فاقتضى الرأي أن يفرج لهم عند نزولهم ثم يركب الجيش أقفيتهم .

فلما باتوا على ذلك وأصبح نهار يوم الاثنين» ركب التتار في الرابعة ونزلوا من الجبل» فلم يتعرض لهم أحدء وساروا إلى النهر فاقتحموه» وعند ذلك ركبهم بلاء الله من المسلمين» وأيدهم بنصره حتى حصدوا رؤوس التتار عن أبدانهم» ومروا في أثرهم إلى وقت العصر وعادوا إلى السلطان» فسرحت الطيور بالنصر إلى غزة ‏ موضع الجهاد الأول ضد اسرائيل الآن - ومنع المنهزمين من التوجه إلى مصرء وتتبع من نهب الخزائن السلطانية والاحتفاظ بهء وعين الأمير بدر الدين بكتوت الفتاح للمسير بالبشارة إلى مصرء وسار من وقته وكتب إلى دمشق وسائر القلاع بالبشارة.

ثم ركب السلطان في يوم الاثنين من مكان الواقعة وبات ليلته بالكسوة وأصبح يوم الثلاثاء خامس الشهر ‏ رمضان ‏ وقد خرج إليه أهل دمشق» فسار إليها ومعه الخليفة في عالم من الفرسان والعامة والأعيان والنساء والصبيان لا يحصيهم إلا من خلقهم سبحانه وهم يضجون بالدعاء والهناء وتساقطت عبرات الناس» ودقت البشائرء وكان يومًا لم يشاهد مثلهء إلى أن نزل السلطان بالقصر الأبلق ونزل الخليفة بالتربة الناصرية وقد زينّت المدينة'"؟.

واستمر الأمراء المسلمين في أثر التتار إلى القريتين» وقد كلت خيول التتار وضعفت نفوسهم وألقوا أسلحتهم » واستسلموا للقتل والعساكر تقتلهم بغير مدافعة حتى أن أراذل العامة والغلمان قتلوا منهم خلمًا كثيرٌاء وغنموا عدة غنائم ‏ وقتل الواحد من العسكر العشرين من التتار فما فوقهاء» وادركت عربان البلاد التتار وأخذوا في كيدهم: فيجيء منهم الاثنان والثلاثة إلى العدة

)١(‏ السلوك ج ١‏ ص ”0415-4177 النجوم الزاهرة ج 4 ص 117-١617‏ البداية والنهاية ج ١4‏ ص 77-4 المختصر في أخبار البشر ج 5 ص 48

وض

الكثيرة من التتار كأنهم يسيرون بهم في البر من طريق قريبة إلى الليل» ثم يدعونهم وينصرفون» فتتحير التتار في البرية وتصيح فتموت عطشًا وفيهم من فر إلى غوطة دمشق» فتتبعهم الناس وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا .

وخرج إلى البر حتى جمع من استشهد من المسلمين» ودفنهم في موضع واحد بغير غسل ولا كفن وبنى عليهم قبة ثم قبض على رجل من امراء حلب كان قد انتمى إلى التتار وصار يدلّهم على الطرقات» فسمر على جمل وشهر بدمشق وضواحيها واستمر الناس طول شهر رمضان في مسرات تتجدد. وصلى السلطان صلاة عيد الفطر وخرج من دمشق في ثالث شوال يريد مصرًا ووصل إلى القاهرة في الثالث والعشرين من شوال 7٠/اه‏ وكان الناس قد تفاخروا في الزينة ونصبوا القلاع ‏ اقواس النصر ‏ وأقبل أهل الريف إلى القاهرة للفرجة على قدوم السلطان وعلى الزينة» فإن الناس أخرجوا الحلى والجواهر واللآلي وأنواع الحرير فزينوا بذلك» ولم ينسلخ شهر رمضان حتى تهيأ أمر القلاع» وعمل ناصر الدين محمد بن الشيخي الوالي قلعة يباب النصر فيها سائر أنواع الجد والهزل» ونصب عدة أحواض ملأها بالسكر والليمون» وأوقف مماليكه بشربات حتى يسقوا العسكرء نعم أنهم جديرون بهذا الاحتفال والاحتفاء والتكريم انهم عائدون من ميدان الجهاد الحق ضد التتار وقد انتصروا عليهم.

فقدم السلطان إلى القاهرة» فلما وصل إلى باب النصر ترجل سائر الأمراء ومشى كل امير في منزلته وفرش كل منهم الشقق من قلعته إلى قلعة غيره فكان السلطان إذا تجاوز قلعة فرشت القلعة المجاورة لها الشقق حتى يمشي عليها بفرسه مشيًا هيئًا لأجل مشى الأمراء بين يديه» كلما رأى قلعة امن اام عن المشي حتى يعاينها ويعرف ما اشتملت عليه هو والأمراء؛ هذا والأسرى من التتار بين يديه مقيدون ال 0 رقابهم» زألك رامو يهان النن رية وعدة الأسرى ألف وستمائة في أعناقها ألف وستمائة رأس وطبولهم قدامهم مخرقة""".

درق السلوك ج ١‏ ص مت النجوم الزاهرة ج م4 ص م16 -/؟ا ا

نتائج موقعة شقحب/ مرج الصغر "٠لاه:‏

ولقد كان لموقعة شقحب نتائج بالغةء إذ فقد التتار آلافًا منهم بين قتيل وأسير» ولم يعبر قطلوشاه مقدم التتار نهر الفرات إلا في القليل من أصحابهء وعلم غازان ملك مغول فارس بهزيمة جيشه امام السلطان الناصر محمد وقواتهء فانتشر الحزن في بلادهم وخرج أهل تبريز وغيرها من المدائن إلى لقاء من عاد من جيش التتار سالمًا لاستجلاء الخبر اليقين» إذ كان للهزيمة أثر سيء على أنفسهم وهم الذين كانوا يدعون بأنهم قوم لا يعرفون الهزيمة» واستمر الحزن في تبريز شهرين على من فقد في شقحب واغتم غازان غمًا عظيمًا لما علم بهزيمة جيشه حتى اقترب من الموت ثم جلس غازان لمحاكمة قطلوشاه وجوبان وسوناي ومن كان معهم من الأمراء والقادة» فأنكر غازان على قطلوشاه الهزيمة وأمر بقتله فتوسط له بعض الأمراء حتى عفا عنه» ثم أبعده عنه إلى جيلان وضرب غازان بولاي وأهانه.

وأما المسلمون فقد نالوا: من السرور مالا يوصف وارتفعت روحهم المعنوية وحمدوا الله كثيرًا على انعامه النصر وتأييده لجيش الإسلام في مواجهة جيش التتار كما أرسل السلطان الناصر رسالة إلى ملك المغول بعد هزيمة قواته في موقعة شقحب 5٠لاه/‏ 17١1م‏ وأخبره فيها بما جرى على جيوشه التي امتلاً من قتلاهم فسيح الأرض والفضاء حتى عفت لحومهم الوحوش. وتوفى غازان ملك المغول في الثالث عشر من شوال ”*٠لاه/‏ مايو “107١م‏ وقيل في وفاته أنه اصيب بحمى بعد أن علم بهزيمة جيشه في مرج الصفر بشقحب وقيل إنه مات مسمومًا فتولى الملك بعده أخوه نخدابندا .

مواقف بطولية للشيخ ابن نيمية : كان للشيخ ابن تيمية نشاطه المعروف في تحريض المسلمين على الجهاد كما أنه كان دائمًا إلى جانب رأي الإسلام وأن خالف ذلك رغبات أصحاب السلطان والأمراء» وهو في هذه المعركة يقوم بدور نشط فعندما تحدث الناس قرضن

بالاراجيف خوقًا من التتارء فاجتمع الأمراء وتحالفوا على لقاء العدو وشجعوا أنفسهم» ونودي بالبلد أن لا يرحل أحد منهء فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلف جماعة من الفقهاء والعامة على القتال» وتوجه الشيخ تفي الدين بن تيمية إلى الجيش الواصل من حماه» فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الأمراء والناس انكم في هذه الكرة منصورون فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقًا وكان يتأول فى ذلك أشياء من كتاب الله . ١‏

وبعد الانتصار في معركة شقحب عاد في يوم الاثنين رابع شهر رمضان الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى دمشق ومعه أصحابه من الجهاد؛ ففرح الناس به ودعوا له وهنئوه بما يسر الله على يديه من الخير»ء وذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق» فسار إليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصرء فجاء هو واياه جميعًا فسأله السلطان أن يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة أن يقف الرجل تحت راية قومهء ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهمء وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو انكم منصورون عليهم في هذه المرة» فيقول له الأمراءء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقاء وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضّاء وكان يدور على الاجناد والأمراء فيأكل من شيء يده ليعلمهم أن افطارهم يقويهم على القتال أفضل فيأكل الناس. وهكذا نرى الشيخ المجاهد المثالي الذي يتصدى للباطل بكل قوة» وكان مجاهدًا صادًا لا يريد جامًا ولا مالا ومركرًا أدبيًا أو مكانة دنيوية» فهو عند الله في أعلى المراتب» وأن قبول العالم المسلم أو الشيخ الفقيه أو القاضي لشيء يجعله يتجاوز حدود الشريعة فإنه يكون ساقطا لا يليق به حمل اسم عالم في الشريعة» وما اكثر هؤلاء في عصرنا الذين يبيعون دينهم بدنياهم. ويخشون السلطان اكثر من خشيتهم للخالق العظيم. فأين الذين يتقدمون الصفوف اليوم» واين الذين يقفون في وجه المنتكر والباطل» اين الذين يحرمون النفاق السياسي والاجتماعي والوظيفي . لقد تطرف رجال يقال أنهم من رجال الدين فاحلوا حرامًا وحرموا

يخا

خللا وأعانوا كقارًا وَفجَارًا وجاروا خلن ‏ رجال تفاة وابر0

وهكذا استمرت مسيرة الجهاد والقتال ضد اعداء الإسلام عامة والتتار خاصة حتى انتشر الإسلام بين جموع التحار وخف بذلك العداء بين التتار والمماليك وساهمت دولة المماليك بدور كيير وفعال في ادخال الوسلام ونشره عند التتار» وصار الإسلام دين التتار الرسمي بعد أن هزمت المسيحية في مواجهة الإسلام ورغم المحاولات المتكررة من قبل البابوية والدول الأوروبية المسيحية لنشر المسيحية بين قبائل المغول والتتارء فإن تلك المحاولات لم تحقق نتائج ملموسة إلا في أضيق الحدود وهذا ليس بغريب فإن الإسلام الحقيقي الذي جاء على يد الرسول كل لا ينافسه دين آخرء لانه الدين الحق» والنفس البشرية بفطرتها تدرك صحة هذا الدين ومن ثم فإن العبودية تكون لله رب العالمين.

71-177 ص‎ ١4 البداية والنهاية ج‎ )١( انرون‎

(لفصل الثاني عثر حملة تيمور لنك على بلاد الشام

تيمور لنك من المغول وكان مولده سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا ايلفار من عمل كشي" أحد مدائن ما وراء النهرء وبعد هذه البلدة عن مديئة سمرقند يوم واحدء وقيل أن والده كان اسكافًا وقيل بل كان أميرًا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ”") وكان أحد أركان دولته وأن أمه كانت من ذرية جنكيزخان» وقيل كان للسلطان حسين المذكور أربعة وزراء» فكان أبو تيمور أحدهم ‏ وولى تيمور بعد موته مكانه عند السلطان حسين وأصل تيمور من قبيلة بر لاص .

وقيل أن أول ما عرف من حال تيمور أنه كان يتجرم ‏ يرتكب الجرائم - فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليهرب بها فانتبه الراعي وضربه بسهم فأصاب كتفه. ثم ردفه بآخر فلم يصبه؛ ثم بآخر فأصاب فخذه وعمل فيه الجرح الثاني الذي في فخذه حتى عرج منه ولهذا سمي تمرلنك لأن «لنك» باللغة العجمية اعرج» وأما اسمه الحقيقي ف (تمر) بلا النك» فلما أعرج تمر أضيف إليه «لنك» ولما تعافى أخذ في ارتكاب السرقات على عادته وقطع الطريق» وصحبه في هذه جماعة عدتهم أونغوة رحلة” :

ثم تطور حاله فقاتل السلطان حسين حتى هزمه واحتاط على ما كان معه» واضاف من بقي من العسكر عليه» فعظم جمعه وكثر ماله واستولى )١(‏ كشي: إحدى مدن ما وراء النهر وهي مديئة خصيبة جدا تدرك فيها الفواكه أسرع ما تدرك في

سائر ما وزاء النهر. النجوم الزاهرة ج ١7‏ ص ١54‏ حاشية ٠‏

(7) بلخ: مدينة مشهورة بخراسان: النجوم الزاهرة ج ؟1 ص 556 () المصدر السابق ص 5606

أكرضن

على الممالكء ولا زال حتى قبض على السلطان حسين بعد أن أمنه وقتله فهذا أول عظمتهء واستمر في جبروته وانتضاراته على جميع من كان حوله من الممالك وحقق الانتصارات ثم أخذ تيمور في الاستيلاء على مملكة بعد مملكة حتى ملك العراقين وهرب منه السلطان أحمد بن أويس» ودمر وأخرب غالب العراق: مثل بغداد والبصرة والكوفة وأعمالهم» ثم ملك غالب أقاليم ديار بكر وأخرب بها أيضًا عدة بلاد.

ثم قصد البلاد الشامية في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ثم رجع خائمًا من الملك الظاهر برقوق إلى بلاده فبلغه موت فيروز شاه ملك الهند عن غير ولد فاغتنم تيمور لنك هذه الفرصة وسار من سمرقند في ذي الحجة سنة ثمانمائة إلى مولتان وحاصر ملكها سارنك خان ستة أشهر وكان في عسكر سارنك خان ثمانماية فيل حتى ملكها.

ثم سار تيمور لنك إلى الهند وبينما القتال بين الفريقين شديدًا بلغ تيمور

موقف السلطان فرج والعلماء من هجوم تيمور لنك على الشام :

أرسل السلطان العثماني إلى السلطان المملوكي كتابًا يتضمن اجتماع الكلمة وأن يكون مع السلطان عونا على قتال هذه الطاغية تيمور لنك» ليستريح الإسلام والمسلمون منه» وأخذ يتخضع ويلح في كتابه على اجتماع الكلمة» فلم يلتفت أحد إلى كلامهء وقالت امراء مصر يوم ذاك الآن صار صاحبناء وعندما مات استاذنا الملك الظاهر برقوق مشى على بلادئاء وأخذ ملطية من عملناء فليس هو لنا يبصاحب» يقاتل هو عن بلاده ونحن نقاتل عن بلادنا ورعيتناء وكتب له عن السلطان بمعنى هذا اللفظ. وكان ما قاله أبو يزيد بن عثمان من اكبر المصالح» فإنه حدثني فيما بعد الأمير اسبئاي الظاهري الزردكاشي”''» وكان أسره تيمور وحظى عنده وجعله زردكاشه قال:

)١(‏ الزردكاشي: الصانع المقيم بالسلاح خان لاصلاح العدد وهي لفظة أعجمية ومعناها صائع الزرد. النجوم الزاهرة ج ١17‏ ص 7١؟‏ حاشية ١‏

3

قال لي تيمور لنك ما معناه: أنه لقي في عمره عساكر كثيرة وحاربها ‏ لم ينظر فيها مثل عسكرين» عسكر مصر وعسكر ابن عثمان المذكور» غير أن عسكر مصر كان عسكرًا عظيمًا ليس له من يقوم بتدبيره لصغر سن الملك الناصر فرج» وعدم معرفة من كان حوله من الأمراء بالحروب» وعسكر ابن عثمان المذكورء غير أنه كان أبو يزيد صاحب رأي وتدبير واقدام لكنه لم يكن له من العساكر من يقوم بنصرته. قلت: ولهذا قلت إن المصلحة كانت تقتضى الصلح مع أبي زيد بن عثمان المذكورء فإنه كان يصير للعساكر المصرية من يديرهاء ويصير لأبن عثمان المذكور عساكر مصر مع عساكره عوناء فكان تيمور لا يقوى على مواقعتهم» فإن كلا من العسكرين كان يقوى على دفعه لولا ما ذكرناه فما شاء الله كان.

وبعد أن كتب لابن عثمان بذلك لم يتأهب أحد من المصريين لقتال تيمورء ولا التفت إلى ذلك بل كان جل قصد كل أحد منهم ما يوصله إلى سلطنة مصر وابعاد غيره عنهاء ويدع الدنيا تنقلب ظهرًا لبطن» فإنه مع ورود هذا الخبر المزعج بلغ السلطان والأمراء أن الأمير قاني باي العلائي الظاهري أحد امراء الطبلخانات ورأس نوبة يريد اثارة فتنة» فطلبه السلطان وأمره يلبس التشريف بنيابة غزهء فامتنع من لبسهء فأمر السلطان به فقبض عليه وسلم للأمير آقباي الحاجب» فأخذه ونزل إلى داره وأقام عنده إلى آخر النهارء فاجتمع عليه طائفة من المماليك السلطائية يريدون أخذه من آقباي الحاجب غصبًا فخاف آقباي وطلع به إلى القلعة فطلب السلطان الأمراء وتشاوروا على قتله فاتفقوا على ابقائه في امرته ووظيفته. وهذا حال مضطرب أدى لانشغال الدولة عن مواجهة تيمور لنك» وكان أن ورد في خامس عشرين المحرم هم البريد على السلطان من حلب بأخذ تيمور ملطيه”' ثم وصل من الغد البريد أيضًا بوصول اوائل عسكر تيمور لنك إلى مدينة عينتاب» وفي الكتاب : أدركوا المسلمين وإلا هلكواء فاستدعى السلطان بعد يومين الخليفة

)١(‏ ملطية: مدينة من بناء الإسكندر فيه جامعها من بناء الصحابة وهي من بلاد الروم مشهورة» تتاخم الشام: مراصد الاطلاع ج ٠"‏ ص 11١١8‏

"5١

والقضاة والأمراء وأعيان الدولة» وعلموا أن تيمور لنك وصلت مقدمته إلى مرعشي وعينتاب» وكان القصد بهذا الجمع أخذ مال التتجار اعانة على النفقة في العساكرء فقال القضاة: أنتم أصحاب الأمر والنهي وليس لكم فيه معارض» وإن كان القصد الفتوى في ذلك فلا يجوز أخذ مال أحد يخاف على العساكر من الدعاءء فقيل لهم نأخذ نصف الأوقاف من البلادء نقطعها للأجناد البطالين» فإن الأجناد قلت لكثرة الأوقاف. فقال القضاة: وما قدر ذلك؟ ومتى عمدتم على البظالين في الحرب» خيف أن يؤخذ الإسلام» وطال الكلام في ذلك حتى استقر الرأي على ارسال الأمير اسئبنا الدواداري لكشف الأخبار» وتجهيز عساكر الشام إلى جهة تيمور لنك» وسار أسنبنا في خامس صفر من سنة ثلاث المذكورة على البريد. ووقع التخذيل والتقاعد لاختلاف الكلمة وكثرة الآراء7' .

هذا وأهل البلاد الشامية في أمر لا يعلمه إلا الله تعالى» مما داخلهم من الرعب والخوف» وقصد كل واحد أن يرحل من بلدهء فمنعه من ذلك حاكم يلذه ووعد بيحضور العساكر المصرية والدفاع عنهم .

وهكذا باتت دولة المماليك مهددة بغزو تيمور لنك وتواترت الأخبار يزحف العدو نحو الشامء وقد اجتمع بحلب سائر واب البلاد الشاميه» واستحثوا السلطات على الخروج بالعساكر من مصر إلى البلاد الشامية ثم اجتمع الأمراء والنواب على قتال تيمور وتهيأ كل منهم للقائه بعد أن يئسوا من مجيء السلطان وعساكره لعلمهم بعدم رأي مدبري مملكة مصر من الأمراء ولصغر سن السلطان» وقد فات الأمر وهم في قلة إلى الغاية بالنسبة إلى عساكر تيمور وجنوده وجموعه وكان الأفنضل خروج السلطان من مصر بعساكره ووصوله إلى حلب قبل رحيل تيمور من سيواسء لأن امتناع السلطان وامرائه عن الخروج للجهاد كان يعطي معاني الضعف والخوف وعدم الاهتمام بالمصلحة العامة.

718 ص‎ ١1 النجوم الزاهرة ج‎ )١(

بدن

ونيتما "رات رن اصلاح شأنهم للقتال» نزل تيمور لنك بعساكره على قرية جيلان7١‏ ' خارج حلب في يوم الخميس تاسع شهر ربيع الأول واحاط بمدينة حلب وأصبح من الغد في يوم الجمعة وزحف على مدينة حلب وأحاط بسورهاء فكانت بين أهل حلب وتيمور في هذين اليومين حروب كثيرة ومناوشات بالنشاب والنفوط والمكاحل» وركب أهل حلب أسوار المدينة وقاتلوه أشد قتال.

استيلاء ثيمور لنك على حلب 7١مه:‏

فلما اشرقت القمين يوم البيت حادي عدرة خرج نواب الشام بجميع عساكرهاء وعامة أهل حلب إلى ظاهر مدينة حلب» وعبأوا الاطلاب ني ووقف سيدى سودون نائب دمشق بمماليكه» وعساكر مشق في الميمنة ووقف دمرداش نائب حلب بمماليكه وعساكر حلب في 0 ة ووقف بقية النواب في القلب» وقدموا أمامهم أهل حلب المشاة» فكانت هذه التعبئة من أسوأ التعابي؛ وزحف تيمور لنك بقواته وصدم عساكر حلب صدمة هائلة فالتقاه النواب وثبتوا لصدمته أولاً ثم انكسرت الميسرة وثبت سودون نائب الشام في الميمئة وأردفة شيخ نائب ا عظيمّاء وبرز الأمير عز الدين أزدمر أخو الأتابك اينال اليوسفي وولده يشبك بن ازدمر في عدة عن الفرضات وقد باكرا نفوسهم في سبيل الله ؛ وقاتلوا قتالاً شديدًا وأبلوا بلاء عظيمًا

ولكن لم تمض غير ساعة حتى ولت العساكر الشامية منهزمة يريدون مديئة حلب وركب اصحاب تيمور أقفيتهم» فهلك تحت حوافر الخيل من البشر ومن أهل حلب وغيرها من المشاة مالا يدخل تحت حصرء فإن أهل حلب خرجوا منها لقتال تيمور حتى النساء والصبيان وازدحم الناس مع ذلك

)١(‏ جيلان: إن بلاد كيلان في وطأة من الأرض يحيط بها أربعة حدود من الشرق اقليم مازندران» ومن الغرب موقان» ومن الجنوب عراق العجم» ومن الشمال بحر طبرستان» ومبانيها من الآجر وبها حمامات يجري إليها الماء من الأنهار وبها المساجد والمدارس وتسمى الخوانق» صبح الأعشى ج 4 ص 78٠‏

رخين

في دخولهم إلى أبواب المدينة وداس بعضهم بعضًا حتى صارت الرّمم طول قامةء» والناس تمشي من فوقهاء وقصد نواب الممالك الشامية قلعة حلب وطلعوا إليها فدخلها معهم خلائق من الحلبيين وكانوا قبل ذلك قد نقلوا إليها سائر أموال الناس يحلب.

هذا وقد اقتحم عساكر تيمور لنك مدينة حلب في الحال واشعلوا فيها النيران وأخذوا فى الأسر والنهب والقتلء فهرب سائر نساء البلد والأطفال إلى جامع حلب وبقية المساجدء فمال أصحاب تيمور عليهن» وربطوهن بالحبال أسرى» ثم وضعوا في الأطفال» فقتلوهم بأسرهمء وشرعوا في تلك الأفعال القبيحة على عادتهمء وصارت الأبكار تفتض من غير تسترء والمخدّرات يفسق فيهن من غير احتشام» بل يأخذ التتري الواحدة ويعلوها في المسجد والجامع بحضرة الجم الغفير من أصحابه ومن أهل حلب فيراها أبوها وأخوها وزوجها وولدها ولا يقدر أن يدفع عنها لقلة مقدرته» ولشغله بنفسه بما هو فيه من العقوبة والعذاب ثم ينزل عنها الواحد فيقوم لها الأخر وهي مكشوفة العورة.

ثم بذلوا السيف في عامة حلب واجنادها حتى أمتلات الجوامع والطرقات بالقتلى» وجافت حلب؛» واستمر هذا من صحوة نهار السبت إلى أثناء يوم الثلاثاء رابع عشر ربيع الأول» هذا والقلعة في أشد ما تكون من الحصار والقتال» وقد نقبها عسكر تيمور من عدة اماكن» وردم خحندقها ولم يبق إلا أن تؤخذ. فتشاور الأمراء والنواب والأعيان الذين بالقلعة» فأجمعوا على طلب الأمان» فأرسلوا لتيمورلنك بذلك» فطلب تيمور نزول بعض النواب إليهء فنزل إليه دمرداش نائب حلب» فخلع عليه» ودفع إليه أمانا وخلعا إلى النواب» وأرسل معه عدة وافرة من أصحابه إلى قلعة حلب» فطلعوا إليها واخرجوا النواب منها بمن معهم من الأمراء والأعيان» وجعلوا كل اثنين في قيد» وأحضروا الجميع إلى تيمور واوقفوا بين يديهء فنظر اليهم طويلاً وهم وقوف بين يديه ورئيسهم سودون نائب الشام ونالوا من التوبيخ مالا يوصف.

5

ثم سيقت إليه نساء حلب سباياء واحضرت إليه الأموال والجواهر والاللات الفاخرة» ففرقها على امرائه وأخصائه» واستمر النهب والسبى والقتل بحلب في كل يوم مع قطع الأشجار وهدم البيوت واحراق المساجدء وعمل تيمور من رؤوس المسلمين منائر عدة مرتفعة من الأرض نحو عشرة أذرع في دور عشرين ذراعاء حسب ما فيها من رؤوس بني آدم فكان زيادة على عشرين ألف رأسء ولما بنيت جعلت | اع هنة 6 عشرين ألف راسء» ولما بنيت جعلت الوجوه بارزة يراها من يمر بها" '.

استيلاء تيمورلنك على حماة 7٠/ه:‏

ثم رحل تيمور من حلب بعد أن اقام بها شهراً وتركها خاوية على عروشها خالية من سكانها وأنيسهاء قد خربت وتعظلت من الأذان والصلوات؛ وأصبحت خرابًا مظلمة بالحريق موحشة قفراء لا يأويها إلا البوم والرخم» وسار تيمور قاصدًا جهة دمشق» فمر بمدينة حماه وكان أخذها ابنه ميران شاهء وكان من خبرها أن ميران شاه بن تيمور نزل عليها بكرة يوم العلاثاء رابع عشر شهر ربيع الأول “8ه واحاط بها بعساكره بعد أن نهب خارج مدينة حماه» وسبى النساء والأطفال» وأسر الرجال» واستمرت أيدي أصحابه يفعلون في النساء والأبكار تلك الأفعال القبيحة؛ وخربوا جميع ما خرج عن سور المدينة هذا وقد استعد أهل حماة للقتال وركب الناس سور المدينة وامتنعوا من تسليم المديئة وباتوا على ذلك» فلما أصبحوا خادعهم ابن تيمورء ففتحوا له بايا من أبواب المدينة» ودخل ابن تيمور ميران شاه حماه ونادى بالأمان» فقدم الناس عليه» وقدموا له انواع المطاعم» فقبلها منهم وعزم أن يقيم رجلاً من أصحابه عليهاء فقيل له: أن الأعيان قد خرجوا منهاء فخرج إلى مخيمه وبات به» ثم رحل يوم الخميس عنها ووعد الناس بخير » ومع ذلك فإن قلعة حماة لم يتسلمهاء بل كانت امتنعت عليه.

فلما كان ليلة الجمعة نزل أهل القلعة وقتلوا من أصحاب ميران شاه رجلين كان أقرهما بالمدينة» فلما بلغ ذلك ابن تيمور رجع إليها واقتحم البلد» وأشعل النار بهاء وأخذ أصحابه يقتلون ويأسرون وينهبون حتى صارت

710-1577 ص‎ النجوم الزاهرة ج‎ )١( ع3‎

كمدينة حلب» غير أنه كان رفق بأهل حلب فإنه كان سأل قضاة حلب لما صاروا في أسره عن قتاله ومن الشهيد من العسكرين؟ فأجاب محب الدين محمد بن محمد بن الشحنة الحنفي بأن قال: سئل رسول الله وك عن هذاء فقال: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو شهيد»» فأعجبه ذلك وحادثهم فطلبوا منه أن يعو عن أهل حلب» ولا يقتل أحدء فأمنهم جميعًا وحلف لهم؛ فحصل بذلك بعض رقق بالنسبة إلى غيرهم .

وهنا لا بد من الاشارة إلى شيء هام يحدث في عصرناء نرى الكثيرين من أهل الإسلام حكامًا ومحكومين يقاتلون إلى جانب القوات الامريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها من جيوش قرر القرآن الكريم أنها جيوش الكفرء رن اح كو إمدا رات ل ب ساي تحقيقًا لاهداف ا الات لقوى اي 5 الولاية بصريح القرآن الكريم مرفوضة ومن فعلها يكون قد انتقل من دار الإسلام إلى دار الكفر.

استيلاء تيمورلنك على دمشق *ءمه:

وأما أهل دمشق» فإنه لما قدم عليهم الخبر بأخذ حلب نودي في الناس بالرحيل من ظاهرها إلى داخل المديئة» والاستعداد لقتال العدو المخذول فأخذوا في ذلك» فقدم عليهم المنهزمون من حماة» فعظم خوف أهلها وهمّوا بالجلاء؛ فمنعوا من ذلك ونودي «من سافر نهب» فعاد إليها من كان خرج منهاء وحصنت دمشق ونصب المجانيق على قلعة دمشق ونصبت المكاحل”) على أسوار المديئة» واستعدوا للقتال استعدادًا جيدًا إلى الغاية.

ثم وصلت رسل تيمور إلى نائب الغيبة'"' بدمشق ليتسلموا منه دمشقء

)١(‏ مكاحل البارود: هي المدافع التي يرمي عنها النفط» وهي أنواع فمنها يرمي بأسهم عظام تكاد تخترق الحجر وبعضها يرمي بندق من حديد زنته ما بين عشرة أرطال إلى ما يزيد عن ماثة رطل وهي صناعة إسلامية متقدمة في زمانها؛ النجوم الزاهرة ج ١7‏ ص 7177 حاشية ؟

(؟) نائب الغيبة : وهو نائب السلطان أو نائب نائبهء وله حرية التصرف في الحكم: صبح الأعشى اج 4 ص ١7‏

مدعا

فهم نائب الغيبة بالفرار» فرده العامة ردًا قبيحَاء وصبح الناس واجمعوا على الرحيل عنهاء واستغاث النساء والصبيان» وخخرجت النساء حاسرات لا يعرفن أين يذهبن» حتى نادى نائب الغيبة بالاستعداد. وقدم الخبر في أثناء ذلك بمجيء السلطان إلى البلاد الشامية» ففتر عزم الناس عن الخروج من دمشق ما لم يحضر السلطان.

وفي مصر خرج الشيخ سراج الدين عمر البلقينى وقضاة القضاة والحاجب ونودي في شوارع القاهرة: «الجهاد في سبيل الله تعالى لعدوكم الأكبر تيمورلنك. فإنه أخذ البلاد ووصل إلى حلب وقتل الأطفال على صدور الأمهات؛ وأخرب الدور والجوامع والمساجد وجعلها اسطبلات للدواب» وأنه قاصدكم» يخرب بلادكم» ويقتل رجالكم»؛ فاضطربت القاهرة لذلك واشتد جزع الناس» وكثر بكاؤهم وصراخهم وانطلقت الآلسنة بالوقيعة في اعيان الدولة.

ثم استعد السلطان للخروج إلى بلاد الشام وسار حتى نزل بغزة في يوم عشرين من الشهر واستدعى بالوالد”'2 ورأى السلطان ضرورة أن يسير إلى دمشق فدخلها في يوم الخميس سادس جمادي الأولى 801ه»ء وكان لدخوله يوم مهول من كثرة صراخ الناس وبكائهم والابتهال إلى الله بنصرته» ووقع القتال بين الفريقين وجرت اتصالات لعقد الصلح ولكن بدون فائدة لعدم الثقة في تيمورلنك» ولكن جماعة من امراء السلطان المملوكي عادوا إلى ما كانوا عليه من التشاحن في الوظائف والاقطاعات والتحكم في الدولة» وتركوا أمر وغيرهم وترتب على ذلك عودة السلطان الناصر فرج إلى مصر ومعه جماعة من الأمراء من غير أن يعلم العسكر به #وتركوا العساكر والرعية من المسلمين غنمًا بلا راع» فانهارت الروح المعنوية بسبب تراجع السلطان والأمراء؛ والواقع أن هذا الخذلان وهذا الانسحاب غير جائز شرعًاء بل هو من الكبائر

(1) الوالد: هو والد جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغرى بردى الأتابكي والذي ألف كتاب النجوم الزاهرة وهو شاهد عيان لهذه الأحداث.

لا"

فالتولي يوم الزحف أي الهروب اثم لا يغفر لصاحبه لأن الحرم يقع على البلاد والعباد بعامه.

وأما العساكر الذين خلفوا بدمشق من أهل دمشق وغيرهاء فإنه كان اجتمع بها خلائق كثيرة من الحلبيين والحمويين والحمصيين وأهل القرى ممن خرج جافلاً من تيمور.

ولما أصبحوا يوم الجمعة وقد فقدوا السلطان والأمراء والنائب غلقوا أبواب دمشقء وركبوا اسوار المديئة» ونادوا بالجهاد فتهي أهل دمشق للقتال» وزحف عليهم تيمور بعساكره» فقاتله الدمشقيون من أعلى السور أشد قتال»ء وردوهم عن السور والخندق» وأسروا منهم جماعة ممن كان اقتحم باب دمشق» واخذوا من خيولهم عدة كبيرةء» وقتلوا منهم نحو الألفء وادخلوا رؤسهم إلى المدينة» وصار أمرهم في زيادة فأعيا تيمور أمرهمء وعلم أن الأمر يطول عليه» فأخذ في مخادعتهم» وعمل الحيلة في أخذ دمشق منهم. وجرت اتصالات بين الجانبين من أجل الصلح وسعى ابن مفلح قاضي القضاة في دمشق في التوسط حتى حصل على الأمان من تيمور وهو ورقة فيها تسعة أسطر يتضمن أمان أهل دمشق على أنفسهم وأهليهم خاصةء فقرىء الفرمان المذكور على منبر جامع بني أمية بدمشق وفتح من أبواب دمشق باب الصغير فقطء وقدم أمير من أمراء تيمورء جلس فيه ليحفظ البلد ممن يعبر إليها من عساكر تيمورء فمشى ذلك على الشاميين وفرحوا به؛ واكثر ابن مفلح ومن كان توجه معه من أعيان دمشق الثناء على تيمور وبث محاسنه وفضائله. ودعا العامة لطاعته وموالاته» وحثهم بأسرهم على جمع المال الذي تقرر لتيمور عليهم وهو الف الف دينار» ولم يكتف تيمور بهذا بل طلب المزيد من الأموال؛ ولم يسلم أحد من الناس من دفع المال ثم جاء شاه ملك أحد أمراء تيمور إلى مدينة دمشق على أنه نائبًا من قبل تيمور ثم بعد جمعتين منعوا من اقامة الجمعة بدمشق لكثرة غلبه أصحاب تيمور بدمشق» كل ذلك ونائب القلعة ممتنع يقلعة دمشق» وأعوان تيمور تحاصره أشد حصار حتى سلمها بعد تسعة وعشرين يومّاء وقد رمى عليها بمدافع ومكاحل لا تدخل تحت حصرء يكفيك أن عسكر تيمور من أعظم ما أعياهم أمر قلعة دمشق بنوا تجاه القلعة

كن

قلعة من خشبء فعند فراغهم من بنائها وارادوا طلوعها ليقاتلوا من أعلاها من هو بالقعلة» رمى أهل قلعة دمشق نفطًا فأحرقوها عن آخرهاء فأنشئوا قلعة ثانية أعظم من الأولى وطلعوا عليها وقاتلوا أهل قلعة دمشق» هذا وليس بالقلعة المذكورة من المقاتلة إلا نفر يسير دون الأربعين نفرّاء وطال عليهم الأمر ويئسوا من النجدة وطلبوا الأمان» وسلموها بالأمان وقال المؤرخ الكبير نقلاً عن والده شاهد العيان لتلك الأحداث: قلت: لا شلّت يداهم! هؤلاء هم الرجال الشجعان» رحمهم الله تعالى وكان تيمورلنك شديد البأس» لا يرحمء يريد افقار أهل الشام من كل شيء حتى يضعفوا عن قتاله ولهذا عندما تكامل حصول المال الذي هو ألف ألف تومان» أخذه قاضي القضاة ابن مفلح وحمله إلى تيمورء فقال تيمور لابن مفلح وأصحابه: هذا المال بحسابنا إنما هو يسوى ثلاثة آلاف الف دينار» وقد بقي عليكم سبعة آللاف دينار» وظهر لي انكم عجزتم» وكان تيمور لما اتفق أولاً مع ابن مفلح على ألف ألف دينار يكون ذلك على أهل دمشق خاصة:» والذي تركته العساكر المصرية من السلاح والأموال يكون لتيمورلنك» فخرج إليه ابن مفلح بأموال أهل مصر جميعها فلما صارت كلها إليه وعلم أنه استولى على أموال المصريين الزمهم باخراج أموال الذين فرّوا من دمشق» فسارعوا أيضًا إلى حمل ذلك كلهء وتدافعوا عنده حتى خلص المال جميعه.

فلما كمل ذلك الزمهم أن يخرجوا إليه جميع ما في البلد من السلاح جليلها وحقيرهاء فتتبعوا ذلك وأخرجوا له حتى لم يبق بها من السلاح شيء» فلما فرغ ذلك كله قبض على ابن مفلح ورفقته؛ وألزمهم أن يكتبوا له جميع خطط دمشق وحاراتها وسككهاء فكتبوا ذلك ودفعوه إليه ففرقه على امرائه» وقسم البلد بينهم» فساروا إليها بمماليكهم وحواشيهم ونزل كل أمير في قسمه وطلب من فيهء وطالبهم بالأموال فحينئذ حل بأهل دمشق من البلاء ما لا يوصف» وأجرى عليهم أنواع العذاب من الضرب والعصر والاحراق بالنار والتعليق منكوساء وغمٌ الأنف بخرقة فيها تراب ناعم كلما تنفس دخل في أنفه حتى تكاد نفسه تزهق» فكان الرجل إذا أشرف على الهلاك يخلى عنه حتى يستريح» ثم تعاد عليه العقوبة أنواعًاء فكان المعاقب يحسد رفيقه الذي هلك

ان

تحت العقوبة على الموت» ويقول: ليتني أموت واستريح مما أنا فيه؛ ومع هذا كله تؤخذ نساؤه وبناته وأولاده الذكور» وتقسم جميعهم على أصحاب ذلك الأميرء فيشاهد الرجل المعذب امرأته أو بنته وهي توطأ وولده وهو يلاط به»ء يصرخ هو من ألم العذاب» والبنت والولد يصرخان من إزالة البكارة ا وكل ذلك من غير تستر في النهار بحضرة الملأ من الناس» ورأى أهل دمشق انواعًا من العذاب لم يسمع بمثلهاء منها أنهم كانوا يأخذون م ل ومنهم من كان يضع الحبل بكتفي الرجل ويلويه بعصاه حتى تخلع الكتفان» ومنهم من كان يريط إنهام عدي المعدت من وراء ظهرة ثم ايلقيه على ظهرةتريذر في منتجريه الزماد مسحوقًا فيقر على ما عنده شيئًا بعد شيء حتى إذا فرغ ما عنده لا يصدقه صاحبه على ذلك» فلا يزال يكرر عليه العذاب حتى يموت» ويعاقب ميثًا فخافه أن يتماوت» ومنهم من كان يعلق المعذب بابهام يديه في سقف الدار ويشعل النار تحته» ويطول تعليقه فربما يسقط فيهاء فيسحب من النار ويلقوه على الأرض حتى يفيق ثم يعلقه ثانيًا .

واستمر هذا البلاء بأهل دمشق تسعة عشر يومًا آخرها يوم الثلاثاء ثامن عشرين شهر رجب 7١٠8ه»‏ فهلك في هذه المدة بدمشق بالعقوبة والجوع خلق لا يعلم عددهم إلا الله.

فلما علمت أمراء تيمور أنه لم يبق بالمدينة شيء خرجوا إلى تيمور فسألهم: هل بقي لكم تعلق في دمشق؟ فقالوا: لاء فأنعم عند ذلك بمدينة دمشق على اتباع الأمراء فدخلوها يوم الاربعاء آخر رجب» ومعهم سيوف مسلولة مشهورة وهم مشاة» فنهبوا ما قدروا عليه من آلات الدور وغيرها وسبوا نساء دمشق بأجمعهن» وساقوا الأولاد والرجال وتركوا من الصغار من عمره خمس سئين فما دونهاء» وساقوا الجميع مربوطين في الحبال.

ثم طرحوا النار في المنازل والدور والمساجد» وكان يوم عاصف الريح فعم الحريق جميع البلد حتى صار لهيب النار يكاد أن يرتفع إلى السحاب وعملت النار في البلد ثلاثة أيام بلياليها آخرها يوم الجمعة.

لاق

وكان تيمور ‏ لعنه الله سار من دمشق في يوم السبت ثالث شهر شعبان بعد ما أقام على دمشق ثمانين يومّاء وقد احترقت كلها وسقطت سقوف جامع بني أمية من الحريق وهكذا عم البلاء والعذاب والخراب بلاد الشام مع أن تيمورلنك يدّعي الإسلام ونحن نؤكد أن للمسلم مواصفات فإن فقد هذه المواصفات وتلك الملامح فكيف نسميه مسلمًا مع أن المسلم في الحديث الشريف هو من سلم الناس من لسانه ويده؟

أمر آخر هو حدوث مثل هذه الجرائم في عصرنا في بعض البلاد العربية والإسلامية حتى أن العذاب صب على المؤمنين صباء وذلك البغي ينبغي مواجهته بالجهاد الصادق والقتال الدائم» فإن الظالم لا يحكم بما أنزل الله ومن ثم قتاله مطلوب» فإن الذي يقصر في حد من حدود الله يستحق العقوية الرادعة.

وسبب حدوث البلاء والهزائم في بلاد الشام في تلك المدة هو الموقف السلبي للسلطان والأمراء وعدم مواجهة العدو خوفًا على أنفسهم ومصالحهم» مع أن ما يمكن خسارته في حالة القيام بالجهاد والقتال دائمًا يكون أقل بكثير من خسائر الجيش والأمة في حالة الانهزام واظهار الضعف والتولي يوم الزحف.

وكان السلطان الناصر فرج بعد عودته إلى القاهرة شرع في جمع الأموال ليناء جيش يقاتل به تيمورلنك ثم في خامس شعبان *١٠8ه‏ برز الأمراء المعينون للسفر لقتال تيمور يمن عين معهم من المماليك السلطانية وأجناد الحلقة إلى ظاهر القاهرة إلا أن قدوم الأمير شيخ المحمودي نائب طرابلس فارًا من أسر تيمورلنك إلى الديار المصرية» وأخبر برحيل تيمور إلى بلاده؛ فرسم السلطان بابطال السفرء ورجع كل أمير إلى دارة من خارج القاهرة 60

)20 النجوم الزاهرة ج اص سرك نان ا

نودي في القاهرة في شعبان 8١‏ ه ألا يقيم بها أحد من الأعاجم وأمهلوا ثلاثة أيام وهدد من تخلف منهم بالقاهرة» فلم يخرج أحد واكثر الناس من الكتابة في الحيطان: «من نصرة الإسلام» قتل الأعجام»' كل ذلك وأحوال مصر غير مستقيمة» والأعجام هنا هم غير المسلمين والذين كانوا يثيرون الفتن والدعايات السيئة ويروجون الاشاعات ويعملون ضد الإسلام بطرقهم الخفية ومن هؤلاء اليهود والنصارى الذين اكثروا من الفساد والتأمر وخصوصًا في عصور الجهاد الإسلامي ضد القوى الصليبية ولهذا كانت تصدر المراسيم بضرورة أن يميز أهل الذمة في ملابسهم عن المسلمين فيقول ابن 0 وفي يوم الاثنين قرتت شروط الذمة على أهل الذمة» وألزموا بها تفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات وأخذوا بالصغارء ونودي بذلك فى " وألزم النصارى بالعمائم الزرق واليهود بالصفرء والسامرة بالحمرء ا 0 عن المسلمين!"؟

أما في دمشق وبلاد الشام فقد وصل البريد «في أمر الذمة إلى دمشق يوم الاثنين سابع شعبان» فاجتمع القضاة والاعيان عند الأمير أقشي الأفرم وقرىء عليهم مرسوم السلطان بذلك» فنودي في خامس عشريه أن يلبس النصارى العمائم الزرق واليهود العمائم الصفر والسامرة العمائم الحمرء 0 على المخالفة فالتزم النصارى واليهود بسائر مملكة مصر والشام ما

ا به

كما أن المسلمين في الاسكندرية لما ورد عليهم مرسوم السلطان في أمر الذمة ثاروا بالنصارى وهدموا لهم كنيستين وهدموا دور اليهود والنصارى التي تعلو على دور جيرانهم المسلمين» وحطظموا مساطب حوانيتهم حتى صارت أسفل من حوانيت م )١(‏ ابن كثير: البداية والنهاية ج ١15‏ ص ١١‏

(0) السلوك ج ١‏ ص 017 (7) المصدر السايق ونفس الصفحة.

حمًا ينبغي أن تكون شخصية المسلم مميزة في ملابسه وسلوكياته واقواله وافعاله, لأنه مسلمء والإسلام يريد من المسلم الاستعلاء على سائر اركان الكفر واشكاله وأن تكون السيادة والعلو في كل شيء سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا وما إلى ذلك» واعني بالسيادة الحقيقة الفعلية وليس نصوصًا نقرأها في الدستور والصحف والمجلات.

واليوم بالمقارنة مع الأمس نرى أننا اصبحنا أهل ذمة في كل شيء» غرباء في وطنناء وتحكم في الشؤون كلها أهل الذمة عن طريق مباشر أو غير مباشر حتى أصبحنا كما قال الحديث الشريف: «لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه» وتلك واقعة نفهم منها ما ينبغي أن تكون عليه مع غير المسلمين» قال المقريزي: «وفي رجب كانت وقعة أهل الذمة: وهي أنهم كانوا قد تزايد ترفهم بالقاهرة ومصرء وتفننوا في ركوب الخيل المسوّمة والبغلات الرائعة بالحلى الفاخرة» ولبسوا الثياب السريةء وولوا الاعمال الجليلة» فاتفق قدوم وزير ملك المغرب يريد الحج» واجتمع بالسلطان والأمراء» وبينما هو تحت القلعة إذا برجل راكب فرسًا وحوله عدة من الناس مشاة في ركابه؛ يتضرعون له ويسألونه ويقبلون رجليه» وهو معرض عنهم لا يعبأ بهم بل ينهرهم ويصيح في غلمانه بطردهم» فقيل للمغربي أن هذا الراكب نصراني فشق عليه واجتمع بالأميرين بيبرس وسلار وحلدثهما بما رآه» وأنكر ذلك وبكى بكاء كثيراء وشفع في أمر النصارى وقال: «كيف ترجون النصر والنصارى تركب عندكم الخيول وتلبس العمائم البيضء وتذل المسلمين وتمشيهم في خدمتهم؟ «وأطال القول في الانكار وما يلزم ولاة الأمور من اهنة الذمة وتغيير زيهم» فأثر كلامه في نفوس الأمراءء فرسم أن يعقد مجلس بحضور الحكام واستدعيت القضاة والفقهاء وطلب بطرك النصارى وبرز مرسوم السلطان يحمل أهل الذمة على ما يقتضيه الشرع المحمدي فاجتمع القضاة بالمدرسة الصالحية بين القصرين وندب لذلك من بينهم قاضي القضاة شمس الدين اتحمق الستور حي كاريب وطلب بطرك التصارى وجماعة من اساتفتهم وأكابر قسيسهم وأعيان ملّتهم وديان اليهود وأكابر ملتهم» وسئلوا عما أقروا عليه في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من عقد الذمة» فلم يأتوا

يكن

عن ذلك بجوابء وطال الكلام معهم إلى أن استقر الحال على أن النصارى الخيل والبغال» ومن كل ما منعهم منه الشارع. وألزموا بما شرطه عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه» فالتزموا ذلك» وأشهد عليه البطرك وديانهم: «أوقعت الكلمة على سائر اليهود في مخالفة ذلك والخروج عنه» وانفض المجلسء وطولع السلطان والأمراء بما وقع فكتب إلى أعمال مصر والشام به.

ولما كان يوم خميس”'' العهدء وهو العشرين من شهر رجب جمع النصارى واليهود بالقاهرة ومصر وظواهرهماء ورسم ألا يستتخدم أحد منهم بديوان السلطان :ولا يذواوين الأمراء وآلا يركوا خيلا ولا خالا وأن يلتزموا سائر ما شرط عليهمء ونودي بذلك في القاهرة ومصرء. وهدد من خالفه بسفك دمه فانحصر النصارى من ذلك» وسعوا بالأموال في ابطال ما تقرر فقام الأمير بيبرس الجاشنكير في امضاء ما ذكر قيامًا محمودًا وصمم تصميمًا زائدًا. فاضطر الحال بالنصارى إلى الاذعان وأسلم أمين الملك عبدالله بن العنام مستوفي الصحبة وخلق كثير» حرصًا منهم على بقاء رياستهم» وأنفة من لبس العمائم الزرق وركوب الحميرء وخرج البريد بحمل النصارى واليهود فيما بين دمقلة من النوبة والفرات على ما تقدم ذكره»””»

هكذا ينبغي أن يميز المجتمع المسلم» وينبغي أن يكون المسلم معروفا من خلال أخلاقه وتصرفاته واقواله وأفعاله وملبسه وينبغى أن يعرف غير المسلم حتى يمكن اتقاء شرهء فهم اقوام لا يمكن الاطمئنان اليهم» وكثيرًا ما تأمروا ضد المسلمين» وتعاونوا مع الصليبيين في الباطن والظاهرء ومالوا إلى الاستعمار الأوروبي بحكم الدين وعلاوة على ما تقدم هل رأينا في دستور من

)١(‏ خميس: هذا اليوم من الأعياد المسيحية بمصرء وموعله قبل الفصح بثلاثة أيام؛ ويسميه العامة باسم خميس العدسء» وكان من الأعباد الرسمية العامة في أيام الفاطميين: راجم المقريزي: المواعظ والاعتبار ج ١‏ ص 410-4650

41٠١ ص‎ ١ السلوك ج‎ )١(

52

دساتير الدول غير الإسلامية نصًا أو مرسومًا يراعي حقوق المسلمين» وهل انتم اليوم من الإسلام في شيء» فقد فرطتم بالأركان وكيف الفروع! لقد تحولنا في القرن العشرين خاصة إلى نوع جديد من المسلمين» لاحمية فيهم» ولا غيرة على دين أو عرض حتى اصبحت القوانين وضعية وعلى منهج الدول الاوروبية؛ بل تحكم في سياسة بلاد الإسلام أهل الذمة داخليًا وخارجيّاء وبات المسلم الحريص على إيمانه كالقابضش على الجمر مع أنه يعيش في عواصم الخلافة الإسلامية» وصار جورج وحنا وشامير يرسم للمسلمين الطريق الذي يريدونه» بل لحق أهل الإسلام الايذاء والعذاب والتشهير حتى ترضى المسيحية واليهودية والشيوعية والوثنية فهل انتم مسلمون!

«خاتمه؛

هكذا انتهى أعداد هذا الكتاب حول جهاد دولة المماليك الإسلامية ضد الصليبين والتتارء هذه الدولة التي نشأت وسط ضجيج المعارك وصرخات الله اكبر اثناء معركة المنصورة 544ه/ ١10١م‏ فكان الانتصار الكبير على لويس التاسع ملك فرنسا قائد الحملة الصليبية السابعة» وقادت هذه الدولة حركة الجهاد الإسلامي في البر والبحر ضد عدوين شرسين وكبيرين في وقت واحد هما الصليبيون والتتارء ونجحت في القضاء عليهما بقوة واقتدار» بل أخذت تنطلق في البر والبحر لتعيد للقوة الإسلامية سابق عهدها من الحيوية وارهاب العدو كما ارادها الله» وبكل فخر نقول إن سلاطين المماليك كانوا اكثر فهمًا واوسع ادراكًا للأهداف الصليبية والاطماع الأجنبية» فهم الذين فهموا أن الكشوف الجغرافية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين إنما هي حرب جديدة ضد الإسلام تحت شعار آخر يقوم على الحصار الاقتصادي والتبشير للنصرانية وتضليل المسلمين» ولهذا لا غرابة إذا رأينا السلطان قانصوه الغوري يرسل قواته البحرية عام /١6١8‏ 4١15م‏ إلى الهند لقتال البرتغاليين الذين اكتشفوا طريق رأس الرجاء الصالح حول افريقيا لايقاع الضرر بالمسلمين وتطويقهم من ناحية الشرق» علاوة على ما ارتكبوا من مذابح ضد المسلمين في سواحل شرق افريقيا يا والخليم العربي قإن وقفة الدولة المملوكية والتي تدل على عمق المفاهيم الإسلامية بأن أمة الإسلام أمة واحدة لا تحدها حدود جغرافية أو موانع سياسية أو فقرًا اقتصاديّاء رحم الله أولئك على ما فعلوا في سبيل الله وعلى النقيض اليومء أفسد المعتدون في بلاد الإسلام رقا وغربًا ولم يزداد المسلمون إلا تنافرًا واختلامًا وزادت دولهم عددًا واعلامًا وقل أثرهم, وزاد الوهن فيهم حتى حاربوا المجاهدين وقتلوا المصلحي: ولم يثأروا لعرض أو أرض أو مقدساتء بل أصبحوا لله معاندين وللمشركين موالين وموادعين حتى ضاقت الأرض بما رحبت على عياد الرحمن وقالوا متى نصرالله .

وتوقف الجهاد وأصبحت الأمة الإسلامية في حيرة من أمرها واختلطت نان

الأمور واتضح للجميع سوء النوايا وضعف الإيمان وترك حكم الإسلام ويكفي بالقرآن الكريم دليلاً فهو القائل في سورة المائدة: #إنا انزلنا التوراة فيها هُدىٌ ونُورٌ يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون204' ,

«إوكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون6”''. «وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون4”" وقوله سبحانه محذرًا من التعاون والتحالف وموالاة اليهود والنصارى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض» ومن يتولهم منكم فإنه منهم» إن الله لا يهدي القوم الظالمين46”' .

والقرار القرآني بأن الذين لا يحكمون بالشريعة الإسلامية ولا يتخذونها منهاجًا للحياة في جميع المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية وفي السلم والحرب. هؤلاء ليسوا مسلمين » ولا يخفي على أحد أن معظم الدول الإسلامية اليوم لا تحكم بالإسلام» بل تحاربه وتعاديه والأكثر من هذا تقوم بموالاة اليهود والنصارى وهم بهذا يكونون منهم ليزدادوا كفرًا على كفرهمء والمعروف أن موالاة اليهود والنصارى تعني خروج المسلم من أمة الإسلام وانتقاله إلى أمة اليهود والنصارى. ومن أمثئلة الموالاة اعتراف كثير من الدول الإسلامية باسرائيل رغم اغتصابها لأرض الإسلام في فلسطين وعدوانها على القدس الشريف واعتدائها على المسلمين.

55 سورة المائدة آية رقم‎ )١( 56 (؟) سورة المائدة آية رقم‎ سورة المائدة آية رقم /ا5‎ )7( سورة المائدة آية رقم‎ )4(

ومن القضايا الهامة للجهاد الإسلامي قضية وحدة الأمة الإسلامية والمعنى الذي اراده القرآن الكريم في قوله سبحانه: #إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون4”" وقوله تعالى أيضًا : «إوإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فائقون4”"". وبكل صراحة ووضوح هل يقصد بالأمة الواحدة دولة إسلامية واحدة بقيادة سياسية ودينية واحدة يحكمها الإسلام وتختفي فيها الحدود وتذوب فيها القوميات الجاهلية وتخرج لنا أمة واحدة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله. وهل يمكن القول إن ما يطلقون عليه اليوم اسم العالم الإسلامي ينسجم مع معنى الأمة الإسلامية الواحدة التي ارادها الله سبحانه وتعالى» وإذا كان عدد الدول الإسلامية قريبًا من الخمسين دويلة» لكل منها دستورها ورئيسها وقياداتها وحدودها السياسية بمعنى أنها ليست جزءًا من جسم الأمة لأنه مبتور بفعل الاستقلال الوهمي والحدود السياسية والتوجهات الاستبدادية» ويؤكد هذا الواقع عدم الاحساس بالمسؤولية نحو الآخرين. ووضع كل العراقيل امام المسلمين في الحركة والانتقال والعمل وما إلى ذلك .

وهل يعني وجود خمسين رئيس دولة إسلامية وخمسين وزير دفاع أو حرب وخمسين وزير داخلية وخمسين وزير خارجية وخمسين مجلس وزراء وخمسين مجلس وبرلمان وخمسين قانون وضعي الادستور4 وخمسين راية وخمسين شعار وخمسين صوت في 'المنظمات العالمية والدولية والمؤتمرات» ومئكات محطات الاذاعة والتلفزيون المتعارضة اقول هل هذا هو معنى ما ورد فى الآيتين الكريمتين السابقتين وقررتا أن المسلمين أمة واحدة» ناهيك عن سوء العلاقات بين هذه الدول والحروب القائمة بين الكثير منها وموالاة معظمها لليهود والنصارى بل استغراق بعضها كليًا في احضان القوى المعادية لله وللوسلام.

إن سوء احوال المسلمين اليوم وهم على هذه الكيفية التي وصفناها دليل

41 سورة الأنبياء آبة رقم‎ )١( 017 (؟) سورة المؤمئون آية رقم‎

بوه"

على بطلان وفساد هذا الواقع. ولا يخفى على أحد أن عظمة الإسلام والقرآن عندما قرر فى هذه الآية بأننا أمة واحدة لا يوافق الأوضاع القائمة اليوم في العالم الإسلامي. حيث اختفت وحدة المسلمين واختلفت كلمتهم وضاعت هيبتهم ولم يعودوا يرهبون اعداء الله. ولم يعتصموا بحبل الله جميعًا.

وما معنى قوله تعالى: #واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم: وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم وأنتم لا تظلمون4”'', هذا النداء القرانى يشير صراحة إلى أن أمة المسلمين أمة واحدة» وكيف يتحقق معنى ارهاب الاعداء ونخوفهم من خلال قيادات عديدة وحكومات متنازعة» وكيف يمكن اعداد تلك القوة المميزة وفي مقدمة مواصفاتها أن تكون في مستوى يحقق الرهبة والخوف للعدو وردعهء فيكف عن عدوانه ويحل السلام من خلال التفوق الإسلامي في القوة العسكرية الذاتية الصنع» والسؤال لو أن الله سبحانه وتعالى يؤيد وجود الدول الإسلامية المسبتقلة عن جسم الدولة الإسلامية على النحو الذي نراه في عصرناء فهل يتحقق معنى القوة الإسلامية؟ اعتقد أن الإجابة بالنفي والصحيح أن النداء موجه إلى أمة واحدة بقيادة سياسية ودينية واحدة تتكامل فيها مواصفات الدولة الإسلامية والتى فى مقدمتها اعداد القوة القاهرة للاعداء والمرهية لغير المسلمين» ولن يتحقق هذا المعنى إلا إذا كانت تلك القوة من انتاج العقل والعمل الإسلامي بدرجة تفوق أي قوة أخرى في العالم حتى تكون السيادة للإسلام» وهل يمكن أن يتحقق ارهاب اعداء الإسلام من خلال الاعتماد في التسليح على غير المسلمين والآية الكريمة عندما قررت اعداد القوة العسكرية إنما وضعت الأمة امام مسؤولياتها وضرورة الأخذ باسباب العلم التجريبي حتى يتحقق استعلاء أهل الإسلام على غيرهم ولا يتم ذلك إلا من خلال العلم والبحث الجاد في كل اسباب التقدم. وهذا لن يكون في ظل الانقسامات القائمة والدويلات الهزيلة الحالية والتي لا يتحقق من وجودها أي معنى )

سورة الآنفال آية رقم‎ )١( لمانا‎

أين أثر المليار مسلم و 8 مليون كيلو متر مربع مساحة اراضيهم» ليس لهم حول ولا قوةء إن الجهاد فريضة محكمة فيها صلاح حال المسلمين» فليجاهد المسلمون ضد القوى المعادية حتى يكون الدين كله لله رب العالمين وصدق الله العظيم إذ يقول: «وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير» ”2 والحمد لله رب العالمين.

19 سورة الآنفال آية رقم‎ )١( ١

المراجع

أولاً: ثبت بالمخطوطات العربية:

ابن أيبك

ابن بهادر

ابن الجوزي

ابن دقماق

أبو حامد

(توفي ؟"لاه/ 0) ابو بكر بن عبدالله ١‏ كنز الدرر وجامع الغرر) دار الكتب المصرية رقم 4141 تاريخ أج. ”"- (دور التيجان وغرر تواريخ الأزمان) دار الكتب المصرية رقم 189 تاريخ (عاش في القرن التاسع الهجري/ الخامس عشر الميلادي) محمد ابن محمد بن بهادر: (فتوح النصر في تاريخ ملوك مصر) دار الكتب المصرية رقم ل/491 تاريخ سبط (توفي سنة 764ه/ 171617م) ابو المظفر شمس الدين يوسف بن قزأوغلي» (مرآة الزمان في تاريخ الأعيان). (توفي 94١٠8/ه/‏ 14107م) صارم الدين ابراهيم بن محمد ابن ايدمر العلائي: «الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين؟ دار الكتب المصرية رقم 1015 تاريخ (توفيى ١84ه/‏ 1413م) محمد أبو حامد: «دول الإسلام الشريفه البهية وذكر ما ظهر لي من حكم الله الخفية في جلب طائفة الأتراك إلى الديار المصرية)» دار الكتب المصرية رقم 1١‏ تاريخ (عاش في القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي) أبو محمد بن عبدالله بن أحمد بن علي : «قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر» دار الكتب المصرية رقم 45٠١‏ تاريخ (توفى 48لاه/ 1748م) أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان قايماز شمس الدين: «تاريخ الإسلام وطبقات المشاهير والاعلام» دار الكتب المصرية رقم ١107‏ تاريخ

انكض

العيني القرماني الكتبي النويري

(توفي 440ه/ ١1150١م)‏ بدر الدين «عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان» دار الكتب المصرية رقم ١9084‏ تاريخ

(توفي 5١١٠١ه/‏ ١111م)‏ أبو العباس أحمد: «أخبار الدول وآثار الأول» دار الكتب المصرية رقم 197١‏ تاريخ

(توفي 54لاه/ “17*7م) محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن فخر الدين: «عيون التواريخ» دار الكتب المصرية رقم ١4917‏ تاريخ (توفي الالاه/ 11787م) شهاب الدين أحمد: «نهاية الأرب في فنون الأدب» دار الكتب المصرية رقم 044 معارف عامة.

ثبت بأسماء المصادر:

ابن الأثير

ابن اياس

ابن العماد

ايبن الفرات

ابن تغري بردي ابن خلدون

ابن كثير

علي بن محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني ٠عثااه).‏

١‏ الكامل في التاريخ ١١‏ جزءًا بيروت 785١اه/‏ 1555م. محمد بن أحمد ١97ه)‏ «بدائع الزهور في وقائع الدهور» طبعة بولاق القاهرة 14م.

عبد الحي الحنبلي» أبو الفلاح 85١1١ه)‏ اشذرات الذهب في أخبار من ذهب» أجزاء .

ناصر الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن أحمد بن محمد 1 ه) «تاريخ الدول والملوك؟.

أبو المحاسن جمال الدين يوسف 474ه) النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ١‏ جزء طبعة دار الكتب المصرية.

عبد الرحمن بن خلدون المغربي «العبر وديوان المبتدأ والخبر؛ لا اجزاء. المطبعة اليزيديه بالقاهرة 11784ه.

اسماعيل بن عمر القرشى الدمشقى ؛/الاه) البداية والنهاية «مكتية المعارف بيروت 1987م. 2

ابن عبد الحق البغدادي : عبد المؤمن: 9"الاه) مراصد الاطلاع على اسماء الأمكنة

أبو الفداء

أبو بكر

والبقاع» دار احياء الكتب العربية القاهرة *ا/111اه/ 14ام.

عماد الدين اسماعيل بن على بن محمود بن محمد ابن عمر ابن

أيوب ااثالاه) «المختصر فى أخبار البشر» طبعة القسطنطيئية ل

دار الطباعة الشهانية ١178١اه.‏

الناصر» القاهرة ٠95١م.‏

شهاب الدين عبد الرحمن بن اسماعيل اتراجم رجال القرنين ون

السادس والسابع الهجريين المعروف بالذيل على الروضتين.

أبو الفوارس العدوي : عمر بن مظفر بن عمر بن محمد المصري رت 49لاه) اتتمة

المقريزي

المختصر في أخبار البشر ‏ القاهرة 1786ه . تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر ين محمد ابن ابراهيم ابن محمل بن تميم 8465ه).

١ت‏ #السلوك لمعرفة دول الملرك» تحقيق د. زياده طبعة القاهرة 4 ١154م.‏

"- «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار» مطبعة القاهرة ها محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الفارقي الدمشقي 8غكلاه) #تاريخ دول الإسلام» الجزء الثاني طبعة حيدر أباد اه وطبعة دار اححياء التراث الإسلامى ‏ الدوحة/ قطر. قطب الدين آبى الفتح موسى بن محمد بن أحمد قطب الدين البعلبكي الحنبلي «الذيل على مراآة الزمان؛ طبعة حيدر أباد. الركن 4 -١195م.‏ كمال الدين أبي الفضل عبد الرازق بن الفوطي «الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة» طبع المكتبة العربية ‏ بغداد لالها. رشيبد الدين فضل الله «جامع التواريخ» طبعة القاهرة ١٠5١م‏ اليمنى 58لاه) (مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان». محمد بن عبد المعطي ١5١٠ه)‏ (أخبار الأول فيمن تصرف فى مصر من أرباب الدول» طبع القاهرة 1١*1١اه.‏ أبو العباس أحمد القلقشندي ١41ه)‏ «صبح الأعشى في صناعة الانشأ» المطبعة الأميرية ‏ القاهرة 775١ه.‏

م.م. رمزي: «تلفيق الأخبار وتلقيح الآثار» المكتبة الكريمية والحسينية سئة 1954م.

المراجع الحديثه

جمال الدين سرور: دولة الظاهر بسبرس وحضارة مصر في عصره (القاهرة م)

1 «دولة بني قلاوون في مصر» القاهرة لاغقام. ا

حافظ احمد حمدي: «الشرق الإسلامي قبيل الغزو المغولي/ القاهرة ٠946١م.‏

سعيد عاشور

ستيفن رنيسمان ديل «(شارل)»

دكتور

١‏ الحركة الصليبية الطبعة الثائية ١191م‏ مكتبة الانجلو المصرية. «العصر المماليكي في مصر والشام» دار النهضة العربية ٠156م.‏ القاهرة.

جان دي: «القديس لويس» ترجمة د. حسن حبشي - القاهرة ‏ دار المعارف بمصر 1954م.

دكتور

١‏ العدوان الصليبى على مصر.

7 دار الكتب الجامعية 1979م طبعة أولى.

دكتور: «حملة القديس لويس على مصر والشام؛ القاهرة مطبعة الاعتماد 646ام.

«تاريخ الحروب الصليبية؛ ترجمة الباز العريني ‏ بيروت 1919م. البندقية جمهورية ارستقراطية» ترجمة د: احمد عزت عيد الكريم وتوفيق اسكندر ‏ القاهرة 114م.

ياقوت الرومي الحموي: توفي 5177ه/ 1778م) أبو عبدالله ياقوت بن عبدالله الملقب

فايد عاشور

شهاب الدين: #معجم البلدان» القاهرة 17377 176اه. الدكتور: «العلاقة بين البندقية والشرق الأدنى الإسلامي في العصر الأيوبي» دار المعارف الاسكندرية ٠198م.‏

لضن

رابعا: المصادر والمراجع الأجنبية

5-31 ,مع ل7اطنامع] مماعمء؟ عط .11 ,سوم

ههه (1097-1297) .قع0ناقناك عطا ]0 [02غؤة عط1 .ية ,مقععن2 1963

ع0 ععصتع] عمتاددولزع؟ دحل أء مغزلمع دعل عم مأوت .عمعظه .أعنسممت .1934-6 15صوم"' ,7015 3 .صم [ةكتارعز

.2026 126 .تاقاقط طتاهآ 01 تتماولط .11 .1 .صمعك1 ب 20102ه.,آ 4 1026نا01؟ 0طة ,1854 ههلده.] .3

طعلا200 311 أطولع1 011 ع7626تدرمت نحل 111501236 .عتسسددالأد © ,ليرع11 2:8مخ31آ .عونم

1 قاعة2 .256165هلإ10 مقلتتاسسقطه]8 :وعلسقاك .عاممم عسمآا

.1 ,بوعع01

5 2008م.]آ ,ععتصء؟ آه بحاماة عط" - 1

.0 02008.آ ,56059 115 320 عع1مه7 -2

.1 2 رقعع شك 0116تتطغطا مذ عه أعة عط 01 برمأقتط لل .ن) رسقس) 4 10002

عل عة1 لاتنامنهفم أمع ندل عمع تمدن دوع[ نع تقاكنة) رععععءطمسسلطع5 .6 كعة2 .أمبروظ ده مع لةكتائعز

.1958 متسهازعهدم ععلددنسك عط كه زرمغكتطة :(.1.111) ممغاعد 07 ,مم18 طصصة0 8351 معطا هأ 02053565 عط1 .8 .آلآ رسمقد 56 11

.0 مملهمنآ .ععادء؟ أه ولخ -1

4 2005م.آ ,ععامء7 -2

مملممآ .وعوة عاللتط عطا صذ غملاو8 أه لرمائتط كى نزعاووظ عسما .136

رمكتبة لسار العرب

لمع عوط ؟ | . نثانثا/نا

كنا

يسم الله الرحمن الرحيم

محتوى الكتاب

المقدمة ا ل لخ و 1 الفصل الأول : الجهاد في الاسلام 000000 الفصل الثاني : ظهور دولة المماليك 7266 الفصل الثالكث : انتصار الاسلام في عين جالوت ٠7١١م 1١/7‏ الفصل الرابع : الجهاد في عصر السلطان الظاهر بيبرس ضد

الصلبيين ا 0 ااا الفصل الخامس2 : الجهاد في ايام السلطان قلاوون الالفي 14م" الفصل السادس 2 : تحالف الصليبين مع الحبشة ضد الاسلام 0 يق الفصل السابع : جهاد المماليك ضد أرمينيه المبغرى الصليبية ا الفصل الثامن 2 : علاقة دولة المماليك في مصر والشام مع قبرص .../7094-188 الفصل التاسع : الجهاد ضد التتار في عصر الظاهر بيبرس م الفصل العاشر : جهاد السلطان قلاوون الالفي ضد التتار 51-940 الفصل الحادي عشر : الجهاد ضد التتار في عصر السلطان الناصر

محملك بن قلاوون ا 0لا الفصل الثاني عشر : حملة تيمورلنك على بلاد الشام با 0 الخاتمة مويل الفاح المامة اامواتووة اجون واو ا ف ا اه 1 المصادر والمراجع : ااا

تم يحمد الله

لون